تقارير و تحقيقات

العنف في الأسرة المصرية حلقة (6).. علاء الغندور: المرأة ثلاثة أرباع المجتمع والإصلاح يبدأ منها.. والحوار الهادئ سبيل حل المشكلات

أجرت الحوار:- مروة محي الدين

ختام سلسلة العنف في الأسرة المصرية، يأتي حاملًا ذلك البحث في أغوار النفس البشرية عن حل مقاوم لهذا المرض المزمن الذي أصاب جسد المجتمع المصري، فبعدما استعرضنا رأي القانون والدين ومررنا بينهما ببيان لأبعاد الموضوع ومسبباته ومستوى انتشاره والحلول المقترحة له، نستعرض في هذه الحلقة الرأي النفسي حول العنف الأسري العام مع الدكتور (علاء الغندور) – استشاري التحليل والتأهيل النفسي والعلاج النفسي السلوكي والمعرفي والمستشار الأسري – بدأت الحوار معه حول مكان المشكلة وأين يراها، فإذا به يصدمني بالرد:  

  •  المشكلة الرئيسية اليوم تتركز بنسبة 75% في الزوجة، و 25% في الزوج!!!

سرى السؤال المباشر على لساني:

  • ولما الزوجة وحدها؟
  • أنا أطلق على نفسي عدو الزوجة (النكدية) ونصير الزوجة المقهورة، عدو الزوجة (النكدية) بغرض إصلاحها وليس بغرض الدخول في حرب معها، لما التركيز على المرأة؟ لأنها ثلاثة أرباع المجتمع، فإذا ما تم تأهيلها بطريقة صحيحة، تكون زوجة وأم وقيادية ونجمة مجتمع، بحيث إذا تزوجت زوج سيء حاد الطباع يصبح من السهولة عليها ترويضه ليكون زوج رائع وأب عظيم، في حين أنها إن لم تؤهل فهي تجرب في الزوج والأولاد وبالطبع تكون النتيجة سيئة عليهم جميعًا، وتأهيل الزوجة يحل المشكلة، وعلى سبيل المثال: إذا نظرنا لحال الزوجة اليوم نجدها (مطحونة) بين البيت والعمل أو البيت والأولاد والزوج، وعليه فهي تخرج كل الشحنات السلبية داخلها في زوجها حينما يصل المنزل، وبالمثل هو أيضا مضغوط فيحدث الحريق وتحدث التراكمات التي يتم تخزينها داخل كل منهم.

في رؤيته للتناول الإعلامي لحوادث العنف الدامي داخل الأسرة، كان يوجب عليه عدم توسيع نشر الحادثة، منعًا للزيادة المطردة في حجم هذه الحوادث، وهنا كان السؤال:

  • حضرتك ترى أنه لا يجب تناول هذه الحوادث بشكل موسع، فهل يغير رأيك تكرار هذه الحوادث وزايدها؟
  • أرى أنه حينما إذا تم تناول هذه الجرائم فيجب أولا تحليل شكل الجريمة وأسبابها، فهناك أسباب إضافية مثل: شدة الازدحام، وقلة الدخل، وضعف العلاقة الحميمة، الزن على الودان والكراهية من (المشعللاتية)؛ وكذلك المقارنة مع الأطراف الأغنى ماديًا، وعلى سبيل المثال ٩٠٪؜ من الذين يحضرون أفراح فخمة في أماكن خمس نجوم، يتشاجرون مع أزواجهم في المنزل بسبب المقارنات -وهذا من واقع عملي في مجال الاستشارات النفسية والأسرية – وفي هذا الصدد لابد من إقناع الزوجات والأزواج أن الرزق المادي هو أقل أنواع الرزق وأضعف أنواع الرزق، الأمر الآخر لوم الذات بأقوال مثل:(يا حظي الأسود كنت تزوجت العريس الفلاني، وكذلك الرجل: ياريتني كنت تزوجت التي كنت أحبها حتى وإن كان فقيرة)، الأمر الثالث المبالغة في لوم ونقد الآخر بشكل دائم يجعل المشاكل تحدث كل يوم على أضعف الأسباب (تلك هي المشاحنات اليومية التي تكبر كل يوم حتى تأكل الأخضر واليابس )، فإن لم يتدخل حكيم لتصفية المواقف أولا بأول تحدث الجرائم ويحدث القتل.
  • هل تشير رؤيتك هذه إلى أن المواطن يلتقط الرسائل من وسائل الإعلام مثل الإسفنج دون تفكير؟
  • بنسبة كبيرة نعم … نضيف إلى ذلك أن مشاهدي التليفزيون هم ربات البيوت وكبار السن، بينما يستقي الشباب الصغير ثقافتهم من الشارع، والنادي، و(البلاي ستيشن- play station)، وجماعات الرفاق (أو كما نسميهم الصحبة الحلوة) وكل مجموعة لها قائد ينفذ باقي أفرادها كلامه -دون نقاش- مثل قطيع من الخراف، وعليه يجب أن يكون لدينا الإعلام الموجة، الذي يحدد فئة الجمهور التي يستهدفها ويخاطبها باللغة التي تناسبها، فلا أحدث شباب اليوم بألفاظ مثل: حيثما وربما وبادي ذي بدء.
  • ماذا عن العنف الأسري المؤدي للقتل وكيفية تحجيمه؟
  • هناك خطوتين مهمتين: الأولى برنامج تأهيل نفسي و فكري وسلوكي للمقبلين على الزواج، أما في حالة المتزوجين فعليا ننبه الزوج والزوجة أن وصول الأمر لتعرض أحدهما للضرب أمر لا يجب السكوت عليه، يجب أن ترفض وتعبر عن نفسها وتدخل أهلها في الموقف حتى لا يتكرر الأمر، كما أن حدوث الضرب أمام الأولاد يصيبهم بعقد نفسية، كذلك السكوت على الأمر يجعله يتفاقم، وفي برامج التأهيل للمقبلين على الزواج نعلمهم أن سبيل حل المشكلات هو لغة الحوار الهادئ، فإن لم يجدي يكون تدخل الحكماء للوصول لحل متوازن للمشكلة.
  • يرى كثير من الأساتذة أن أحد أهم منابع العنف الزوجي هو “الغش أو الخداع قبل الزواج”، فما رأيك؟
  • هناك مثل شعبي يقول (قبل ما تناسب حاسب)، بمعنى أن الفتاة يجب أن تسأل على العريس المتقدم لها، ولا تركن لمقولة (لو فيه عيوب هتتعدل بعد الجواز)، كذلك فكرة الكذب خلال فترة الخطوبة ليصطدم الطرفان بعد الزواج بأشياء مغايرة تماما لما يعرفوه، ودائما ما أطلب المقبلين على الزواج دراسة شخصية الفتاة التي يتقدم لها أو أطلب منها دراسة شخصية العريس المتقدم للزواج بها.
  • حسنًا نعود لمسألة “التأهيل النفسي للطرفين” هل تراه مهرب من العنف ؟
  • بالطبع وطالبت مجلس النواب كثيرا بعمل ذلك في مشروع قانون، وشيء آخر طالبت أيضا بعمل مشروع قانون بكورس تأهيلي يفرض على المقبلين على الطلاق قبل إتمام إجراءاته، فقد حدث معي بشكل شخصي أن تمت المصالحة بين الأزواج في أكثر من ٥٠٠ حالة أثناء وجود المأذون الذي كان سيطلقهما، وبعد المصالحة يكملون حياتهم في سعادة.
  • ماذا عن الاعتقاد بالوصمة المجتمعية لمن يتردد على استشاري نفسي؟
  • هذه الفكرة انخفضت جدًا أو تلاشت في العشرين سنة الأخيرة، نجوم المجتمع الآن يعلنون على الملأ ارتيادهم العيادات النفسية، أو لجوئهم لاستشاريين نفسيين بدون خجل والنتائج معهم تكون هائلة. لذا نحن نطالب الأزواج قبل الوصول إلى مرحلة القتل سرعة اللجوء لاستشاري نفسي وأسري قبل الوصول للمحكمة وحتى أثناء التقاضي وتكون وظيفته هي محاولة الإصلاح باستمرار.
  • هل تكفي برامج التأهيل النفسي للقضاء على العنف؟
  • بالطبع هناك وسائل أخرى، لأن المرشد النفسي محدود التأثير فقد يصل إلى ألف أو عشرة آلاف شخص بحد أقصى، لذا نحن نحتاج إلى ما هو أوسع انتشارا مثل الإعلام الجديد، فتكون هناك فيديوهات إرشادية بسيطة وخفيفة وإيجابية ومتواصلة على (Tiktok، YouTube) وعلى التليفزيون ووسائل الإعلام التقليدية بحيث يكون هناك تكامل بينهما، فإن كان هناك لقاء تليفزيوني مهم يحمل معلومات إرشادية ومدته ٤٥ دقيقة، أذيع منه دقيقة أو دقيقتين من أهم ما جاء به على وسائل الإعلام الجديد، هنا فقط يتحقق انتشار أوسع للرسالة وأجذب جمهور أكبر، فيكون الجهد مكثف بين: علماء النفس والاجتماع، وعلماء الدين، ووسائل الإعلام الجديد، مع وسائل الإعلام التقليدي، بحيث نعمل حملة مكثفة من فريق عمل واحد لمحاربة هذه الظاهرة.
  • ألن يتكلف هذا جهد ووقت طويل خاصة في ظل تسارع وتيرة العنف وتزايدها؟
  • أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي. فمن واقع عملي مع المقبلين على الزواج وحديثي الزواج والمقبلين على الطلاق والذين يعيشون حياة مليئة بالمشكلات (نكدية) تزداد فيها وتيرة العنف بما قد يصل للقتل، يجب أن نعمل على كل الجبهات، ويكون هناك كذلك برامج تربوية تأهيلية على مراحل التعليم المختلفة: تبدأ من المرحلة الابتدائية فيتم تأهيل البنت كيف تكون زوجة رائعة وأم عظيمة، وتتطور هذه البرامج على المراحل التعليمية المختلفة؛ هنا فقط تتكامل جهودنا جميعا من أجل مجتمع أفضل.
  • ماذا عن المتزوجين فعليا؟
  • فعليًا هناك برامج تأهيلية لتحويل (النكد) الزوجي إلى سعادة زوجية و قصة حب رومانسية، فالمرأة بطبيعتها قدرتها عالية على تخزين الأحداث وتذكرها وهو ما يجعل حياتها أكثر كآبة.
  • ألا يمكن أن يرجع ذلك إلى أن مستوى معاناتها أعلى مع زوج يضربها ويهينها؟
  • الرجل لا يلجأ للضرب إلا حينما يصل إلى مرحلة نهاية الاحتمال، فلا يوجد رجل يضرب زوجته منذ دخول باب البيت من فراغ، لابد أن تكون هي قالت له كلمه استفزته أو جرحت رجولته.
  • الكثير من حالات العنف يكون الزوج دائم ضرب زوجته بدون أسباب منطقية وبشكل وحشي؟
  • هي المخطئة لأنها تقبلت هذا منه في صمت فاعتاد على ذلك، كان يجب أن تقف أمامه وتخبر أهلها وتأخذ حقها ليرتدع، لماذا تسكت؟ لماذا تقبلي الضرب؟ أليس لك أهل؟ لابد أن تلجأ لأهلها لإيقافه وكما يقولوا في الأمثال الشعبية (أهلك لتهلك). وكذلك نقول للأهل أنتم لا تزوجون ابنتكم لمن يضربها، فإذا ضربها من تزوجته يجب تعريفه بقيمة ابنتكم، فالحفاظ على الأسرة يتطلب تحجيم المخطئ. 

وعلى جانب آخر أسرار البيت يجب الحفاظ عليها، فليس كل ما يحدث في البيت: تجده هو يكلم والدته، وهي تكلم والدتها لتصبح أسرار البيت حديثًا لكل الناس والأقارب والمعارف، بل ويصل الأمر إلى أنها تحكي لصديقاتها ليصبح الهزل على حياتها الزوجية، بل لقد كنت يومًا في زيارة لأحد المصانع فإذا بالسيدات داخل أتوبيس المصنع وأمام الجميع يحكين أسرار بيوتهن ويستخدمنها مادة للهزل، ما هذا؟ كيف تفتح المرأة أسرار بيتها بمثل هذا الشكل المهترئ، وكذلك الأمر بالنسبة للرجال.

  • البعض يشير بأصابع الاتهام في زيادة العنف الأسري إلى الحجر المنزلي الذي فرض إبان انتشار فيروس كورونا؟
  • هذا الكلام صحيح إلى حد كبير؛ لما؟ لأن الرجل ملك في مملكته، والمرأة ملكة في مملكتها، وكلا منهم في ظروف الحياة العادية بعيد عن الاصطدام بالآخر، ولكن الحجر المنزلي أدى لحدوث هذا الاصطدام، كذلك فكرة أن الحجر زاد من مشكلات الأولاد التي كان الزوج بعيد عنها فاصطدم بها، وعند تدخل الأم كطرف ثالث يزداد الصدام حدة، هنا يبدأ الرجل بالثورة على بيته وأولاده إذ رأى عيوبهم لأول مرة، بعد تجمعهم في الحجر المنزلي وهنا يحدث الملل والصدام الذي يقود للعنف.
  • ما توقعاتك نحو ظاهرة القتل بعد ازدياد وتيرتها في الفترة الأخيرة؟
  • إن لم يتم التعامل مع الموضوع باحترافية وبأسلوب تربوي ويتم إصلاح المنظومة الاجتماعية من الألف للياء ستنتشر أكثر ، في ظل ثقافة الكراهية التي انتشرت داخل الأسرة بسبب الضغوط، وإن لم يتم التحرك لعلاج جذري لذلك ستنتشر الظاهرة بشكل أكبر.  

عند هذه النقطة يكون ختام الحديث مع الدكتور (علاء الغندور)، ويكون أيضًا ختام ما لدينا من سلسلة العنف الأسري، التي لا تكفي لن تكون نهاية الحديث حول هذا الموضوع الذي يحتمل الكثير، كما يتسع لكل استقصاء أو قول جديد حوله، وعليه يظل باب الإضافة فيه مفتوحًا على صفحات “اليوم” أو غيره حتى يُغلَق بأمر من المجتمع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى