مقالات

آل البيت في قلب المصريين


بقلم الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

كانت أرض مصر هي الأرض المناسبة لانتشار وازدهار علوم الدين الاسلامي التي شملت كل جوانب الحياة والمجتمع كما جاء به وفصّله أهل بيت رسول الله (ص) وتلقاه الناس عنهم وانعكس على حياتهم, أو قل أن مرامي الدين الاسلامي الحنيف وجوهره الشريف وآدابه النبيلة وأخلاقياته السامية وتوجهاته في بناء المجتمعات والحضارات وعمارة الارض كانت تحتاج الى تربة خصبة ثرية وشعب عريق موسوم بالحيوية والحضارة الضاربة في أعماق التاريخ لينمو عليها آخر الأديان السماوية ويؤتي ثماره الى العالم من على أرضه.

بعد موقعة كربلاء ومقتل سيدنا الحسين رضي الله عنه ، أيقن يزيد لعنه الله عليه ، أنه قد نال من الأمام الحسين وأهل بيته بقتلهم وذبحهم في صحراء كربلاء القاحلة , لكن جواب السيدة زينب عليه ورباطة جأشها دفعه إلى أن يخرجها من البلاد ويطلق سراحها ومن معها.

أبصرت السيدة زينب ومعها أخواتها وبناتها أين تذهب في أرض الله الواسعة ، فأهل المدينة خلوا بهم ولم ينصروهم من يزيد وجنده ، كذلك أهل مكة وعلى أرض العراق قتلوا وذبحوا وإلى الشام أخذوا أسرى ، ولم تجد السيدة زينب من كل بلاد الله أرضا تستضيفها وتحميها من بطش يزيد وجلاوذته غير أرض مصر !!! فقررت الهجرة إليها, تماما كهجرة جدها المصطفى (ص) إلى يثرب قبل أربعين عاما من بطش قريش وأهلها معه وأصحابه, وهكذا ولت العقيلة وجهها شطر أرض الكنانة علم أهل مصر بقدوم آل بيت رسول الله (ص) إلى بلادهم .. فذاب قلب مصر في جوفها…..وخرج أهلها أفواجا ليكونوا في إستقبال آل بيت رسول الله (ص) ويالها من كرامة وياله من شرف أن يتخذ أولاد رسول الله (ص) من أرض الكنانة مقرا ومستودعا لهم, ومن ثم كان اللقاء عند قرية بلبيس بمحاقظة الشرقية الآن وأحاط أهل مصر بأولاد رسول الله (ص) السيدة زينب عقيلة بني هاشم والسيدة أم كلثوم أختا الامام الحسين والإمام علي زين العابدين بن الحسين والسيدة سكينة والسيدة فاطمة النبوية بنتا الامام الحسين واحتضنوهم وفي القلب والعين أسكنوهم, وكان المصريون يداومون على زيارة عقيلة بني هاشم يلتمسون بركتها وينهلوا من علمها وفقهها الذي هو تراث جدها المصطفى (ص), ثم كان من بعدها قدوم السيدة السيدة نفيسة رضي الله عنها وأرضاها من مدينة رسول الله (ص) إلى أرض مصر, وكالعادة خرج الرجال والنساء بالهوادج والخيول لاستقبال السيدة نفيسة العلم وكان اللقاء عند مدينة العريش وعادوا بها إلى الديار فرحين مهللين, وكانت مجالس العلم والفقه تعقد في دار السيدة نفيسة رضي الله عنها وارضاها ويحضرها كبار العلماء ورجالات الدين في مصر.

أفواج أهل البيت إلى مصر

إن أول فوج قدم إلى مصر هو فوج السيدة زينب، وكان معها الإمام على زين العابدين بن الإمام الحسين، وفاطمة النبوية بنت الإمام الحسين، والسيدة سكينة عام 61هـ.
حدث ذلك بعد مقتل الإمام الحسين، رضى الله عنه، وصدور أوامر بنى أمية بهجرتها، فجاءت السيدة زينب وتلقاها والى مصر مسلمة بن مخلد، وأعطاها داره، وبه دفنت فى حجرتها بقناطر السباع والذى عرف بحى السيدة زينب، حيث توفيت فى 15 رجب من سنة 62هـ.
أما والى المدينة المنورة- قبل المنصور- الإمام الحسن الأنور بن زيد الأبلج بن الإمام الحسين، فقدم إلى مصر بعد أن فتن عليه رجل اسمه أبو ذئيب وسجن وخرج من السجن، ثم جاء ومعه السيدة نفيسة زوجة إسحق المؤتمن سنة 159 هـ، وظلت بمصر وماتت بها ودفنت فى قبرها فى المقام المعروف حاليا بمسجد السيدة نفيسة. وفى الفوج الثالث السيدة عائشة بنت جعفر الصادق.
بعد ذلك توافد الأشراف إلى مصر من الحجاز والعراق والمغرب، ومنهم السيد البدوى الذى جاء جده «على» من المغرب إلى مكة ثم إلى مصر ودفن بطندتا «طنطا الحالية»، ثم الأمير يوسف المغربى أمير مكة سنة 537هـ، وجاء إلى مصر وصار أميرا بكوم الخنزير- كفر الأشراف حاليا بمحافظة الشرقية- ومات ودفن بها.
وهناك أيضا فوج سيدى عبدالرحيم القنائى الذى جاء من المغرب إلى الحجاز ثم إلى قنا بمصر ومات فيها، ثم فوج السيد محمد أبو جعافر بن الأمير يوسف المغربى المولود سنة 558هـ. ، وهناك فوج قدموا من المغرب أحفاد سيدي ومولاي إدريس بن عبدالله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن ابي طالب زوج فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفاد سيدنا الحسين رضي الله عنه وأرضاه.

وأصبح فى جميع بلدان القطر المصرى نسل الإمام الحسن «الحسنيين»، وأبناء الإمام الحسين «الحسينيين»، وأبناء جعفر الطيار، وأبناء عقيل بن أبى طالب، وأبناء العباس بن عبدالمطلب، وأبناء الحارث.

فصحيح أن لأبناء علي (عليه السّلام) شئونا كبيرا، و صحيح أنّ أحدا غيرهم عجز أن يبلغ ما بلغوه من سموّ و رفعة، و جلالة و تقدير جماهيري واسع، و لكن الصحيح أيضا أنهم لم يدركوا هذا المقام السامي إلّا بتوافرهم على الورع و التقوى، و العلم و الشجاعة و الخلق الحميدة ! فهم لم يكتسبوا تقديس الناس و تجليلهم بسبب نسبهم الشريف فحسب، بل بما بذلوه من جهود في ترويض نفوسهم، و تهذيبها من كلّ علائق الدنيا الدنية.

إذ هم يجالسون العلماء و الحكام، يقعدون مع الفقراء و يأكلون مع المساكين أيضا.

و إذ هم يهدون الناس إلى النور، و يمسحون عنهم غبار الجهل، تراهم يمدّون المحتاجين بما يقدرون عليه، و لم يحتفظوا لأنفسهم شيئا سوى القليل! و هكذا برزوا مصاديق حيّة للشريعة المعطاة، و مشاعل نيّرة تضي‏ء درب المحرومين.

و التاريخ خير شاهد على ذلك، حيث يؤكد على الدور الكبير الذي لعبه أبناء علي في نشر مفاهيم الدين الصحيحة في ربوع الأرض الإسلامية، و ترويج الثقافة السليمة حيثما حلّوا، و أينما نزلوا.

و ليس هذا الكلام ينطبق على الأجداد العظام الذين ضمّوا جملة معان رفيعة في أدقّ تفاصيل حياتهم، و جسّدوا أوامر الشريعة، بل ينسحب إلى أبنائهم و أحفادهم، فضلا عن حواريّهم و تلاميذهم، حتّى صاروا يمثّلونهم في المحافل المختلفة.

و إذا ما تأملت الأمة مواقف الأحفاد- فضلا عن الأبناء- تجده امتدادا حقيقيا لسلوك و مواقف جدّهم الأعلى: علي بن أبي طالب (عليه السّلام) الذي كان يعدّ أحد أبرز و أعظم و أهمّ تلاميذ و حواريّي الرسول الأكرم (صلّى اللّه عليه و آله)، و بالتالي سوف تعود الأمة إلى وعيها الذي كادت تفقده، و ترجع إلى تراثها الذي أهملته، فتستمدّ منه أروع الدروس و العبر من أجل بناء حياة أفضل لأجيالها المتلاحقة.

هؤلاء هم آل بيت رسول الله في مصر وهذه مساجدهم وديارهم إلى اليوم يقصدها الملايين صباحا ومساء يرقبون فيهم رسول الله (ص) عملا بقوله (ص) ارقبوا محمدا في أهل بيته.

وعلى أرض مصر نمت وترعرعت شجرة أهل بيت النبوة, وتدلت أغصانها وتهدلت واستظل الناس قرونا ومازالوا بتلكم الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها لأهل هذا البلد الطيب الذي يخرج نباته بإذن ربه, ومن ثم كانت قاهرة المعز لدين الله الفاطمي, وكانت الدولة الفاطمية اكبر وأعظم دولة في التاريخ والتي قامت على أسس وتعاليم الإمام جعفر الصادق سادس أئمة أهل البيت عليهم السلام, وكان الجامع الأزهر منارة الحكمة والمعرفة وكعبة العلم لكل اقطار الارض, وقد قام شيوخ الجامع الازهر وعلمائه أمثال الشيخ محمود شلتوت والشيخ سليم البشري والشيخ عبد المجيد سليم والشيخ عبد الحليم محمود والشيخ الغزالي بحفظ التراث النبوي لآل بيت رسول الله (ص) من خلال مئات الكتب والمؤلفات التي ذخرت بها المكتبة الاسلامية.

عبر التاريخ منذ وصول الصحابة وآل البيت – رضى الله عنهم – إلى مصر، ولآل البيت عند المصريين تقدير وقداسة خاصة، وتعلُّق قلوب المصريين بأولياء الله الصالحين وأضرحتهم شاهد على ذلك.

وفي مدينة القاهرة، مدينة الألف مئذنة التي يعود تاريخ إنشائها إلى مراحل الفتوح والغزو الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص عام 641م. وإنشائه مدينة الفسطاط، ثم إنشاء العباسيين لمدينة العسكر، فبناء ابن طولون لمدينة القطائع، ومع دخول الفاطميين مصرَ قادمين من المغرب، شرع القائد جوهر الصقلي في بناء العاصمة الجديدة للدولة بأمر من الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في عام 969م. وأطلق عليها اسمها الحالي ولازال، وذلك وفق ما ذكر عبد الرحمن زكي في كتاب “بناة القاهرة في ألف عام”، الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب.

وجدت طريق الأولياء أو شارع الأشراف كما يطلقون عليه، كونه يحوي أضرحة ومقابر أحفاد النبي من نسل الحسن والحسين، ومقامات عدد من الأولياء الصالحين، فمن حيّ الخليفة بمنطقة السيدة زينب وتحديدًا من مقام علي زين العابدين أو علي السجاد يبدأ الطريق، وينتهي عند ضريح السيدة نقيسة، نفيسة العلوم، ابنة الحسن الأنور بن زيد بن الحسن، حفيدة الرسول، مرورًا بضريح ومقام الست، أم العواجز، الرئيسة، صاحبة الشورى، السيدة زينب بنت علي أو زينب الصغرى كما يطلق عليها، ثم أضرحة كلٍّ من السيدة رقية ابنة الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن جعفر الصادق، والسيدة عاتكة ابنة نفيل العدوية زوجة عبد الله بن أبي بكر الذي كان واليًا على مصر، ثم لعُمر بن الخطاب، فالزبير ابن العوام، وكذلك إلى جوار مقامها يرى مقام السيد علي الجعفري بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين، وهو شقيق السيدة عائشة صاحبة المسجد الشهير بالقاهرة، وبجوار مقامه يسكن ضريح السيدة سكينة بنت الامام الحسين، حفيد النبي، والتي نزلت مصر مع عمتها السيدة زينب بنت علي وبقية آل البيت بعد موقعة كربلاء.

لا أحد أعطى للعالم مثلما أعطى آل البيت، هم عبارة عن أقمار متلألئة فى العالم مثل مصابيح الإنارة، ولذلك وزعهم الله تعالى فى الأصقاع، بصلواته وبعادته وأدبه وأخلاقه.
وروى الإمام مسلم فى صحيحه عن النبى: «إنى خلفت فيكم الثقلين إن تمسكتم بهما لن تضلوا كتاب الله وعترتى أهل بيتى»، ثم حث على أهل بيته، فقال ثلاث مرات «أذكركم الله فى أهل بيتى».

وفيما يتعلق بحكم من أبغض آل البيت، روى عن الإمام على كرم الله وجهه، أنه قال لمعاوية بن أبى سفيان: إياك أن تبغضنا فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنه من يبغضنا نحن آل البيت يذب عن الحوض بسياط من نار».∎

وسبق أكدت دار الإفتاء المصرية مرارا وتكرارا، أن المسلمين أجمعوا على أن للنسب النبوي الشريف مزية على غيره من الأنساب، في الدنيا والآخرة، وأن محبة آل البيت النبوي ومودتهم من الإيمان، ولا علاقة لذلك بالمغالاة المنهي عنها؛ فإنها لا تكون في المحبة، وإنما تكون في الاعتقاد.

وأضافت الدار في بحث لها، جاء الشرع الحنيف بالأمر بحبّ آلِ بيتِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فقال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23]، وصح عن سعيد بن جُبَيرٍ رحمه الله تعالى أنه قال في معنى هذه الآية: “لم يكن بَطنٌ من قريش إلا كان له فيهم قرابة؛ فقال: إلا أن تَصِلُوا ما بيني وبينكم مِن القرابة” اهـ، فهذا إيصاء بقرابته صلى الله عليه وآله وسلم يأمُرُه الله تعالى أن يبلغه إلى الناس.

وأمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم بحب آل بيته والتمسك بهم، ووصانا بهم عليهم السلام في كثير من أحاديثه الشريفة.

دور القيادة السياسية المصرية في تطوير أضرحة ومقامات آل البيت

وجه الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، بترميم وتجديد مقامات وأضرحة آل البيت، خاصة ضريح السيدة نفيسة، والسيدة زينب، والسيد الحسين، بشكل متكامل.

وقالت الرئاسة المصرية، في بيان لها، إن الرئيس السيسي اجتمع مع رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، اللواء إيهاب الفار، وأن التوجيه شمل ترميم الصالات الداخلية بالمساجد وما بها من زخارف معمارية راقية وغنية، تماشيا مع الطابع التاريخي والروحاني للأضرحة والمقامات، وذلك جنبا إلى جنب مع تطوير كافة الطرق والميادين والمرافق المحيطة والمؤدية لتلك المواقع.

وقال نقيب الأشراف، إن اهتمام الرئيس السيسي بتطوير أضرحة ومساجد آل البيت يؤكد حرصه الدائم على تطوير واجهة مصر الحضارية الإسلامية، مشيرًا إلى أنها سيكون لها شأن مختلف عقب تلك التوجيهات وسنرى تُحف معمارية قيمة بعد الانتهاء من ترميمها وتطويرها، وهذا ما عهدناه من رجال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة الذين أسندت إليهم تلك المشروعات.

وأشار نقيب الأشراف، إلى أن تطوير الطرق والميادين والمرافق المحيطة بمساجد آل البيت ستجعلها أكثر جذبًا للزائرين وأسهل فى الوصول إليها، مما يعيد إلى تلك المساجد والأضرحة مريديها من جديد من كافة أنحاء الجمهورية.

ودعا نقيب الأشراف، المولى أن يديم على بلادنا نعمتي الأمن والأمان، وأن يوفق قادتها لما فيه صلاح العباد وأمن البلاد، وأن يجزي قائدها خير الجزاء على ما قدمه ويقدمه كل يوم من إنجازات، وأن يحفظ أهلها وجيشها ورجال أمنها من كل مكروه وسوء.

وأكد رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية على دعم الدولة المصرية والقيادة السياسية فى مواجهة مخططات الهدم، موضحا أن استثمار التصوف وتنقيته مما قد يصيبه من شوائب سوف ينعكس إيجابيا فى كافة مجالات العمل والإنتاج والتقدم والحضارة فلقد كان التصوف هو رأس مال المسلمين الأوائل من التجار فى علاقاتهم الاقتصادية مع الشعوب الأخرى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى