مقالات

اضاءات في حياة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام

قلم وصوت ومحام آل البيت

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

خلافة يزيد وامتناع سبط الرسول الإمام الحسين من مبايعته

عند وفاة معاوية بن أبي سفيان أصبح إبنه يزيد بن معاوية خليفة ولكن تنصيبه جوبه بمعارضة من قبل بعض المسلمين وكانت خلافة يزيد التي دامت ثلاث سنوات وصلة حروب متصلة ، ففي عهده حدثت ثورة كربلاء ثم حدثت ثورة في المدينة انتهت بوقعة الحرة ونُهبت المدينة ، كما سار مسلم بن عقبة المري إلى مكة لقتال عبد الله بن الزبير وأصيبت الكعبة بالمنجنيقات.

لقد حاول يزيد من أجل السلطة بطريقة أو بأخرى إضفاء الشرعية على تنصيبه خليفةً فقام بإرسال رسالة إلى والي المدينة المنورة – الوليد بن عتبة بن أبي سفيان- كتابًا يخبره بموت معاوية ويأمره بأخذ البيعة بالقوة حيث جاء فيه : «أما بعد فخذ حسينًا وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذًا شديدًا ليست فيه رخصة حتى يبايعوا والسلام».

ثم أردف يزيد كتابه هذا بكتاب آخر جاء فيه: «أما بعد فإذا أتاك كتابي هذا فعجّل عليّ بجوابه وبيّن لي في كتابك كل من في طاعتي أو خرج عنها وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي». فاستشار الوليد بن عتبة، مروان بن الحكم فأشار عليه بأن يبعث إلى هؤلاء فيدعوهم إلى البيعة والدخول في الطاعة ، فأرسل الوليد ، عبد الله بن عمرو بن عثمان ، وهو إذ ذاك غلام حدث إلى الحسين وابن الزبير وابن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر يدعوهم إلى دار الإمارة فجاء ومعه ثلاثين من مواليه والهاشميين فدخل على الوليد في دار الإمارة في المدينة ، فلما جلس أقرأه الوليد الكتاب ونعى له معاوية ودعاه إلى البيعة فقال: «إنا لله وإنا إليه راجعون ، أما ما سألتني من البيعة فإن مثلي لا يعطي بيعته سرًا ولا أراك تجتزئ بها مني سرًا دون أن نظهرها على رؤوس الناس علانية!» قال الوليد : «أجل». قال : «فإذا خرجت– غدًا- إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمرًا واحدًا».

وفي عصر اليوم التالي بعث الوليد الرجال إلى الحسين عند المساء، فقال: «أصبحوا ثم ترون ونرى». فكفوا عنه تلك الليلة ولم يلحّوا عليه فخرج من تحت ليلته وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة ستين متوجها صوب مكة.

خروج الإمام الحسين من المدينة

بعد أن قرر الحسين الخروج من المدينة توجه نحو قبر أمّه وأخيه ثم رجع إلى داره وذهب بعض المؤرخين إلى القول بأنّه بقي ليلتين إلى جانب قبر جدّه الرسول محمد.

وصية الحسين لأخيه ابن الحنفية

لما علم أخوه محمد بن الحنفية بعزم الحسين على الخروج من المدينة أسرع إليه يستعلم الحال فكتب إليه الحسين وصيته التي جاء فيها: «هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب لأخيه محمد بن الحنفية، المعروف بابن الحنفية أنّ الحسين بن علي يشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمدًا عبده ورسوله…. وأنّي لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا مفسدًا، ولا ظالمًا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي محمد صلى الله عليه وآله وسلم أُريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدُي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أبي علي بن أبي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين»

حركة الحسين نحو مكة

خرج الإمام الحسين عليه السلام ليلة الثامن والعشرين من رجب وفي رواية أخرى خرج في الثالث من شعبان سنة ستين للهجرة مع إثنين وثمانين من أهل بيته وأصحابه بما فيهم النساء والأطفال من المدينة متوجها صوب مكة. ومعه بنوه وإخوته وبنو أخيه وجلّ أهل بيته إلا محمد بن الحنفية فسار بإخوته وأخواته وأبنائه وسائر أهل بيته يرافقه 21 من أصحابه وأنصاره. ولزم الطريق الأعظم، فقال له أهل بيته : «لو تنكّبت الطريق كما فعل ابن الزّبير لكيلا يلحقك الطلبُ»، قال: «لا والله لا أُفارقه حتّى يقضي الله ما هو قاض». فلقيه عبد الله بن مطيع وكان من أشراف العرب فقال له: «جُعلت فداك أين تريد؟» قال: «أمّا الآن فمكّة…». وبعد خمسة أيام وصلت قافلة الحسين إلى مكة وكان ذلك في الثالث من شعبان من سنة ستين للهجرة. فاستقبلته الجماهير وحجاج بيت الله الحرام ، وأهل مكة ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق يختلفون إليه ويجتمعون عنده.

كتب الكوفيين ودعوة الإمام الحسين عليه السلام للثورة

وصلت أنباء رفض الإمام الحسين بن علي عليهما السلام مبايعة يزيد واعتصامه في مكة إلى الكوفة التي كانت أحد معاقل القوة لشيعة والده أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وبرزت تيارات في الكوفة تؤمن أن الفرصة قد حانت لأن يتولى الخلافة الإمام الحسين بن علي عليهما السلام واتفقوا على أن يكتبوا للإمام الحسين عليه السلام يحثونه على القدوم إليهم ، ليسلموا له الأمر، ويبايعوه بالخلافة. فاجتمعت الشيعة بالكوفة في منزل الصحابي سليمان بن صرد… فكتبوا إليه: «إنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق. ثم سرحوا الكتاب مع عبد الله بن مسمع الهمداني وعبد الله بن وال» فخرجا مسرعين حتى قدما على الإمام الحسين عليه السلام بمكة لعشر مضين من شهر رمضان ، و لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب السابق وأنفذوا قيس بن مسهر الصيداوي وعبد الرحمن بن عبد الله الأرحبي وعمارة بن عُبيد السلولي ومعهم نحو من مائة وخمسين صحيفة من الرجل والاثنين والأربعة. ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي وسعيد بن عبد الله الحنفي وكتبوا إليه: «أما بعد فحي هلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل ثم العجل العجل والسلام». والغريب في الأمر أن شبث بن ربعي الذي يعد من الموالين للحكم الأموي، كتب هو الآخر مع حجار بن أبجر ويزيد بن الحارث بن رويم وعروة بن قيس وعمرو بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمرو التميمي: «أما بعد فقد أخضر الجناب وأينعت الثمار فإذا شئت فأقدم على جند لك مجند والسلام» مجمعين على ضرورة قدومه إلى الكوفة. ومع ذلك بقي الإمام الحسين عليه السلام يتأمل في كتب القوم ولم يكتب في جوابها شيئا حتى وصل إليه في يوم واحد ستمائة كتاب من الكوفيين ثم توالت عليه الكتب والرسائل من سائر الكوفيين حتى بلغ عدد الكتب اثني عشر ألف كتاب. وعندئذ كتب مع هانئ بن هانئ وسعيد بن عبد الله الحنفي وكانا آخر الرسل: «من الحسين بن علي إلى الملأ من المسلمين والمؤمنين أما بعد فإن هانئا وسعيدا قدما عليّ بكتبكم وكانا آخر من قدم علي من رسلكم… وإني باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجا والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم أقدم عليكم وشيكا إن شاء الله». فجعل الإمام الحسين عليه السلام ذهابه إلى الكوفة منوطا بما يصله من سفيره مسلم بن عقيل عليه السلام.

جواب الحسين إلى أهل الكوفة

لم يجب الحسين على تلك الكتب التي وصلته إلا بعد أن صلى ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ثم كتب كتابا إلى أهل الكوفة وهو جواب على كتبهم وأرسله مع هاني وسعيد بن عبد الله وهذا نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين. أما بعد فأن هانيًا وسعيدًا قدما عليّ بكتبكم وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلّكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق والهدى، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلمًا بن عقيل وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم فأن كتب إليّ أنه قد أجمع رأي ملأكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت كتبكم فأني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله تعالى فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحاسر نفسه على ذلك لله والسلام). وأرسله مع ابن عمّه مسلم بن عقيل إلى العراق لاستطلاع حقيقة الأمر وليخبره بما يدور في الساحة الكوفية.

سفير الحسين في الكوفة

خرج مسلم سرًّا في منتصف رمضان ثم أقبل حتى دخل الكوفة في الخامس من شهر شوال ونزل في دار المختار بن أبي عبيد الثقفي.

وكان أمير الكوفة النعمان بن بشير الانصاري. فأقبلت الشيعة تختلف إلى مسلم وبايعه الناس حتى بايعه منهم ثمانية عشر ألفا. لكن هذا الخبر وصل بسرعة إلى الخليفة الأموي الجديد الذي قام على الفور بعزل والي الكوفة النعمان بن بشير بتهمة تساهله مع الاضطرابات التي تهدد الدولة الأموية وقام الخليفة يزيد بتنصيب والٍ آخر كان أكثر حزمًا اسمه عبيد الله بن زياد فاقبل عبيد الله حتى دخل الكوفة وعليه عمامة سوداء وهو متلثم فلما دخل قصر الإمارة أماط اللثام عن وجهه. وأصبح ابن زياد فنادى الصّلاة جامعة فاجتمع النّاس، فخرج إليهم وخطبهم ووعد المحسن بالإحسان وتوعّد المسيء بأشدّ العقاب، فبلغ ذلك مسلم بن عقيل فانتقل من دار المختار إلى دار هاني بن عروة. وكان مسلم بن عقيل قد كتب كتابًا أرسله إلى الحسين مع عابس بن أبي شَبيب الشاكري. يقول فيه: أما بعد فانّ الرائد لا يكذب أهله وأن جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفًا فعجل الاقبال حين تقرأ كتابي هذا. وكان ابن زياد قد دعا مولى له، يقال له: معقل، فقال له: خذ ثلاثة آلاف درهم واطلب مسلم بن عقيل والتمس أصحابه، فإذا ظفرت بواحد منهم أو جماعة فأعطهم هذه الثلاثة آلاف درهم، وقل لهم: استعينوا بها على حرب عدوكم وأعلمهم أنك منهم. وقد تمكن الرجل من انجازالمهمة والتعرف على مكان مسلم عن طريق مكيدة خدع من خلالها مسلم بن عوسجة.

ولمّا علم عبيد الله بمكان مسلم وأنّه في دار هانئ أعدّ مكيدة تمكن من خلالها من جلب هانئ إلى دار الإمارة وحبسه هناك. ولما علم مسلم بن عقيل بحبس هانئ بن عروة نادى في أصحابه «يا منصور أمت» وحاصر دار الإمارة مع أربعة آلاف من أصحابه. فدعا ابن زياد كثير بن شهاب وأمره أن يخرج فيمن أطاعه من مذحج، فيسير في الكوفة ويخذل الناس عن ابن عقيل، ويخوفهم الحرب، ويحذرهم عقوبة السلطان. وأمر محمد بن الاشعث أن يخرج فيمن أطاعه من كندة وحضرموت فيرفع راية أمان لمن جاء من الناس، وقال مثل ذلك للقعقاع الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجار بن أبجر السلمي وشمر بن ذي الجوشن العامري. فتفرق الناس عن مسلم بن عقيل ولم يبق معه سوى ثلاثين رجلا. ولما فرغ من صلاتي المغرب والعشاء تفرق الثلاثون عنه أيضًا وأمسى وحيدًا في دروب الكوفة. فلجأ إلى بيت السيدة طوعة التي آوته بعد أن أعلمها بأن أهل الكوفة قد خذلوه. ولما تخاذل الناس واستتبت الأمور لابن زياد ذهب إلى المسجد وبعد أن أقام الصلاة أمر بالبحث عن مسلم بن عقيل. ولما علم ابن طوعة بمكان مسلم غدا على ابن زياد وأخبره عن مكانه. فالتفت ابن زياد إلى محمّد بن الأشعث وقال له: قُم وآتني به، وأرسل معه سبعين رجلًا فلمّا سمع مسلم وَقْعَ حوافر الخيل خرج إليهم بسيفه وجعل يضرب فيهم يمينًا وشمالا. حتى أثخن بالجراح فازدحموا عليه فأوثقوه كِتافًا. فأقبل مسلم على محمد بن الأشعث وعمر بن سعد وطلب منهما أن يبعثا رجلا يبلغ الحسين بما آلت إليه الأمور ويطلب منه الرجوع. وكان خروج مسلم بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان مضَيْن من ذي الحجّة وهو اليوم الذي خرج فيه الحسين من مكّة وهو يوم التروية التاسع من ذي الحجة. وكان مقتله بعد شهرين وأربعة أيام قضاها في الكوفة. وبعد مقتل مسلم بن عقيل التقى مبعوث محمد بن الأشعث وعمرو بن سعد بالحسين في منطقة زُبالة واوصل له رسالة ابن عمّه مسلم بن عقيل إليه التي يخبره فيها بتفرق الناس عنه. فتأثر الإمام لذلك كثيرًا وخاطب الناس: أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع، قتل مسلم بن عقيل، وهاني بن عروة، وعبد الله بن يقطر، وقد خذلتنا شيعتنا.

شاع في الوسط المكي ما عزم الإمام الحسين عليه السلام من السفر إلى الكوفة فجاءه عبد الله بن عمر ومحمد بن الحنفية لصرفه عن سفره هذا، إلا أن الإمام الحسين عليه السلام كان قد عقد العزم على ذلك فطاف بالبيت مع أصحابه وسعى بين الصفا والمروة وخرج من مكة المكرمة بعد أربعة أشهر وخمسة أيام قضاها فيها وكان ذلك في يوم الثلاثاء المصادف للثامن من ذي الحجّة (يوم التروية)، وكان معه اثنان وثمانون وقيل ستون من كبار الكوفيين واتباعه واهل بيته.

لمّا خرج الإمام الحسين عليه السلام من مكة اعترضته رسل عمرو بن سعيد بن العاص بقيادة يحيى بن سعيد ، فقالوا له: انصرف أين تذهب ! فأبى عليهم ومضى.
وقال الدينوري: ولمّا خرج الحسين اعترضه صاحب شرطة أميرها عمرو بن سعيد بن العاص في جماعة من الجند ، فقال: إن الأمير يأمرك بالانصراف، فانصرف، وإلا منعتك، فامتنع الإمام الحسين عليه السلام، وتدافع الفريقان، واضطربوا بالسياط. وبلغ ذلك عمرو بن سعيد، فخاف أن يتفاقم الأمر، فأرسل إلى صاحب شرطته يأمره بالانصراف.

المنازل المختلفة في طريق الحسين إلى الكوفة

اجتازت قافلة سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام الكثير من المنازل في طريقها إلى الكوفة، منها: التنعيم؛ الصفاح حيث التقى بالفرزدق الشاعر المعروف؛ ذات عرق الذي التقى الإمام الحسين عليه السلام فيها مع بشر بن غالب ومع عون بن عبد الله بن جعفر عليهما السلام؛ وادي العقيق؛ غمرة؛ أم خرمان؛ سلح؛ أفيعية؛ العمق؛ سليلية؛ مغيثة ماوان، النفرة، الحاجز حيث أرسل من هناك قيس بن مسهر إلى الكوفيين؛ سميراء، أجفر حيث التقى فيها عبد الله بن مطيع العدوي الذي نصح الإمام الحسين عليه السلام بالرجوع؛ الخُزَيْميَّةُ؛ زرود حيث التحق به زهير بن القين في التاسع من ذي الحجة والالتقاء مع أبناء مسلم بن عقيل عليهما السلام ووصول خبر مقتل مسلم بن عقيل وهاني بن عروة عليهما السلام؛ الثعلبية؛ بطان، الشقوق؛
زبالة علم فيها بشهادة قيس بن مسهر، والتحاق جماعة منهم نافع بن هلال بركب الإمام؛
بطن عقبة التقى فيه مع عرمة بن لوزان الذي نصحه بالعدول عن سفره؛
العمية؛ واقصة؛ شراف؛ بركة أبي مسلك؛
جبل ذي حُسَم الذي التقى فيه مع الحر بن يزيد الرياحي؛ البيضة؛ المسيجد؛ الحمام، المغيثة، أم القرون، العذيب؛
قصر بني مقاتل الذي التقى فيه بعبيد الله بن الحر الجعفي؛ القطقطانة،
كربلاء؛ وادي الطف الذي نزله في الثاني من المحرم سنة 61 هجرية.

كتاب الإمام الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة

سجلت المصادر التاريخية أنه لمّا بلغ الإمام الحسين عليه السلام الحاجر من بطن الرّمة، كتب كتابًا إلى جماعة من أهل الكوفة، منهم: الصحابي سليمان بن صرد الخزاعي، والمسيّب بن نجبة، ورفاعة بن شداد وغيرهم. وأرسله مع قيس بن مسهّر الصيداوي ـ وذلك قبل أنْ يعلم بقتل مسلم، فأقبل قيس بكتاب الإمام الحسين عليه السلام إلى الكوفة، فلمّا انتهى قيس إلى القادسيّة، اعترضه الحُصين بن تميم ليفتّشه فأخرج قيس الكتاب وخرّقه، فحمله الحُصين إلى ابن زياد فلمّا مثُل بين يديه، قال له: مَن أنت ؟ قال: أنا رجل من شيعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وابنه الحسين. قال: فلماذا خرّقت الكتاب؟ قال: لئلاّ تعلم ما فيه. فغضب ابن زياد وقال: والله، لا تفارقني حتّى تخبرني بأسماء هؤلاء القوم أو تصعد المنبر فتسبّ الحسين بن علي وأباه وأخاه، وإلاّ قطّعتك إربًا إربًا. فقال قيس: أمّا القوم فلا اُخبرك بأسمائهم، وأمّا السبّ فأفعل. فصعد قيس، فحمد الله وأثنى عليه وصلّى على النّبي ثمّ قال: أيّها النّاس، إنّ هذا الحسين بن علي خير خلق الله، ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأنا رسوله إليكم وقد خلّفته بالحاجر فأجيبوه.

وصول خبر قتل المسلم وهاني وعبد الله يقطر

روي أن الحسين قبل أن يصله خبر قتل مسلم بن عقيل أرسل إليه كتابًا بيد أخيه من الرضاعة عبد الله بن يقطر وفي الطريق اعترضه الحصين بن نمير التميمي فسيره من القادسية إلى ابن زياد فقال له: «اصعد فوق القصر والعن الكذاب ابن الكذاب ثم انزل حتى أرى فيك رأيي، فصعد فاعلم الناس بقدوم الحسين عليه السلام ولعن ابن زياد وأباه، فأمر به ابن زياد فرُمي من أعلى القصر فتكسّرت عظامه وبقي به رمق، فأتاه رجل يقال له عبد الملك بن عُمير اللخمي فذبحه.» فبلغ خبر مسلم وهاني وعبد الله بن يقطرالحسين وهو في زبالة.

كتاب الإمام الحسين إلى أهل البصرة

كتب الحسين إلى جماعة من أشراف البصرة ورؤساء الأخماس (أي قبائل: العالية، بكر بن وائل، تميم، عبد القيس والأزد). كتابا مع مولى له اسمه سليمان ويكنى أبا رزين إلى كل من مالك بن مِسمَع البكري، الأحنف بن قيس، المُنذِر بن الجارود، مسعود بن عمرو، قيس بن الهيثم، عمرو بن عبيداللّه بن مَعمَر. فجاءت منه نسخة واحدة إلى جميع أشرافها وفيه: «أمّا بعد… قد بعثتُ رسولي إليكم بهذا الكتاب، وأنا أدعوكم إلى كتاب اللّه وسنّة نبيّه، فإنّ السنّة قد أميتت، وإنّ البدعة قد أُحييت، وأن تسمعوا قولي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد، والسلام عليكم ورحمة اللّه». فكان كل من قرأ كتاب الحسين كتمه عن ابن زياد، ولم يخبر به أحد الا المنذر بن جارود فإنه جاء بالكتاب إلى عبيد الله بن زياد، لانّ المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه.

قطع الطريق على قافلة الإمام الحسين عليه السلام

لمّا بلغ عبيد الله بن زياد خروج الحسين من مكّة وأنّه توجّه نحو العراق بعث الحُصين بن نُمير صاحب شرطته ومعه أربعة آلاف فنظّم الخَيْلَ من القادسيّة إلى خَفّان وما بين القَطْقُطانة إلى جبل لَعْلَع لمراقبة خطوط الحركة؛ لأنها مراكز ومحطَّات لابُدَّ للمُتوجِّهين صوب العراق والشام أنْ يمرُّوا بها. ووجّه الحصين بن تميم الحر بن يزيد اليربوعي من بني رياح– وكان ضمن الأربعة آلاف- في ألف إلى الحسين، وقال: سايره ولا تدعه يرجع حتى يدخل الكوفة، وجعجع به، ففعل ذلك الحر بن يزيد.

روى أبو مخنف عن عبد الله بن سليم والمنذر ابن المشمعل الأسديين، قالا: كنّا نساير الحسين فنزل شراف وأمر فتيانه باستقاء الماء والإكثار منه، ثم ساروا صباحا، فلما انتصف النهار رأينا هوادي الخيل فسبقناهم إلى ذي حسم، فضربت ابنية الحسين، وجاء القوم فاذا الحر في ألف فارس فوقف مقابل الحسين في حرّ الظهيرة والحسين واصحابه معتمون متقلدوا أسيافهم، فقال الحسين لفتيانه: اسقوا القوم ورشفوا الخيل.

خطبة الحسين قبل صلاة الظهر في منزل شراف

فلما سقوهم ورشفوا خيولهم، حضرت الصلاة. فأمر الحسين الحجاج ابن مسروق الجعفي وكان معه أن يؤذن فأذّن وحضرت الإقامة فخرج الحسين في أزار وردآء ونعلين، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «إيّها الناس إنّها معذرة إلى الله واليكم إنّي لم آتكم حتى أتتني كتبكم وقدمت على رسلكم ان اقدم علينا فإنّه ليس لنا إمام لعلّ الله يجمعنا بك على الهدى، فان كنتم على ذلك فقد جئتكم، فان تعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم أقدم مصركم، وإن لم تفعلوا وكنتم لمقدمي كارهين انصرفت عنكم إلى المكان الذي أقبلت منه إليكم»، قال: فسكتوا– الحر وجيشه- عنه. فقال للمؤذن: أقم، فأقام الصلاة، فقال الحسين بن علي للحر: «أتريد أن تصلى بأصحابك؟» قال: «لا، بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك»، فصلى بهم الحسين رضي الله عنه.

خطبة الحسين قبل صلاة العصر في منزل شراف

فلما كان وقت العصر أمر الحسين أن يتهيئوا للرحيل ثم إنّه خرج فأمر مناديه فنادى بالعصر وأقام فاستقدم الحسين فصلى بالقوم ثم سلّم وانصرف إلى القوم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: «أمّا بعد أيها الناس فانكم إن تتقوا وتعرفوا الحق لأهله يكن أرضى لله، ونحن أهل البيت أولى بولاية هذا الأمر عليكم من هؤلاء المدّعين ما ليس لهم والسائرين فيكم بالجور والعدوان، وإن أنتم كرهتمونا وجهلتم حقنا وكان رأيكم غيرما أتتنى كتبكم وقدمت به على رسلكم انصرفت عنكم». فقال له الحر بن يزيد: «إنا والله ما ندري ما هذه الكتب التي تذكر ولسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك وقد أمرنا إذا نحن لقيناك ألا نفارقك حتى نقدمك على عبيد الله بن زياد».

وصول وحركة قافلة الحسين

فقال الحسين لأصحابه: قوموا فاركبوا، فركبوا فلما ذهبوا لينصرفوا حال القوم بينهم وبين الانصراف، فقال الحسين للحر: ما تريد؟ قال الحر: «أريد والله أن انطلق بك إلى عبيد الله بن زياد». قال له الحسين: «إذا والله لا اتبعك». فقال له الحر: «إذن والله لا أدعك»، فترادا القول ثلاث مرات، ولما كثرالكلام بينهما قال له الحر: «إنّي لم أومر بقتالك وإنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة، فاذا أبيت فخذ طريقا لا تدخلك الكوفة ولا تردك إلى المدينة لتكون بيني وبينك نصفًا حتى أكتب إلى ابن زياد وتكتب أنت إلى يزيد بن معاوية إن أردت أن تكتب إليه أو إلى عبيد الله بن زياد إن شئت، فلعل الله إلى ذاك أن يأتي بأمر يرزقني فيه العافية من أن أبتلى بشيء من أمرك».

فتياسر الحسين وأصحابه عن طريق العذيب والقادسية وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميلا والحر يسايره.

واصل الركب الحسيني حركته حتى وصل إلى البيضة صباحا فأمر الإمام أصحابه بالتوقف هناك لأداء الصلاة ثم أمرهم بالحركة متوجها صوب نينوى التي وصلها ظهر ذلك اليوم

وصول مبعوث ابن زياد

فاذا بمبعوث أبن زياد مالك بن النسر الكندي فدفع إلى الحر كتابا من عبيد الله، فاذا فيه: أما بعد فجعجع بالحسين حين يبلغك كتابي ويقدم عليك رسولي فلا تنزله الا بالعراء في غير حصن وعلى غير ماء وقد أمرت رسولي ان يلزمك فلا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام. فلما قرأ الكتاب جاء به إلى الحسين ومعه الرسول، فقال هذا كتاب الأمير يأمرني أن أجعجع بكم في المكان الذي يأتني فيه كتابه، وهذا رسوله قد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ رأيه وأمره، وآخذكم بالنزول في ذلك المكان، فقال له الحسين: دعنا ننزل في هذه القرية نينوى أو هذه (الغاضرية) أو هذه يعنى شفيّة. فقال الحر: والله لا استطيع ذلك هذا الرجل بعث عليّ عينا. فقال زهير للحسين: يابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إن قتال هؤلاء أهون علينا من قتال من بعدهم، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به. فقال له الحسين: ما كنت لأبدئهم بقتال. فقال له زهير: فسر بنا إلى هذه القرية فانها حصينة وهي على شاطيء الفرات، فان منعونا قاتلناهم، فقتالهم أهون من قتال من يجيء من بعدهم، فقال الحسين: وأي قرية هي؟ قال: العقر، فقال الحسين: اللّهم إنّي أعوذ بك من العقر. فنزل بمكانه وهو كربلاء.

الامام الحسين عليه السلام في كربلاء

قال الحسين (عليه السلام):الناسُ عَبيدُ الدُنيا وَالدِّينُ لَعِقٌ عَلى ألْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَه مَا دَرّت مَعَايشُهُم، فإذا مُحِّصُوا بِالبلاءِ قَلَّ الديَّانُونَ(المقرّم، مقتل الحسين) أن ركب الإمام الحسين بن علي عليهما السلام وصل إلى كربلاء يوم الخميس المصادف للثاني من المحرم سنة إحدى وستين للهجرة. إلا الدينوري حيث ذهب إلى القول بانّ الحسين وصل إلى كربلاء يوم الأربعاء المصادف لأول يوم من شهر محرم. ولم يزل الحرّ يساير الحسين، وكلمّا أراد المسير، يمنعونه تارة ويسايرونه اُخرى حتّى بلغ كربلاء، فلمّا وصلها، قال: ما اسم هذه الأرض؟ فقيل: كربلاء. فقال: اللهمَّ، إنّي أعوذ بك من الكرب والبلاء. وكان علي بن أبي طالب قد مرَّ بهذا المكان عند مسيره إلى صفّين، فوقف فسأل عنه، فأُخبر باسمه، فقال: ها هنا محطّ ركابهم، وها هنا مهراق دمائهم! فَسُئل عن ذلك، فقال: ثقل لآل بيت محمّد ﷺ، ينزلون هاهنا!.وقال الحسين: انزلوا، فها هنا مَحطُّ رحالنا، وسفك دمائنا، ومقتل رجالنا. ثمّ أمر الحسين بأثقاله، فحُطَّت بذلك المكان يوم الخميس الثاني من المحرم من سنة إحدى وستين وقيل يوم الأربعاء، غُرّة المحرّم من سنة إحدى وستين. وروي أنّ الحسين جمع ولده وإخوته وأهل بيته، ثم نظر إليهم فبكى ساعة، ثم قال: «اللهم إنا عترة نبيك محمد ﷺ وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدّنا، وتعدّت بنو أمية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا، وأنصرنا على القوم الظالمين». ثم أقبل على أصحابه، فقال: «الناس عبيد الدنيا والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فإذا محصوا بالبلاء قلّ الديانون». وجاء في بعض الروايات إن أبا عبد الله اشترى الأرض المحيطة بقبره من أهل نينوى والغاضرية بمبلغ ستّين ألف درهم، ودفعها لهم صدقة بشرط أن يدلّوا الناس على قبره ويضيّفون القادم لزيارة قبره لثلاثةولما نزل الحسين وأصحابه كربلاء في الثاني من المحرم كتب الحرّ بن يزيد الرياحي إلى عبيد الله بن زياد بالخبر فكتب عبيد الله بن زياد كتابًا إلى الحسين يقول فيه: أما بعد، إنّ يزيد بن معاوية كتب إليَّ أن لا تغمض جفنك من المنام، ولا تشبع بطنك من الطعام أو يرجع الحسين على حكمي، أو تقتله والسلام. فلما ورد الكتاب قرأه الحسين ثم رمى به ثم قال: «لا أفلح قوم آثروا مرضاة أنفسهم على مرضاة الخالق». فقال له الرسول: «أبا عبد الله! جواب الكتاب؟». قال: «ما له عندي جواب، لأنّه قد حقّت عليه كلمة العذاب». فأخبر الرسول ابن زياد بذلك، فغضب من ذلك أشدّ الغضب وأمر بإعداد الجيش لمحاربة الحسين.وصول عمر بن سعد إلى كربلاءكان وصول عمر بن سعد إلى كربلاء في الثالث من المحرّم على رأس أربعة آلاف مقاتل من الكوفيين.وقد سجل المؤرخون في كيفية تولي عمر بن سعد مهمة محاربة الحسين، بانّه: حينما علم عبيد الله بن زياد بموقف الحسين من كتابه التفت إلى عمر بن سعد بن أبي وقاص، وقد كان عمر بن سعد قبل ذلك بأيام قد عقد له عبيد الله بن زياد عقدًا وولاه الريّ ودستبي وأمره بحرب الديلم، فخرج متوجها إليها ولما بلغ حمام أعين عسكر هناك ومعه أربعة آلاف، فلمّا كان ذلك اليوم استدعاه ابن زياد فقال له: «أريد أن تخرج إلى قتال الحسين بن علي، فإذا نحن فرغنا من شغله سرت إلى عملك إن شاء الله». فقال له عمر: «أيّها الأمير! إن أردت أن تعفيني من قتال الحسين بن علي فافعل!» فقال: «قد عفيتك فاردد إلينا عهدنا الذي كتبناه لك واجلس في منزلك نبعث غيرك».، فقال له عمر: «أمهلني اليوم، ولما رأى إصراره رضي بالمسير إلى كربلاء» وتوجّه بمعيّة الأربعة آلاف في اليوم الثاني نحو كربلاء.المفاوضات بين الحسين وعمر بن سعدما إن وصل عمر بن سعد إلى كربلاء حتى أرسل إلى الحسين عزرة بن قيس الأحمسي فقال: «إ ئتهِ فَسَلْهُ ما الذي جاء به، وماذا يريد؟» وكان عزرة ممّن كتب إلى الحسين، فاستحيا منه أن يأتيه!.فعرض ذلك على الرؤساء الذين كاتبوه، فكلّهم أبى وكرهه!. فقام إليه كثير بن عبد اللّه الشعبيّ، فقال: «أنا أذهب إليه، واللّه لئن شئتَ لأ فتكنَّ به!». فقال له عمر بن سعد: «ما أريد أن يُفتك به ! ولكن ائته فسله ما الذي جاء به؟». فأقبل إليه، فلمّا رآه أبو ثمامة الصائدي قام إليه فقال: «ضَعْ سيفك! فلم يقبل ثمّ انصرف إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر». فدعا عمر قُرّةَ بن قيس الحنظلي ، فقال له: «ويحك يا قُرّة ! إلقَ حسينًا فسله ما جاء به وماذا يريد؟».فجاء قرة بن قيس حتّى سلّم على الحسين، وأبلغه رسالة عمر بن سعد إليه له. فقال الحسين: «كتب إليَّ أهل مصركم هذا أن اقدم، فأمّا إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم». فانصرف قرّة إلى عمر بن سعد فأخبره الخبر، فقال له عمر بن سعد: «إنّي لأرجو أن يعافيني اللّه من حربه وقتاله». وكتب إلى ابن عبيد الله بن زياد بذلك.

فكتب ابن زياد إلى عمر بن سعد: «أمّا بعدُ: فقد بلغني كتابك، وفهمتُ ما ذكرتَ، فاعرض على الحسين أن يبايع ليزيد بن معاوية، هو وجميع أصحابه».تحشيد المزيد من الجيش ابن زيادولما سرح ابن زياد عمر بن سعد من حمّام أعين، أمر الناس فعسكروا بالنخيلة، وأمر أن لا يتخلف أحد منهم، وصعد المنبر وقال: «إن يزيد قد زادكم مائة مائة في أعطيتكم فلا يبقينّ رجل من العرفاء والمناكب والتجار والسكان الا خرج فعسكر- مع عمر بن سعد- فأيما رجل وجدناه بعد يومنا هذا متخلفا عن العسكر برئت منه الذمة». ثم استخلف على الكوفة عمرو بن حريث وخرج حتى عسكر في النخيلة.جعل الجيش على جسر الكوفة وبعث إلى الحصين بن تميم وكان بالقادسية في أربعة آلاف، فقدم النخيلة في جميع من معه.ثم دعا ابن زياد كثير بن شهاب الحارثي ومحمد بن الأشعث ابن قيس والقعقاع بن سويد بن عبد الرحمان المنقري وأسماء بن خارجة الفزاري وقال: «طوفوا في الناس فمروهم بالطاعة والاستقامة، وخوفوهم عواقب الأمور والفتنة والمعصية، وحثوهم على الالتحاق بالجيش». وأرسل المنقري في خيل إلى الكوفة، وأمره أن يطوف بها، فمن وجده قد تخلف أتاه به. فبنيا هو يطوف في أحياء الكوفة إذ وجد رجلا من أهل الشام قد كان قدم الكوفة في طلب ميراث له، فأرسل به إلى ابن زياد، فأمر به، فضربت عنقه. فلمّا رأى الناس ذلك خرجوا.ووجه أيضا إلى الحسين حجار بن أبجر العجلي وشبث بن ربعي وشمر بن ذي الجوشن. وكان شمر بن ذي الجوشن أوّل من التحق بعمر بن سعد.ثم سرّح ابن زياد أيضا زيد (يزيد) بن ركاب الكلبي مع ألفين؛ وحُصَين بن نُمَير السكوني في أربعة آلاف، وابن رهينة المازني في ثلاثة آلاف ، وحصين بن تميم الطهري مع ألفين ونصر بن حَربة (حرشة) في ألفين من الكوفيين.ثم أرسل إلى شبث بن ربعي أن أقبل إلينا وإنا نريد أن نتوجه بك إلى حرب الحسين فجاء ومع ألف فارس. ثم أتبع ذلك بالحارث بن يزيد بن رويم فما زال ابن زياد يرسل العشرين والثلاثين والمئة من المقاتلين إلى عمر بن سعد حتى بلغ العدد في اليوم السادس من المحرم أكثر من عشرين ألف رجل. وجعل على الجيش عمر بن سعد.جلب المزيد من الأنصار للإمام الحسين عليه السلام وأقبل حبيب بن مظاهر إلى الحسين فقال: «يا بن رسول الله ﷺ ههنا حي من بني أسد بالقرب منا أتأذن لي في المسير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك، فعسى الله أن يدفع بهم عنك» قال: «قد أذنت لك»، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكرا حتى أتى إليهم فعرفوه ولما علموا بما جاء به، تبادر إليه رجال الحي. فلما علم ابن سعد بذلك دعا برجل من أصحابه يقال له: الأزرق بن حرب الصيداوي، فضم إليه أربعمائة فارس ووجه نحو حي بني أسد، فبينما أولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين في جوف الليل، إذا استقبلهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات، فناوش القوم بعضهم بعضا واقتتلوا قتالا شديدا، وعلمت بنو أسد أنه لا طاقة لهم بالقوم، فانهزموا راجعين إلى حيهم ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين فخبره بذلك فقال: «لا حول ولا قوة إلا بالله».قطع الماء على حرم الإمام الحسين عليه السلام وما أن حلّ اليوم السابع من المحرم حتى كتب ابن زياد إلى ابن سعد: «أنْ حِل بين الحسين وأصحابه وبين الماء، فلا يذوقوا منه قطرة». فبعث عمر بن سعد في الوقت عمرو بن الحجّاج في خمسمئة فارس، فنزلوا على الشريعة وحالوا بين الحسين وأصحابه وبين الماء، ومنعوهم أن يستقوا منه قطرة.وجاء في بعض المصادر أنّه لما اشتد العطش على معسكر الإمام الحسين قيض الإمام الحسين أخاه العباس عليهما السلام لهذه المهمة وأمره أن يستقي للحرائر والصبية وضم إليه عشرين راجلا وثلاثين فارسًا وقصدوا الفرات بالليل، وتقدم نافع بن هلال الجملي باللواء فصاح عمرو بن الحجاج: «من الرجل؟» قال: «جئنا لنشرب من هذا الماء الذي حلأتمونا عنه». وصاح نافع بأصحابه املأوا أسقيتكم فشدّ عليهم أصحاب ابن الحجاج فكان بعض القوم يملأ القرب وبعض كقمر بني هاشم ونافع بن هلال الجملي يقاتل فجاؤوا بالماء إلى معسكر الإمام الحسين عليه السلام.اللقاء الأخير بين سيد الشهداء الإمام الحسين وعمر بن سعدلما تكاملت الجيوش في صحراء كربلاء أرسل الحسين عمرو بن قرظة الأنصاري إلى ابن سعد يطلب الاجتماع معه ليلا بين المعسكرين، فخرج كل منهما في عشرين فارسا وأمر الحسين من معه أن يتأخر إلا العباس وابنه عليا الأكبر وفعل ابن سعد كذلك وبقي معه ابنه حفص وغلامه. فقال الحسين: «يا ابن سعد أتقاتلني أما تتقي الله الذي إليه معادك؟! فأنا ابن من قد علمت! ألا تكون معي وتدع هؤلاء فإنه أقرب إلى الله تعالى؟».ولما امتنع ابن سعد من الاستجابة للحسين وتذرع بحجج منها الخوف من أن تهدم داره وتصادر ضيعته ويحجز ماله. ولما أيس منه الحسين قام وهو يقول: «مالك ذبحك الله ذبحك على فراشك عاجلا ولا غفر لك يوم حشرك فوالله إني لأرجو أن لا تأكل من بر العراق إلا يسيرًا».ثم تواصلت الحوارات بين الحسين وبين ابن سعد ثلاث أو أربع مرات. كتب على أثرها عمر إلى ابن زياد: «أمّا بعد، فإنّ الله تعالى قد أطفأ النائرة وجمع الكلمة وأصلح أمر الاُمّة ؛ هذا الحسين قد أعطاني أنْ يرجع إلى المكان الذي منه أتى، أو أنْ يسير إلى ثغر من الثغور فيكون رجلًا من المسلمين، له ما لهم وعليه ما عليهم، أو أنْ يأتي أمير المؤمنين يزيد فيضع يده في يده فيرى فيما بينه وبينه رأيه، وفي هذا لك رضىً وللاُمّة صلاح».وقد ناقش الكثير من الباحثين والمحققين مضمون ما جاء في كتاب عمر بن سعد حتى ان عقبة بن سمعان الذي لازم الحسين طوال الرحلة قال: «والله، ما أعطاهم الحسين أنْ يضع يده في يد يزيد، ولا أنْ يسير إلى ثغر من الثغور»، ولكنّه قال: «دعوني أرجع إلى المكان الذي أقبلت منه، أو أذهب في هذه الأرض العريضة».فلمّا قرأ ابن زياد الكتاب، قال: «هذا كتاب ناصح لأميره، مشفق على قومه». فقام شمر بن ذي الجوشن وقال: «أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك؟! والله، لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك، ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، ولكن لينزل على حُكمك هو وأصحابه، فإنْ عاقبت فأنت أولى بالعقوبة، وإنْ عفوت كان ذلك لك». فقال له ابن زياد: «نِعم ما رأيت! الرأي رأيك، اخرج بهذا الكتاب إلى عمر بن سعد فليعرض على الحسين وأصحابه النّزول على حكمي، فإذا فعلوا فليبعث بهم إليّ سلمًا، وإنْ أبوا فليقاتلهم، فإنْ فعل فاسمع له وأطع، وإنْ أبى فأنت أمير الجيش، فاضرب عنقه وابعث إليّ برأسه».وكتب إلى ابن سعد: «إنّي لم أبعثك إلى الحسين لتكفّ عنه، ولا لتطاوله، ولا لتمنّيه السّلامة والبقاء، ولا لتعتذر عنه، ولا لتكون له عندي شافعًا، أنظر فإنْ نزل الحسين وأصحابه على حُكمي واستسلموا فابعث بهم إليّ سِلمًا، وإنْ أبوا فازحف إليهم حتّى تقتلهم وتُمثّل بهم؛ فإنّهم لذلك مُستحقّون. فإنْ قتلت الحسين فأوطئ بالخيل صدره وظهره، ولستُ أرى أنّ هذا يضرّ بعد الموت شيئًا، ولكن عليّ قولٌ قد قلتُه: لو قد قتلتُه لفعلتُ هذا به. فإنْ أنت مضيت لأمرنا جزيناك جزاء السّامع المطيع، وإنْ أبيت فاعتزل عملنا وجُندنا، وخلّ بين شمر بن ذي الجوشن وبين العسكر، فإنّا قد أمّرناه بأمرنا، والسّلام».قال الحسين بن علي (عليه السلام) في خطاب لأصحابه:أَلَا تَرَوْنَ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ وَالْبَاطِلَ لَا يُتَنَاهَى عَنْهُ لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ فِي لِقَاءِ اللَّهِ وَإِنِّي لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا سَعَادَةً وَالْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَما (ابن طاووس، الملهوف، ص 138)الشمر لعنة الله في كربلاءوصل الشمر إلى كربلاء بعد ظهر يوم الخميس التاسع من المحرم سنة إحدى وستين، وسلّم الكتاب إلى عمر بن سعد فلمّا قرأ ابن سعد الكتاب، قال له: ما لك ويلك! لا قرّب الله دارك، وقبّح الله ما قدمت به عليّ. والله، إنّي لأظنّك أنت الذي نهيته أنْ يقبل ما كتبتُ به إليه، وأفسدت علينا أمرًا كنّا قد رجونا أنْ يصلح. لا يستسلم والله، حسين؛ إنّ نفس أبيه لَبين جنبيه. فقال له شمر: «أخبرني بما أنت صانع، أتمضي لأمر أميرك وتُقاتل عدوّه، وإلاّ فخلّ بيني وبين الجند والعسكر؟» قال: «لا، ولا كرامة لك، ولكن أنا أتولّى ذلك دونك».عرض كتاب الأمان على أبناء أم البنينروي أنّ عبد الله بن أبي المحل بن حزام بن خالد بن ربيعة خاطب عبيد الله بن زياد قائلا: «أصلح الله الأمير إنّ بني اختنا مع الحسين فان رأيت أن تكتب لهم أمانا فعلت». فكتب لهم أمانًا. فبعث به عبد الله بن أبي المحل مع مولى له يقال له كزمان أو عرفان، فلما قدم عليهم دعاهم فقال: «هذا أمان بعث به خالكم»، فقال له الفتية: «أن لا حاجة لنا في أمانكم».وفي رواية أن الذي قرأ كتاب الأمان هو الشمر بن ذي الجوشن فرفض الفتية من أبناء أم البنين الاستجابة لذلك. وفي رواية ثالثة أن الذي طلب من ابن زياد كتاب الامان هو الشمر نفسه وهو الذي قرأه على العباس بن علي بن أبي طالب وإخوته جعفر وعثمان وعبد الله فرفضوا ذلك.وبعد أن رفض الفتية كتاب الأمان في عصر التاسع من المحرّم نادى يا خيل الله اركبى وأبشرى فركب في الناس ثم زحف نحوهم بعد صلاة العصر، والحسين جالس أمام بيته محتبيًا بسيفه.في خطبة الإمام الحسين (عليه السلام) ليلة العاشر من المحرمأَمَّا بَعْدُ، فإني لا أعلم أَصْحَابا أولى وَلا خيراً من أَصْحَابي، وَلا أهل بيت أبرّ وَلا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم اللَّه عني جميعاً خيراً، أَلا وإني أظن يومنا من هَؤُلاءِ الأعداء غداً، أَلا وإني قَدْ رأيت لكم فانطلقوا جميعاً فِي حل، ليس عَلَيْكُمْ مني ذمام، هَذَا ليل قَدْ غشيكم، فاتخذوه جملاً. (الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 418)كانت النهاية المؤلمة للإمام الحسين (عليه السلام) الذي لقب بسيد الشهداء وأهل بيته وصحبه الكرام الذين ضربوا أروع الأمثلة في الثبات على المبدأ ، وسمو النفس والفداء ، وقد تركت واقعة الطف آثاراً بعيدة المدى في التاريخ الإسلامي والحضارة الإنسانية ، ظلت أصداؤها تتجاوب على مر القرونصدم مقتل سيد الشهداء وسبط الرسول صلى الله عليه وسلم الإمام الحسين عليه السلام المجتمع الإسلامي، وتأثرت صورة يزيد لدى المسلمين، كان فلمقتل الحسين تأثير عاطفي على المسلمين، الذين يتذكرون الحدث باعتباره حادثًا مأساويًا وأن الذين قتلوا بصحبة الإمام الحسين شهداء عليهما السلام. بينما كان التأثير على الشيعة أعمق حسب ظهر على شكل مراسم وشعائر وعقائد.أن الأحداث التي شهدتها استشهاد الإمام الحسين ومن معه عليهما السلام في كربلاء كان بمثابة تضحية لمنع فساد الإسلام من قبل الحكام المستبدين ولحماية عقيدة الإسلام. ويُعتقد الكثير أن سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام كان على دراية كاملة بمصيره ونتائج تمرده، الذي يعتقد أنه كان أمرًا إلهيًا ، وبذلك يُذكر بأنه سيد الشهداء ، يصف المؤرخ البريطاني جيرالد هاوتينغ معركة كربلاء بأنها «أسمى» مثال على «المعاناة والاستشهاد» . ووفقًا لعبد العزيز ساتشدينا يعتبر الشيعة واقعة كربلاء ذروة المعاناة والقمع والانتقام الذي أصبح أحد الأهداف الأساسية للعديد من الانتفاضات الشيعية.

وقائع صباح يوم العاشر من محرّم

بدأت حركة الإمام صباح العاشر من المحرم بإقامة صلاة الصبح جماعة.ثم نظّم صفوف قواته، وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً.فجعل زهير بن القين على ميمنته، وحبيب بن مظاهر على ميسرته، ودفع الراية إلى أخيه العباس بن علي‏ . وأمر أصحابه أن يقرّب بعضهم خيامهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد. وأمر فأتي بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنّه ساقية وكانوا حفروه في ساعة من الليل فصار كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك القصب والحطب وقالوا: «إذا غدوا فقاتلونا ألهبنا فيه النار لئلا يأتونا من ورائنا ففعلوا».وفي المقابل تقدّم عمر بن سعد ليؤم جيشه الذي بلغ عدده على المشهور أربعة آلاف مقاتل لصلاة الغداة وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلى ميسرتهشمر بن ذي الجوشن الضبابي وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وعلى الرجالة شبث بن ربعي الرياحي.وجعل عمر بن سعد أيضاً على ربع أهل المدينة عبد الله بن زهير الأزديّ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفيّ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد الرياحيّ، وأعطى الراية دريداً مولاه. واستعد لمحاربة أبي عبد الله الحسين وأصحابه.فلمّا نظر الإمام الحسين – كما في الرواية – إلى الجيش رفع يديه بالابتهال إلى الله قائلاً: «اَللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْب، وأَنْتَ رَجائي في كُلِّ شِدَّة، وأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْر نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يُضَعِّفُ فيهِ الْفُؤادُ وتَقِلُّ فيهِ الْحيلَةُ، ويَخْذِلُ فيهِ الصَّديقُ ويَشْمِتُ فيهِ الْعَدُوُّ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ وشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي إِلَيْكَ عَمَّنْ سِواكَ، فَفَرَّجْتَهُ عَنّي وكَشَفْتَهُ، فَأَنْتَ وَلِىُّ كُلِّ نِعْمَة، وصاحِبُ كُلِّ حَسَنَة ومُنْتَهى كُلِّ رَغْبَة».وحينها أرسل عمر بن سعد رجالاً يقوضون الخيام عن إيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم، قال: فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت فيشدون على الرجل وهو يقوض وينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه.خطاب الإمام الحسين وأصحابهقبل أن تنشب الحرب بين الطرفين قرر الإمام إلقاء الحجّة على جيش عمر بن سعد فركب فرسه وتقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه برير بن خضير، فقال له الحسين : كلّم القوم، فتقدم برير، فقال: «يا قوم اتقوا الله فإن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟. فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلى ورائه. وتقدم الحسين حتى وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، فقال: «الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال…» فتقدم شمر فقال: «يا حسين، ما هذا الذي تقول؟ أفهمنا حتى نفهم»، فقال: أقول:«اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني، فإنّه لا يحل لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم، ولعله قد بلغكم قول نبيكم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة».وقال المفيد: «ودعا الحسين براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهل العراق- وجلهم يسمعون- فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ، وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزّل الكتاب، وهو يتولى الصالحين. ثم حمد الله وأثنى عليه….».ثم قال: «أما بعد فانسبوني، فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن “بنت” نبيكم، وابن وصيه وابن عمه، وأول مؤمن مصدق لرسول الله بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداءعمي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟ أولم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبراء بن عازب أوزيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي…» ثم نادى: «يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الاشعث، ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار، واخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك مجندة؟» فقال له قيس بن الأشعث: «ما ندري ما تقول ولكن أنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب»، فقال لهم الحسين : «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد».ثم تقدم زهير بن القين فخاطب الكوفيين بقوله: «يا أهل الكوفة، نذارِ لكم من عذاب اللهِ نَذارِ، إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوةٌ على دين واحد وملّة وحدة ما لمْ يَقَع بيننا وبينكم السّيف وأنتم للنّصيحة منّا أهلٌ فإذا وقع السّيف انقطعت العِصمة وكنّا نحن أُمّة وأنتم أُمّة، إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد ليَنْظُر ما نحن وأنتم عاملون».فرماه الشمر بسهم، وقال له: «اسكُت، اسكَتَ الله نأمَتك فقد أبرمتنا “اضجرتنا” بكثرة كلامك»، وكان من قبل ذلك قد رد على خطاب الإمام الحسين عليه السلام

الحسين (عليه السلام) يمنع من البدء بالقتال

لما أقبل القوم يقودهم شمر بن ذي الجوشن يجولون حول الخيام ورأوا الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان أُلقي فيه، فتكلم شمر بكلمات نابية لا تخرج الا من أمثاله، رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين من ذلك قائلاً: «لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال».اندفاع شمر نحو الحربوبعد أن انتهت حملة عمرو بن الحجاج على معسكر الإمام الحسين عليه السلام حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له، فطاعنوه وأصحابه. ولم يكن في جيش الكوفة من هو أقل شوقاً للحرب واندفاعا لها من شمر بن ذي الجوشن حتى أنّه لم يرع أخلاقيات الحرب وكاد أن يفتك بالنساء على مرأى من الإمام الحسين عليه السلام حتى وبّخه بعض قادة جيش ابن زياد بقوله: «أمرعبا للنساء صرت يا شمر؟!».

الحملة الكبرى

وقبيل الزوال من ظهر العاشر من محرم حمل جيش ابن زياد على الإمام الحسين عليه السلام وأصحابه من كل جانب، فقاتلهم أصحاب الحسين قتالاً شديداً، وأخذت خيل أصحاب الإمام الحسين عليه السلام تحمل وإنما هم اثنان وثلاثون فارساً، وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته، فلما رأى ذلك عزرة بن قيس- وهو على خيل أهل الكوفة- أن خيله تنكشف من كل جانب، بعث إلى عمر بن سعد بعبد الرحمن ابن حصن، فقال: «أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدة اليسيرة! أبعث إليهم الرجال و الرماة». فدعا عمر بن سعدالحصين بن تميم فبعث معه المجففة “وهم جماعة من الجيش يحملون دروعاً أو متاريس كبيرة” وخمسمائة من المرامية، فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، وصاروا رجّاله كلهم. وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الإمام الحسين بالانتشار بين الخيام للدفاع عنها ومنع من يريد الاقتراب منها ونهبه وتمكنوا من قتل البعض وجرح البعض الآخر، فلما أحسّ عمر بن سعد بحراجة الموقف وموقفه من القضاء على الإمام وأصحابه بسرعة فائقة أمر بتقويض الخيام فسارع شمر بن ذي الجوشن مع أصحابه للهجوم على المخيم فتصدى له زهير بن القين في عشرة رجال من أصحاب الحسين وكشفوهم عن البيوت.واشتد القتال والتحم وكثر القتلى والجرحى في أصحاب أبي عبد الله الحسين إلى أن زالت الشمس. وقد استشهد في هذه الحمل بالإضافة إلى مسلم بن عوسجة كل منعبد الله بن عمير الكلبي في ميمنة جيش الإمام على يد هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التميمي. وعمرو بن خالد الصيداوي وجابر بن الحارث السلماني وسعد غلام عمرو بن خالد ومجمع بن عبد الله العائذي وابنه عائذ بن مجمع سقطوا عند مبارزة العدو. كما سقطت مجموعة من أنصار الإمام أوصلتها بعض المصادر التاريخة إلى الخمسين شهيداً.انظر: عبد الله بن عمير الكلبي‎، عمرو بن خالد الصيداوي، جابر بن حارث السلماني، سعد غلام عمرو بن خالد، مجمع بن عبد الله العائذئ، وعائذ بن مجمع.وقائع ظهر العاشر من محرّماستمر القتال بين الطرفين حتى زوال الشمس وحلول وقت الصلاة فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين : «يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء» وقال: «ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، نعم هذا أوّل وقتها»، ثم قال: «سلوهم أن يكفوا عنا حتّى نصلي».فقال الحصين بن نمير: «إنها لا تقبل»، فقال حبيب بن مظاهر: «لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا حمار»، “وفي رواية يا ختار يعني يا غادر وفي رواية ثالثه يا فاسق”، فحمل عليه الحصين بن نمير وحمل عليه حبيب. ولم يزلْ حبيب يُقاتل حتّى حمَلَ عليه رجلٌ من بني تميم يُقال له بُديل بن صُرَيم فضربه برمحه فوقع وذهب ليقوم فضربه الحُصينُ بن نَمير على رأسه بالسّيف فسقط.تقدّم الإمام ببقيّة أصحابه وكانوا عشرين رجلاً اصطفوا للصلاة خلفه فلما أراد الصلاة قال لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي: «تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلّى بهم صلاة الخوف».وروي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما أخذ الحسين يمينا وشمالاً قام بين يديه، فما زال يرمى به حتى سقط شهيداً.وبعد أن أتمّ الإمام صلاته استشهد سعيد بن عبد الله على أثر ما أصيب من جراح ثمّ برز كل من زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني،نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، حنظلة بن سعد الشبامي فاستشهدوا واحداً تلو الآخر.انظر: سعيد بن عبد الله‎، زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني، نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، وحنظلة بن سعد الشبامي

وقائع عصر عاشوراء

بنو هاشم يتقدمون إلى الموت تسجل لنا المصادر التاريخية أنه لمّا استشهد أصحاب الإمام الحسين أخذ بنو هاشم بالخروج إلى المعركة وكان أوّل من طلب الخروج إلى الحرب علي بن الحسين المعروف بعلي الأكبر فأذن له أبوه مودعاً له بقوله: «اللهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً و منطقاً برسولك».وبعد أن سقط علي الأكبر شهيداً تقدم سائر إخوة الإمام عبد الله وعثمان وجعفر قبل العباس حتى استشهدوا جميعاً. ثم خرج سائربني هاشم واحداً تلو الآخر منهم أبناء عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن مسلم بن عقيل بالإضافة إلى أبناء جعفر بن أبي طالب، وعدي بن عبد الله بن جعفر الطيار بالإضافة إلى أبناء الإمام الحسن كالقاسم بن الحسن وأخيه أبو بكر فسقطوا جميعهم شهداء واحداً تلو الآخر.انظر: عبد الله بن مسلم بن عقيل، عبد الرحمن بن عقيل، القاسم بن الحسن، عدي بن عبد الله بن جعفر الطيار، أبو بكر بن حسن ، عبد الله بن علي ، عثمان بن علي ، وجعفر بن علي وكان أبو الفضل العباس صاحب راية الإمام وقد تمكن من كسر الحصار المضروب على الخيام واقتحم الفرات لكنه استشهد في طريق عودته وقبل أن يوصل الماء إلى العيال.انظر: العباس بن علي

إصرار الإمام السجاد (عليه السلام) على خوض الحرب

ولما فجع الحسين بأهل بيته وولده وأصحابه، ورأى جميع صحبه مجزرين على الأرض ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى : «هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟».ثم التفت إلى أصحابه منادياُ: «يا حبيب بن مظاهر، ويا زهير بن القين، ويا مسلم بن عوسجة، يا أبطال الصفا، ويا فرسان الهيجاء، مالي أناديكم فلا تجيبوني، وأدعوكم فلا تسمعوني؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون؟ أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصرونه؟ فهذه نساء الرسول لفقدكم قد علاهن النحول، فقوموا من نومتكم، أيها الكرام، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام…».فخرج علي بن الحسين زين العابدين وكان مريضاً لا يقدر أن يقل سيفه، وأم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع، فقال: يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله : فقال الحسين : يا أم كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد .

استعداد الإمام الحسين للحرب

ولمّا قرّر الإمام النزول إلى المعركة جاء إلى المخيم فجمع إخواته وبناته والأطفال فودّعهم وأمرهم بالسكوت وطلب ثوباً عتيقاً لا يرغب فيه أحد، فخرّقه ولبسه تحت ثيابه؛ لئلا يُجرّد منه. فلمّا قُتل ، جرّدوه منه وتركوه عرياناً على وجه الصّعيد. ثم إنّه لما رأى ولده عبد الله الرضيع يجود بنفسه من العطش أتى به– حسب بعض المقاتل- نحو القوم يطلب له الماء، وقال: «إن لم ترحموني، فارحَموا هذا الطفل»، فاختلفَ العسكر فيما بينهم فصوب اليه حرملة بن كاهل السهم وهو في حِجر أبيه فذبحته من الوريد إلى الوريد.

قتال الحسين (عليه السلام) في عصر عاشوراء

بعد أن بقي الإمام الحسين وحيداً صمم على منازلة القوم إلاّ أنهم أحجموا عن مواجهته رغم ما به من جراح، لكنهم حالوا بينه وبين الوصول إلى المشرعة فأصابه سهم في حَنَكه . ورغم الجراح والآلام التي أصيب بها إلا أنّه قاتل القوم ببسالة. وصفها حُمَيد بن مسلم بقوله: «فوالله ما رأيت مكسورا قط قد قتل ولده وأهل بيته وأصحابه أربط جاشا ولا أمضى جنانا منه إذ كانت الرجالة لتشد عليه فيشد عليها بسيفه فينكشف عن يمينه وعن شماله انكشاف المعزى إذا شد فيها الذئب».

الحسين (عليه السلام) يصلي الظهر

وقال ابن طاووس: «لقد كان يحمل فيهم و لقد تكملوا ثلاثين ألفاً فيهزمون بين يديه كأنهم الجراد المنتشر ثم يرجع إلى مركزه وهو يقول: لا حول ولا قوّة إلا بالله».ثم إنّه ودّع عياله مرّة ثانية وأمرهم بالصبر ولبس الأزر وقال: «استعدوا للبلاء واعلموا أنّ الله حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شرّ الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير…». ثم ودّع النساء قائلاً: «يا سكينة يا فاطمة يا زينب يا أم كلثوم، عليكنَّ مِنّي السلام». ثم دخل خيمة ولده السجاد ليودّعه.ولما كان مشغولاً بوداع عياله صاح عمر بن سعد: «ويحكم اهجموا عليه ما دام مشغولاً بنفسه وحرمه فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين أطناب المخيم وشك سهم بعض أزر النساء فدهشن وأرعبن وصحن ودخلن الخيمة».

استشهاد الإمام الحسين

ثم إن الإمام الحسين عليه السلام اتخذ له مركزاً ينطلق منه لمحاربة القوم والرجوع إليه فإذا رجع إلى مركزه يكثر من قول «لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم» ليُعلم النساء ببقائه حيّاً. فلما رأى الشمر ذلك حال بينه وبين عياله فصاح بهم الحسين : «ويحكم إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً».فأحاط به القوم يتقدّمهم شمر بن ذي الجوشن إلاّ أنهم أحجموا عن مواجهته والشمر يحثّهم على ذلك. فأمر الشمر الرماة فتراجع الإمام إلى الخلف مثخناً بالجراح والسهام فأحاطوا به صفاً.وقيل أنّ رجلاً من كنده ضربه على رأسه . وقالوا: «وقف يستريح ساعة وقد ضعف عن القتال، فبينما هو واقف إذ أتاه حجر فوقع في جبهته، فأخذ الثوب ليمسح الدم عن وجهه، فأتاه سهم محدد مسموم له ثلاث شعب، فوقع السهم في صدره- وفي بعض الروايات: على قلبه».وروي أنّه لما ضعف عن القتال وقف، فكلّما أتاه رجل وانتهى إليه انصرف عنه حتى جاءه رجل من كندة يقال له: «مالك بن اليسر، فشتم الحسين وضربه بالسيف على رأسه وعليه برنس فامتلأ دماً».وضربه زرعة بن شريك على كتفه اليسرى، وضربه آخر على عاتقه المقدس بالسيف ضربة وطعنه سنان بن أنس النخعي في ترقوته ثم رماه سنان أيضاً بسهم، فوقع السهم في نحره، وطعنه صالح بن وهب المرّي “وقيل سنان بن أنس” على خاصرته طعنة فسقط الحسين عن فرسه إلى الأرض.في تلك الحالة وبينما هو يجود بنفسه وقد أحاط به العدو خرج عبد الله بن الحسن بن علي وهو غلام لم يراهق من عند النساء يشتد حتى وقف إلى جنب الحسين فلحقته زينب بنت علي لتحبسه فأبى وامتنع امتناعاً شديداً فقال: «لا والله لا أفارق عمّي فأهوى بحر بن كعب وقيل حرملة بن كاهل الأسدي إلى الحسين بالسيف» فقال له الغلام: «ويلك يا ابن الخبيثة أتقتل عمّي!» فضربه بالسيف فاتقاها الغلام بيده فأطنها– أي قطعها- إلى الجلد فإذا هي معلقة… ورماه حرملة بن كاهل بسهم فذبحه وهو في حجر عمّه الحسين .ثم جاء الشمر مع جماعة من جيش عمر بن سعد فيهم أبو الجنوب عبد الرحمن بن زياد وقشعم بن عمرو بن يزيد وصالح بن وهب اليزني وسنان بن أنس النخعي وخولي بن يزيد الأصبحي وهو يحثّهم على قتل الحسين . فلم يمتثل أمره أحد منهم فصاح شمر ما تنتظرون بالرّجل؟ ثم أمر خولى بن يزيد الأصبحي ليحتزّ رأسه فنزل ليحتّز رأسه فأرعد وامتنع عن ذلك، فقال شمر: «فتّ الله في عضدك ما لَك ترعد؟» فنزل شمر “وقيل سنان بن أنس” فقطع رأس الإمام وناوله لخولي.وبعد استشهاده وجد في بدنه: 34طعنة رمح و33 ضربة سيف وجراح أخرى من أثر النبال. ثم جردوا الإمام من ثيابه وتركوه عارياً.

الخيول تطأ جسد سيد الشهداء الحسين

ثم نادى عمر بن سعد في أصحابه من ينتدب للحسين فيوطئ الخيل ظهره وصدره فانتدب منهم عشرة وهم:إسحاق بن حرية الذي سلب الحسين (عليه السلام) قميصه.أخنس بن مرثد وحكيم بن طفيل السنبسي وعمر بن صبيح الصيداوي ورجاء بن منقذ العبدي وسالم بن خثيمة الجعفي وواحظ بن ناعم وصالح بن وهب الجعفي وهاني بن شبث الحضرمي وأسيد بن مالك فداسوا الحسين بحوافر خيلهم حتى رضّوا صدره و ظهره.

قطع رؤوس الشهداء

وبعد أن قُطعت الرؤوس بعث عمرو بن سعد في نفس اليوم برأس الحسين إلى عبيد الله بن زياد مع خولي بن يزيد الأصبحي وحميد بن مسلم الأزدي، ثم أمر بقطع الرؤوس المقدسة من شباب بني هاشم وأصحاب الحسين وكانت 72 رأساً وأرسلها إلى الكوفة مع شمر بن ذي الجوشن وقيس بن الأشعث وعمرو بن الحجاج.حوادث ما بعد المعركةنهب الخياملم يكتف جلاوزة بني أميّة، أعداء اللّه ورسوله ، بعد قتل الإمام بسلبه ورضّ جسده الطاهر بحوافر الخيل، بل تجاوزوا الحدّ وعدّوا على المخيم ونهبوا ما فيه من خيول وجِمال ومتاع، وهتكوا سَتر حُرَم رسول الله بسلب ما عليهن من حليّ وحجاب بصورة فجيعة يندى لها جبين كلّ أبيّ غيور. وكانوا يتسابقون في نهب بيوت آل الرسول .

وقصد شمر إلى الخيام مع جماعة من جيشه لغرض قتل الإمام السجاد فتصدّت له السيدة زينب ومنعته من ذلك وقيل الذي منعه جماعة من جيش عمر بن سعد حيث عابوا عليه موقفه هذا.ثم أمر عمر بن سعد بجمع العيال والأطفال في خيمة واحدة وأمر بحراستهم.الناجون من المعركةسجّل لنا التاريخ عدّة أسماء تمكن أصاحبها من النجاة من المعركة هم: الضحاك بن عبد الله المشرقي الذي ترك المعركة هو وغلام عبد الرحمن بن عبد ربّه الأنصاري بعد أن بقي الحسين وحيداً؛ ومنهم مرقع بن ثمامة الأسدي الذي سيره– أبعده- عبيد الله بن زياد؛ ومنهم عقبة بن سمعان خادم الربابزوج الحسين حيث توسط له عمرو بن سعد لكونه عبداً.

سبي عائلة الحسين (عليه السلام)ثم إنّ عمرو بن سعد أمر بسبي عائلة الإمام الحسين وفيهم الإمام السجاد الذي اشتد به المرض أثناء المعركة فأرسلهم إلى ابن زياد في الكوفة ومن الكوفة أرسلوا إلى الشام فأدخلوهم قصر يزيد بن معاوية.

سلامٌ على الإمامِ الحسينْ من القلوبِ الهاتفةْ *** من الدماءِ النازفة ْدقتِ الأجراسُ هّيا *** أين عنّي كربلائ يهاجَ حُبي هاجَ عزمي *** وحكى عُرقُ الدماءِكنت كالميت أحيا *** حاملاً إسمَ الولاءِوحنينُ البَوْحِ يُدمي *** هاجِسَ الشعرِ الفدائي يُنبأُ الظلاّمِ إني *** جمرةٌ فيها بقائي عندما تُعطي لظاها *** يُصبِحُ الموتُ دُعائي أيُّ موتٍ حينَ أغدو *** في سبيلِ الشُهداءِفالبسوا أكفانَ عشقٍ *** ثم قوموا للعزاءِكلُّ شيءٍ .. ظلَّ يحكي *** قصتي في كربلاأيُّ دنيا .. أيُّ محيا *** صوتُ لبيك اعتلايومُ نصري .. يومُ قتلي *** صارَ عُمراً أطولافأجيبي .. يا دمائي *** إنَّ ثأري قد غلى

صرخاتٌ واشهيداه

صرخاتٌ واحسيناه

إنّي على رغْمِ العدا ثورةٌ *** قد صَّدرتها بالدما نينوى و الكلُّ يا ظلاّمنا صرخةٌ *** هَّزتْ عروشَ الجورِ بالمحتوى وحيٌ تجلى فوق ساحاتِنا *** والقلبُ نزفٌ صبره ما ارتوى أبلغْ ضحايانا وخرَّ الثرى *** بالنصر يا من في ثرانا ثوى وامّررْ بنا يا راحلاً لم يزل ْ *** يبغي من الأسفارِ وادي طُوى هذا حسينٌ في الشرايينِ قد ْ *** سالت دماهٌ يا غريب الهوى سلامٌ على الإمامِ الحسينْ

السلام على الحسين المظلوم الشهيد….

السَّلام عَلَيْكَ يَا أبا عَبْدِ اللهِ وَعلَى الأرواحِ الّتي
حَلّتْ بِفِنائِكَ ، وَأنَاخَت برَحْلِك، عَلَيْكًم مِنِّي سَلامُ اللهِ أبَداً
مَا بَقِيتُ وَبَقِيَ الليْلُ وَالنَّهارُ ، وَلا جَعَلَهُ اللهُ آخِرَ العَهْدِ
مِنِّي لِزِيَارَتِكُمْ أهْلَ البَيتِ، السَّلام عَلَى الحُسَيْن ، وَعَلَى عَليِّ بْنِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أوْلادِ الحُسَيْنِ ، وَعَلَى أصْحابِ الحُسَين وشهداء كربلاء

فنلبي جميعا اماما المظلوم العطشان الشهيد المذبوح على ارض كربلاء بنداء واحد لبيك يا حسين

زيارة الإمام الحسين (عليه السلام)

اَلسّلامُ عَلَيكَ يا وارِثَ آدَمَ صَفوَةِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ إِبرَاهِيمَ خَلِيلِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَا وَارِثَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ وَلِيِّ اللهِ، السّلامُ عَلَيكَ يَابنَ مُحمَّدٍ المُصْطَفَى، السّلامُ عَلَيكَ يَابنَ عَليٍّ المُرْتَضَى، السّلامُ عَليكَ يَابنَ فاطِمَةَ الزَّهراء، السّلامُ عَلَيكَ يَابنَ خَدِيجَةَ الكُبْرَى، السَّلامُ عَلَيكَ يَا ثَارَ اللهِ وَابنَ ثَأْرِهِ وَالوِتْرَ المُوتُورَ، أَشهَدُ أَنَّكَ قَد أَقَمْتَ الصَّلاةَ وَآتَيْتَ الزَّكَاةَ، وَأمَرْتَ بِالمَعرُوفِ وَنَهَيْتَ عَنِ المُنكَرِ، وَأَطَعْتَ اللهَ وَرسُولَهُ حَتَّى أَتَاكَ اليَقِينُ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ، وَلعنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتِ بِذَلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ، يَا مَولايَ يَا أَبَا عَبدِاللهِ أَشْهَدُ أَنَّكَ كُنْتَ نُوراً فِي الأَصْلابِ الشَّامِخَةِ وَالأَرْحَامِ المُطَهَّرَةِ لَمْ تُنَجّسْكَ الجَاهِلِيَّةُ بِأَنْجَاسِهَا وَلَمْ تُلْبِسْكَ مِن مُدْلَهِمَّاتِ ثِيَابِهَا، وَأَشهَدُ أَنَّكَ مِن دَعَائِمِ الدِّينِ وَأَركَانِ المُؤمِنِينَ، وَأَشهَدُ أَنَّكَ الإِمَامُ البَرُّ التَّقِيُّ الرَّضِيُّ الزَّكِيُّ الهادِيُ المَهدِيُّ، وَأَشهَدُ أنَّ الأَئِمَّةَ مِن وُلْدِكَ كَلِمَةُ التَّقوَى وَأَعلامُ الهدَى وَالعُروَةُ الوُثقَى وَالحُجَّةُ عَلَى أَهلِ الدُّنيَا، وَأُشهِدُ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ وأَنبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ أَنِّي بِكُم مُؤمِنٌ وَبِإِيَابِكُمْ مُوْقِنٌ بِشَرَائِعِ دِينِي وَخواتِيمِ عَمَلِي وَقَلْبِي لِقَلبِكُم سِلْمٌ وَأَمرِي لأَمرِكُم مُتَّبِعٌ، صَلَواتُ اللهِ عَلَيكُم وَعَلَى أَرْوَاحِكُم وَعَلَى أَجْسَادِكُم وَعَلَى أَجسَامِكُم، وَعَلَى شَاهِدكُم وَعَلَى غائِبِكُم وَعَلَى ظَاهِرِكُم وَعَلَى بَاطِنِكُم.بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَابْنَ رَسُولِ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يا أَبا عَبْدِاللهِ، لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وَجَلَّتِ الْمُصيبَةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَميعِ أَهْلِ السَّمَاواتِ والْأَرْضِ، فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَأَلْجَمَتْ وَتَهَيَّأَتْ لِقِتالِكَ، يا مَوْلايَ يا أَبا عَبْدِاللهِ قَصَدْتُ حَرَمَكَ، وَأَتَيْتُ اِلى مَشْهَدِكَ، أَسْألُ اللهَ بِالشَّأنِ الَّذي لَكَ عِنْدَهُ وبالمَحَلِّ الَّذِي لَكَ لَدَيْهِ، أَنْ يُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّد، وَأَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.ثمّ قم وصرْ إلى عند رجلَيْ القبر وقفْ عند رأس عليّ بن الحسين(عليه السلام) وقلْ:السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ نَبِيِّ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيْكَ يابْنَ الحُسَيْنِ الشَّهِيدِ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الشَّهِيدُ، السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها المَظْلُومُ وَابْنُ المَظْلُومُ، لَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً ظَلَمَتْكَ وَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً سَمِعَتْ بِذلِكَ فَرَضِيَتْ بِهِ. ثم انكب على القبر وقل: السَّلامُ عَلَيْكَ يا وَلِيَّ اللهِ وَابْنَ وَلِيِّهِ لَقَدْ عَظُمَتِ المُصِيبَةُ وَجَلَّتِ الرَّزِيَّةُ بِكَ عَلَيْنا وَعَلى جَمِيعِ المُسْلِمِينَ فَلَعَنَ اللهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ وَأَبْرَاُ إِلى اللهِ وَإِلَيْكَ مِنْهُمْ.ثمّ توجّه إلى الشهداء وقلْ:السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَوْلِياءَ اللهِ وَأَحِبّاءَهُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَصْفِياءَ اللهِ وَأَوِدَّاءَهُ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ دِينِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ رَسُولِ اللهِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ فاطِمَةَ سَيِّدَةِ نِساءِ العالَمِينَ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ أَبِي مُحَمَّدٍ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الوَلِيِّ النَّاصِحِ، السَّلامُ عَلَيْكُمْ يا أَنْصارَ أَبِي عَبْدِاللهِ، بِأَبِي أَنْتُمْ وَأُمِّي طِبْتُمْ وَطابَتِ الأَرْضُ الَّتِي فِيها دُفِنْتُمْ وَفُزْتُمْ فَوْزاً عَظِيماً، فَيا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَكُمْ فَأَفُوزَ مَعَكُمْ.

قلم وصوت ومحام آل البيت

كاتب ومؤرخ إسلامي

إبن وليد الكعبة وشهيد المحراب أبا السبطين

إبن أمير المؤمنين الإمام علي الكرار كرم الله وجهه

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون الشريف

الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى