تقارير و تحقيقاتعرب وعالم

الاحتلال يبحث عن نتائج “بيروت 82” في غزة

طرحت صحيفة “يديعوت أحرونوت” اليمينية مقترحًا لإنهاء الحرب على غزة، مع تضارب الحديث حول الخسائر الحربية للاحتلال أمام المقاومة، وتفاقم الأزمة الإنسانية في غزة، يتخلص في فكرة إجلاء حركة حماس من غزة، كما أجليت منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام ١٩٨٢ فيما أطلقت عليه الصحيفة “نموذج بيروت ٨٢”… فما ذلك النموذج؟ وماذا كانت مكاسب الاحتلال التي أغرته لتكرارها؟

بيروت ١٩٨٢ أم غزة ٢٠٢٣

اجتاحت قوات الاحتلال جنوب لبنان وحاصرت القوات الإسرائيلية ومليشيا “بشير الجميل” بيروت في ١٣ يونبو ٢٠٢٣، واستمر الحصار حتى ٢٨ أغسطس. وفي تكرار لذلك المشهد حاصرت قوات الاحتلال قطاع غزة وقطعت عنه الكهرباء والمياة والاتصالات منذ ٣٠ يوما.

وخلال الحصار ضربت قوات الاحتلال بيروت من البر باستعمال المدفعية ومن الجو والبحر، فتم تسوية معظم المدينة بالأرض، واستشهد أكثر من ٣٠ ألف مدني لبناني وأصيب أكثر من ٤٠ ألف آخرين.

وفي غزة ٢٠٢٣ تكرر قوات الاحتلال الفواجع كل يوم، بقصف جوي ومدفعي وبحرى سوى قطاع كبير من المدينة بالأرض، حتى تجاوز عدد الشهداء ٩٧٧٠ شهيد بينهم ٤٩٠٠ طفل و٢٥٠٠ امرأة وتجاوز عدد المصابين ٢٥ ألف مصاب، بخلاف المفقودين تحت الأنقاض الذين بلغ عددهم ٢٢٠٠ بينهم أكثر من ١٢٥٠ طفلًا، ولم تنه الأحداث بعد.

نزح أكثر من نصف مليون شخص عن بيروت، وفي فترة الست وسبعون يوما استمرت إسرائيل بمنع المعونات الدولية والإنسانية عن المدينة. أما في غزة نزح ٨٠٠ ألف شخص من الشمال للجنوب حتى الآن، ومازال أكثر من ٤٠٠ ألف شخص مهددين بالنزوح تحت وطأة القصف العنيف، كما منعت المعونات الدولية والوقود عن غزة، وسمحت بدخول القليل من المساعدات بعد تفتيشها، شريطة عدم وصول المساعدات للشمال، ولم تسمح بدخول الوقود لتشغيل المستشفيات حتى الآن.

استعملت إسرائيل في هجومها على بيروت أسلحةً محرمةً دوليًا بدءًا من القنابل العنقودية والفسفورية مرورًا بالنابالم وألعاب الأطفال المفخخة، وانتهاء بقنابل بخار الوقود. وفي غزة تكشف وزارة الصحة يوميا عن نوعيات حروق جديدة تدل على استخدام أسلحة لم يراها أحد من قبل، وتسبب حروق وإصابات لا يوجد لها علاج، بالإضافة للصورة اليومية التي تأتي من غزة لقنابل الفسفور الأبيض تمطر سماء القطاع وتحطم مبانيه.

فيما يخص بيروت ١٩٨٢، كان الغطاء الأمريكي هو جواز مرور ادقوات الاحتلال للجنوب اللبناني وجواز تمرير الفظائع التي ارتكبها الاحتلال، حيث أعاد كل من “رونالد ريجان” و”هنري كيسنجر” التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وتم منع جميع المبادرات التي قدمت لإيقاف القتال. وفي غزة ٢٠٢٣ وقف “جو بايدن” و “أنتوني بلينكن” لإعطاء الشرعية الدولية لأفعال الاحتلال “بدون خطوط حمراء”- وفقا لتصريحات “بايدن”- و كان أخر تلك التصريحات أمس برفض “بلينكن وقف إطلاق النار احتراما لحق إسرائيل الدفاع عن نفسها، ولم تكتف الولايات المتحدة والدول الغربية الحليفة بإضفاء الشرعية الدولية على مجازر الاحتلال، بل تخطت ذلك للدعم العسكري وتحريك القوات للمشاركة في القتال والمقاتلات البحرية لتوفير الدعم اللازم.

انتهى حصار بيروت ١٩٨٢ بمسح كامل لثلث بيروت من الخارطة، ومقتل ٦٧٥ جنديا إسرائليّا إلى جانب المدنيين اللبنانيين. وفي غزة ٢٠٢٣، أعلن الاحتلال أن قتلاه العسكريين تجاوز عددهم ٣٤٧ قتيل، بينما كادت الصور التي تأتي من غزة تظهر أحياء بأكملها ومع تكرار المشهد تكاد الأحياء التي اختفت من على الأرض لا تحصى.

مثلما تصرح إسرائيل اليوم بأن حماس تستخدم المدنيين دروعا بشرية وتحملها مسؤولية عداد القتل المتزايد، وحملتها اليوم مسؤولية نقص الوقود وكذبت كل ما قيل عن نفاد وقود المستشفيات، وادعت اليوم وجود الأنفاق تحت المستشفيات ومنصات إطلاق الصواريخ حولها. صرحت إسرائيل عام ١٩٨٢ أن مسؤولية الوفيات والدمار الذي أصاب البنية التحتية والخسائر البشرية هو استعمال منظمة التحرير الفلسطينية المدنيين كدروع بشرية، واستعمال منازل المدنيين معاقل للقتال، ما اضطر إسرائيل مرغمة للقصف لتدمير البنية التحتية التي يمكن أن يستعملها المقاتلون أو «المخربون» حسب تعبير إسرائيل….ثم كانت الصفقة..!

الصفقة

في لبنان ١٩٨٢، قدم “رونالد ريجان” ضماناً شخصياً للمقاتلين الفلسطينيين بالحفاظ على أمن عائلاتهم إذا ما غادروا إلى تونس، واضطرت إسرائيل إلى الموافقة على خروج المقاتلين تحت حماية دولية مكونة من ٨٠٠ جندي مارينز أمريكي، و ٨٠٠ جندي فرنسي و ٤٠٠ جندي إيطالي. وعن غزة ٢٠٢٣ قدمت صحيفة “يديعوت أحرونت” اليمينية المقترح بإجلاء حركة حماس ومقاتليها عن غزة، وعلقت عليه صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية عن مسؤولين: بأن المناقشات لا تزال أولية بشأن تكرار نموذج بيروت ١٩٨٢ في غزة.

في بيروت: خرجت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة “ياسر عرفات” وانتقلت إلى تونس. و عن غزة، يقضي مقترح “يديعوت أحرونوت” بخروج الجناح العسكري من قطاع غزة مقابل ضمان حياتهم وبموافقة إسرائيل.

عام ١٩٨٢، غادر ١٤٦١٤ مقاتل فلسطيني بيروت إلى تونس تحت الحماية الدولية، حيث تم توزيع مقاتلي منظمة التحرير بعد ذلك على الدول العربية كالتالي: ٩٧٠ مقاتل إلى تونس، و٢٦١ مقاتل إلى الأردن، و١٣٦ مقاتل إلى العراق، و١٠٩٣ مقاتل إلى اليمن الجنوبية، و٨٤١ مقاتل إلى اليمن الشمالي، و٤٤٨ مقاتل إلى السودان، و٥٨٨ مقاتل إلى الجزائر، و٣٩٠٠ مقاتل إلى سوريا. وعام ٢٠٢٣ ترى “يديعوت أحرونوت” في مقترحها أن المشكلة ليست قيادة حماس، وإنما آلاف الناشطين الذين ينبغي أن يغادروا الأنفاق، وورش الإنتاج العسكري الموجودة في القطاع، تلك التي ينبغي أن تختفي- حسب مقترحها.

في ١٩٨٢، تمكنت حركة فتح من أسر ستة جنود إسرائيليين، تمت مبادلتهم لاحقًا بخمسة آلاف معتقل لبناني وفلسطيني كانوا محتجزين في معتقل أنصار في جنوب لبنان. عام ٢٠٢٣ لدى حماس وحركات المقاومة أكثر من ٢٥٠ أسير يعرضون مبادلتهم بنحو ستة آلاف أسير فلسطيني.

فهل ترضخ المقاومة مع استمرار الضغط وتزايد عدد الشهداء والجرحى، وتقبل الخروج إلى بلد منفى وترك فلسطين؟ بعد أن بنت بأيديها ترسانة عسكرية محلية لا يد لغربي فيها، وجهزت المقاتلين الصناديد وأحسنت إعدادهم وتدريبهم، ربما يفكر بعض المحللين بقبول المقترح إن تم عرضه، لكن المراجع لحال لبنان وفلسطين بعد عام ١٩٨٢، سيرى كيف لم يفي الاحتلال بوعد وكيف عمل على تخريب لبنان، وكيف جثم على الجنوب اللبناني كالسرطان حتى أوائل الألفية. لعل المراجع لتلك الأحوال يعرف أن المقترح ليس إلا فيلما كاذبا شاهدناه من قبل- كما قال الإعلامي المصري “باسم يوسف”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى