مقالات

أيمن مدين يكتب: السودان الإختيار لعودة أمريكا للمنطقة

مما لا شك فيه أن نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط بدأ فى الإنحصار بشكل كبير بل أنها أعلنت صراحة انها لا تريد الخروج منها وهو الأمر الذى يهدد مصالحها بالمنطقة الأهم حول العالم والذى لن يتسبب فقط بخلل كبير فى ميزان القوى الذى بدأ يميل لصالح كلا من الصين وروسيا لكن سيكون له انعكاسات سلبيه على أمن إسرائيل الحليف الأبرز لأمريكا فى المنطقة.
وقد جاء إعلان الصين عن نجاح وساطتها فى التوصل لاتفاق سعودى ايرانى كالصاعقه للبيت الأبيض فهو يعد إنتصارا سياسيا كبيرا يصب فى مصلحة التنين الصينى ويزيد من تمدد نفوذه حول العالم ويوطده بالمنطقة والذى أصبح يشكل خطرا على مستقبل الولايات المتحدة ونفوذها بالمنطقة بل وعلى موقعها فى صدارة النظام العالمى . كما أنه يؤثر أيضا على مصالحها فلطالما استفادت الولايات المتحدة من الخلاف بين السعودية وإيران بل عملت على إشعال الصراع السنى الشيعى بينهما ضمن مخططات تقسيم المنطقة ما يجعلها منشغله فى صراعات بينية تنهك قواها ما يعيق نمو هذه الدول التى تمتلك ثروات وإمكانيات تمكنها من منافسة امريكا ذاتها مستقبلا . ويحرمها من مليارات الدولارات التى تنعش خزانتها عبر صفقات السلاح الضخمة التى تبرمها الدولة النفطية الأكبر( السعودية ) معها.
كما أن هذا الصراع مهد الطريق أمام أمريكا لتقديم نفسها كضامن للأمن السعودى باعتبارها القوة العسكرية الأكبر والرادع أمام طموحات إيران التوسعيه بالمنطقة ما سهل لها التدخل بل السيطر على صانع القرار السعودى لفترات طويلة وبالتالى السيطرة على مجلس التعاون الخليجي النفطي عبر صاحبه اليد العليا به السعودية .
كما لعبت روسيا أيضا دور الوسيط بين تركيا وسوريا وإيران ما يسهم فى إرساء دعائم الإستقرار بالشرق الأوسط على عكس رغبة امريكا بل ويعد عائق جديد أمام مخططاتها لتقسيم المنطقة ونشر الفوضى بها والذى يصب فى مصلحة أمن إسرائيل .
وبالنظر لما تبع هاذان التحركان من خطوات من شأنها إستعادة الهدوء والإستقرار فى المنطقة بل وغلق الباب أمام الاعيب الصهيوأمريكان.
حيث بدأت كلا من مصر وتركيا وقطر والبحرين العمل على استعادة العلاقات ونبذ الخلافات جانبا فنجد أن هذا الأمر الأكثر تهديدا لكلا من امريكا وإسرائيل فكلاهما يخشى من تحالف العرب وإتحادهم وتحالفهم مع القوى الإسلامية الكبرى بالمنطقة تركيا وإيران ما يزيد من فرص التكامل وتوحيد المصير وهو ما يهدد مصالح أمريكا و الكيان المحتل بشكل مباشر وقد حدث ذلك بالفعل فى الأسابيع الماضية حيث تم إستهداف إسرائيل من جبهات متعددة لأول مرة منذ عقود ما شكل تهديد قوى لها بإعتراف مسؤوليها وأرغمها على القبول بالهدنة والحد من إنتهاكاتها ضد الأشقاء الفلسطنيين والأماكن المقدسة . وقد تبع ذلك إجتماع دول مجلس التعاون الخليجي والشام الجديد بجدة وإصدار بيان إدانة للإنتهاكات الإسرائيلية المتكررة ضد الأشقاء الفلسطينيين وتحميلها المسئولية كاملة عما يحدث. وفى نفس الوقت تحدثت وول ستريت جورنال عن تنسيق إيران مع جماعات مسلحة تابعه لها بلبنان لشن هجمات ضد إسرائيل.
وهو ما اعقبه إندلاع أحداث السودان مباشرة . ما ساهم فى عودة الهدوء مرة أخرى ما يصب فى مصلحة أمن إسرائيل.

السودان الإختيار الامثل فى هذا التوقيت

لم يتوقف النفوذ الصينى والروسى عند منطقة الشرق الأوسط فحسب بل إمتد ليصل إلى العمق الأفريقي هذه القارة البكر التى تعد هى الكنز بالنسبة لأمريكا وحلفائها الأوربيين لما تمتلك من مواد خام وثروات نفطية ومعادن نفيسة ومناجم للذهب والماس وغيرها من النفائس هذا بالإضافة إلى انها سوق كبير حيث أكدن مؤسسة ماكينزى للأبحاث الإقتصادية أن القوة الشرائية لأكبر 18 مدينة إفريقية ستصل إلى 1.3 تريليون دولار بحلول 2030 ولا تريد الولايات المتحدة خسارة هذا السوق والذى بدأت الصين تسيطر عليه وتسعى روسيا لدخوله بقوة عبر تدشين المنتدى الروسى الأفريقي . ولا يخفى أيضا ان روسيا والصين وباقى أعضاء مجموعة بريكس يطمحون لكسب الدول الإفريقية التى تتعرض للنهب من كبرى دول الغرب على رأسها أمريكا بريطانيا وفرنسا إلى جانبهم فى مسعاهم لخلق نظام عالمى جديد متعدد يخلص العالم من هيمنة القطب الأوحد بزعامة أمريكا .
وبتدقيق النظر سنجد ان السودان هى الإختيار الأمثل لتكون سبيل لعودة النفوذ الأمريكي للمنطقة والتأكيد على أنها لاعب أساسى لا غنى عنه فى كلا من الشرق الأوسط وإفريقيا والتصدى للتمدد الروسى الصينى على حد سواء فبكل تأكيد لن تقف امريكا موقف المشاهد فى مواجهة التمدد الصينى الروسى فى تلك المنطقتان الهامتان من العالم . وبالنظر للسودان والذى يعانى من عدم الإستقرار وهشاشة الوضع الداخلى نتيجة للتنوع البشرى وطبيعتها القبلية حيث يبلغ عدد القبائل فى السودان 570 قبيلة تنقسم إلى 57 مجموعة عرقية ما جعل التاريخ السوادنى حافلا بالصراعات العرقية والإنقلابات ويعد الإنقلاب على البشير أقربها وهو ما يجعل السودان ساحة ممهدة لتحرك الاجهزة الاستخباراتية ولا يخفى على احد أن أمريكا التى كانت تمتلك علاقات سيئة مع نظام البشير لم تكن بعيدة عن ما حدث بل ويحدث بالمنطقة كلها عبر مخطط الشرق الأوسط الجديد لتقسيم المنطقة وسرعان ما إستعادت العلاقات مع السودان بل ومهدت الطريق أمام إسرائيل لتطبع علاقتها مع السودان والتى ساهمت فى رفع العقوبات الأمريكية عن السودان وسرعان ما عمل كلا من امريكا وإسرائيل على تقوية نفوذهما بالسودان التى إمتلكت علاقات قوية مع إيران ويعد مصنع اليرموك العسكرى الإيرانى دليل على متانة العلاقات بينهما . وقد ظهر تدخل الامريكان فى الشأن السودانى سريعا وكان أبرز هذه التدخلات عرقلة إتمام الإتفاق الروسى السودانى لإنشاء مركز لوجيستى للأسطول الروسى على ساحل السودان بالبحر الأحمر . والذى عاودت روسيا الحديث عنه مؤخرا مع البرهان وقد أعلنت اسوشيتد برس فبراير 2023 الماضى ان الجيش السودانى أكمل مراجعة إتفاق لبناء روسيا قاعدة بحرية على البحر الأحمر وهو بالتأكيد ما يثير غضب امريكا تجاه الجيش بقيادة البرهان ويجعلها تسعى لمعاقبته .

تسريبات البنتاجون وعلاقاتها بأحداث السودان

من المؤكد أن تسريبات البنتاجون الأخيرة أثارت الرأى العام العالمى لما تحمله هذه التسريبات من معلومات حساسه أثرت سلبا على أمريكا وعلاقتها بعدد من حلفائها وأضر بخطط هجوم الربيع الأوكرانى لما أفشته هذه الوثائق من معلومات عن تجهيزات القوات الأوكرانية والدعم العسكرى الغربى وهو ما تسبب فى إرباك ادارة بايدن وبدأت أصوات أمريكية جاء على رأسها الرئيس السابق دونالد ترامب الذى بدأ يهاجم إدارة بايدن بسبب الدعم الكبير والسخى لأوكرانيا فى ظل الأزمة الإقتصادية التى تفاقمت وطالت كبرى المصارف الأمريكية دون تحقيق أى نتائج تذكر .
فأصبح لابد لإدارة بايدن من إيجاد سبيل لصرف الأنظار عن الساحة الأوكرانية خاصة مع تأجيل هجوم الربيع المزعوم فى ظل التقدم الروسى وتحقيق قواتها تفوق فى باخموت فى ظل تراجع وإنتكاسات أوكرانية . وبكل تأكيد لابد من حدث كبير يحول أنظار العالم إليه ويشغل الرأى العام الامريكى والعالمى . يسمح أيضا لها بتحقيق نصرا كبيرا خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى أعلن بايدن نيته الترشح فيها لفتره جديدة.

مما لا شك فيه أن المستفيد الأكبر مما يدور من أحداث فى السودان هو الحلف الصهيوامريكى (امريكا وإسرائيل ) اللذان يعارضان أى تقارب عربى أو إرساء لدعائم الإستقرار بالمنطقة ولن يسمحا بنهوض وتنمية الدول العربية وسيعملان بجهد لنشر الشائعات وضرب العلاقات العربية العربية خشيه من تكرار وحدة العرب كما حدث فى 73 وساهم فى انتصار أكتوبر وإلحاق الهزيمة بإسرائيل
لذا على العرب العمل على توحيد الصف ونبذ الفرقة وتنحية الخلافات والمصالح الضيقة وزيادة الترابط والتكامل البينى واستثمار إمكانيات الدول العربية من أجل النهوض بالأمة واستقلال قرارها وتحقيق مصالح الدول العربية والعمل على حل القضايا العالقة على رأسها القضية الفلسطينية .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى