مقالات

عبدالله تمام يكتب: روح أكتوبر وتلامس الأيادي التي استردت سيناء إلى حضن مصر ..مع الأيادي التي تبني وتعمر مصر

مصر تواصل الإنتصار بالعلم وبالأيدي العاملة وبالعقول المفكرة وبخطط التنمية والبناء

الأيام القادمة تحل علينا ذكرى أعظم انتصار حققه المصريون في التاريخ ، تحيط بنا روح أكتوبر التي تبشر بتحقيق المزيد من الإنتصارات ، ومواصلة القتال من اجل النصر بالعلم وبالأيدي العاملة وبالعقول المفكرة وبخطط التنمية والبناء ..إنها الايادي التي جاءت بسيناء الى حضن مصر وهي نفس الايادي التي ستأتي بالمسقبل إلى بلدنا .. التي تبني وتعمر وتخطط من أجل غد أفضل لمصر وللمصريين.

في هذه الأيام يحق لنا أن نحتفل بالذكرى العظيمة وهي انتصارات حرب أكتوبر المجيدة عام 1973، لاسترداد الأرض، يوم العزة والكرامة، والتي سطر فيها أبطال القوات المسلحة من حروف من الذهب انتصارات الجيش المصري. من يريد ان يتعرف على مصر عليه أن يراقب ماذا فعلت يوم 6 أكتوبر ، ولا يكتفي بذلك بل يتابع إلى ما حدث لمصر والمصريين من تحديات عظيمة وكيف تمت مواجهتها نحن اليوم نحتقل بانتصارات يزينها انتصار اكتوبر.زلزال الغضب والنصر صباح 5 أكتوبر 1973 كان كل شىء يبدو عاديا على الضفة الغربية لقناة السويس، كما رصدتها أجهزة استخبارات واستطلاع العدو الإسرائيلى الذى كان رابضا على الضفة الأخرى للقناة، غير أن الشكوك كانت تساور رئيسة الوزراء الإسرائيلية حينذاك جولدا مائير، فقد كانت تشعر أن شيئا ما يدبره المصريون يمكن أن يقلب الموازين التى اختلت مع حرب 5 يونيو 1967.وفقا لمذكرات المشير محمد عبدالغنى الجمسى عن حرب أكتوبر استدعت جولدا مائير رئيس أركان الجيش الإسرائيلى الجنرال ديفيد أليعازر إلى منزلها ، لتطمئن منه على أن القوات المسلحة المصرية غير قادرة على عبور قناة السويس، أو القيام بعمل عسكرى كبير ضد القوات الإسرائيلية، سألت رئيسة الوزراء الإسرائيلية أليعازر مباشرة: هل تعتقد أن فى إمكان المصريين عبور القناة؟ إن هذا هو الأمر المهم فى أى أحداث يمكن أن تقع. إنى أسالك بصفتك رجلا عسكريا، أريد أن أتأكد منك بالذات، بعد أن أكد لى الجنرال (حاييم) بارليف، منذ دقائق أن عبور المصريين القناة أمر مستحيل، فقد أعد قنوات بترولية تعمل فى دقائق فيتحول كل شبر فى خط المواجهة فى منطقة القناة إلى كتلة حريق قاتلة.رد أليعاز لم يكن أقل غرورا من رأى بارليف الذى بنى خطا دفاعيا، اعتقد أنها سيحمى الإسرائيليين، فجاءت كلماته على هذا النحو: “المعروف دوليا أن أصعب الموانع المائية فى العالم اثنان لا ثالث لهما، وهما قناة السويس وقناة بنما، وذلك لطبيعة المياه والعمق والعرض، وإذا أضفنا لذلك كله المواقع الحصينة فى خط بارليف، ومواقع الإشعال البترولى، ثم سمك الساتر الترابى، فإن ذلك كله ــ بدون تفكيرــ كاف للدلالة على استحالة عبور المصريين قناة السويس”.يوم 6 أكتوبر صباحاً والذى صادف عيد الغفران اليهودى، توجه وزير الدفاع الإسرائيلى موشى ديان، لزيارة جنوده فى حصن بارليف على الضفة الشرقية للقناة لتهنئتهم بالعيد. شاهد ديان بنفسه من أحد أبراج المراقبة كيف كان بعض الجنود المصريين يلعبون الكرة، فيما عدد من زملائهم فى استرخاء تام، فعاد إلى تل أبيب مطمئنا.لتشعل مصر نار الغضب والإنتصار بعد ساعات قليلة وتحقق الزلزال العظيم واندفع آلاف الجنود المصريين لعبور أصعب الموانع المائية فى العالم، محطمين الأساطير والأوهام التى صنعها الإسرائيليون عن خط بارليف الحصين الذى انهار فى ساعات أمام عزيمة الجندى المصرى التى لا تلين. الإنتصار .. استعادة السيادة هذا الإنتصار العظيم يكتسب عظمته من أنه لم يكن فقط نجاحا عسكريا مصريا فى مواجهة دولة احتلال أكثر تقدما وتمتلك ترسانة سلاح هائلة ودعما أمريكيا بلا حدود، إنما كانت أيضا انتصارا لمهارة إدارة المعارك أمام عدو شديد القوة، فأخرجت أفضل ما فى القوى المصرية الكامنة، وانتصرت شعبا وجيشا.انتصر الجيش المصري على العدو ، واستطاع استعادة الأرض وتحقيق الانتصار العظيم، رغم كل المعوقات التى كان يرددها البعض حينها، وكانت تروج لها القوى العظمى، إلا أن الجيش المصرى استطاع عبور خط القناة ومواجهة العدو وهزيمته، حيث قام الجيش المصرى في يوم 6 أكتوبر 1973 والموافق العاشر من رمضان في تمام الساعة الثانية ظهرا، بعبور خط القناة، ونفذت أكثر من 200 طائرة حربية مصرية ضربة جوية على الأهداف الإسرائيلية بالضفة الشرقية للقناة، وعبرت الطائرات على ارتفاعات منخفضة للغاية لتفادي الرادارات الإسرائيلية.استهدفت الطائرات المصرية، المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصاف البترول ومخازن الذخيرة، وبدأت المدفعية المصرية بعد عبور الطائرات بخمس دقائق، بقصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بشكل مكثف تحضيرًا لعبور المشاة، فيما تسللت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي تنقل السائل المشتعل إلى سطح القناة.وكان من نتائج حرب أكتوبر 1973، توقيع مصر وإسرائيل اتفاقية الهدنة باتفاقية سلام شاملة ، حيث انتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 مايو 1974، ووافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.وتم استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جميع الأراضي في شبه جزيرة سيناء، واسترداد جزء من مرتفعات الجولان السورية بما فيها مدينة القنيطرة وعودتها للسيادة السورية، بالإضافة إلى تحطم أسطورة أن جيش إسرائيل لا يقهر ، وأدت الحرب أيضًا إلى عودة الملاحة في قناة السويس في يونيو 1975. أكتوبر نقطة الإنطلاق والإستمرار إنتصارات أكتوبر مثلت نقطة انطلاق فى مصر التي عاش شعبها ، أدق تفاصيل الإنتصار وعبور الجيش المصرى لقناة السويس وتحطيمه لخط بارليف، وتفاعل الناس مع الأغاني الوطنية لأنها عبرت عن جيش حمل قادته وجنوده المحاربون أرواحهم من أجل تحقيق النصر، وشعب دعم جيشه بلا حدود ورغبة حقيقية فى التضحية.ولهذا فإن حرب اكتوبر كانت انتصارا لقيم العلم والتخطيط والمهنية وللصدق، ومثلت نقطة فاصلة بين مرحلتين، و كانت منظومة قيم جديدة وضعت هدفا محددا وهو العبور والنصر، وهو ما لم يتحقق إلا بالعلم والصدق والعرق.لم يكن نصر اكتوبر المجيد استعادة لأرض، بل كان أيضاً إحياء لروح الوطنية والانتماء التي كانت عاملا محورياً في تحقيق هذا النصر العظيم.ملحمة الإنتصارات الجديدة وتمر السنون ويعيد التاريخ كتابة نفسه وتسطر مصر ملحمة جديدة أساسها روح أكتوبر المجيد وركائزها شعب متماسك وجيش درع وسيف للوطن، وملامحها إصلاح اقتصادي وتنمية، ورئيس هو الرمز يقفز بالوطن قفزات هائلة، عينه على البسطاء، وقلبه مع محدودي الدخل والفقراء.نجحت مصر في إدارة اقتصاد الحرب في ظل حصار اقتصادي غربي وأمريكي، محققةً انتصار للإرادة المصرية في مواجهة محاولات إخضاعها وكسرها، فلم يكن المشاركون في حرب أكتوبر هم الجنود فقط بل الشعب. نجحت روح أكتوبر في مواجهة الأزمة الاقتصادية والتحوّل لانفتاح اقتصادي بفضل التضامن الشعبي، ومن مظاهره تبرع بعض العاملين بدخولهم لدعم المجهود الحربي.وبعد ثورة 30 يونيو 2013م وبنفس الروح؛ فقد شهدت مصر تحولات اقتصادية وتبنت برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يحارب الفقر والجهل والمرض، وخلال سنوات قليلة، استطاعت مصر الخروج من أزمات اقتصادية هيكلية كان لها تأثيرات سلبية على مستوى المعيشة.قبل 30 يونيو 2013، بدت مصر شبه دولة، تعاني الاضطراب الأمني والفتنة الداخلية، الطائفية والسياسية، تقف على شفا الانهيار الاقتصادي أو ربما في قلبه، معزولة عن محيطها العربي ومحاصرة في قارتها الإفريقية وأواصر علاقاتها مقطوعة مع دول العالم.وسعى أعداء الثورة من داخل وخارج مصر حثيثاً لبث اليأس والإحباط في نفوس هذا الشعب الذي أثخنته جراح حقبة موروثة طويلة ثم 3 سنوات من الاضطرابات وعدم الاستقرار الأمني والاقتصادي والسياسي، اختتمت باستيلاء جماعة ارهابية على الحكم، لم توفر جهداً بعد الإطاحة بها في محاولات هز ثقة الشعب في ذاته الحضارية، ودولته الضاربة في عمق الأرض والتاريخ، وقدرته المتوارثة على الإنجاز وعبور المستحيل.لم يمر الكثير من الوقت حتى تغيرت هذه الصورة، لأن الواقع قد تغير وبدأت الحقيقة تتبدى تدريجيا، فقد كشف الصدى العالمي الذي حظى به الخطاب التاريخي للرئيس عبد الفتاح السيسي في الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014 استعادة مصر لمكانتها الدولية والاقليمية، ولاحترامها الطبيعي بين الأمم، ولدورها في قلب التفاعلات الاقليمية والدولية.شهور أخرى.. أصبحت مصر عضواً غير دائم في مجلس الامن الدولي، ثم انتخب رئيسها رئيساً للاتحاد الافريقي. ثم شهور وسنوات، أصبحت مصر الرقم الأهم في السياسات الدولية والإقليمية، ولعل الأحداث والوقائع الأخيرة تؤكد ما حققته مصر في هذا المجال. شيدت مصر علاقات إستراتيجية عميقة وشاملة مع مراكز القوى العالمية الأربعة: الولايات المتحدة وروسيا والصين وأوروبا، واستعادت مكانتها في أمتها وقارتها ومنطقتها، وأصبح رئيس مصر ضيفاً في كل قمم العالم الكبرى: مجموعة السبع ومجموعة العشرين وغيرهما.وهذا التحول كان نتاج دبلوماسية رئاسية نشطة وواعية لمكانة مصر ودورها التاريخي.أما الاقتصاد فكان أصعب الملفات والحروب التي استكملت بها مصر انتصاراتها لتأثيره المباشر على حياة المواطنين، فلا فرص عمل ولا خدمات اجتماعية ولا مرافق، ولا جيش قوياً بدون اقتصاد قوي وناجح.بدأت عودة الثقة في النفس وفي قدرة الشعب والدولة على الانجاز بمشروع قناة السويس الجديدة، الذي كان رمزاً للقدرة على عبور الصعاب، وابتداع الحلول والمنجزات.وبعد سنوات قليلة، تبدلت الصورة: فبعد نسب نمو متدنية ، حققت مصر معدلات متزايدة من النمو ،وقدمت للعالم نموذجاً مبهراً في الإصلاح الاقتصادي والقدرة على الانجاز.ففي مجال التنمية العمرانية، تمت إعادة إنشاء البنية الأساسية في مجالات الطرق ومياه الشرب والصرف الصحي وغيرها، وتحولت البلاد إلى منظومة بناء كبرى من العلمين غرباً إلى أسوان جنوباً، وسيناء والجلالة شرقاً، في سلسلة من مدن الجيل الرابع التي تأتي على رأسها العاصمة الجديدة، مع تطوير مستمر للبنية التحتية في كافة مدن وقرى مصر.وفي مجال الاسكان استطاع المشروع القومي للإسكان أن يوفر مئات الآلاف من الوحدات السكنية لكل المستويات الاجتماعية من الشعب، واقتحمت الدولة بجدية غير مسبوقة مشكلة العشوائيات وتغيرت حياة الملايين من أبناء الشعب في سنوات قليلة.وفي مجال الكهرباء تضاعفت قدرات مصر وفي مجال الطرق، شرايين التنمية، أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسي في يونيه 2014 المشروع القومي للطرق لتتحقق معدلات إنجاز استحقت مصر من خلالها مستوى عالمي متقدم في ترتيب جودة الطرق ،وأنقذت الطرق الحديثة حياة الآلاف من المصريين حيث تراجعت أعداد الوفيات في حوادث الطرق بنسبة 50%.وفي مجال التنمية الإنتاجية، أبرز مجالات فرص العمل المستدامة، كانت الزراعة في المقدمة بمشروع استصلاح وزراعة 1.5 مليون فدان، ثم مشروعات الزراعات المحمية و الاستزراع السمكي التي ساهمت في سد الفجوة الغذائية فضلاً عن مئات المشرعات لإعادة استخدام مياه الصرف الزراعي وتحلية مياه البحر.وفي الصناعة تم إنشاء المناطق الصناعية المتخصصة، وفي مجال البترول والغاز، تحققت انطلاقة كبيرة في الاستكشاف والصناعات التي أثمرت عن اكتشافات تاريخية حولت مصر من دولة مستوردة للغاز الطبيعي إلى دولة مصدرة للغاز ومحور عالمي لتجارة الغاز.في الوقت نفسه بدأت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بشائر استثماراتها وانتاجها لتوفير فرص العمل لأبناء الشعب وإضافة المزيد من القوة للاقتصاد المصري.أما التنمية الاجتماعية فقد كانت هناك مشروعات الاسكان الاجتماعي محدود التكاليف وتطوير العشوائيات وتطوير منظومة الخبز ورفع الحد الأدنى للأجور وابتكار منظومة جديدة للدعم النقدي شملت مشروعات تكافل وكرامة والمبادرة الرئاسية حياة كريمة وغيرها.

أما أهم مجالين في التنمية الاجتماعية، فأولهما ملف الصحة حيث أطلقت مبادرة “100 مليون صحة” بمراحلها.المجال الثاني هو ملف التعليم بكل مراحله ومستوياته، والذي يشهد أجرأ وأعمق تطوير وتغيير في أنظمته ومناهجه وأدواته وتأهيل المباني والمعلمين منذ بدء التعليم الحديث في مصر في القرن التاسع عشر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى