مقالات

على خلفية اقتحام باحات المسجد الأقصى.. آلام جديدة للفلسطينيين تضاف إلى سجل اسرائيل الإجرامي

بقلم الشريف عبدالرحيم حماد

لفلسطين خصوصية تاريخية وحضارية عميقة لا توازيها أية مكانة، ويليق بها بأن تكون أيقونة مقدسة ورمزا تاريخيا عريقا يحبه الجميع ويسعى للقرب منه، لهذا كانت فلسطين على مر التاريخ في مرمى أطماع الشعوب التي تطمح لاحتلالها والسيطرة عليها.

ففي وصف التاريخ الحضاري لفلسطين تنحني الحروف والكلمات وتتزين المعاني، فهي من الدول التي تحظى باهتمامٍ، وموقعها الاستراتيجي الذي يصل ما بين قارتي آسيا وإفريقيا جعل منها دولة يطمع بها الشرق والغرب.

يجمع العرب جميعاً على حب فلسطين، ويعدونها قضيتهم الأولى التي تدافع الشعوب عنها، خاصة أن فلسطين ترضخ تحت وطأة الاحتلال الصهيوني البغيض، ورغم ذلك تحافظ على هويتها العربية والإسلامية قدر الإمكان، مهما حاول الجميع أن يطمس هذه الهوية، إلا أن فلسطين تجمع العرب جميعاً على حبها، ويفتخرون دوماً بالانتصارات التي يحققها أبطالها، ويفتخرون بصمود أهلها الذين يدافعون عن أرض فلسطين ومقدساتها بأرواحهم. ولا يهتمون بحياتهم بقدر ما يهمهم أن تظلّ فلسطين محافظة على كيانها ووجودها وهويتها الأصيلة، ومحتفظين بأمل النصر الكامل وتحريريها؛ لهذا تحظى فلسطين بمكانة فريدة بين جميع الدول العربية؛ لأنها تجمع القلوب على حبها والدعاء لها في كلّ وقت وحين.

فلسطين بهويتها العربية ومكانتها المقدسة تجعل من نفسها بوصلة لكل عربي حر وشريف، حتى إنّ الشعوب العربية تردّد دومًا كلمة أنّ بوصلة لا تشير إلى القدس هي بوصلة مشبوهة، فالقضية الأولى في ذهن كلّ عربي هي قضية فلسطين التي يتمنى جميع العرب والمسلمين أن يفرحوا بالنصر بها يوماً قريبا. على الرغم من كل الظروف والأحوال، فإن فلسطين لا ترضخ لأي شيء، بل يظل رأسها مرفوعا على الدوام، تدافع عن شرف الأمة وتزرع في القلوب والعقول فخراً وعزة وكرامة، فهي البلد الذي يتبنى قضيته كل إنسان شريف في العالم، وهي البلد الذي تفرح القلوب بقربه ويتمنى كل عربي ومسلم أن يحظى بزيارة إليها ليرى الخير فيها ويأخذ من صمود أهلها.

فلسطين أرض الشهادة والتضحيات
إن فلسطين أرض الشهادة والنصر والتضحيات، وهي الوطن الذي يفتدى بالدماء والأرواح، فكم من أرواح صعدت إلى بارئها دفاعاً عنها، وكم من دماء روت ترابها الطاهر .

لهذا تضم فلسطين أجساد الشهداء وتعلو بهم، لأنهم لم يهتموا بحياتهم بقدر اهتمامهم بنصرة فلسطين ودفاعهم عن حريتها وقدسيتها في وجه الإحتلال الغاشم الذي يحاول أن يسلب كل شيء فيها ويسطو على ترابها الطاهر، لكن أرواح الشهداء تحرس فلسطين وتصون ترابها من كل شيء.

الشهداء في فلسطين هم القناديل الذي يضيئون عتم لياليها، وهم الدماء الزكية التي تتعطر قبة فلسطين فيها، وهم الأيقونات التي يفتخر بها كل حر شريف، في بيت كل فلسطيني شهيد أو مشروع شهيد ، فهم لا يسألون عن حياتهم لأنهم وهبوها لأجل ترابها الطاهر، ومستعدون دوماً أن يقفوا صفا واحداً لأجل أن تتحرر البلاد ، وأن يكون كيانها مستقلًا عن الإحتلال الغاشم.

في فلسطين أطفال تربوا على معاني الشهادة، ورضعوا حليب الأمهات اللواتي يحرصن على أن يعلمن أبناءهن أسمى معاني النصر والفداء، فطوبى للشهداء الذين يأخذون بيد الأمة جمعاء نحو النصر والفداء، ويحلقون بأرواحهم في سماء البلاد كي يحرسوها من طيور الظلام الذين لا يعرفون إلا الغدر، لكن الشهداء لهم بالمرصاد وأقسموا وبروا بقسمهم في سبيل أوطانهم.

على مدار السنوات الماضية أدى احتلال إسرائيل للضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة إلى وقوع انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان استهدفت الفلسطينيين الذين يعيشون في هذه المناطق.

منذ بداية الاحتلال في يونيو 1967، كان من شأن سياسات إسرائيل القاسية، المتمثلة في مصادرة الأراضي، وبناء مستوطنات غير قانونية، وسلب الممتلكات، بالإضافة إلى التمييز الصارخ، أن تؤدي إلى معاناة هائلة للفلسطينيين، حيث حرمتهم من حقوقهم الأساسية.

ويلحق الحكم العسكري الإسرائيلي أضراراً تخل بجميع جوانب الحياة اليومية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. فما يزال هذا الحكم يؤثر على قدرة الفلسطينيين على السفر من أجل العمل أو الدراسة، أو السفر للخارج، أو زيارة الأقارب، أو الحصول على مورد رزق، أو المشاركة في احتجاج، أو الوصول إلى أراضيهم الزراعية، أو حتى الحصول على الكهرباء وإمدادات المياه النقية. ويعني هذا كله أن يعاني الفلسطينيون يومياً من الإذلال والخوف والقمع. ونتيجة لذلك، أصبحت حياة السكان الفلسطينيين من الناحية الفعلية رهينةً في يد إسرائيل.

كما اعتمدت إسرائيل مجموعة مترابطة من القوانين العسكرية للقضاء على أية معارضة لسياساتها، بل إن بعض كبار المسؤولين الحكوميين الإسرائيلين وصموا الإسرائيليين الذين ينادون باحترام حقوق الفلسطينيين بأنهم “خونة”.

على مدار الخمسين عاماً الماضية، طردت إسرائيل آلاف الفلسطينيين عنوة من أراضيهم، التي احتلتها واستخدمتها بشكل غير قانوني في بناء مستوطنات لا يسكنها سوى مستوطنون إسرائيليون يهود

وقد شرد أبناء مجتمعات فلسطينية بأكملها بسبب هذه المستوطنات، حيث دُمرت منازلهم وسبل عيشهم، وفرضت قيود على تنقلاتهم، وعلى وصولهم إلى أراضيهم ومصادر مياههم، وغير ذلك من الموارد الطبيعية. كما تعرضت هذه المجتمعات لاعتداءات عنيفة من الجيش الإسرائيلي، ومن المستوطنين الإسرائيليين

لا يزال الفلسطينيون يعيشون صراعاً يومياً مع الإحتلال الاسرائيلي الصهيوني، ولا يزالون محرومين منذ العام 1967 من أبسط متطلبات الحياة الطبيعية في المجالين العملي والإنساني ، والمجموعات البشرية الأكثر معاناة في هذا المجال هي تلك التي قدر لها العيش قهراً على مقربة من المستوطنات ومن الحواجز الواقعة تحت السيطرة المدنية والعسكرية التامة لإسرائيل ، والتي تشكل أكثر من 50% من الضفة الغربية ، حيث يحرم الفلسطينيون من الخبز والكرامة. ففي بعض مناطق الضفة تكاد توجد مستوطنة عند كل ربوة لها طريقها الخاص المؤدي اليها، وهي تحاط بالأسوار ونقاط التفتيش مما يعيق حركة الفلسطينيين في سعيهم لكسب عيشهم أو التواصل العائلي مع الأقرباء والأصدقاء. والعنف الذي يتعرضون له من جانب المستوطنين يثني الكثيرين منهم عن الذهاب الى أراضيهم لزراعتها أو لرعاية أغنامهم أو لجني حصادهم، هذا إذا أبقى لهم هؤلاء المستوطنون ما يجنونه أو يكسبونه.

كانت جماعات استيطانية إسرائيلية قالت في منشورات عبر شبكات التواصل الاجتماعي إنها تعتزم ذبح قرابين عيد الفصح الذي يبدأ يوم الجمعة القادم بالمسجد الأقصى، وحثّت أتباعها على محاولة القيام بذلك.

ورداً على ذلك، قال مصدر في المقاومة الفلسطينية إن مخطط المستوطنين لذبح القرابين المزعومة في المسجد الأقصى يعد تجاوزاً للخطوط الحمراء.

وقال خطيب المسجد الأقصى يوم الجمعة: “نذكر بالفتوى الشرعية بوجوب شد الرحال للمسجد الأقصى حين الخطر، ومن تمنعه قوات الاحتلال يصلي حيث يُمنع، وله أجر الصلاة والرباط في المسجد الأقصى”.

وقالت منظمة الهلال الأحمر الفلسطيني إنه “تم نقل 59 مصابا حتى الآن لمستشفيات القدس جراء المواجهات في المسجد الأقصى”.

وقال الناطق بإسم حركة حماس، فوزي برهوم : “ندين بشدة الإعتداءات الوحشية لجنود الاحتلال الإسرائيلي على المصلين في المسجد الأقصى المبارك، والذي يتحمل كل ما يترتب على ذلك من مخاطر تمس بمشاعر شعبنا الفلسطيني وأهلنا في القدس، الذين يخوضون معركة حقيقية في الدفاع عن المسجد الأقصى”.

ووصل آلاف الفلسطينيين، فجر يوم الجمعة، إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة فجر الجمعة الثانية من شهر رمضان.

ونصب الشبان المتاريس الحديدية والخشبية بالقرب من باب المغاربة ومداخل مسجدي قبة الصخرة والقبلي، خشية وتحسبا من اعتداء أو اقتحام قوات الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين لساحات المسجد

تجدر الإشارة إلى أن عدداً من ​ممثلي الفصائل الفلسطينية​ والرئاسة الفلسطينية​ ودول عربية وإسلامية ومنظمات دولية ، حذروا السلطات الإسرائيلية، من اقتحام باحات الأقصى، من أجل “تنفيذ مخطط ذبح القرابين، وممارسة الطقوس الإستفزازية”.

وفي وقت سابق، نددت منظمة التعاون الإسلامي في بيان يوم الخميس، بأشد العبارات، بإقدام عشرات المستوطنين المتطرفين على اقتحام المسجد وتأدية شعائر وطقوس تلمودية فيه، بدعم وحماية من قوات إسرائيلية.

وحذرت من التهديدات التي أطلقتها مجموعات المستوطنين المتطرفين، بذبح قرابين داخل باحات الأقصى، وعدت المنظمة هذا التصعيد الخطير “تحديا سافرا لمشاعر الأمة الإسلامية جمعاء، وانتهاكا صارخا للقرارات والمواثيق الدولية ذات الصلة”.

فيما ندد الفلسطينيون بشدة باقتحام الشرطة الإسرائيلية اليوم الجمعة ،باحات المسجد الأقصى في شرق القدس ما خلف عشرات الإصابات.

وبحسب مصادر فلسطينية أصيب أكثر من 150 فلسطينيا وصفت حالة اثنين بالخطيرة بالرصاص المطاطي والاختناق ،خلال مواجهات مع الشرطة الإسرائيلية التي اقتحمت المسجد القبلي داخل الحرم الشريف عقب صلاة الفجر.

وأعلنت الشرطة الإسرائيلية عن إصابة ثمانية من عناصرها خلال المواجهات في المسجد الأقصى بعد رشقهم بالحجارة، مشيرة إلى اعتقال عناصرها نحو 300 فلسطيني بتهمة إثارة الشغب.

كانت وكالة الصحافة الفلسطينية المستقلة قد ذكرت في وقت سابق أن مواجهات أندلعت منذ ساعات الفجر بين المصلين في المسجد الأقصى المبارك وقوات أسرائيلية.

وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية فجر اليوم عن وفاة فتى يبلغ (17 عاما) متأثرا بإصابته الخطيرة برصاص الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات في جنين أمس الخميس.

وتشهد الضفة الغربية حوادث قتل شبه يومية لفلسطينيين منذ بداية الشهر الجاري بالتزامن ،مع تصاعد هجمات مسلحة متفرقة داخل إسرائيل وعمليات طعن على حواجز عسكرية.

وبحسب مصادر فلسطينية ارتفع عدد القتلى الفلسطينيين إلى 41 منذ مطلع العام الجاري بإطلاق نار إسرائيلي في الضفة الغربية والقدس، في مقابل مقتل 14 شخصا على الأقل في هجمات فلسطينية مسلحة داخل إسرائيل.

أكد البرلمان العربي أن توسيع سلطات الاحتلال الإسرائيلية من اقتحاماتها للمسجد الأقصى في شهر رمضان الكريم هو استفزاز لمشاعر العالم العربي والإسلامي، محذرا من أن هذه الخطوات ستساهم في تأجيج الصراع والوصول به إلى ذروته وإفشال كافة الجهود والمحاولات الرامية لتهدئة الأوضاع.

وأدان البرلمان العربي، في بيان اليوم الخميس، التصعيد الإسرائيلي الأخير في حق أبناء الشعب الفلسطيني في جنين والقدس وعموم الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي أسفر عن وقوع ضحايا ومصابين.

كما ندد بالاستخدام المفرط للقوة من قبل الشرطة الإسرائيلية، محذرا في الوقت ذاته من خطورة ما أعلنته جماعات من المستوطنين المتطرفين باقتحام باحات المسجد الأقصى المبارك وتقديم القرابين وممارسة طقوس دينية في إطار الاحتفال بعيد الفصح اليهودي.

ودعا البرلمان العربي المجتمع الدولي والمنظمات الدولية إلى تحمل مسؤوليتها، “خصوصا أن هذا التصعيد ينذر بإشعال فتيل حرب دينية لا يسلم منها أحد وستطال الجميع”.

بقلم الشريف عبدالرحيم حماد عبده
كاتب ومحلل سياسي مصري
باحث في شؤون حركات الإسلام السياسي

الشريف عبدالرحيم حماد عبده

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى