غير مصنف

كيف كسر الغرب “سيف” أوكرانيا وقدمتها على طبق من ذهب للروس؟

كتبت: مروة محي الدين

مع استمرار الحرب واسعة النطاق التي شنتها روسيا الاتحادية على جمهورية أوكرانيا، وانتشار الإدانات الغربية والعقوبات -التي لم تجد لها صدى في ردع الهجوم الروسي، أطلق الرئيس الأوكراني “فولوديمير زيلينسكي” عدة استغاثات أمس الأول للحث على الدفاع عن استقلال أوكرانيا، لكن جواب الرئيس الأمريكي “جو بايدن” حينما سُئل عن احتمال دخول الولايات المتحدة الحرب نصرةً لأوكرانيا، في المؤتمر الصحفي الذي عقده لإعلان العقوبات على روسيا يوم الاعتداء، كان: “ليس لدي جواب على هذا السؤال الآن”.

هنا كان تصريح زيلينسكي مع الخذلان الغربي لنداءاته: “ليس هناك من يريد أن يحارب معنا”. لكنه استمر في شحذ همة جنوده وشعبه لمواصلة الصمود أمام الاعتداء، بل ووفقًا لما ذكرته صحيفة واشنطن بوست رفض زيلينسكي عرضًا من البيت الأبيض بتهريبه خارج أوكرانيا، ورفض كذلك عروضًا من دول أوروبية بمنحه حق اللجوء السياسي.

حالة الخذلان الغربي لم تبدأ اليوم ولم تبدأ مع الاعتداء، فمنذ أن لاح في الأفق التهديد الروسي بالتدخل العسكري واسع المجال في أوكرانيا، كانت التهديدات الغربية بالعقوبات على روسيا واهنة وغير كافية للردع، ما دعى “زيلينسكي” في مؤتمر ميونخ قبيل الاعتداء بعدة أيام إلى التهديد بإعادة النظر في مذكرة بودابست لعام 1994 التي كانت أحد ضمانات استقلال ووحدة أوكرانيا وحمايتها من الاعتداء، مقابل تدميرها لثالث ترسانة نووية على مستوى العالم كانت تمتلكها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وكانت حجة “زيلينسكي” قوية في ذلك بأن الدول الموقعة على المذكرة لم تفي بتعهداتها وعليه لم تعد الاتفاقية سارية.

وقصة اتفاقية “بودابست” التي لوح بها “زيلينسكي” هي قصة المحارب الذي كسر سيفة انصياعًا لطلب عدوه، وحينما جاء وقت النزال واجه عدوه أعزلًا دون أن يجد من ينصره، كان هذا هو التشبيه الذي وضعه الصحفي المصري “جلال الغندور” لهذه القصة فقال عبر حسابه الشخصي على فيس بوك:لا تكسر سيفك… في عام ١٩٩١ بعد انهيار الإتحاد السوفيتي، حصلت أوكرانيا على ثلث الأسلحة النووية السوفيتية، (حوالي ٥٠٠٠ صاروخ وسلاح نووي متنوع) وبكدا بقت ثالث أكبر قوة نووية في العالم.

وعلى مدار ٣ سنوات فضلت روسيا وأمريكا تحاول تقنع وتغري كييف عشان تدمر ترسانتها النووية، وتزعمت واشنطن المفاوضات خاصة ان الصواريخ الموجودة في أوكرنيا هي صاحبة المدى الأكبر في العالم واللي بيصل إلى ٧٠٠٠ كيلومتر (قادرة ومخصصة لضرب أمريكا).

وفي سنة ١٩٩٤ قررت كييف تدمير ترسانتها النووية مقابل شوية مساعدات مالية من واشنطن، ووقعت اوكرانيا مع أمريكا وبريطانيا وروسيا وايرلندا الشمالية ما عرف بمذكرة بودابست، واللي التزمت فيه الدول الأربعة بالدفاع عن أوكرانيا وعدم الإعتداء عليها مقابل تخلصها من سلاحها.

النهاردة الفلوس اللي خدتها اوكرانيا اتصرفت من سنين طويلة، وروسيا اللي وقعت على حماية كييف هي اللي بتغزوها، والدول التلاتة الباقيين في المذكرة بيتفرجوا على الدب الروسي وهو بيلتهم الدولة الأوكرانية.”

هل هذه المرة الأولى التي يتم فيها نقض بنود مذكرة “بودابست”؟

في المذكرة تعهدت الدول الأربعة الموقعة على مذكرة “بودابست” مع أوكرانيا بضمان وحدة وسلامة الأراضي الأوكرانية، وهو ما لم يحدث فمنذ عام 2014 بدأت روسيا في سلسلة اعتداءات على وحدة واستقلال الأراضي الأوكرانية، فاحتلت شبه جزيرة القرم ولم يحرك الغرب ساكنًا للوفاء ببنود “بودابست”.

وتبعت ذلك باعتداء آخر فدعمت المجموعات الانفصالية بإقليم “دونباس” وتحديدًا في منطقتي “دونيستك” و “لوهانسك”، لتدخل هذه المجموعات في صراع مسلح مع الجيش الأوكراني، ولم تكتفِ بذلك بل اعترفت يوم 21 فبراير الجاري باستقلال المنطقتين باعتبارهما جمهوريتين مستقلتين، وأمر الرئيس الروسي -عقب الاعتراف- بإرسال قوات إليهما، ليكون النقض الثاني لبنود “بودابست”.

وبالمثل تعهدت الدول الأربع ومن بينهما في البند الثاني من “بودابست” بعدم الاعتداء على أوكرانيا أو استخدام أسلحتها ضدها، فكان هذا البند يقول يقول: “تؤكد روسيا الاتحادية، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى، وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية تعهدها بمنع التهديد أو استخدام القوة ضد وحدة أراض أوكرانيا، أو الاستقلال السياسي لها، وأن أيًا من أسلحتها لن يستخدم ضد أوكرانيا، إلا في حالة الدفاع عن النفس، أو على جانب آخر وفقًا لميثاق الأمم المتحدة”، ليكون الاعتداء الروسي الخميس 24 فبراير الجاري هو النقض الثالث لعهود المذكرة.

وفي كل مرة مرة يتحرك الغرب بسلسلة من الإدانات والشجب لا يتجاوز أثرها حدود الميكروفون الذي نقلها، فمازال التوغل الروسي في الأراضي الأوكرانية قائمًا، ومازال الضحايا الأوكران مدنيون وعسكريون يتساقطون، دون أن تتحرك للدفاع عنها كما جاء في بنود المذكرة، ودون أن يتحرك “مجلس الأمن” كما جاء في البند الرابع من المذكرة الي يقول: “تؤكد كلا من روسيا الاتحادية، والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى، وأيرلندا الشمالية والولايات المتحدة الأمريكية التزامها بالسعي الفوري لدى مجلس الأمن للتحرك لتقديم يد العون لأوكرانيا -باعتبارها دولة منزوعة السلاح النووي و طرف في اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية- حال أصبحت أوكرانيا ضحية لأي نوع من الاعتداء أو أي نوع من التهديد بالاعتداء الذي تستخدم فيه الأسلحة النووية”.

ما أكد عمليًا حق الرئيس الأوكراني في الندم على نتائج “بودابست”- وذلك مع تهديده باعتبارها لاغية…

ذلك أنه ندم قوة كانت ثالث قوة نووية بالعالم، أضحت اليوم وحدات جيشها المنهكة تتراجع أم الدب الروسي المتوحش… فهل كان الخطأ الأوكراني أن تخلت عن سيفها رغم جوارها للوحش الروسي؟ أم كانت المذكرة من البداية هي ملعقة اغترف بها الغرب أوكرانيا ليضعوها في فم الدب الروسي؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى