تقارير و تحقيقاتعرب وعالم

جنوب إفريقيا على درب مانديلا: إسرائيل ترتكب إبادة جماعية

جنوب إفريقيا… الدولة التي عانت طويلا من جرائم نظام الفصل العنصري حتى نالت حريتها، كانت إحدى الكلمات الخالدة لزعيمها “نيلسون مانديلا” بعد تحقيق حلمه: “نعلم جيدا أن حريتنا منقوصة ما لم تنل فلسطين حريتها”، ولم يكن من السائرين على دربه إلا تقديم دولة الاحتلال للمثول أمام محكمة العدل الدولية، مع ارتكابها لجرائم الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتطالب الدعوى “الاحتلال” بالوقف الفوري لجميع عملياته العسكرية في قطاع غزة.

وقد تقدم أمس- الخميس- الفريق القانوني لجنوب إفريقيا بحيثيات رفع الدعوى وساق في المذكرات تفاصيل التوصيف القانون لجريمة الإبادة الجماعية، وبدأ المرافعة ممثل جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية فقال: الشعب الفلسطيني حرم منذ ١٩٤٨ من حقه في تقرير المصير، وقد صممت قوانين “إسرائيل” لفرض الفصل العنصري على الفلسطينيين، ومنذ البداية ندرك في جنوب إفريقيا جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني. وقد أفلتت “إسرائيل” من العقاب من ١٩٤٨.

وقال وزير العدل في جنوب إفريقيا أمام المحكمة: الدمار والعنف لم يبدأ في السابع من أكتوبر بل منذ عقود، تعرض فيها الفلسطينيين للاضطهاد ومنذ سنوات تفرض “إسرائيل” حصاراً على قطاع غزة، وقد شنت “إسرائيل” هجوما كبيرا على غزة وانتهكت “اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية”.

المرافعات

استعرضت الممثلة القانونية لجنوب إفريقيا أمام المحكمة حيثيات الجريمة فقالت: إن “إسرائيل” عرضت غزة خلال ٩٦ يوما الماضية لما وصف بأنه أكثف حملة قصف في تاريخ الحروب المعاصرة، و مارست مستوى قتل في غزة جعل ما من مكان آمن في القطاع، وجعل الحياة في القطاع غير ممكنة، حيث أن ٧٠% من ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة من النساء والأطفال ونحو ٧ آلاف  فلسطيني ما زالوا مفقودين تحت الأنقاض.

وأضافت: الفلسطينيون يقتلون إن لم يخرجوا من مساكنهم، وفي الأماكن التي نزحوا إليها وعلى الطرق التي تزعم “إسرائيل” أنها آمنة. والجثامين تدفن في مقابر جماعية، وقد ألقت “إسرائيل”- في الأسابيع الأولى وحدها- ٢٠٠٠ قنبلة من طائراتها في مناطق زعمت أنها “آمنة”، من القنابل من الأكثر دموية والأعلى قوة تدميرية.

وتابعت: ممثلة جنوب إفريقيا: أكثر من ١٨٠٠ عائلة فقدت أكثر من شخص من أفرادها مئات العائلات محيت من الوجود نتيجة القصف الإسرائيلي، آباء وأبناء وأمهات وخالات وعمات وأعمام قتلوا معاً، هذا القتل الذي يرتكب عن قصد لا يستثني أحداً حتى الأطفال الرضع.

وقالت الممثلة: ولدت هجمات “إسرائيل” على غزة أكثر من ٥٦ ألف إصابة معظمهم من الأطفال والنساء في الوقت الذي انهار فيه النظام الصحي، والمدنيون تعتقلهم القوات الإسرائيلية بعد التنكيل بهم، و فرضت أوامر إخلاء على مستشفيات كاملة بكل ما فيها بينهم أطفال رضع، وقطعت المياه والغذاء والوقود ومتطلبات الحياة لتدمير الشعب وفرض التهجير، حيث أجبرت ٨٥% من الفلسطينيين في غزة على النزوح، ومن رفضوا المغادرة أو لم يستطيعوا ذلك قتلوا أو مهددون بالقتل، وقد نزح فلسطينيون كثر أكثر من مرة.

وتحدثت عن احتفاء قوات الاحتلال بتدمير القرى والمدن وكيف يصور الجنود مشاهد قصف وتدمير البيوت والقرى والمدن ويريدون إعادة الاستيطان فوق أنقاض الفلسطينيين.

وجاءت على ذكر التجويع الذي يفرضه الاحتلال على غزة، حيث وفقا لوصفها: أودت حملة “إسرائيل” بالفلسطينيين إلى جوع شديد، ومن بين كل شعوب العالم فإن الذين يعانون الآن من الجوع الكارثي أكثر من ٨٠% من سكان غزة، وقالت: يتوقع الخبراء أن الذين سيموتون من الجوع والأمراض أكثر من الذين قضوا في الغارات، ومع ذلك تستمر “إسرائيل” في منع إدخال المساعدات وقصف المواكب، وقبل أيام خططت مؤسسات دولية لتوجيه قافلة مساعدات لمركز طبي ولكن السلطات الإسرائيلية منعتها وهذه هي المرة الثالثة التي تمنع فيها البعثة من الوصول إلى شمال غزة.

واستطردت: نحن نعلم أنه عندما يتراكم الأمراض والجوع ندخل في دوامة قاتلة وهذا ما يحدث في غزة.

وتحدثت عن جريمة الاعتداء على القطاع الصحي فقالت: الجيش الإسرائيلي اعتدى على القطاع الصحي في غزة وهو ما جعل الحياة غير ممكنة، وقد أشار المقرر الأممي إلى أن البنية التحتية الصحية في القطاع تدهورت وقضي عليها، وعليه يحرم المصابون في غزة من العلاج الذي سينقذ حياتهم، فلا يمكن للقطاع الطبي المشلول نتيجة سنوات من الحصار التعامل مع حجم الإصابات، كما تمنع “إسرائيل” تقديم المساعدات الأساسية بما فيها تلك الخاصة بالولادات، وفي غزة ١٨٠ سيدة من المتوقع أن تلد في غزة يومياً، وتحذر الأمم المتحدة أن ١٥% منهن سيعانين من التعقيدات المرتبطة بالولادة وبحاجة لرعاية صحية وهذه الرعاية غير موجودة.

واستخلصت من كل ماسبق أن نية ارتكاب إبادة واضحة في سلوك “إسرائيل” خلال استهداف الفلسطينيين في قطاع غزة و استخدام الأسلحة التي تسبب الدمار واسع النطاق، وقالت: إن الإبادات الجماعية لا يعلن عنها مسبقاً لكن المحكمة الآن أمام مئات الأدلة التي تبرر الاتهام بارتكاب إبادة جماعية.

واختتمت حديثها بحث المحكمة على اتخاذ قرار ضد الكيان الصهيوني فقالت: ما من شيء سيضع حداً لأفعال “إسرائيل” في غزة دون قرار من المحكمة علماً أن الجيش الإسرائيلي أعلن أنه سيواصل هذه الأفعال لمدة سنة على الأقل.

وجاء دور باقي الفريق القانوني لجنوب إفريقيا ليقدم مرافعاته، وهو ما يمكن إيجازه في مجموعة نقاط نسوقها كالتالي:

شيوع خطاب “الإبادة الجماعية” في “الكنيست” الإسرائيلي، ودعوة أعضاء الكنيست إلى تدمير كل شبر في غزة، وقالوا: إن قتل النساء والأطفال لا يجب أن ينظر إليه على أنه قتل للأبرياء.

قول أحد جنود الاحتلال لزملاءه محرضا على أهالي غزة: اذهبوا واقضوا عليهم واقتلوهم وإذا كان جارك عربي اذهب إليه واقتله، ودمروا المنازل منزلاً بعد الآخر، أسقطوا القنابل عليهم وامحوهم. ونشر جندي أخر مشاهد لتدمير جامعة الأزهر وقال في اقتباس: ” كان هناك يوماً جامعة في غزة”، حيث يؤمن الجنود أن أفعالهم مقبولة لأن تدمير غزة عرض في تداولات الحكومة.

وأخيرا مطالبة القادة في “إسرائيل” بتدمير شامل لغزة واستخدام الأسلحة النووية.

وعليه خلصوا أن نية تدمير قطاع غزة موجودة لدى أعلى المستويات السياسية لدى الاحتلال. وأن العالم بصدد نكبة في فلسطين تتجاوز نكبة ١٩٤٨. و فشل حكومة “إسرائيل” في التصدي وإدانة دعوات الإبادة الجماعية يشكل انتهاكا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية.

واستعرض الفريق أبعاد الإدانة فقال: الفلسطينيون حرموا من كل شيء ومن المواد المهمة للحياة، وبسبب سياسة “إسرائيل” غزة أصبحت مكاناً للموت واليأس، وخطاب الإبادة الجماعية حاضر في كل خطابات القادة الإسرائيليين على رأسهم رئيس الحكومة والرئيس ووزير الأمن القومي ووزير الجيش ووزير الطاقة والجنود على الأرض. ومن هنا كانت نية الإبادة الجماعية لدى “إسرائيل” في غزة لا يمكن المجادلة فيها.

وحول التوصيف القانوني للجرائم قال الفريق: اتفاقية منع الإبادة تهدف لحماية الشعوب وواجب المجتمع الدولي منع انتهاكها، وقد راقبت جنوب إفريقيا مصدومة ردة فعل “إسرائيل” بينما يقوم الإسرائيليون بقتل لا يميز بين أحد، وأضاف أحد أعضاء الفريق: غزة سجن مغلق ترتكب فيه جريمة “الإبادة الجماعية”.

وتابع الفريق: نحن نبني على قرارات المحكمة السابقة وأن حقوق الفلسطينيين تستحق الحماية بناء على الأدلة التي قدمت لكم، والمواد المقدمة تؤكد أن “إسرائيل” ارتكبت وترتكب أفعال يمكن أن توصف بأنها “إبادة جماعية”.

ومن ضمن أبعاد الجرائم التي استعرضها الفريق أمام المحكمة: إن هناك ٤٨ امرأة و١١٧ طفلا يقتلون أو يواجهون خطر الموت يوميا، وأكثر من ١٠ أطفال في غزة يفقدون أحد أطرافهم يوميا، كما تظهر أعمال القتل والتدمير والإبادة الجماعية لإسرائيل في غزة أيضا في قتل مئات المعلمين والأكاديمين بما فيهم رؤساء جامعات في القصف الإسرائيلي، وتدمير كل الجامعات جراء القصف على غزة، وحرمان آلاف الطلاب الجامعيين وفي المدارس من التعليم.

وطالب الفريق بحماية الحقوق للفلسطينيين بشكل طارئ، واتخاذ تدابير مؤقتة تتضمن تعليق العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لايقاف القتل بالقطاع ومنع ضرر لا يمكن جبره، حيث تنتهك الحقوق الأساسية للفلسطينيين، وهناك تصريحات كثيرة من الأمم المتحدة والخبراء والدول كلها مذكورة في طلب جنوب إفريقيا وتؤكد أفعال الإبادة الجماعية.

وتابع: كيف لا يمكن تبرير اتخاذ الإجراءات المؤقتة لوقف الإبادة في غزة في ظل أن العاملين في المؤسسات الإنسانية قالوا إن ما يجري هناك لم يشاهدوه من قبل، الخطر المحدق بالموت والدمار الذي يواجهه الفلسطينيون في غزة اليوم يلزم المحكمة فرض التدابير المؤقتة، فسمعة القانون الدولي وقدرته على حماية الناس بقدر متساو هي الآن على المحك.

وقال الفريق القانوني: ينبغي أن لا تنظر المحكمة فقط في نية ارتكاب الإبادة بالاستناد للتصريحات، محاولة التبرير لن تنقذ “إسرائيل” من نية ارتكاب الإبادة الجماعية، و من حقنا ضمان المحافظة على أحكام اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وتابع: يجب الربط بين التدابير المؤقتة في المحكمة والحقوق في إطار اتفاقية منع الإبادة الجماعية. ومن حقنا أن نشير إلى مسؤولية “إسرائيل” عن انتهاك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. وأضاف: من واجبنا منع ارتكاب جرائم “الإبادة الجماعية” وهو نابع من ضرورة حماية الفلسطينيين في قطاع غزة وحقهم في عدم التعرض للإبادة.

وشدد الفريق على أن قرار مجلس الأمن الدولي بتيسير وصول المساعدات إلى غزة لم يتم تنفيذه. وبينما شعب غزة ضعيف بعد ١٦ عاما من الحصار العسكري، تعرقل “إسرائيل” حاليا وصول الغذاء والمواد الأساسية، ومن ثم دفعت سكان غزة إلى حافة المجاعة.

كما عرج الفريق في المرافعة على موقف المجتمع الدولي من الجرائم المرتكبة في غزة فقال: المجتمع الدولي مستمر في خذلان الشعب الفلسطيني، وقضية غزة هي فشل أخلاقي للمجتمع الدولي وسيكون له تداعيات ليس على الشعب هناك فقط بل على أجيال قادمة لن تنسى أبدا هذه الشهور من الجحيم.

وأنهى أعضاء الفريق مرافعاتهم بالاستناد إلى مواد الاتفاقية الدولية والتحقيق الواضح لها على أرض الواقع: هذه القضية مبنية على المادة التاسعة من معاهدة الإبادة الجماعية، والبراهين تدل على انتهاك واضح لحقوق الفلسطينيين في غزة في انتهاك صارخ للمعاهدة وجاءت جنوب إفريقيا للمحكمة لتفادي الإبادة في إطار الواجب الدولي الذي يقع عليها، و”إسرائيل” التي ترتكب المخالفات أمام الجميع، من أجل سمعة المحكمة يجب اتخاذ الإجراءات من أجل حفظ الحقوق.

وطالب الفريق المحكمة أن تعلق “إسرائيل” عمليتها العسكرية ضد غزة فوراً، ومنع اتخاذ أي إجراءات للتهجير القسري أو النزوح أو الحرمان من المساعدات الإنسانية والماء والوقود والسكن والملاجئ والطعام وأي إمكانات أخرى، والامتناع عن تدمير حياة الفلسطينيين في قطاع غزة.

تعليق الشارع الفلسطيني

أثار الموقف الجنوب إفريقي احتفاءا واسعا في الشارع الفلسطيني، حيث أثنت عليه الفصائل الفلسطينية في بيانها الصادر عقب اجتماع مشترك فقالت: نوجه التحية لدولة جنوب أفريقيا التي تقود المعركة القانونية لمحاكمة الاحتلال الفاشي على جرائمه بحق شعبنا، وكذلك التحية للمقاومة الباسلة على الجبهات كافة.

وأثنى “عزت الرشق”- عضو المكتب السياسي لحركة حماس- على المرافعة فقال: نقدّر عالياً المرافعة التي أدلى بها الفريق القانوني لدولة جنوب إفريقيا في محكمة العدل الدولية اليوم في لاهاي.دولة جنوب إفريقيا تثبت مجدّداً أصالة موقفها  في دعم شعبنا الفلسطيني وعدالة قضيّته، ورفضها جرائم الاحتلال الوحشية ضد شعبنا وحقوقه الوطنية المشروعة.

وعلق رئيس الحكومة الفلسطينية “محمد اشتية” على الدعوى: “اليوم تقف إسرائيل متهمة بارتكاب إبادة جماعية بحق أهلنا في غزة، نشكر جنوب إفريقيا على خطوتها لاتهام إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية أمام محكمة العدل الدولية، العالم الذي لا يريد أن يرى الإبادة المرتكبة بحق شعبنا هو مجرم، أليس قتل ٢٣ ألف إنسان في غزة وقطع الماء والكهرباء والدواء إبادة جماعية؟ يجب أن ينتقل العالم من الإدانات إلى الفعل وندعو الشعوب إلى تأييد جنوب إفريقيا من كل عواصم العالم”.

كما نظمت وقفة في رام الله لشكر جنوب إفريقيا بعد تقديمها الدعوى، وتم رفع علم جنوب إفريقيا أمام بلدية نابلس، دعماً وتقديراً لجهودها في محاكمة الاحتلال.

مواقف عربية وعالمية

أعلنت وزارة الخارجية التونسية: أنها لن تنضم لأي دعوى تقدم ضد الاحتلال في محكمة العدل الدولية، معلله ذلك بأن تلك الخطوة تعد اعترافا ضمنيا بالاحتلال، وقالت: “بإذن من الرئيس قيس سعيد تم تقديم طلب تسجيل تونس على قائمة الدول التي ستتولى تقديم مرافعات شفهية أمام المحكمة”.

قال وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان”: “ندعم بقوة الإجراء الشجاع لحكومة جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري وقتل الأطفال أمام محكمة العدل الدولية”.

ونظمت تظاهرة في لاهاي الهولندية اليوم دعماً لفلسطين وغزة تزامناً مع جلسة العدل الدولية لنظر دعوى جنوب إفريقيا ضد دولة الاحتلال.

رد فعل الاحتلال

نقلت القناة ١٣ العبرية أمس: أن جيش الاحتلال يدرس إخفاء أسماء ضباطه، خشية ملاحقتهم من القضاء الدولي.

كما نقلت: أن “الاحتلال أعدَّ حملة دعائية بشأن أسراه لدى المقاومة تزامنًا مع جلسات الاستماع في لاهاي، ولم توافق أي شركة إعلان هولندية على نشرها”.

وقالت وزارة خارجية الاحتلال بعد الجلسة الأولى لمحكمة العدل الدولية للنظر في الدعوى المقدمة ضد ارتكاب جرائم إبادة جماعية في غزة: “جنوب إفريقيا هي الذراع القضائية لحركة حماس”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى