تقارير و تحقيقات

“أثر النبي” بمصر القديمة.. جامع بلا أثر (صور)

“يا عين إن بعد الحبيب وداره.. ونأت مرابعه وشط مزاره…فلك الهنا فلقد ظفرت بطائل.. إن لم تربه فهذه آثاره”.. أبيات شعر ألقاها الشاعر الاندلسي جلال الدين بن الخطيب حين زار رواق رباط الأثر بـ أثر النبي  القائم على شاطئ النيل بحي مصر القديمة، والذي وصل للخراب عشرات المرات ولكنه يأبى السقوط، ضاربًا بجذوره التاريخ  وخالدًا  كمجرى النيل الذي يجري من جانبه ملقيًا عليه السلام.

وأثر النبي أو العهدة الشريفة هي مجموعة من المتعلقات الشخصية الخاصة بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم، اشتراهم وزير مصري بمقابل 100 ألف درهم من بني إبراهيم بينبع، ويقال إنهم تلقوها بالميراث عن آبائهم وأجدادهم الأولين في أجيال متعاقبة تمتد إلى زمن النبي محمد صلى الله عليه وسلم واحتفظت به مصر لقرون عديدة.

وأضحى الجامع اليوم يصارع من أجل البقاء، فلم يتبقى منه سوى اسم ولكن بلا أثر، مجرد عنوان مكتوب على ظهر وسائل النقل، كدليل على دخول المنطقة بالرغم من أن أهالي المنطقة لا يعرفون تاريخه وهم فقط يلقون القمامة خلف أسواره.

الأثر الحائر

ووفق مشاهدة محررة موقع “اليوم”، يعاني رباط الأثر إهمالاً الشديد، وإذا حاولت اقتحامه ستصطدم بكومة هائلة من القمامة والمخلفات الملقاة من قبل الأهالي بأرض فضاء كانت متروكة أمام الجامع حين بُني  ليرى منها النيل.

كما يعاني من قلة وعي أهالي المنطقة بمكانة وعظمة المكان الذي احتضن متعلقات الرسول صلي الله عليه وسلم.

بخلاف تبعيته لأكثر من جهة مسؤلة، فهو تابع لوزارتي الآثار والأوقاف، حيث إنه يظل حائرًا منذ عام 2007 أخر ترميم له بين الوزارتين.

من المجاهدين للصوفية

والرباط هو نوع من المباني، سكنه المجاهدون الذين يدافعون عن الإسلام وأهمها في شمال أفريقيا، ومعظمها أبنية مستطيلة الشكل وتوجد في أركانها أبراج للمراقبة، ولما زالت عن الرباط صفاته العسكرية، أصبح مكاناً للتقشف والعبادة يسكنها المتصوفون.

ومنشئ هذا الجامع هو الوزير الصاحب تاج الدين محمد عام 707هـ، وقد بناه، ليحفظ بداخله المتعلقات الشخصية التي اشتراها من بني إبراهيم وهي منسوبة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

ويتكون من صحن مكشوف يحيط به مكان مغلق للعبادة وكذلك طبقات متجاورة لإقامة الصوفية وربما كان له أكثر من طابق، وقد مات تاج ولم يكن قد أكمل الرباط فأكمله ابنه الصاحب ناصر الدين، وجعل فيه الطعام للوارد والصادر والجراية لخدام تلك الآثار الشريفة، كما استحدث وظيفة هامة تعلقت بالآثار هي وظيفة شيخ رباط الآثار.

الملاذ الأمن

و كان رباط الأثر قبلة المصريين يمثل لهم الملاذ الأمن حين كانت تحل الأوبئة والأمراض المستعصية، وكذلك إذا توقف النيل عن الفيضان أو زاد عن الحد.

ففي عام 806هـ توقف النيل عن الزيادة فاشتد خوف الناس وتوقعو حلول البلاء، فتوجه شيخ الاسلام جلال الدين البلقيني إلي رباط الأثار النبوية وحمل الأثار على رأسه وهو يتضرع ويبكي ويدعو في المحراب.

وعام 775هـ  توقف ماء النيل عن الزياده فخرج القضاه والناس الى رباط الاثار النبوية وغسلوها فى النيل وقرأو هناك القران الكريم وتضرعوا الى الله تعالى فى اجراء النيل ورد ما نقص.

وربما كان ذلك هو السبب الذي من أجله جعل الصاحب تاج الدين ابن حنا أن يبنى الرباط على النيل مباشرة.

سرقة العهدة الشريفة

ولأن وجود متعلقات النبي محمد صلى الله عليه وسلم في مصر كانت شرف عظيم تفتخر به، وكان محط أنظار الكثير ممن يرون في أنفسهم الأحقية لحمل العهدة الشريفة.

ففي عام 1517 حين هزم السلطان العثماني سليم الاول السلطان المملوكي قانصوه الغوري وقتله في معركة مرج دابق، ودخل القاهرة وأسر خليفة المسلمين المتوكل الثالث، وأخذه إلى اسطنبول ومعه كل أثر النبي.

ووافق المتوكل على أن يتنازل عند موته للسلطان العثماني عن لقب “خليفة المسلمين” ومعه آثار الرسول ومنها سيفه وبـُردته.

وبموت المتوكل عام 1534، انتقلت الخلافة الإسلامية إلى العثمانيين لتمكث في دولتهم حتى 1924.

 وقد خصص العثمانيون القصر الثالث في قصر طوپ قپو لعرض المتعلقات، ومازالت هناك حتى اليوم، منها قطعة من عصى الرسول وشعرة من ذقنه.

وكان خليفة المسلمين، العباسي، يبارك سلاطين المماليك ويخلع عليهم شعارات السلطنة وهي: بردة الرسول السوداء والعمامة الخليفتي، والسيف البداوي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى