تقارير و تحقيقات

“محلل” تحت الطلب.. التيوس المستعارة بين الرفض المجتمعي والرواج في الخفاء

عماد نصير

لم يرتق الأمر إلى مسمى ظاهرة، إلا أن الحديث عنه مؤخراً، خاصة بعد ظهور أحد الأشخاص على الفضائيات مدعياً أنه تزوج عشرات السيدات بغرض “تحليلهن” لأزواجهن السابقين، والانتشار المتزايد للعديد من الصفحات النشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي يروج القائمين عليها لأنفسهم كـ”محلل”، بمقابل مادي أو حتى “مجاني”، بات الأمر بمثابة ناقوس خطر يستوجب مواجهة وردع من مؤسسات وأجهزة الدولة المعنية، ودراسة الأسباب التي أدت لبروز ذلك النشاط، اتفقنا مع الداعين له أم لم نتفق.

 “اليوم” تفتح ذلك الملف الشائك والمستهجن دينياً واجتماعياً بل وحتى أخلاقياً..

في هذه السياق يقول الدكتور محمد علي الداعية الإسلامي، أنه لابد أن نعلم بأن المطلقة التي طلقها زوجها ثلاثاً،  تحرم عليه حتى تنكح زوجاً غيره، وأما من طلقها زوجها مرة واحدة أو مرتين، فله أن يراجعها في فترة عدتها أو يتزوجها زواجاً جديداً، حتى ولو لم تنكح زوجاً غيره.

المحلل فعله وماله حرام

 وأكد علي في تصريح لـ “اليــوم”، أنه ينبغي أن يُعلم أن المطلقة ثلاثاً لا تحل لزوجها الأول حتى يتزوجها رجل آخر ويطأها رغبة في النكاح، وليس لأجل أن يُحلها لزوجها الأول بالاتفاق أو أخذ مقابل على ذلك، فالمحلل – وهو في الأصل محرِّم- فعله وماله حرام بل هو والزوج والزوجة ملعونون، لحديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه ” لعن الله المحَلِّلَ والمُحَلَّلَ له ” واللعنة هي الطرد من رحمة الله، وإن دخل بها فدخوله بها زنا قولا واحداً، ونكاحه حرام باطل لا يفيد فيه المحلل.

شروط المحلل

وأوضح العالم الأزهري أن المطلقة ثلاثاً لا تحل لمطلقها الأول إلا بشرطين: الأول منهما: أن يدخل بها زوج آخر في نكاح رغبة، وثانيهما: انقضاء عدتها من الزواج الثاني، وعدة الحامل وضع الحمل، قال تعالى: (وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ۚ)

محلل “السوشيال ميديا” ملعون

يقول الدكتور خالد راتب، الكاتب والمفكر الإسلامي، أنه من وقت لآخر تثار قضايا متعددة ينشغل بها الرأي العام، ومن هذه القضايا محلل (السوشيال ميديا)، وهو الذي عاشر الزوجات اللواتي طلقن من أزواجهن ثلاثا مقابل مبلغ من المال؛ لتحل لزوجها الأول، وهذا الفعل حرام  وصاحبه معلون لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (لعن الله المحلل، والمحلل له).

زنا وليس بزواج

وأضاف راتب في تصريحات لـ “اليـوم” أن المرأة كي تحل لزوجها الأول بعد الطلاق ثلاثا لابد أن تنكح زوجا آخر على سبيل التأبيد، وليس التأقيت (أي بهدف استمرار الحياة الزوجية وليس من أن أجل أن تعود لزوجها الأول)، لقوله تعالى (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ)، فمن يستخدم كمحلل وليس كزوج ويعاشر النساء ففعله زنا يجب أن يعاقب عليه، وهو من الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في المجتمع، فقد روي عن ابن عمرو رضى الله عنهما أنه سئل عن تحليل المرأة لزوجها؛ فقال ذاك السفاح، أي الزنا.

اختلاف بين الشرائع السماوية

من جانبه قال المستشار محمد ابراهيم المحامي بالنقض، أن المقصود بالمحلل هو الذي تزوج المرأة المطلقة 3 طلقات من زوجها فيتزوجها ليقوم بتحليلها إلى زوجها، وانتشر المحلل خلال الفترة الماضية بعد زيادة نسب الطلاق، والشريعة الإسلامية اخلتفت عن شرائع كثيرة في ضبط مسألة الطلاق، فهناك من الشرائع ما لا تجعل عدد محدد للطلقات مثل الشريعة اليهودية، وهناك من الشرائع ما يمنع الطلاق ويضيق فيه مثل الشريعة المسيحية، حيث في بعض الطوائف عندهم لا طلاق إلا لعلة الزنى، أما الشريعة الإسلامية فقد جاءت وسطاً، والله تعالي يقول في سورة البقرة (الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ)

لا يوجد قانون يجرم المحلل

وأضاف ابراهيم، في تصريح لـ “اليـوم”، أنه لا يوجد قانون في مصر أو في الدول العربية يجرم موضوع المحلل، بمعنى أنه طالما العقد اشترط أو تمت فيه الشروط الشرعية الظاهرة لا ينظر إلى النية من وراء هذا الأمر، هل هو يحلل أولا ولا يوجد تشريع سواء في القانون الجنائي أو في قانون الأحوال الشخصية يعاقب بالنية.

مضيفاً أنه إذا تواترت الزيجات وظهرت مثل ما ظهر في بعض الحالات مؤخراً وتفاخر بأنه تزوج 33 زوجة، أرى أن يعاقب هذا الرجل بجريمة ازدراء الأديان، لأن الدين الإسلامي يحرم هذا الأمر وإذا كان الدين يحارب هذا الأمر فهذا الأمر جريمة، ونص المادة الثانية من الدستور تقول إن الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع، وأصبحت مخالفة الشريعة الإسلامية تعتبر مخالفة للدستور.

تزوير معنوي ومخالفة للقانون

وقال أن نص المادة 212 من قانون العقوبات تقول أن على أن كل شخص ليس موظفا، قام بارتكاب تزوير، كما هو مبين في المادة 211، يعاقب بالسجن المشدد أو مدة قد تصل إلى عشر سنوات، بمعني أن المأذون ممكن يعاقب بعقوبة التزوير لأن هناك تزوير معنوي، أن يقوم به الموظف العام بإثبات وقائع غير صحيحة وهو يثبتها في محرر رسمي، فهو يعلم أن هذا الرجل يتزوج ويطلق وخاصة إذا كان عند المأذون ذاته.

وفي استطلاع رأي أجراه محرر “اليوم” لعدد من الجمهور ولمتابعي بعض الصفحات التي يروج القائمين عليها “للمحل”، يتضح للقارئ أن الغالبية منهم لا يعلمون بمدى فداحة الجرم، وما هو حجم المخالفة الشرعية التي يقعون فيها، بل هو تصرف أقرب ما يكون “غريزي” جنسي، يحمل بعض المكاسب المادية.

في البداية يقول “أشرف – س”: تفاجأت بوجود العديد من الصفحات التي تحظى بمتابعة الآلاف، معظمهم بالطبع من الشباب الذين لا يملكون الخبرة الكافية في الحياة، بحكم أن مسألة “المحلل” من القضايا غير المشهورة أو المسكوت عنها على المنابر وفي البرامج الحوارية، وبالتالي يقع بعضهم فريسة سهلة لأولئك الذين يسعون للحصول على محلل.

ويضيف “مراد صلاح” – موظف: قضية المحلل ربما يقع فيها الكثيرون بحكم نقص الوعي الديني والفقهي، إلا أنها بعيداً عن الدين أمر غير مقبول وغير مرغوب فيه، وبالرغم من أنه كاتفاق ربما يتم بسرية تامة كون الساعين لإتمامه يدركون استهجان ورفض الشارع لذلك التصرف، ومع ذلك بمجرد انتشار الخبر تجد أطرافه في خجل تام، لعلمهم بأن الرأي العام رافض للأمر كسلوك فردي بعيداً عن الدين.

ويكمل: هناك صفحات كثيرة على مواقع التواصل الاجتماعي تروج “للمحل” بمقابل مادي، وهذا أمر منافي للأخلاق والسلوك العام لمجتمع محافظ غير انه محرم شرعاً، لذلك لابد أن يتم تشريع قانون يرصد الأمور التي تتنافى مع الأخلاق العامة وبالطبع من بينها هذا الفعل المشين.

وفي السياق ذاته يقول “أكرم فاروق” رجل أعمال: قضية “المحلل” حرام شرعاً فمن يرضى بأن يقوم بهذا الأمر هو التيس المستعار، وقد يظن البعض أن القيام بهذا الأمر يحلل رد الأزواج لبعضهم، إلا أنني سألت أحد رجال الدين وأفتى بعدم جواز الأمر على الإطلاق، وبالتالي يصبح الأمر بمثابة كذبة كبيرة وزنا مبطن.

واختتمت “سناء ابراهيم” مهندسة: الموضوع غاية في الحساسية لدى أي سيدة تحمل قسط من الاحترام لنفسها أو لأسرتها أو حتى لزوجها السابق الذي تطلقت منه، فلا أكاد أصدق أن هناك امرأة تقبل على نفسها أن تكون زوجة “متعة” لأحد بعقد يكاد يتصف بأنه مؤقت، وذلك حتى تتمكن من العودة لرجل قام بتطليقها ثلاثاً، فالمرأة التي تحترم أنوثتها فطرتها تمنعها من القيام بذلك.

وتضيف: بعيداً عن أن الدين رفض ذلك التصرف وحرمه حرمة قاطعة، فكيف لرجل شرقي أو عربي أو مسلم، يقبل أن يقيم آخر علاقة “آثمة” بعلمه وتحت إشرافه وبمقابل مادي أيضاً، ليعود إليها ويقيما مع بعضهما البعض علاقة “آثمة” أيضاً، كون القضية محسومة سلفاً من وجهة نظر الدين، وأي امرأة ترتضي على نفسها ذلك هي في الأصل امرأة غير سوية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى