مقالات

عماد نصير يكتب: دور الأخلاق في استقرار المجتمعات

 
تعرف الأخلاق على أنها ذلك المعيار الذي يحدد الصواب والخطأ والسمو والدنو في الأفعال والسلوك الإنساني بصفة عامة، كما أنها هي الشعرة والخيط الرفيع بين الإنسانية وغيرها في كل ما يتعلق بالمعاملات، بل والعبادات أيضاً، وبتعريف أكاديمي عرفها أحد الفلاسفة على أنها المبادئ الرسمية المستمدة من القيمة الاجتماعية.
ونحن كشعب من أصحاب الحضارات التي كانت حاضرةً قبل أن يُسطَر التاريخ لم نفصل الفكر الدينى كثيراً فى مصر القديمة عن الفكر القيمي والأخلاقي، وكان دائماً هناك ارتباط بين الدين والأخلاق، وتبلور فكر المصرى القديم وتصوره عن مفهوم معبوده أنه يتصف بصفات أخلاقية حكمت العلاقة بينهما، وبالتالي نظمت الأخلاق تلك العلاقة، واتضح أثرها الموروث على الإنسان المصري وهو يدين بدين ملوكه أو يدين بالمسيحة وحتى دخول الإسلام وانتشاره، فبات لمفهوم الأخلاق مكانة ومكاناً في السلوك المصري كصفة متأصلة وموروث حضاري وثقافي.
للأخلاق وجود ودور حيوي ورائد في اتزان مناحي الحياة برمتها، وابتداء من الدين فهناك الكثير والكثير من الأحاديث والآيات التي تحض على مكارم الأخلاق، بل وتجعل لها عصى السبق والريادة والأولوية على غيرها، كونها المحرك الأساسي لكل “الإنسانيات” فالرسول الكريم في الحديث الشريف يقول “المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده”، وكلها مواضع لا تظهر جمالياتها إلا إذا كانت مصقولة بحسن الخلق.
وقد يظن البعض أن العلم التجريبي جامد ولا يعتمد بدوره على الأخلاق، لكن إذا أمعنا النظر وأنصفنا التقييم لوجدنا أن قوامه مبني برمته على الأخلاق، فبدونها ينسب كل عالم اجتهاد غيره لنفسه، ويسرق الباحث جهد غيره ويتناسى حقوق النشر والطبع، بل ويبني المعاصرون آراءهم الحديثة على أنقاض آراء القدامى ليس للنقد بل للتشويه أو الظهور بمظهر النابغة ولو على حساب تشويه وتحقير غيره، وكلها أمور لا يحكمها إلا الأخلاق في المقام الأول.
هنا يتضح لك عزيزي القارئ السياق العام لمفهوم الأخلاق التي نتناولها، وإذا ما انسحب الحديث إلى الشارع ومقياس الأخلاق فيه، وذلك كونه المنشأ والمصدر لمعظم التعاملات، وبالتالي التماس المباشر مع غيره سلباً وإيجاباً، لاستوقفنا حتما البون الظاهر في منحنى الأخلاق صعوداً ونزولاً، وبالتالي يبرز لنا مؤشر الخطر باللون الأحمر، ولا يخفى ذلك على كل ذي بصيرة.
لم يعد ذلك الشعور الفطري بالفارق بين الصغير والكبير في المعاملات، بل وبالحديث عنها ربما تقصفك نظرات العجب والازدراء والاتهام بالتخلف والرجعية، وبات من العادي “لدى الكثيرين” أن تشاهد شابا يافعاً يجلس في وسائل المواصلات العامة، وأمام عينيه شيخ طاعن في العمر أو حتى سيدة تحمل رضيعاً، بات عادياً أن ترى أحدهم يخرج رأسه من نافذة سيارته ليعيب ويتهكم على رجل كبير نقداً لقيادته، علماً بأنه ربما ما خرج لمعترك الشارع إلا مضطراً لمرض أو غيره، بات دارجاً أن تجد نفسك مضطراً لفض اشتباك بين شاب يمسك بتلابيب شيخ ويعتدي عليه لمجرد اختلاف في وجهات نظر او حتى سوء فهم أو تضاد في الرأي، وكلها مؤشرات تدني مستوى الأخلاق العامة التي يعد الشارع مقياسا لها في غالبية المجتمعات.
لسنا هنا لننتحب أو نشتكي ظلماً أو حتى نستعرض ذكرياتنا الجميلة التي باتت مفقودة، بل ننبه على أننا بصدد أمر يستحق الدراسة وإيجاد الحلول بشكل عاجل، فهو بدون مبالغة بمثابة مشروع قومي أفلحت الأمم حين أخذت به، وليست التجربة اليابانية في تدريس مادة الأخلاق عنا ببعيد، وهاهو الياباني بات مضرباً للأمثال في تحضره ورقيه بل لنقل في “أخلاقه”.
الأخلاق يا سادة هي التي تجعل من الفرد رقيباً على سلوكه الذي هو جزء من السلوك المجتمعي، وتجعل منه دون رقيب وفي غياب الإشراف والرقابة الحكومية حريصاً ومحافظاً على مقدرات وطنه وسمعته، تجعل الفرد يستشعر أنه موضع للنقد بالسوء إذا ما تدنت أخلاقه، وبالتالي يستشعر الحرج وأنه مخالف ومستبعد أخلاقياً وعليه أن يقوّم نفسه ليكتمل به البناء المجتمعي السوي، ومن هنا بات لزاماً أن يصبح للحكومات هدف تنموي ومشروع أخلاقى يُعنى بالأخلاق والارتقاء بالذوق العام، حتى يحصد المجتمع ثمار مشروعاته التنموية في ظل مجتمع واعٍ بقيمة دوره في النهوض ببلده، بل لا مبالغة إن قلنا للحفاظ على راية الوطن ذاتها.

نلقاكم في قعدة عرب أخرى
 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى