مقالات

بالتقويم الميلادي.. ذكرى ميلاد رسول الله عليه الصلاة والسلام

الكاتب والمؤرخ الإسلامي
عبدالرحيم حماد أبو هارون الشريف

20 أبريل وميلاد سيد الأولين والآخرين وخاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد عليه السلام

الكاتب والمؤرخ الإسلامي
عبدالرحيم حماد أبو هارون الشريف

في مثل هذا اليوم المبارك ولد خاتم الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا وقدوتنا واسوتنا وجدنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في 20 أبريل 571 الموافق 12 ربيع الأول 53 ق هـ وانتقل  إلى الرفيق الأعلى في 8 يونيو 632 الموافق 12 ربيع الأول 11 هـ)

وسيدنا محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم هو رسول الله إلى الإنس والجن في الإسلام ، أُرسِل ليُعيد العالَمين إلى توحيد الله وعبادته شأنه شأن كل الأنبياء والمُرسَلين، وهو خاتمهم، وأُرسِل للنَّاس كافَّة، ويؤمن المسلمون بأنّه أشرف المخلوقات وسيّد البشر وأمام المتقين ويعتقدون فيه العِصمة عند ذكر اسمه، يُلحِق المسلمون عبارة «‌صلى الله عليه وسلم» مع إضافة «وآله» و«وصحبه» في بعض الأحيان، لِمَا جاء في القرآن والسنة النبوية مما يحثهم المولى عز وجل على الصلاة عليه قال تعالى أن الله وملائكته يصلون على النبي أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما

لقد ترك النبي محمد صلى الله عليه وسلم أثرا كبيراً في نفوس المسلمين، وكثرت مظاهر محبّتهم وتعظيمهم له باتباعهم لأمره وأسلوب حياته وتعبده لله، وقيامهم بحفظ أقواله وأفعاله وصفاته وجمع ذلك في كتب عُرفت بكتب السّيرة والحديث النبوي، واحتفالهم بمولده في شهر ربيع الأول في كل عام.

وحد النبي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الجزيرة العربية في نظام حكم إسلامي واحد، حيث شكل القرآن وتعاليمه وممارساته أساس حكم الدولة ، لذا اعتبره الكاتب اليهودي مايكل هارت أعظم الشخصيّات أثرًا في تاريخ الإنسانية كلّها باعتباره «الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحًا مطلقًا على المستوى الديني والدنيوي .

وكنى النبي محمد صلى الله عليه وسلم أبو القاسم، أبو الطّيّب ، وأطلق عليه العديد من الأسماء والالقاب منها أَحْمَدُ، نَبِيُ التَّوْبة، نَبِيُّ الرَّحْمَة، نَبِيُّ المَرْحَمَة، نَبِيُ المَلْحَمَة، الرَّحْمَة المهداة، سَيِّدُ وَلدِ آدَمَ، حَبِيبُ الرَّحْمَن، المُخْتَار، المُصْطَفَى، المُجْتَبَى، الصَّادِق، المَصْدوق، الأمِين، صَاحِبُ الشَّفَاعَة والمَقَامُ المَحْمُود، صَاحِبُ الوَسِيلَة والفَضِيلَة والدَّرَجَةُ الرَّفِيعَة، صَاحِبُ التَّاج والمِعْرَاج، إِمَامُ المُتَّقِين، سَيِّدُ المُرْسَلِين، قَائِدُ الغُرِّ المُحَجَّلِين، النَّبِيُّ الأُمِّي، رَسُولُ اللَّه، خَاتَمُ الأنْبِيَاء، الرَّسُولُ الأعْظَم، السِرَاجُ المُنِير، النُّور، الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ بالمُؤمِنِين، العُرْوَةُ الْوُثْقَى»

وينسب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلى أكبر قبائل العرب إلى قبيلة قريش من كنانه من ولد إسماعيل بن إبراهيم وأمّه السيدة آمنة بنت وهب وابوه عبد الله بن عبد المطلب ، أما أمّهاته بالرضاعة حليمة السعدية، وثويبة
أبوه بالرضاعة (أي زوج مرضعته حليمة السعديّة) الحارث بن عبد العزى ، وأما أخوانه بالرضاعة حمزة (عمّه)، وأبو سلمة بن عبد الأسد ، وأبو سفيان بن الحارث (ابن عمّه)، وعبد الله بن الحارث، والشيماء بنت الحارث، وأنيسة بنت الحارث

كان من المبشرات بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أنه عندما حملت به أمه رأت في منامها أنه خرج منها نور بلغ الشام .

فعن خالد بن معدان عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه سلم أنهم قالوا : يا رسول الله ، أخبرنا عن نفسك. قال : ( دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى عيسى ، ورأت أمي حين حملت بي كأنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى من أرض الشام ) . رواه ابن إسحاق بسنده ( 1/166 سيرة ابن هشام ) ومن طريقه أخرجه الطبري في تفسيره ( 1/566) ، والحاكم في مستدركه ( 2/600) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي ، وانظر السلسلة الصحيحة (1545) .

وروى الطبراني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ورأت أمي في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام ) حسنه الألباني في صحيح الجامع (224) .

وروى أحمد (16700) عن العرباض بن سارية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رسول الله قال : ( . . . وذكر الحديث وفيه : إِنَّ أُمَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِينَ وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ مِنْهُ قُصُورُ الشَّامِ ) .

قال الهيثمي في مجمع الزوائد : وإسناده حسن اهـ

وقال الحافظ ابن حجر في الفتح :

فَلَمَّا وَلَدَتْ خَرَجَ مِنْهَا نُورٌ أَضَاءَ لَهُ الْبَيْت وَالدَّار . وَشَاهِده حَدِيث الْعِرْبَاض بْن سَارِيَة قَالَ : سَمِعْت رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُول : ( إِنِّي عَبْد اللَّه وَخَاتَم النَّبِيِّينَ وَإِنَّ آدَم لَمُنْجَدِلٌ فِي طِينَته , وَسَأُخْبِرُكُمْ عَنْ ذَلِكَ : إِنِّي دَعْوَة أَبِي إِبْرَاهِيم , وَبِشَارَة عِيسَى بِي , وَرُؤْيَا أُمِّي الَّتِي رَأَتْ , وَكَذَلِكَ أُمَّهَات النَّبِيِّينَ يَرَيْنَ , وَإِنَّ أُمّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَتْ حِين وَضَعَتْهُ نُورًا أَضَاءَتْ لَهُ قُصُور الشَّام ) أَخْرَجَهُ أَحْمَد وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَالْحَاكِم وَفِي حَدِيث أَبِي أُمَامَةُ عِنْد أَحْمَد

ومما يجب أن يعلم أن دلائل نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ليست محصورة في هذه الآية ، فسواء ثبتت أم لم تثبت فإن نبوته صلى الله عليه وسلم ثابتة بالدلائل القطعية التي لا يستطيع منصف أن ينكرها . وإنما أنكرها من أنكرها إما جهلاً أو مكابرة .

وذكر أهل السير معجزات ولادة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم ومنها:

أولًا: أنه وُلِد النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- مختونًا مقطوع السرة، وخرج نورٌ معه، أضاء مساحة واسعة من الجزيرة العربية، بحسب شهادة أم عثمان بن العاص، وأم عبد الرحمن بن عوف، اللتين باتا عند أم النبي ليلة الولادة، فقد قلن: رأينا نورًا حين الولادة أضاء لنا ما بين المشرق والمغرب.
ثانياً: قالت السيدة آمنة أم النبي، إن ابني والله سقط فاتقى الأرض بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها، ثم خرج مني نور أضاء له كل شيء، وسمعت في الضوء قائلا يقول: إنك قد ولدت سيد الناس فسميه محمدا صلى الله عليه وآله، وأتي به عبد المطلب لينظر إليه، وقد بلغه ما قالت أمه، فأخذه ووضعه في حجره.
ثالثاً : كانت أُمّه عليها سلام الله قد سمّته أحمد قبل أن يسمّيه جدّه وكان هذا الاسم نادرًا بين العرب فلم يسم به منهم سوى 16 شخصًا، ولذا فإنّه كان من إحدى العلامات الخاصّة به،
رابعاً: تساقطت الأصنام في الكعبة على وجوهها،
خامساً : انكسر إيوان كسرى ( ملك الفرس في ذلك الوقت)، وسقطت أربعة عشر شرفة منه،
سادساً : أخمدت نيران فارس، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام.
سابعاً : جفت بحيرة ساوة (وهي بحيرة مغلقة ذات ماء مالح تقع في محافظة المثنى، جنوب العراق على بعد عدة كيلومترات من مدينة السماوة مركز المحافظة)،
ثامناً : لم يبقَ سريرٌ لملك من ملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا، تاسعاً : انتزع علم الكهنة، وبطُل سحر السحرة، ولم تبق كاهنةٌ في العرب إلا حُجبت عن صاحبها.
عاشراً : حجب إبليس عن السموات السبع، فكان إبليس – لعنه الله – يخترق السماوات السبع ، فلما وُلد عيسى عليه السلام حُجب عن ثلاث سماوات، وكان يخترق أربع سماوات، فلما وُلد رسول الله – صلّى الله عليه وآله – حُجب عن السبع كلها ورميتْ الشياطين بالنجوم.

ولد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة في شهر ربيع الأول من عام الفيل الموافق 20 ، قبل ثلاث وخمسين سنة من الهجرة (هجرته من مكة إلى المدينة)، ما يوافق سنة 570 أو 571 ميلادياً و52 ق هـ.

لما بلغ والده سيدنا عبد الله بن عبد المطلب ثماني عشرة أو خمساً وعشرين سنة، زوّجه أبوه من السيدة آمنة بنت وهب من عمّها «وهيب بن عبد مناف» وقد كانت تعيش عنده. فبنى بها عبد الله في مكة فحملت بسيد الخلق وخاتم النبيين والمرسلين سيدنا محمد عليه افضل الصلاه واتم التسليم، وكانت آمنة تحدّث أنّها حين حملت به أُتِيَت فقيل لها «إنّك قد حملت بسيّد هذه الأمّة، فإذا وقعَ على الأرض فقولي “أعيذه بالواحد من شرِّ كل حاسد”، ثم سمّيه “محمدًا”». ثم لم يلبث أبوه عبد الله حتى خرج إلى الشام للتجارة، فمرّ بالمدينة فأقام عندهم مريضًا شهرًا ثم تُوفي عن عمر خمسة وعشرين عامًا، ودُفن والده في «دار النابغة» (وهو رجل من بني عدي بن النجار)، وكانت أمه السيدة آمنة يومئذٍ حامل بمحمد لشهرين (رأي الجمهور) تاركًا وراءه خمسة جمال، وقطعة غنم، وجارية حبشية اسمها «بركة» وكنيتها أم أيمن وبعد أن بقي محمد في بطن أمه تسعة أشهر كملّاً، وُلد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم في مكة في شعب أبي طالب، في الدار التي صارت تُعرف بدار «ابن يوسف». وتولّت ولادته «الشِّفاء» أم عبد الرحمن بن عوف.

أي أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كان يتيم الأب، وفقد أمه في سنّ مبكرة فتربى في كنف جده عبد المطلب، ثم من بعده عمه أبي طالب حيث ترعرع، وكان في تلك الفترة يعمل بالرعي ثم بالتجارة. وتزوج في سنِّ الخامسة والعشرين من السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها وأنجب منها كل أولاده باستثناء إبراهيم. كان قبل الإسلام يرفض عبادة الأوثان والممارسات الوثنية التي كانت منتشرة في مكة، وكان ينعزل ويتعبد في غار حراء لعدة ليالٍ ، وعندما كان محمد في الأربعين من عمره، حوالي عام 610م، تم زيارته من قبل جبريل في الغار، وتلقى أول وحي من الله. وفي عام 613م، نزل عليه جبريل وكُلّف بالرسالة وهو ذو أربعين سنة، أمر بالدعوة سرًا لثلاث سنوات، قضى بعدهنّ عشر سنوات أُخَر في مكة مجاهرًا بدعوة أهلها، وكل من يرد إليها من التجار والحجيج وغيرهم، مُعلنًا أن “الله واحد” ، وأن “الخضوع” الكامل (الإسلام) لله هو الطريق الصحيح، وأنه كان نبيًا ورسولًا لله على غرار الأنبياء الآخرين في الإسلام. هاجر إلى المدينة المنورة والمسماة يثرب آنذاك عام 622م بعد وفاة عمه أبي طالب عليه السلام وزوجته السيدة خديجة عليها السلام وسمى عام وفاتهم عام الحزن هاجر إلى يثرب وهو في الثالثة والخمسين من عمره بعد أن تآمر عليه سادات قريش ممن عارضوا دعوته وسعوا إلى قتله، فعاش فيها عشر سنين أُخَر داعيًا إلى الإسلام، وأسس بها نواة الحضارة الإسلامية، التي توسعت لاحقًا وشملت مكة وكل المدن والقبائل العربية، حيث وحَّد العرب لأول مرة على ديانة توحيدية ودولة موحدة، ودعا لنبذ العنصرية والعصبية القبلية فكان سيد العرب والعجم سيد الخلق والعالمين.

وقد كان مولده يوم الإثنين، 8 ربيع الأول، أو 9 ربيع الأول أو 12 ربيع الأول (المشهور عند أهل السنة)، أو 17 ربيع الأول (المشهور عند الشيعة)، من عام الفيل ، بعدما حاول أبرهة الأشرم غزو مكة وهدم الكعبة، قيل بعده بشهر، وقيل بأربعين يومًا، وقيل بخمسين يومًا.

فى ليلة مولده صلى الله عليه وسلم انشق إيوان كِسرى حتى سمع صوته، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، كما خمدت نار فارس التي كانوا يعبدونها، ولم تخمد قبل ذلك بألف عام بل كانت تضرم ليلًا ونهارًا.

وغاضت بحيرة “ساوة” وكانت بحيرة عظيمة في مملكة عراق العجم بين “همذان” و”قم”، فأصبحت ليلة مولده ناشفة يابسة وبني في موضعها مدينة ساوة.

كان عليه أفضل الصلاة والسلام أكمل الناس خلقًا وأجملهم ذاتًا، تام الملاحة، مكمل الجمال، وضيء الوجه ونيره، ربعةً، معتدل القامة، لا بالطويل البائن ولا بالقصير، ذا بهاءٍ وهيبةٍ، أبيض اللون أزهره مُشربًا (أي مختلطًا) بحمرةٍ، أزج الحاجبين، وهو دقة وطول يكون فيهما.

أفلج الأسنان: هو تباعد ما بين الثنايا والرباعيات، وذلك بخلاف المتراص الأسنان، أشنب والشنب: البياض والبريق في الأسنان، ويقال: برد الأسنان وعذوبتها، يراد به عذوبة الفم، ويقال: حدتها؛ ويراد بذلك طراوتها، ضليع الفم، أي: عظيمه واسعة، وذلك دال على القوة والشجاعة، أسهل الخدين، أي: غير رابيين ولا كثيري اللحم؛ فإنه يدل على العجز واللؤم،  أدعج العينين أشكلهما، والدعج: شدة سواد العين مع سعتها، والشكل: حمرة في بياض العين، وهو محبوب محمود، أهدب، أي: طويل أشفار العين، واسع الجبين ، أقنى العرنين: أي تحت مجتمع الحاجبين من الأنف ،والقناء في الأنف: طوله ودقة أرنبته مع حدبٍ في وسطه، وهو مدح في الرجل، دال على كمال خلقه، وعيب في الخيل ،ـ بعيد ما بين المنكبين، المنكب: مجتمع عظم العضد والكتف، وهو غاية في كمال المحاسن.

بسيط الكفين أي: واسعهما، شثنهما؛ وهو الذي في أنامله غلظ، وهو يحمد في الرجال دون النساء، ضخم الرأس والقدمين، منهوس العقبين، أي: قليل لحم العقب، لم يتجاوز شعره شحمتي أذنه، توفي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ من شيبه عشرين شعرةً بيضاء، بين كتفيه خاتم النبوة صلى الله عليه وسلم، قال السائب بن يزيد: “رأيت خاتم النبوة بين كتفيه صلى الله عليه وسلم مثل زر الحجلة” رواه البخاري ومسلم رحمهما الله .

ويُروى بأن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم قد ولد مختونا مسرورًا (مقطوع السرّة)، بينما هناك روايات أخرى تؤيد أن عبد المطلب ختنه يوم سابعه وجعل له مأدبة.

وكانت أمّه تحدّث أنها لم تجد حين حملت به ما تجده الحوامل من ثقل ولا وحم، ولمّا وضعته وقع إلى الأرض مستقبل القبلة رافعًا رأسه إلى السماء،مقبوضة أصابع يديه مشيرًا بالسبابة كالمسبّح بها.

رأت السيدة آمنة حين حملت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه خرج منها نور أضاء لها قصور بصري من أرض الشام، وقالت والله ما رأيت من حمل قط كان أخف ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض رافع رأسه إلى السماء.

وتكررت الرؤى عند “آمنة” وسمعت كأن أحدا يقول لها: “أعيذه بالواحد، من شر كل حاسد، ثم تسميه محمدًا”، وجاءتها آلام المخاض فكانت وحيدة ليس معها أحد ولكنها شعرت بنور يغمرها من كل جانب، وخيل لها أن “مريم ابنة عمران”، “وآسية امرأة فرعون”، و”هاجر أم إسماعيل” كلهن بجنبها، فشعرت بالنور الذي انبثق منها، ومن ثم وضعت وليدها كما تضع كل أنثى من البشر.

وعندما ولدت السيدة آمنة رأت أم عثمان بن العاص وأم عبد الرحمن بن عوف اللتان باتتا عندها ليلة الولادة قلن: رأينا نورًا حين الولادة أضاء لنا ما بين المشرق والمغرب.

مِن قبلها طِبتَ في الظِّلال وفي مستودِع حيث يُخصَف الوَرَق
ثُم هبطتَ البلاَد لا بشرٌ أنت ولا مضغةٌ ولا علق
بل نُطفةٌ تركب السَّفينَ وقد ألجَم نسرًا وأهله الغرق
تُنقَل من صالب إلى رَحم إذا مضى عالم بدا طَبَق
ثم احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق
وأنتَ لمَّا وُلدتَ أشرقت الـ أرضُ وضاءت بنورك الأفُق
فنحن في ذلك الضِّياء وفي النُّور وسبل الرشاد نخترق

أنّ أمه السيدة آمنه رأت حين ولدته كأنّه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام. قالت أمّ عثمان بن أبي العاص «حضرتُ ولادة رسول الله ﷺ، فرأيت البيتَ حين وضع قد امتلأ نورًا، ورأيت النجوم تدنو حتى ظننتُ أنها ستقعَ عليّ».وبعدما ولدته أرسلت إلى عبد المطلب تبشّره بحفيده، ففرح به فرحًا شديدًا، ودخل به الكعبة شاكرًا الله، وقال «ليكوننّ لابني هذا شأن»، واختار له اسم «محمّد» ولم تكن العرب تسمي به آنذاك، إلا ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد وبقرب زمانه وأنه يُبعث في تهامة فيكون ولدًا لهم.

وقد علمت اليهود آنذاك بولادة محمد، يقول حسان بن ثابت «والله إني لغلام يفعة، ابن سبع سنين أو ثمان، أعقل كل ما سمعت، إذ سمعت يهوديًا يصرخ بأعلى صوته على أطمة بيثرب: يا معشر يهود، حتى إذا اجتمعوا إليه، قالوا له: ويلك ما لك؟ قال: طلع الليلة نجم أحمد الذي ولد به»

نشأته

كان أوّل من أرضعته بعد رضاعه من أمّه بأسبوع ثويبة مولاة أبي لهب، كان قد أعتقها، فأرضعت محمدًا لأيام بلبن ابن لها يُقال له «مسروح»، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب وأبا سلمة المخزومي،وقيل بل أرضعتهما معه.
ويروي البخاري أنه «لما مات أبو لهب رآه بعض أهله بمنامه، قال له: ماذا لقيت؟ قال أبو لهب: لم ألقَ بعدكم (أي لم ألقَ بعدكم خيرًا) غير أني سُقيت في هذه بعتاقتي ثويبة» وكانت أم أيمن تحضنه حتى كبر، وكان يقول لها «يا أُمّه»، وكان إذا نظر إليها قال «هذه بقية أهل بيتي».

كان من عادة العرب أن يلتمسوا المراضع لمواليدهم في البوادي، فجاءت نسوة من بني سعد بن بكر يطلبنَ أطفالًا يرضعنهم فكان محمد من نصيب حليمة بنت أبي ذؤيب لتُرضعه مع ابنها «عبد الله» في بادية بني سعد، وزوجها هو «الحارث بن عبد العزى»، وكان لهما ابنتان «أنيسة» و«حذافة» ولقبها الشيماء والتي كانت تحضن محمدًا مع أمّها إذا كان عندهم

وأجمع رواة السِّير أنَّ بادية بني سعد كانت تعاني إذ ذاك سنةً مجدبةً، فلما جاء محمد إلى باديتهم عادت منازل حليمة مخضرّة وأغنامها ممتلئة الضرع.

عاش محمد معها سنتين حتى الفطام وقد كانت حليمة تذهب به لأمه كل بضعة أشهر لزيارتها، فلما انتهت السنتين عادت به حليمة إلى أمّه لتقنعها بتمديد حضانته خوفًا من وباء بمكة وقتها ولبركة رأتها من محمد، فوافقت آمنة وعندما بلغ سن الرابعة، وقيل الخامسة، حدثت له حادثة شق الصدر والتي قد ورد في كتب السير تكرار مثيلها أكثر من مرة، والتي أنكرها الشيعة،وبعض المستشرقين أمثال نيكلسون، فأعادته حليمة إلى أمه. رَوى مسلم تلك الحادثة فقال:

أن رسول الله ﷺ أتاه جبريل وهو يلعب مع الغلمان، فأخذه فصرعه فشق عن قلبه فاستخرج القلب، فاستخرج منه علقة، فقال: هذا حظ الشيطان منك. ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم، ثم لأمه (جمعه وضم بعضه إلى بعض) ثم أعاده في مكانه، وجاء الغلمان يسعون إلى أمه (مرضعته) فقالوا: إن محمدًا قد قُتل، فاستقبلوه وهو منتقع اللون قال أنس: وقد كنت أرى أثر ذلك المخيط في صدره. محمد
تُوفيت أمّه، وهو ابن ست سنوات أثناء عودتهم من زيارة لأخواله من بني عدي بن النجار، بمكان يسمى الأبواء، فحضنته أم أيمن، وحملته إلى جدّه عبد المطلب ليكفله بعد ذلك ليعيش معه بين أولاده وفي السنة الثامنة من عمره، توفي جده عبد المطلب، بعد أن اختار له أبا طالب ليكفله، ويقوم بشؤونه.

لم يكن عمّه أبو طالب ذا مال وفير، فاشتغل محمد برعي الغنم وكان يأخذ عليه أجرًا مساعدةً منه لعمّه، قال «ما بعث الله نبيًا إلا رعى الغنم. فقال أصحابه: وأنت؟ فقال: نعم، كنت أرعاها على قراريط (أجزاء من الدراهم والدنانير) لأهل مكة».بينما أنكر الشيعة خبر رعيه الغنم

وفي الثانية عشر من عمره، سافر مع عمه أبي طالب إلى الشام للتجارة، فلما نزلوا «بصرى» في الشام مرّوا على راهب اسمه «بحيرى»، وكان عالمًا بالإنجيل، فجعل ينظر إلى محمد ويتأمّله، ثم قال لأبي طالب «ارجع بابن أخيك إلى بلدك واحذر عليه اليهود فوالله إن رأوه أو عرفوا منه الذي أعرف ليبغنه عنتًا، فإنه كائن لابن أخيك شأن عظيم نجده في كتبنا وما ورثنا من آبائنا».

لُقّب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة «بالأمين»، فكان الناس يودعون أماناتهم عنده. كما عُرف عنه أنه لم يسجد لصنم قطّ، رغم أنتشار ذلك في قريش، ولم يشارك شبابهم في لهوهم ولعبهم، وإنما كان يشارك كبرائهم في حربهم ومساعدتهم بعضًا بعضًا، ففي الرابعة عشر من عمره، وقيل في العشرين من عمره، حدثت حرب الفجار بين كنانة وقيس عيلان، وشارك محمد مع قريش ضمن بني كنانة لأن قريش من كنانة، وأما خصومهم قيس وعيلان فكان منهم قبائل هوازن وغطفان وسليم وعدوان وفهم وغيرهم من القبائل القيسية ، فشارك محمد فيها ، وقال النبي محمد عن حرب الفجار:«قد حضرته مع عمومتي، ورميت فيه بأسهم، وما أحب أني لم أكن فعلت»، وقال عن حرب الفجار كذلك:«كنت أنبل على أعمامي»، وقال عنها أيضا :« ما سرني أني لم أشهده إنهم تعدوا على قومي عرضوا عليهم أن يدفعوا إليهم البراض صاحبهم فأبوا».

كما شارك قريشا في «حلف الفضول» وهو ميثاق عقدته قريش في دار عبد الله بن جدعان بمكة، وتعاهدت فيه أن تحمي الضعفاء والمظلومين، قال محمد «لقد شهدتُ في دار عبد الله بن جدعان حِلفًا، لو دُعيت به في الإسلام لأجبتُ».

ولمّا أصاب الكعبة سيل أدّى إلى تصدّع جدرانها، قرر أهل مكة تجديد بنائها، وفي أثناء ذلك اختلفوا فيمن يضع الحجر الأسود في موضعه، فاتفقوا على أن يضعه أول شخص يدخل عليهم، فلما دخل عليهم محمد وكان عمره خمسًا وثلاثين سنة، قالوا «هذا الأمينُ، قد رَضينا بما يقضي بيننا»، فأمر بثوب فوضع الحجر في وسطه وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب ثم أخذ الحجر فوضعه موضعه.

كانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها امرأةً تاجرةً ذات شرف ومال، فبلغها عن محمد ما بلغها من أمانته، فعرضت عليه أن يخرج بمالها إلى الشام متاجرًا وتعطيه أفضلَ ما كانت تعطي غيره من التجّار، فقبل وخرج ومعه غلامها «ميسرة»، فقدما الشام فنزلا في سوق بصرى في ظل شجرة قريبة من صومعة راهب يُقال له «نسطور»، فاطلع الراهب إلى ميسرة وقال له «ما نزل تحت هذه الشجرة قطّ إلا نبيّ»، وكان ميسرة إذا اشتد الحرّ يرى ملكين يظلانه من الشمس وهو على بعيره.

فلما أقبل عائداً إلى مكة قدم على خديجة بمالها وقد ربحت ضعف ما كانت تربح. بعد ذلك عرضت خديجة عليه الزواج بواسطة صديقتها «نفيسة بنت منيّة»، فرضى بذلك، وعرض ذلك على أعمامه، وتمت خطبتها من عمّها «عمرو بن أسد»، وخطبها له عمه أبو طالب . ثم تزوجها بعد أن أصدقها عشرين بكرة، وكان سنّه خمسًا وعشرين سنة وهي أربعين سنة، وقيل بل كانت خمسًا وعشرين سنة، أو ثمانية وعشرين سنة. وكانت خديجة أول امرأة تزوجها محمد ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت بعد ما بقيت معه خمسًا وعشرين سنة، عشرًا بعد المبعث وخمس عشرة قبله.

أنجب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من السيدة خديجة رضي الله عنها وأرضاها كل أولاده إلا إبراهيم.

وحين تزوج السيدة خديجة رضي الله عنها، أعتق حاضنته أم أيمن فتزوجها «عبيد بن زيد من بني الحارث»، فولدت له أيمن، فصحب سيدنا محمد عليه السلام حين بعث وتوفي شهيداً يوم حنين ، وقيل يوم خيبر.

وقد كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم يرى قبل بعثته أمورا ، من ذلك ما قاله «إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلّم علي قبل أن أُبعث، إني لأعرفه الآن»، وكان إذا خرج لحاجة أبعد حتى تحسر عنه البيوت ويفضي إلى شعاب مكة وبطون أوديتها، فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلا قال «السلام عليك يا رسول الله» يمينه وعن شماله وخلفه فلا يرى إلا الشجر والحجارة. فمكث كذلك يرى ويسمع، حتى جاءه جبريل في غار حراء.

لما بلغ محمد سنَّ الأربعين، اعتاد أن يخرج إلى غار حراء (طوله 2.16 م، وعرضه 0.945 م) في جبل النور على بعد نحو ميلين من مكة، وذلك في كل عام، فيأخذ معه الطعام والماء ليقيم فيه شهرًا بأكمله ليتعبد ويتأمّل. ويعتقد المسلمون بأنه في يوم الاثنين، 17 رمضان أو 24 رمضان، أو 21 رمضان، الموافق 10 أغسطس سنة 610م، أو 27 رجب (المشهور عند الشيعة)، نزل الوحي لأول مرّة على محمد وهو في غار حراء، تروي عائشة بنت أبي بكر قصة بدء الوحي، والتي أنكر الشيعة معظمَ ما جاء فيها

محمد أول ما بدأ به رسول الله ﷺ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء، فيتحنّث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزوّد لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه المَلك فقال: اقرأ، قال: ما أنا بقاريء. قال: فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، فقلت: ما أنا بقاريء، فأخذني فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ فرجع بها رسول الله ﷺ يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها فقال: زمّلوني زملّوني، فزمّلوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي. فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرّحم، وتحمل الكلّ، وتكسب المعدوم، وتُقرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحقّ. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى، ابن عم خديجة، وكان امرءًا تنصّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال له ورقة: يا ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره رسول الله ﷺ خبر ما رأى، فقاله له ورقة: هذا الناموس الذي نزل الله به على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيًا إذ يُخرجك قومك، فقال رسول الله ﷺ: أوَمخرجيّ هم؟ قال: نعم، لم يأتِ رجل قطّ بمثل ما جئتَ به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا محمد

وبعد تلك الحادثة، فَتَر عنه الوحي مدة، قيل أنها أربعون ليلة وقيل أقلّ من ذلك، ورجّح البوطي ما رواه البيهقي من أن المدة كانت ستةَ أشهر، حتى انتهت بنزول أوائل سورة المدثر. ثم بدأ الوحي ينزل ويتتابع مدة ثلاثة وعشرين عامًا حتى وفاته.

كان أول ما نزل من القرآن بعد أول سورة العلق، أول سورة القلم، والمدثر والمزمل والضحى والليل.

وعن كيفية نزول الوحي عليه، كان يقول «أحيانًا في مثل صلصلة الجرس، فهو أشده عليّ فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانًا يتمثل لي الملك رجلاً فيكلمني فأعي ما يقول»، قالت عائشة: «ولقد رأيتُه ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد
البرد، فيفصِم عنه، وإنَّ جبينه ليتفصَّد عرقًا». وفي نفس تلك الفترة حدثت له حادثة شق الصدر للمرّة الثانية.

سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم بُعث للناس كافة، فقد قال عن نفسه «أنا رسولُ من أدركتُ حيًا، ومن يولد بعدي»، فبعد نزول آيات سورة المدثر، بدأ يدعو إلى الإسلام الكبيرَ والصغيرَ، والحر والعبد، والرجال والنساء، فكان أوّل النّاس إيمانًا به بحسب الرواية السنية زوجته خديجة بنت خويلد عليها السلام، ثمّ ابن عمّه علي بن أبي طالب كرم الله وجهه (وهو أول الناس إيمانًا من الشباب ) وكان صبيًا يعيش في كفالة محمد معاونةً لأبي طالب، وهو يومئذٍ ابن عشر سنين، وقيل ثمان سنين، وقيل غير ذلك ، ثم أسلم زيد بن حارثة مولى محمد ومتبنّاه قبل تحريم ذلك في الإسلام، فكان أول ذكر أسلم وصلّى بعد علي بن أبي طالب، وفي رواية الزهري أن زيد بن حارثة كان أول الرجال إسلامًا ، ثم أسلم صديقه المقرّب أبو بكر بن أبي قحافة، وقيل بل أسلم قبل علي بن أبي طالب، قال أبو حنيفة «بل هو أول من أسلم من الرجال، وعليًا أول من أسلم من الصبيان» ولمّا أسلم أبو بكر أظهر إسلامه فكان أول من أظهر الإسلام في مكة، وجعل يدعو إلى الإسلام من وثِقَ به من قومه ممن يجلس إليه، فأسلم بدعائه عثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، وسعد بن أبي وقاص.

ويُروى أن سيدنا أبا بكر رأى رؤيا قبل إسلامه، ذلك أنه رأى القمر ينزل إلى مكة، ثم رآه قد تفرّق على جميع منازل مكة وبيوتها، فدخل في كل بيت منه شعبة، ثم كأنه جمع في حجره، فقصّها على بعض الكتابيين فعبرها له بأن «النبي المنتظر الذي قد أظل زمانه تتبعه وتكون أسعد الناس به».

وكان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في بداية أمره يدعو إلى الإسلام مستخفيا حذرا من قريش مدة ثلاث سنين.

وكان من أوائل ما نزل من الأحكام الأمر بالصلاة، وكانت الصلاة ركعتين بالصباح وركعتين بالعشيّ، فكان محمد وأصحابه إذا حضرت الصّلاة ذهبوا في الشِّعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم.

وكان المسلمون الأوائل يلتقون بنبي الله سيدنا محمد عليه  السلام سرا، ولما بلغوا ثلاثين رجلاً وامرأةً، اختار لهم محمد «دار الأرقم بن أبي الأرقم» عند جبل الصفا ليلتقي بهم فيها لحاجات الإرشاد والتعليم وبقوا فيها شهرًا، لحين ما بلغوا ما يقارب أربعين رجلاً وامرأةً، فنزل الوحي يكلف الرسول بإعلان الدعوة والجهر بها

ولما كان سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في حصانة عمّه أبي طالب، أرسلوا وفودًا لعمّه يعاتبونه مرات عديدة ، حتى صعب على أبي طالب عليه السلام فراق قومه وعداوتهم له، فقال لمحمد «يا ابن أخي، إنّ قومك قد جاؤوني وقالوا كذا كذا، فأبق عليَ وعلى نفسك ، ولا تحمِّلني من الأمر ما لا أطيق أنا ولا أنت ، فاكفف عن قومك ما يكرهون من قولك »، فظن محمد أن قد بَدا لعمّه فيه، وأنه خاذله ومُسْلمه ، وضعف عن القيام معه. فقال سيدنا محمد كلمته المشهورة «يا عمّ، لو وُضعت الشمس في يميني ، والقمر في يساري ، ما تركت هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك في طلبه». ثم بكى سيدنا محمد ، فقال له أبو طالب «يا ابن أخي، إمضِ على أمرك وافعل ما أحببت ، فوالله لا أسلمك لشيء ابدأ »

ولم يلبث أبو طالب حتى توفي في رمضان أو شوال من السنة العاشرة للبعثة (3 ق هـ)، وهو يومئذٍ ابن بضع وثمانين سنة وقيل: كانت وفاته في رجب بعد ستة أشهر من خروجهم من الشعب، وذلك قبل الهجرة إلى المدينة المنورة بثلاث سنين.

وقد أجمع الشيعة على أنّه تُوفي مسلمًا مؤمنًا، وقد جاء ذلك أيضًا في رواية عند ابن إسحاق ما يفيد أنّه أسلم عند موته، ولكن أهل السنة يثبتون الرواية الأصحّ عندهم بأنه تُوفي ولم يُسلم.

ولم تكن قريش تستطيع النيل من سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أو أذيته حتى توفي أبو طالب، فرُوي عنه أنه قال: «ما نالت مني قريش شيئًا أكرهه حتى مات أبو طالب».

وبعد وفاة أبو طالب بشهر وخمسة أيام، وقيل بشهرين، وقيل بثلاثة أيام، توفيت زوجته السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها وأرضاها في رمضان من السنة العاشرة للبعثة، ودفنت في مكة ولها من العمر65 سنة، وقيل: 50، والنبي محمد إذ ذاك في الخمسين من عمره، فحزن النبي محمد على فقدان عمه وزوجته حتى سمّى ذلك العام بـ عام الحزن. وبعد أيام من وفاتها، تزوج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من سودة بنت زمعة في رمضان وقيل في شوال.

🟢يقول البوصيري في قصيدة البردة:

سريتَ من حرمٍ ليلاً إلى حرمِ كما سرى البدرُ في داجٍ من الظلمِ
وَبِتَّ تَرْقَى إلَى أنْ نِلْتَ مَنْزِلَةً من قابِ قوسينِ لم تدركْ ولم ترمِ
وقدَّمتكَ جميعُ الأنبياءِ بها والرُّسْلِ تَقْدِيمَ مَخْدُومٍ عَلَى خَدَم
وأنتَ تخترق السبعَ الطِّباقَ بهمْ في مَوْكِبٍ كنْتَ فيهِ صاحِبَ العَلَمِ

🟢ترك لنا حسان بن ثابت أجمل ما قيل في عيد المولد النبوي من مدح في مقطع مشهور يقول فيه:

وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني

وَأَجمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ النِساءُ

خُلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ عَيبٍ

كَأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما تَشاءُ

🟢واشتهرت أيضًا قصيدة أحمد شوقي في مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال في مطلعها:

وُلِـدَ الـهُـدى فَـالكائِناتُ ضِياءُ.. وَفَـمُ الـزَمـانِ تَـبَـسُّـمٌ وَثَناءُ

الـروحُ وَالـمَـلَأُ الـمَلائِكُ حَولَهُ.. لِـلـديـنِ وَالـدُنـيـا بِهِ بُشَراءُ

وَالـعَـرشُ يَزهو وَالحَظيرَةُ تَزدَهي.. وَالـمُـنـتَـهى وَالسِدرَةُ العَصماءُ

وَحَـديـقَـةُ الفُرقانِ ضاحِكَةُ الرُبا.. بِـالـتُـرجُـمـ انِ شَـذِيَّةٌ غَنّاءُ

وَالـوَحيُ يَقطُرُ سَلسَلًا مِن سَلسَلٍ.. وَالـلَـوحُ وَالـقَـلَـمُ البَديعُ رُواءُ

نُـظِمَت أَسامي الرُسلِ فَهيَ صَحيفَةٌ.. فـي الـلَـوحِ وَاِسمُ مُحَمَّدٍ طُغَراءُ

اِسـمُ الـجَـلالَةِ في بَديعِ حُروفِهِ.. أَلِـفٌ هُـنـالِـكَ وَاِسمُ طَهَ الباءُ

يا خير من جاء الوجود تحية

من مرسلين إلى الهدى بك جاؤوا

بيت النبيين الذي لا يلتقي

إلا الحنائف فيه والحنفاء

دون الأنام وأحرزت حواء

هم أدركوا عز النبوة وانتهت

فيها اليك العزة القعساء

خلقت لبيتك وهو مخلوق لها

إن العظائم كفؤها العظماء

بك بشر الله السماء فزينت

وتضوعت مسكًا بك الغبراء

وبدا محياك الذي قسماته

حق وغرته هدى وحياء

وعليه من نور النبوة رونق

ومن الخليل وهديه سيماء

أثنى المسيح عليه خلف سمائه

وتهللت واهتزت العذراء

يوم يتيه على الزمان صباحه

ومساؤه بمحمد وضاء

الحق عالي الركن فيه مظفر

في الملك لا يعلو عليه لواء

ذعرت عروش الظالمين فزلزلت

وعلت على تيجانهم أصداء.

🟢شعر عن مولد النبي
عليك سلام الله يا رسول الله

عليك سلام الله يا نور عرش الله

يا عريض الجاه يا خير خلق الله

بعثك إله علام، أنزل عليك قرآن

يا بدر هل وبان يا بشرة خير وسلام

أديت رسالة الله، صلى عليك الله

انا جسمي عليل ودواه النبي

وقلبي يميل لزيارة النبي

بحب النبي وأحباب النبي

رامي حمولي على الله

لما دعاني النبي قلت النبي داعيني

خاطري أزورك يا نبي وأملي نور عيني

جسمي عليل يا نبي مين غيرك يداويني؟

أديت رسالة الله، صلى عليك الله.

🟢وكذلك قيل في ذكرى ميلاد رسول الله

يا خيرَ مَنْ بعَثَ الإلــهُ لخلـقه

من مرسلين بكلِّ خيرٍ جاؤوا

قـد كنتَ أمِّـيـاً ولكنْ قلتَ مـا

عن مثلِ قـولــهِ يعجزُ البُلغـاءُ

صغتَ الحياةَ لنا بأبهى حُــلَّةٍ

لم يرتديـــهـا قبلنا الأمــــراءُ

ألبستنا ثوبَ الـحــياءِ وعفَّــةً

فــلنـا بـهـا وبفضْلِها العـليــاءُ

أسرى به المولى لِيُعليَ شأنَهُ

وهـناك صلّى خـلْفَـهُ العظمــاءُ.

يوم مولده أشرقت الدنيا

وهلت نسائم التوحيد

في الأرض محمدًا وفي السما محمود أعظم وليد

فى الوصف كامل وفي الكمال أكيد

في الخلق مدرسة وفي الجمال فريد

والقلم لم كتب اسمه رقص في الايد

بنوره تبسم وكأن اليوم أجمل عيد

وكلما ذكرت محمدًا خرت دموع العين تزيد

والقلب هفهف بالشوق سعيد

والزهر فتح بالعطر فاح غطى الكون

في حب المصطفى فاضت العيون

من الجمال والعطف سواك يكون.

🟢وكذلك قيل في ميلاد سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين

هل الهلال وجئت شعرًا أنشد

في يوم ميلاد الحبيب محمدًا

قد بشر الله الخلاق كلها

وله الملائكة الكرام تحمد

بهلاله جعل الإله أدلة

للعالمين على الرسالة تشهد

إيوان كسرى شق وانطفأت له

نار المجوس الفارسية تخمد

وجفاف ساوي والوحوش تباشرت

شرقًا وغربًا بالنبي تمجد

ميلاد سيدنا النبي المصطفى

نبقي لذكراه العزيزة ننشد

نبقى نترجم للحبيب بحبنا

بقصيدة الميلاد جئنا بحبنا

هذا الرسول أطل نورًا مشرقًا

للكائنات هداية كي يهتدوا.

🟢شعر عن مولد الرسول

أُنبئت أنّ رسول الله أوعدني

والعفو عند رسول الله مأمول

مهلًا هداك الذي أعطاك نافلة

الـْقرآنِ فيها مواعيظ وتفصيل

لا تأخذني بأقوال الوشاة

ولم أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل

لقد أقوم مقامًا لو يقوم به أرى

وأسمع ما لو يسمع الفيل لظل

يرعد إلّا أن يكون له من الرسول

بإذن الله تنويل حتى وضعت يميني

لا أنازعه في كف ذي نقمات قيله

القيل لَذاكَ أَهَيبُ عِندي إِذ أُكَلِّمُهُ

وَقيلَ إنَّكَ مَسبورٌ ومسؤولُ

🟢فرش الوجود عيونه مستقبلًا

ألق النبوة حامدًا ومهللًا

ومضى ربيع النور ينشر مسكه

ويزف للدنيا النبي المرسلا

يتناقل الملكوت بشرى المصطفى

والروح جبرائيل والملأ العلى

ومقام إبراهيم يشكر ربه

ومناة والهبل الأصم تزلزلًا

وتنفس المستضعفون كأنهم

سجناء حرر قيدهم إذ أقبل

بأبي وبي يا خير من وطى الثرى

وبه مسار الحادثات تحول

فقم العدالة بالجلالة ناطق

ودجى الجهالة بالرسالة مبتلى

وكتاب رب العالمين مرتل

وبلال يصدح بالأذان مجلجلًا

وهنا تلاقى المؤمنون كأنهم

قزع الخريف فما أجل وأجملا

وهنا اليمانيون خير سيوفهم

بيد النبي تذود عنه الجحفلا

ومتى دعاهم للجهاد تسابقوا

لجوابه أي يكون الأول

فإذا رأيت اليوم حسن فعالهم

فهي الأصالة لم ولن تتبدل

ولو اطلعت اليوم يا علم الهدى

لرأيت حال المسلمين المعظلا

أسفاه أمتك العظيمة مزقت

قددًا يجرعها اليهود الحنظلا

وكأن ربك قال لا تتوحدوا

وكأن ربك قال كونوا أسفلا

وكان قرآن الإله قد انتهى

وكأن نجم المجد أصبح آفلا

أرأيت يا طه الحبيب مصابنا

أتشاهد التكفير كيف تغلغل

وتذل إسرائيل قدس محمد

ودماء بورما قد جرين جداولا

وهنا هنا يمن العروبة والإبا

أنصار دينك مذ بعثت مبجلا

شربوا المكارم من معينك حسبهم

شرفًا أن اتخذوك وحدك منهلا

شهدت لهم ريب الزمان بأنهم

أهل لمدحك من عرفت ومن تلى

أسفاه لو تدري بما يجدونه

فلقد جفاهم من بحبك طبل

وغدى لآمال اليهود مطية

فطغى وأفسد في البلاد وأوغل

فإليك من بين الركام شكاية

ومن المجازر شاهد لن يغسل

وإليك من سوح المعارك موثق

ألا يرى منا الطغاة تذللا

ستقيم مولدك الشريف بلادنا

ما ودع اليمن النبي وما قلى

وعليه من يمن الصمود وآله

صلوات ربك بكرة وآصائلا.

عبدالرحيم حماد أبو هارون الشريف

قلم وصوت ومحام لدى آل البيت عليهم السلام
إبن أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه والسيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله عليهما جميعاً أفضل الصلاة والسلام
إبن العارف بالله السلطان محمد شمس الدين ابوهارون والإمام الصوفي العارف بالله الشيخ محمد بن هارون الشريف
الكاتب والمؤرخ الإسلامي
عبدالرحيم حماد أبو هارون الشريف
الإدريسي الحسني العلوي المحمدي الهاشمي القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى