تقرير

حياة كبار السن بعد زواج الأبناء.. الوحدة والملل تسيطر على حياتهم اليومية

كتبت / مرام ممتاز
تجلس في منزلها وحالة من الهدوء تحاصرها من كل جانب، فحياة الوحدة لازمتها مع كل حركة تخطوها، فقبل 7 سنوات كان حال الحاجة نبيلة حسنى، 65 سنة ، مدير عام سابق في التربية والتعليم، غير حالها هذه الأيام فصوت أبنائها الـ 4 كان يؤنس وحدتها في الماضي قبل زواجهم واستقرارهم في أماكم بعيده عنها.

تقول الحاجة نبيلة إن حياتها أصبحت مملة وروتينية، لا يوجد من تهتم لأجله أو من يعتني بها، تمضي يومها بين مشاهدة نشرات الأخبار وبعض الأفلام والتصفح على الفيس بوك، لا يوجد أبناء ولا أحفاد بجوارها، فهم يأتون لزيارتها إلا في الاجازات الصيفية فقط.
كانت الأم في السابق تعيش مع أبنائها في منزلها البسيط، بعدما توفي زوجها منذ زمن، فكان تذهب للعمل صباحاً، محاطة بالطلاب حيث كانت تعمل مدرسة بإحدى المدارس الابتدائية، وبعد الظهيرة تعود للبيت وتبدأ نشاط يومها المعتاد والقيام بواجبات منزلها وإنجاز متطلبات أولادها، وهذا الحال لم يدم طويلا بسبب سنة الحياة.

الخبير النفسي: يصاب الآباء بحالة من” قلق الانفصال” بعد زواج أولادهم
عن الحالة النفسية للآباء بعد زواج أخر الأبناء تقول الدكتورة ريهام محي الدين، أستاذ علم النفس، بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية، أن الآباء يشعرون بالوحدة والقلق بعد زواج أبنائهم وخاصة الأم وتمر بمرحلة تسمى “قلق الانفصال”.
وتضيف “محي الدين” أن الأم تشعر بالملل في حياتها، ويراودها شعور بأنها غير مهمة في حياة أبنائها؛ لانتهاء دورها وانشغالهم بحياتهم الزوجية والعملية، وينتابها الخوف من الوحدة أو حدوث مكروه لها دون علم أحد وتلك الوساوس قد تصيبها بحالة اكتئاب.
نعود لبطلة القصة الحاجة “نبيلة” حديثها ونظرات الحزن تغلف عينيها قائلة: لم اعتاد العيش حياة الوحدة وخاصة ان العديد من جيراني زوجوا بناتهم وأبنائهم بالقرب منهم ، بعكس أبنائي الذين تزوجوا في أماكن بعيدة عني.

وتستكمل “محي الدين”: لعلاج حالة الحزن والملل لدى الآباء يجب على الأبناء الاهتمام بآبائهم بعد الزواج والدوام على زيارتهما قدر المستطاع حتى لا يشعرون بالوحدة وعدم الاهتمام، كما يجب عليهم استشارتهم في أمورهم الحياتية والأخذ بنصائحهم، والمداومة على مكالمتهم يومياً للاطمئنان عليهم وإشعارهم أنهم شيء مهم في حياتهم ولا يمكن الاستغناء عنهم.

ومن ناحية الآباء عليهم أن يتفهموا الوضع الجديد في حياتهم وأن تلك هي سنة الحياة، وعليهم أن يشغلوا أنفسهم بنشاطات مختلفة لكسر الروتين اليومي الذي يعيشونه، وعلى سبيل المثال الخروج للتنزه، أو القيام بالزيارات العائلية، قراءة الكتب، وغيرها من النشاطات التي تحد من شعور الوحدة والملل بحياتهم.
عم دقدق: ولادي مش بيقصروا معايا وأمارس هوايتي في الصيد لقتل الملل
“سنة الحياة إن الولاد يتجوزوا ويستقلوا عننا والحياة بتمشي طبيعية زي ما أهالينا جوزونا زمان”، ..بهذه الكلمات عبر محمود دقدق، 70 عام، موظف على المعاش، بعد زواج أبنائه ال5، ولم تختلف حياته قبل زواجهم عن ما قبل.
وأستكمل: لدى 3 بنات وولدين، من بينهم 2 أساتذة بالجامعة، ومتزوجون بالقرب مني والباقي متزوجون في أماكن بعيدة ومتفرقة، بكلمهم يومياً بالهاتف.
وأشار “دقدق”، إلى أنه لا يشعر بالوحدة والملل، وزوجته ماليه عليه البيت، ودائما ما يخرج مع أصدقائه بالجلوس على المقهى، وممارسة هوايته المفضلة في الصيد على كورنيش المنيل المجاور لمنزله.
وأختم حديثه قائلا: ولادي مش بيقصروا معي أبداً، ومتواصلين ومهتمين بينا، ودائما ما يأخذوني أنا ووالدتهم المصايف ويلبون كل احتياجاتنا قدر ما استطاعوا.

الحاجة بثينة: أعيش بين أولادي ولكني أشعر بالوحدة والغربة
وفى ذات السياق تتحدث بثينة ع الحميد ربة منزل، 60 سنة، أن أبنائها يعيشون معها في نفس البيت ولكن علاقتها بأبنائها تغيرت بعد زواجهم، فكل منهم مشغول مع زوجته وأبنائه، ولكنهم لا يتحدثون معي عن مشاكلهم أو حياتهم الشخصية مما جعلني في عزلة وشعرت أن أبنائي غرباء عني.
واستكملت: يأتي أبنائي من حين لأخر للتحدث معي وأجلس طول الليل بين 4 حيطان فأشعر بطول الليل فالحياة قبل زواج الأبناء كانت ممتلئة بالأحداث ولا أشعر بالوقت، والآن أحاول الخروج لزيارة أقاربي لكسر ملل الوحدة، وأجلس معظم الوقت مع أحفادي حتى أكسر الوحدة.
بهاء البار.. أمي هي النواة التي يدور حولها الجميع
“أمي هي أغلى شيء في حياتي، وهي التي تهون عليا مصاعب الحياة ومتاعبها”،.. خرجت تلك الكلمات مملوءة بالمحبة والدفء من الحاج بهاء محمد، 45 سنة، له 7 أبناء وزوجتين.
يقول “بهاء”، إنني أراعى الله في والدتي قدر المستطاع، فهي الرحمة المهداة أحبها وأحترمها وألبي كل احتياجاتها، وبالرغم من صعوبة الحياة وديق الحال؛ إلا أنني أقيم مع والدتى وزوجاتي، وابنائي ال7 في منزل واحد، وبالرغم من محاولات زوجاتى بأن يستقلا في منزل منفردين، إلا أنني رفضت ذلك، حتى لا أترك والدتي المسنه بمفردها، بل انها تحظى باهتمام بالغ ، وأصبحت النواة التي يدور حولها الجميع.

خبير اجتماع: تزداد ظاهرة ملل الأمهات في المدن وتقل في الأرياف
ومن جانبه يقول الدكتور خالد كاظم، أستاذ علم الاجتماع، إن زواج الأبناء والانفصال عن آبائهم سلوك مجتمعي متعارف عليه، وهو وضع طبيعي، ولكن المتغير الوحيد في هذا الزمن، أن زوجة الابن تشترط أن يكون مسكن الزوجية بعيداً عن منزل الأهل، لتكن أكثر استقلالية وراحة ومنعا للاحتكاك وحدوث خلافات مع أهل الزوج.
في السابق كان الأبناء يتزوجون في منزل واحد كلا’ في طابق على حده ويتجمعون هم وأولادهم في شقة الوالدين، وبذلك لا مكان لشعور الوحدة والملل في حياتهما، ولكن نظراً للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية في ذلك العصر تتلاشى نوعية الأسر النووية المكونة من الأب والأم والأبناء والأحفاد، وظهرت الأسر المستقلة.
وأوضح كاظم أن ظاهرة الملل والوحدة لدى الآباء وخاصة الأمهات تكثر جلياً في المناطق الحضرية والمدن بينما تقل في القرى والأرياف، وتنتشر في وجه بحري وتقل جدا في الصعيد نظراً لاختلاف الثقافات والعادات والتقاليد المتعارف عليها في المجتمع.

مرثا مرجان

رئيس قسم الفن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى