عرب وعالم

سحر شارع الحمرا ينطفئ في بيروت.. روايات تسترجع العراقة

من قلب متجر الموسيقى الصغير بشارع “الحمرا” في بيروت، شهد “مايكل عيد” صعود لبنان وسقوطها، عبر تغير الحال في الشارع الشهير -الذي تزين جانبيه الأشجار- منذ ما يزيد عن 60 عامًا.

شارع “الحمرا” … كان موطن الألق في بيروت خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ومركزًا لأهم دور السينما والمسارح والمقاهي- التي يرتادها المثقفون والفنانون، ومحال توكيلات أفضل العلامات التجارية العالمية. وقد شهد انتعاشًا خلال العقد الماضي، حيث ازدهر بسلسلة من المحال العالمية، والبارات والمطاعم الصاخبة.

اليوم أغلقت العديد من متاجره. وأضحى مركزًا لتسول اللبنانيين الفقراء واللاجئون السوريون على جنباته، كما تتراكم القمامة في أركانه، فقد اجتاح الانهيار الاقتصادي الشارع مثل باقي لبنان كإعصار مدمر.

شارع “الحمرا”- أسوشيتدبرس

ويتذكر “عيد”- البالغ من العمر 88 عامًا- الأوقات العصيبة خلال الحرب الأهلية في لبنان (1975-1990)، حينما شهد شارع الحمرا قتال المليشيات، والاغتيالات على مقاهيه، ثم اجتياح القوات الإسرائيلية عمق الشارع، ويقول: ” لم يكن هناك ما هو أسوأ من الآن”. وأضاف: “لقد وصلنا إلى الحضيض”، إذ ياتي القليل من الزبائن إلى متجره “توسكا” للموسيقى والتجهيزات الإلكترونية- الذي يبيع فيه التسجيلات الموسيقية والساعات الإلكترونية والآلات الحاسبة وساعات اليد، فقد انخفض نشاطه التجاري بنسبة 75%.

وجاء الانهيار الاقتصادي اللبناني -الذي بدأ في أكتوبر 2019- تتويجًا لحقبة ما بعد الحرب. حيث أصبح قادة ميليشيات الحرب القادة السياسيون للبلاد، واحكموا قبضتهم على السلطة منذ ذلك الحين، و أداروا اقتصادًا مزدهرا في بعض الأحيان، ولم يكن ذلك فعليًا إلا مخطط بونزي ملئ بالفساد وسوء الإدارة.

انهار المخطط أخيرًا، مسفرًا عما أطلق عليه البنك الدولي إحدى أسوأ الأزمات الاقتصادية والمالية بالعالم منذ منتصف القرن التاسع عشر الميلادي، فانهارت قيمة العملة، وفقدت الرواتب قيمتها الشرائية، وأصبح من غير الممكن الحصول على الدولار من البنوك، وقفزت الأسعار بشكل جنوني في البلاد حيث أن كل شيء يتم استيراده، ويعيش ما يزيد عن 82% من السكان الآن في فقر، وقدرت الأمم المتحدة نسبة البطالة في البلاد بنحو 40%.

ومن الجدير بالذكر أن الأزمة قد تفاقمت بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد، والانفجار الضخم لمرفأ بيروت- الذي أودى بحياة (216) شخص وأصاب الآلاف ودمر أجزاء من العاصمة.

شارع “الحمرا” – أسوشيتدبرس

كل ذلك تظهر آثاره مع السير في شارع “الحمرا”، فقد أغلقت معظم المتاجر أبوابها بسبب عدم قدرة أصحابها على دفع قيمة الإيجار المرتفعة، وتحمل الفواتير الشهرية الضخمة لمولدات الكهرباء الخاصة. فمع حلول الظلام تغلق المتاجر التي مازالت تعمل أبوابها مبكرًا، والعديد من مصابيح الشوارع لا تعمل بسبب انقطاع الكهرباء. هنا يصبح “الحمرا”- الذي اعتاد أن ينبض بالحياة طوال الليل- مثل الصحراء المقفرة قبل منتصف الليل، حتى في موسم العطلات الأخير.

ويقول “عيد”- الذي كان قد فتح متجره في “الحمرا” عام 1958: إنه سيُغلَق حينما يتوقف هو عن العمل، حيث يعيش ابنيه في الخارج، وإن لم يرغبا في الاحتفاظ بنحو 4500 تسجيل موسيقي موجود لديه – معظمها تسجيلات قام هو بجمعها- فسوف يتبرع بها لمعهد الكونسرفاتوار الوطني العالي للموسيقى في لبنان.

هل يزدهر “الحمرا” من جديد؟

أجاب “عيد”: “أبدًا.. مستحيل”، فالسائحون من الخليج العربي الذين كانوا يومًا زادًا لتجارته لن يعودوا، بل يتجهون إلى أوروبا.

لكن “عيد” يرفض مغادرة المكان قائلًا: “شارع الحمرا هو الأوكسجين الذي أتنفسه”، وأكمل: “نشأت في شارع الحمرا وسأنهي حياتي هنا في شارع الحمرا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى