تقارير و تحقيقات

خبراء: تضارب مواد الدستور يعيق تطبيق الميراث بالشريعة المسيحية

جورجيت شرقاوي

تتزاحم أروقة المحاكم بقضايا الميراث، وعلى الرغم من أن الدستور ينص على الاحتكام للشرائع السماوية لغير المسلمين في الأحوال الشخصية، إلا أن استمرار الجدل لتطبيق هذه النصوص حتى يتم اللجوء إلي الدستورية العليا كفيصل بين القوانين ولتطبيق قواعد الميراث طبقا للشريعة المسيحية وإزالة كل القوانين التي تخالف نص المادة الثالثة من الدستور.

«اليوم» تستمر في رصد بعض الأحكام في قضايا الميراث والتي تعد انتصارا لتطبيق الدستور في قضايا الميراث التي عاني منها بعض الأقباط طوال السنوات والتي مازلت تؤرقهم و ما المعوقات الحالية التي مازلت تقف في خلقهم و تحيلهم دون التنفيذ  .

فراغ تشريعي

و قال أيمن محفوظ المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة، إن الدستور هو أعلي مراتب القوانين ولابد ألا يخالف أي نص قانوني آخر المبادئ التي وضعها الدستور  ومن الإشكاليات علاقة القانون بالدين وحيث أن المادة 2 من الدستور تنص علي أن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.

ونجد أن المادة 3 مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية ،وكان لابد من حل المعضلة التي  يتصورها  البعض.

و أضاف “محفوظ” ، أن الشريعة الإسلامية مهيمنة علي حياة المسيحيين وظهرت مطالبات بأن يكون الشأن المسيحي غير خاضع في كل الأحوال للشرائع الإسلامية لكني لم أجد في شريعة المسيحيين نظام قانوني لتنظيم المواريث أو كان هناك اختلاف في الملة أو الطائفة  فكان علي الشريعة الإسلامية أن تتصدي للفراغ التشريعي في هذا الشأن ولكن لو كان هناك نظام كنائسي أو  اجتماعي سائد فلا مانع من تطبيقه ولكن إذا كان يحتاج إلي تشريع قانوني جديد أو حكم من المحكمة الدستورية العليا بالحكم بعدم دستوريه هذا القانون وهذا ما دفع به دفاع بالطلبات الواردة للطلب ذلك الطلب فرأت محكمه الموضوع وقف السير في الدعوي الأصلية وإحالة الأمر للمحكمة الدستورية بصحة أو عدم دستورية تلك القانون وحتى تفصل المحكمة الدستورية، بحكمها.

ورأى محفوظ أن من حق المسيحيين أن يشرعوا لأنفسهم ما يرونه مناسبا من قوانين وكون المادة 2 من الدستور لا تمنع ذلك الطلب لاعترافها بحقوق الغير في تنظيم شئونهم الدنيوية وإن كان الإسلام يعمل علي حرية الفرد المسلم علي أن يعمل ما يراه صالحا لدنياه ، كما قال سيدنا محمد أنتم أعلم بشئون دنياكم ، طالما كان ذلك لا يخالف فطرة إنسانية سوية وطالما ارتضي المجتمع المسيحي أو أغلبه هذا النظام ويكون تشريع المسيحيين بأيديهم ويقر الدستور والقانون ذلك.

و أكد “محفوظ” ، أنه أمر يرحب به الإسلام بل لم يكن الإسلام ليفرض رؤيته علي أحوال المسلمين وغير المسلمين واعتقد انه قد آن الأوان لتقديم مشروع قانون مسيحي خالص لينظم شئونهم الحياتية ، بدل من انتظار حكم المحكمة الدستورية الذي تبحث فيه هل هناك توافق بين النص المطعون فيه والدستور من عدمه دون أن يكون علي المحكمة عبء أن تبحث ملائمة القانون للقيم العدالة فلم يأتي الإسلام ليجور علي أفكار وعادات غير المسلمين بل الإسلام يسمح بالتعددية التنظيمية ولم يأتي لإجبار نظامه علي غير المؤمنين به.

فخلاصه القول مطالب المسحيين توافق وتتطابق مع مبادئ الشريعة الإسلامية ووجب إصدار تعديل تشريعي في اقرب وقت.

و تجاذب المستشار نبيل عزمي أطراف الحديث ، فقال إن هناك مجموعة قوانين مقيدة لحق الميراث ، يطبق الشريعة الإسلامية علي غير المسلمين باعتبارها العامة، إلي أن الفقرة الثالثة من الدستور أوجبت أن كل الطوائف يطبق عليهم شرائحهم الخاصة فيما يختص بشؤون دينهم، وفي هذه القضية نجد أن لدينا زوج توفي لديه بنتين وزوجة تاركا ثروة، و تم رفع قضية من العم بأحقيته في الميراث، و لم يرتضي البنتين بمشاركة العم للميراث وصدر حكم أول درجه في مادة إعلان الوراثة بأحقية العم للميراث وهو مخالف للائحة ٣٨ ، فتم الطعن علي الحكم بالاستئناف استنادا إلي المادة الثالثة في الدستور التي أوجبت أن الشريعة المسيحية واجبة التنفيذ ، فاستشعرت المحكمة بوجود مخالفة وتم إحالة القضية برمتها للمحكمة الدستورية العليا لإزالة العوار بين الدستور والقانون وأصدرت حكمها بإيقاف نظر إلي الاستئناف لتطبق الشريعة المسيحية و من المتوقع أن تستجيب للتطبيق .

و أضاف “عزمي” ، أنه يجب علي المحكمة التصدي إلي أي مخالفه القوانين وعددهم حوالي ٥ أو ٦ قوانين تتعارض وتخالف النص الدستوري.

و عند وجود مخالفه المحكمة تستجيب للطعن خاصة أن المحكمة من تلقاء نفسها أحالت القضية برمتها إلي المحكمة الدستورية العليا ، و هو حكم فريد يطبق فيه المواطنة .

الكنيسة مرتفعة عن مستوى القانون

و من جانبه علق كريم كمال، الكاتب والباحث في الشأن السياسي والقبطي، أن الكنيسة في بداية عصر التقنين الحديث صدر “أمر عالي” بإصدار لائحة ترتيب واختصاصات مجلس الأقباط الأرثوذكس العمومي بتاريخ 14 مايو 1883، تلاه صدور عديد من اللوائح المنظِّمة للأحوال الشخصية لمتحدي الملة والطائفة، كالأقباط الإنجيليين والأقباط الكاثوليك. وكانت المجالس الملية هي المختصة بالحكم فى الوراثة وتطبق مبادئ الشريعة المسيحية.

وأضاف كمال أن محكمة النقض قضت في السنوات الأولى لنشأتها في الحكم الصادر في الطعن رقم 9 لسنة 4 قضائية أن “القاعدة الأساسية في مواريث المصريين غير المسلمين أنها تُجرى وفق أحكام الشريعة الإسلامية ما لم يتفق الورثة الذين تعترف الشريعة بوراثتهم ويتراضون على غير ذلك”، والقانون الصادر في 14 مايو سنة 1883 بترتيب مجالس طائفة الأقباط الأرثوذكس، وبيان اختصاصها، لا يشذّ عن تلك القاعدة، بل إن المادة 16 منه، وهى التي أشارت إلى مسألة المواريث، لم تنص على أن الحكم فيها يكون حسب الشريعة المسيحية، بل نصت على اختصاص تلك المجالس بالحكم فى الوراثة متى قَبِل كل الورثة باختصاصها.

وأوضح كمال أنه في غضون عام 1938 صدرت لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس، التى أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في أول بشنس سنة 1654 الموافق 9 مايو سنة 1938، ويتضمن الفصل الحادي عشر منها أحكام الميراث، حيث ينظم كيفية توزيع الإرث وفقًا لمبادئ الشريعة المسيحية، لكن في عام 1943 صدر قانون المواريث رقم 43 لسنة 1943 الذي ينص على تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في المواريث. ثم تنبه المُشرِّع إلي وجود منتمين إلى ديانات أخرى بمصر، فهرع بإصدار القانون 25 لسنة 1944 ببيان القانون الواجب التطبيق فى مسائل المواريث والوصية لغير المسلمين، ليقرَّ أن الأصل هو تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، والتي تقرُّ تطبيق مبادئ الشرائع الأخرى على أصحابها في الميراث والوصية، شريطة أن يتفق أصحاب الشأن أن يكون التوريث طبقًا لشريعة المتوفَّى، بمعنى أنه إذا لم يتفقوا على ذلك تكون الشريعة الإسلامية واجبة التطبيق.

وأشار إلى أن القانون المدني 131 لسنة 1948، تعرض لمسألة الإرث كأحد الأسباب الناقلة للملكية، ولأن أغلب السكان من معتنقي الديانة الإسلامية، تم النص على إعمال أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة بشأنها، بما في ذلك قانون المواريث بكافة نصوصه وتعديلاته وملحقاته، أي تطبيق القانون رقم 25 لسنة 1944، والذي يقنن حكم الشريعة الإسلامية بتطبيق مبادئ الشرائع الأخرى على معتنقيها في مسائل الإرث.

ونوه كمال إلى أنه بالرغم من ذلك أُغفلت الشرائع الأخرى من التطبيق في مسائل الإرث، وتمسكت المحاكم بتطبيق مبتور لحكم المادة 875 من القانون المدني المقررة أن تعيين الورثة وتحديد أنصبتهم في الإرث وانتقال أموال التركة إليهم تسري في شأنها أحكام الشريعة الإسلامية والقوانين الصادرة بشأنها. وذلك رغم أن القانون رقم 442 لسنة 1955 بإلغاء المحاكم الشرعية والملية وهو قانون لاحق على صدور القانون المدني، أي ناسخ له، تضمن في الفقرة الثانية من المادة السادسة منه أن القانون الواجب التطبيق في منازعات الأحوال الشخصية لغير المسلمين متحدي الطائفة والملة ولهم مجالس ملية قبل صدور هذا القانون هو “شريعتهم”. وتطبيقًا لهذا النص تواترت أحكام محكمة النقض على أن أحكام الشريعة الإسلامية والتقنينات المستمدة منها تسري على جميع المصريين مسلمين وغير مسلمين، في شأن المواريث وذلك على ما تقضي به المادة 875 من القانون المدني، وأن قواعد التوريث وأحكامه المعتبرة شرعًا، بما فى ذلك تحديد أنصبة الورثة، تُعدُّ من الأمور المتعلقة بالنظام العام، وهو ما حال دون تطبيق الشرائع الأخرى على أصحابها فى مسائل الإرث.

وتابع:” بات تطبيق الشريعة الإسلامية في توزيع الميراث وتوزيع الأنصبة أمرًا مفروضًا على المصريات والمصريين المسيحيين، تطبقه المحاكم من تلقاء نفسها، حتى تناسى الأقباط أحكام شريعتهم المسيحية فى استحقاق وتوزيع الإرث وتوالت أجيال من الأقباط لا تعلم عنها شيئًا. وفي محاولة للتحايل على هذا الواقع الغريب، درج المسيحيون المصريون على التغاضي عمَّا يرد بإعلام الوراثة، والقيام بقسمة رضائية وفقًا لمبادئ الشريعة المسيحية بالمساواة بين الذكر والأنثى في الإرث. ومع هذا لاقت أحكام الشريعة الإسلامية قبولًا لدى قطاع كبير من الذكور المسيحيين، لأنها تمنحهم نصيبًا ضعف الإناث، وحاول بعضهم تبرير ذلك بأن لا إرادة لهم في الأمر، إنما هو قانون الدولة الذي تفرضه المحاكم”.

واستطرد:”عقب ثورة 25 يناير 2011 صدر دستور 2012، مقررة المادة الثالثة منه بأن مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود، المصدر الرئيسي للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية. لكن لم يبادر أي من أصحاب الديانات الأخري للمطالبة بتطبيق مبادئ شريعته في مسائل الإرث، رغم أن نص المادة جاء مطلقًا بتطبيق شريعتهم في أحوالهم الشخصية، ولم يشترط مطالبة وموافقة الأطراف على تطبيقها، كما في قانون الميراث، ثم صدر دستور 2014 متضمنًا المادة الثالثة في الحكم ذاته. وبالفعل في غضون عام 2016 صدر حكم عن محكمة استئناف القاهرة فى الاستئناف رقم 11666 لسنة 133ق من الدائرة 158 (أحوال شخصية) بتطبيق مبادئ الشريعة المسيحية في توزيع الإرث بين ورثة مسيحيين، والمساواة بين نصيب الذكر والأنثى وفقًا للمادة الثالثة من الدستور ونصوص لائحة الأقباط الأرثوذكس الصادرة 1938 وتعديلاتها

وأردف كمال:” الكنيسة لم تضع للميراث نظامًا محددًا، جاء أحدهم إلى السيد المسيح يقول له “يا معلم، قل لأخي أن يقاسمني الميراث”. فأجابه: “مَنْ أقامني عليكما قاضيًا أو مقسمًا؟”.. ثم قال “انظروا، تحفظوا من الطمع” (يو12: 13:15)”.

وأضاف كمال المسيحية لم تضع قوانين مالية، إنما وضعت مبادئ روحية، في ظلها يمكن حل المشاكل المالية وغيرها. وينطبق هذا على موضوع الميراث، مضيفا:” إن وجدت بين الأخوة محبة وعدم طمع، يمكن أن يتفاهموا بروح طيبة في موضوع الميراث”، مضيفا “بل كل واحد منهم يكون مستعدًا أن يترك نصيبه لأي واحد من أخوته أو أخواته يري أنه محتاج أكثر منه. انظر كيف كانت الأمور تجري في الكنيسة أيام الرسل، بنفس هذه الروح:”لم يكن أحد يقول إن شيئًا من أمواله له، بل كان عندهم كل شيء مشتركًا”، “ولم يكن فيهم أحد محتاجًا”، “وكان يوزع على كل أحد، كما يكون له احتياج” (أع4: 32:35).

واختتم قائلا:”هكذا عاشت الكنيسة مرتفعة عن مستوى القانون تدبر أمور أولادها في محبة وقناعه”.

فصل خاص للمسيحيين

بدوره أوضح “نبيل غبريال” المحامي بالنقض ، أن لائحة  ١٩٣٨ من الأحوال الشخصية ، من المادة ٢٣١ إلي ٢٥١ فصل خاص للمسيحيين بما فيها من تساوي بين الرجل و السيدة ، و لا يوجد عصب في الشريعة المسيحية، كما هو الحال في توزيع إرث علي الأرملة و أبناء المتوفي من الإناث بالتساوي بدون وجود ذكور خارج العائلة، وأن هناك نص خاص يقيد العام، و أن قانون الميراث العام يلغي أي نص يتعارض معه  فلم يقيده و لم يلغي اللائحة و لازال مستمرا.

و أضاف “غبريال” ، أن هناك مادة ١ فقرة ٢ أبطلها الدستور ، و لذلك في حاله اتفاق الأقباط علي تطبيق الشريعة المسيحية أمام محكمه الميراث ، فيتم التطبيق و حتى لو اختلفوا ، فيجب أن تطبق الشريعة المسيحية بنص القانون البحت .

وأشار “غبريال” إلى أن القانون المدني مادة ٨٧٥ و قانون ١ لسنه ٢٠٠٠ الإصدار العام الأصل للميراث ، فأن الشريعة الإسلامية هي التي تطبق و لذلك فهي مادة تتعارض مع الدستور، ولذلك ندفع بعدم دستورية المادة برغم وجود اللائحة صريحة ، لذلك يجب الالتزام بتطبيق لائحة الأحوال الشخصية المسيحية في الميراث حتى لو اختلف الخصوم في المواد ٢٣١ و ٢٥١ و لهذا لا يوجد قاضي في مصر يرد في الحكم أن الخاص يقيد العام فليس بها رد قانوني طالما وجد لائحة بها ، و برغم عدم الاحتياج للجوء المحكمة الدستورية العليا لان لائحة ١٩٣٨ و الفصل الخاص بالميراث لم يلغي و لم يتم تعطيله عام ١٩٤٦ .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى