تقارير و تحقيقات

نافخ الكير: قهرت الحديد وظلمت نفسي والأمراض أصابتني

 على بعد 17 كيلو مترًا، تقع قرية كرم عمران، جنوب محافظة قنا، يمتهن معظم سكانها حرفة الزراعة والمقاولات، وعلى أطراف القرية بيوت وورشة قديمة للحدادة اليدوية “نافخ الكير” يطلق عليها السكان هناك “منطقة الحلب”، حيث منزل وورشة “العم عبيد” وولده الذي ورث عنه المهنة، وهو الشاب منصور.

“اليوم” انتقل إلى المنطقة ليرصد لكم فصلًا من كتاب مهنة في طريقها للانقراض.

يروي منصور عبيد، الشاب العشرينى، أنه لم يدخل مدرسة، ولا يجيد القراءة والكتابة، تفتحت عينيه على صورة والده وهو يمسك بالمطرقة ويشعل فحم “الكور” ليشكل عن طريقه كل أنواع الحديد إلى منتجات يدوية يستخدمها أهل الريف.

يضيف “منصور” أن أولى مهام عمله، هو إعداد اللهب الذي يستخدم في صهر الحديد، حيث يقوم بجلب “فحم الكور” وهو عبارة عن أحجار سوداء تشتعل وتظل محتفظة بدرجة حرارة مرتفعة، داخل حفرة، بمجرد إشعال النيران حولها، ولا تحتاج إلا لخمس دقائق فقط ليصبح الـ “كانون” الخاص بالصهر والذي يعتمد على النفخ في الفحم مستعدًا لوضع قطع الحديد المراد تشكيلها جاهزة.

وتحتاج قطعة الحديد إلى دقائق معدودة فقط كي تلين وتصبح في يديه مثل “المبلن” على حد قوله، يشكله ليصنع منه منتجاته اليدوية، بكل مهارة دون الاستعانة بأي آلات حديثة سواء في الصهر أو القطع أو تشكيل الحديد.

السندان

يستخدم “منصور” ما يعرف عند الحدادين القدامى ونافخي الكور بـ “السندان” الذي هو عبارة عن جزء حديدي من الصلب الطري، ويوضع على سطحه العلوي شريحة سميكة من الصلب الناشف تتحمل عمليات الطرق وينصب على الأرض، لسند الحديد عليه وقت طرقه وتشكيله.

وهكذا يقوم “منصور” بتشكيل الحديد، ليصنع منه الطوارق ومقابض الحديد ورأس الفأس، ومرابط الحيوانات.

مهنة الأجداد

“إنها مهنة تجلب الأمراض بسبب الغازات والادخنة التي تخرج من فحم الكير، الذي أصابني شخصيًا بأمراض الصدر”.. هكذا واصل الشاب العشريني حديثه مؤكدًا أنها صنعته الوحيدة التي ورثها عن والده وأجداده، ومصدر رزقه الوحيد في الدنيا، للإنفاق على عائلته وأولاده.

ويشير إلى أن عمله لا يفي باحتياجات أسرته الأساسية، وذلك رغم ما يقاسي فيه من مرارة المهنة والإصابة بالأمراض، وذلك لاتجاه معظم الفلاحين الآن للحصول على منتجات مماثلة لمنتجاته من الحدادين أصحاب الورش الحديثة.

ولفت إلى أن تسويق منتجاته يقتصر على البيع بالأسواق الأسبوعية بالقرى المحيطة به، معقبًا: “لكن نحمد الله على رزقه فهو لم ينسانا بواسع رحمته ونرضى بقليلنا حتى وان كان لا يكفينا”.

أسرة صغيرة مهددة بالفقر

يحكى “نافخ الكير” بأنه رغم صغر سنه الذي لم يتجاوز 25عامًا، إلا أنه قضى أكثر من عشرين منها أمام موقد النار ونفخ الكير حتى اتقنها، لكن أمراض المزمنة بالصدر تهدده وعلى الرغم من ذلك لم يتخل عنها لأنه لا يجيد غيرها.

وفي نهاية حديثه تمنى أن ينظر إليه المسؤولين بعين العطف، وبأن يخصص له معاشًا ولو بسيطًا من “تكافل وكرامة” يساعده على تربية أبنائه ومنعهم مذلة السؤال مستقبلًا، حينما يكبر أو يداهمه المرض ويتوقف وقتها عن العمل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى