تقارير و تحقيقات

صدفه حائرة بين سلطان وخديوي..أصل حكاية مدفع رمضان

سمر صفي الدين

“مدفع الإفطار..إضرب” جملة تقال بنبرة قوية يليها إطلاق صوت مدفع يدوي في الأرجاء، وبالرغم من كونه سلاح وبحجم ضخم وصوت مرتفع، إلا أن صوته كان يطرب الآذان لإرتباطه بشهر رمضان الكريم، معلناً إنتهاء يوم من الصيام وحلول وقت أذان المغرب.

لأول مرة منذ عام ١٩٩٢ ينطلق من جديد مدفع رمضان من قلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة.

إختلفت الأراء في تحديد البدية الفعلية لاستخدام المدفع للتنبيه في رمضان ولكن من المؤكد أن أول إنطلاقة كان في القاهرة، يرصد موقع “اليوم” تاريخ مدفع رمضان الذي ظل في أذهان المصريين حتي أصبح من التقاليد الراسخة في الشهر الكريم.

ترميم المدفع

أعلنت وزارة السياحة والآثار إطلاق مدفع رمضان من جديد بعد فترة توقف دامت ما يقرب من 30 عاماً، وذلك من ساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين الأيوبي بالقاهرة كما كان قديماً بعد ترميمه، ليعود انطلاقه من جديد إبتداء من أول أيام الشهر الكريم، منوهاً للصائمين عن موعد الإفطار.

وجاءت أعمال ترميم المدفع في إطار خطة الوزارة لرفع كفاءة الخدمات السياحية بالمتاحف والمواقع الأثرية ومنها قلعة صلاح الدين الأيوبي، وسوف يضرب المدفع من جديد لحظة غروب الشمس وعند موعد الإفطار وذلك كل يوم طوال شهر رمضان، بما يضمن الحفاظ على التراث الأثري للقلعة وفي نفس الوقت مواكبة استخدام التكنولوجيا الحديثة وذلك عن طريق إطلاق شعاع ليزر بجوار المدفع ليصل لمسافة بعيدة.

الصدفة الحائرة

في الأول من رمضان عام 1460 ميلادية، أمر السلطان “خشقدم”، سلطان الدولة المملوكية، رجال جيشه بتجربة أحد المدافع الجديدة التي وصلت إلي القاهرة، كان المصريين يلتفون حول موائد الطعام، ينتظرون لحظة آذان المغرب، وفجأة إنطلق صوت المدفع مدويًا، لينطلق بعدها صوت المؤذن.

صدفة لم يكن يقصدها سلطان مصر، ولكنها راقت لشعب ظن أنها هدية منه، وذلك لتنبيه الصائمين باقتراب موعد الإفطار، وبعد الإفطار توجه وفد من الناس ليقدمون التحية والشكر للسلطان علي تلك البدعة الحسنة، ولأنه شعر بفرحة الناس، قام بتكرارها طيلة شهر رمضان، بل أمر بضرب قذيفتين أخرتين، الأولى ليستيقظ الناس للسحور، والثانية وقت الإمساك، ليبدأ المسلمين الإفطار علي صوت “مدفع الإفطااااار.. إضرب”.

الخديوي إسماعيل

رغم شيوع قصة “خشقدم”، إلا أن البعض يرى أن مدفع الإفطار يرجع إلى عهد الخديوي إسماعيل، في النصف الثاني من القرن الـ19، ففي أحد أيام رمضان، أنطلقت قذيفة دوت في سماء القاهرة لحظة أذان المغرب، ورغم أنها أنطلقت بسبب خطأ أرتكبه بعض الجنود الذين كانوا يقومون بتنظيف المدفع، إلا أن العامة اعتقدوا أن حكومة الخديوي أتخذت نظامًا جديدًا للإعلان عن موعد الإفطار.

رغم الإختلاف حول البداية الحقيقية للمدفع، إلا أن الجميع أجتمع على أن أول ظهور له كان بقلب القاهرة، ومنها أنتقل إلى بلاد الشام، كالقدس، ودمشق، ثم إلى أرض العراق بمدينة بغداد في أواخر القرن التاسع عشر، أما دولة الكويت، فبدأ ينطلق فيها عام 1907، في عهد مؤسسها الشيخ مبارك الصباحي الذي يُعرف بـ”مبارك الكبير”، بعد ذلك بدأ ينتشر في باقي دول الخليج، وفي السودان واليمن، كما انتشر أيضا بدول غرب أفريقيا، في تشاد والنيجر ومالي، وفي دول شرق آسيا مثل أندونيسيا الذي ظهر فيها لأول مرة عام 1944.

مدفع الحاجة فاطمة

هو أشهر مدافع القاهرة, ويحكي أن المدفع ارتبط اسمه بـ”الحاجة فاطمة” ففي سنة 859 هجرية عندما توقف المدفع الذي أطلقه “خوش قدم” على سبيل التجربة، ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع لكنهم لم يجدوه والتقوا زوجة السلطان التي كانت تدعى الحاجة فاطمة ونقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه، فأطلق الأهالي اسم الحاجة فاطمة على المدفع واستمر هذا حتى الآن.

زفة المدفع

لقد كان في القاهرة حتى وقت قريب 6 مدافع موزعة على أربعة مواقع، اثنان في القلعة، واثنان في العباسية، وواحد في مصر الجديدة، وآخر في حلوان، تطلق كلها مرة واحدة من أماكنهم، حتى يسمعها كل سكان القاهرة ، ولم تكن هذه المدافع أن تخرج من مكانها إلا في خمس مناسبات وهي رمضان والمولد النبوي وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد الثورة.

وكان خروجها في هذه المناسبات يتم في احتفال ومع فرحة المصريين بمدفع رمضان أقيمت له زفة أطلق عليها زفة المدفع ، حيث كان المدفع يسير فى زفة وسط رجال الطرق الصوفية ويجر المدفع خيول وتعزف الموسيقى العسكرية ويسير فى زفة المدفع عدد كبير من الأهالي وذلك قبل بداية شهر رمضان بثلاثة أيام .

وظلت زفة مدفع رمضان مستمرة لأكثر من أربعين عاماً كاملة ثم توقفت لفترة طويلة وعادت عام 2005 فى شهر رمضان، و تمر الزفة بمنطقة الدراسة من إدارة اطفاء منطقة الدراسة حتى ملعب مدينة البعوث الإسلامية.

وطاقم المدفع مكون من ثلاثة أفراد وهم: الرامى ومهمته تشغيل كتلة الترباس، والمعمارجى الذى يقوم بتعمير الطلقة.. أما الشخص الثالث فهو الطومار وهو المسؤول عن تنظيف الماسورة والمقذوف.

سبب توقف المدفع

اعترضت هيئة الآثار المصرية علي ضرب قذيفة المدفع من أعلي قلعة صلاح الدين الايوبي لأن المدفع يهز جدران القلعة، والمسجد، والمتاحف الموجودة في المكان، ووافقت وزارة الداخلية على نقله مرة أخرى من القلعة إلى جبل المقطم القريب أعلى القاهرة، مما يتيح لكل أبناء العاصمة الكبيرة سماعه.

و ظل مدفعان كبيران على هضبة المقطم للعمل بالتناوب خلال شهر رمضان، وأيام العيد، بينما لا يزال هناك ثالث يقبع أمام متحف الشرطة في منطقة القلعة، وقد انتقلت هذه العادة بإطلاق مدفع رمضان إلى الكثير من محافظات مصر لأنها تضفي البهجة على هذا الشهر الكريم، ويخصص لكل مدفع مجموعة من صف الضباط الأكفاء حتى لا تتقدم أو تتأخر الأوقات ويكون ذلك تحت إشراف الجهات الأمنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى