فن ومنوعاتمقالات

توفيق الحكيم والسلطان الحائر

السلطان الحائر نص مسرحي كتبه توفيق الحكيم ظهرت خلاله ثقافة ذلك الكاتب المتنوعة فقد عاش فى أنحاء متفرقة من مصر ولد فى الإسكندرية ونشأ فى البحيرة وترعرع فى القاهرة وأكمل دراسته فى باريس وعين نائبًا فى الأرياف الأمر الذى جعله يعرف طبيعة الشخصيات ويستطيع أن يقدم بعضها فى حوار تملأه الحكمة والفلسفة فى صدمة لبعض القراء الذين يظنون أن ذلك يتنافى مع طبيعة فلاح أو إمرأة أو رجل لم يكمل تعليمه.

يبدأ شغفك عند قراءة اسم النص فكيف يكون السلطان حائرًا أمرا لم نعهده فالسلطان دائما يملك القوة والنفوذ التى تجعل كل الأشياء متاحة وملك يديه فلم الحيرة.

وعند بداية الأحداث يزاد شغفك بل فضولك عن ذلك المحكوم عليه الممنوع أن ينطق ببنت شفاه عن الذنب الذى اقترفه ليزيد شغفك حول معرفة جرمه والذى يتوقف مصيره على سماع صوت مؤذن الفجر.

وعندما تتدخل الغانية بعد معرفتها أن النخاس لم يحاكم بتعطيل المؤذن فيتغير مصير ذلك المحكوم عليه ليصبح بعد ذلك السلطان نفسه فى وضع الاتهام مع كشف جرم النخاس وهو حديثه عن السلطان وأنه مازال عبدًا لم يعتق فكيف يحكم أحرار.

استطاع توفيق الحكيم أن ينقل الصراع إلى داخل القارئ نفسه فيشعر بما يعانيه ذلك السلطان الذى يقف حائرًا بين اختيار القانون أو مكانته وحكمه والذى يستطيع أن يحميهم باستخدام القوة والعنف ليزيد من تشويق القارئ هل يباع السلطان؟

ليختار السلطان القانون ويخضع لحكم قاضى القضاة ويوافق أن يواجه مصيره ويباع لصالح بيت المال كما ينص القانون.

ويزيد الشغف حول مصير السلطان الأمر الذى استطاع الكاتب أن يصوره بحوار ممتع يجعلك ترى هذه الشخصيات فى مخيلتك بين الاسكافى وصاحب الخمارة وقد راى أن شراء السلطان استثمار ناجح يمكن أن يجلس فى الخمارة يحكي بطولاته فتزيد الزبائن، كذلك الطفل الذى تحدث إلى أمه بحديث طفولي ولكنه يستند على منطق الفطرة مادام السلطان للبيع اشتريه لى.

لينتهي مشهد بيع السلطان بصدمة جديدة تثير فضول ودهشة القارئ بعد أن يرفض ذلك المجهول الذي اشترى السلطان التوقيع على صك العتق مبررًا ذلك أنه لم يوكل له هذا الأمر ليعلن المشتري الحقيقي عن شخصيته.. أنها الغانية وسط ذهول ودهشة الجميع.

لتقف وتبارز قاضي القضاة الحجة بالحجة حتى استطاعت أن تغلبه ويقبل السلطان أن يكون ملكًا لها ويقضي الليلة فى بيتها حتى تعتقه مع سماع صوت مؤذن الفجر كما طلبت.

الأمر الذى يزيد من زهول الجميع فلم تنام المدينة وعيون الجميع معلقة على بيت الغانية، التى أرادت من كل ذلك أن تثبت كذب كل مايشاع عنها بين الناس بعد أن حكت حقيقة قصتها للسلطان وكيف كانت جارية واعتقها سيدها وتزوجها وقد كان يعقد جلسات للشعراء وعلية القوم والتى استمرت بعد وفاته ليتهما الناس أنها تعمل فى البغاء.

فى تلك الأحيان كان الناس يمارسون هوايتهم الأولى وهى التلاسن والحديث عن قضاء السلطان ليلة فى بيت الغانية.

ليأتي قاضي القضاة الذى لم يقبل بهزيمته من هذه المرأة ويطلب من المؤذن أن يؤذن للفجر فى سواد الليل والعجيب فى ذلك المؤذن الذى يأتمر فيقبل فى اشياء لايملكها فهل من المعقول أن يؤذن للفجر على هوى من يأمره أو يخدعه.

وهنا الكاتب يوضح من رسالته أن من يحيطوا بالحكام يحكمهم الهوى فالقاضى غير موقفه والمؤذن تنازل عن مالايملك.

وتأتي النهاية بخديعة قاضي القضاة الذى جعل المؤذن يؤذن الفجر من غير بزوخه ويعتق السلطان بتوقيع الغانية ولكن قاضي القضاة طبق قانون أعرج اعتمد فى جزء منه على الخديعة.

قدم الكاتب نصا صالح لكل العصور لم يربطه بشخص بعينه يتحدث عن شرعية الحاكم التى تأتي من الشعب مصدرًا للسلطة وكيف يجب أن يكون الحاكم مستنًدا على القانون وليس القوة والبطش كما يظهر ضلال بعض من يحيطوا بالحكام فى كثير من الأحيان.

مرثا مرجان

رئيس قسم الفن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى