تقارير و تحقيقات

«المقاطعة» بين قبول الشعب ورفض الاقتصاد.. قطع أرزاق أم انتصار لقضية؟

تجار: لا نبيع منتجات الصهاينة.. وستاربكس: عروض وتخفيضات بالجملة

مقاطعون: لن نشتري ولو بيعت مجانًا.. لن نشارك في الجرائم

الغرف التجارية: مصر لا تمثل 1% للشركات الأجنبية وعمالنا الضحية

تحقيق- أحمد سالم:

خدعوك فقالوا إن المسلحين وحدهم قادرون على الجهاد.. هذا ما أثبت المصريون عكسه بعد مقاطعتهم كبرى الشركات الأجنبية الداعمة لجيش الاحتلال.

الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل في حق المدنيين بقطاع غزة، جاءت نكبة على الشركات العالمية التي غزت منتجاتها الأسواق، وبدأت مؤشراتها في تراجع حاد منذ إعلان الحرب التجارية عليها.

حرب تشارك فيها جميع الأعمار تقريبًا، بدايةً من الأطفال في سن الخامسة، وحتى الشيوخ في أرذل العمر، مؤكدين أن المصريين لن يتراجعوا عن حملات المقاطعة الممنهجة التي جاءت بنتائج مبشرة في غضون أيام.

لكن ما اتفق عليه العموم، قابله رجال الاقتصاد برفض قاطع لتلك الحملات، ظنًا منهم أن لها آثار سلبية تمس السوق والاقتصاد المصري، لاسيما العاملون في تلك الشركات.

البداية: ماكدونالدز

البداية كانت بصور انتشرت على مواقع التواصل بقيام سلسلة مطاعم ماكدونالدز الأمريكية الشهيرة، بتوزيع كمية كبيرة من الأطعمة والمشروبات الغازية وتوزيعها على الجنود في جيش الاحتلال.

المشاهد اللي انتشرت بسرعة البرق لاقت غضبًا كبيرًا واعتراضًا من قبل مستخدمي الإنترنت في مصر والوطن العربي، وبدأ التفكير في محاربة ماكدونالدز.

باتت مقاطعة سلسلة مطاعم ماكدونالدز أمرًا مطروحا على مائدة النقاش الدائر بين النشطاء على المنصات، ولاقت الفكرة ترحيب واستحسان الكثيرين، ليبدأ التنفيذ في اليوم التالي مباشرة.

ساعات فقط من بدء عملية المقاطعة كانت كفيلة لإظهار مطاعم ماكدونالدز فارغة في كل المحافظات، ولم يقتصر الأمر على هذا فقط، بل تعرضت بعض الفروع إلى اقتحام المتظاهرين المصريين المنددين بالعدوان.

اتساع دائرة المقاطعة

مقاطعة ماكدونالدز جرّت الأذهان إلى فكرة البحث عن أصول كل الشركات والماركات العالمية، لضمها في حسبان الامتناع عن شراء منتجاتها رغم أنها من السلع أساسية في بيوت كثير من المصريين.

وبدأ النشطاء في جمع وكتابة قوائم مقاطعة تشمل كل المنتجات التي يتفق الجميع على مقاطعتها حتى لو عُرضت عليهم للبيع بأرخص الأسعار.

قوائم المقاطعة شملت مشروبات غازية مثل بيبسي وكوكاكولا وسيفن أب وميراندا وفانتا وشويبس وسبرايت غيرها، وضمت أيضًا منتجات شاي مثل ليبتون وقهوة وعديد المشروبات.

ولم تسلم مطاعم الوجبات سريعة أمثال كنتاكي وستاربكس وبيتزا هات وبرجر كينج وغيرها من المقاطعة، حتى أنه تمت مقاطعة شركات متخصصة في صناعة الفوط الصحية للإناث، ومعجون للأسنان، ومنظفات وأدوات طبية.

كذلك الماركات العالمية للملابس والأحذية أمثال أديداس وبوما وشي إن وغيرها، كانت ضمن قوائم المقاطعة، وأعلن عدد كبير من المصريين عزوفهم عن الشراء منها.

إغراءات واعتذارات

«كيف الحل؟ وأين المخرج؟».. كان هذا لسان حال كبرى الماركات الأجنبية في مصر التي أخذت في تسجيل الخسائر منذ الساعات الأولى لإدراجهم ضمن قوائم المقاطعة.

وأصبح محتمًا عليهم الخروج ابتكار أفكار واقعية للخروج من هذه الأزمة التي ربنا تطيح بهم جميعًا من السوق المصري والعربي.

إحدى الشركات مثل ستاربكس قدمت عروضًا مغرية على بعض المشروبات حتى أنه تم تخفيض سعرها من 90 جنيهًا إلى 20 فقط.

بينما لجأت شركات أخرى مثل ماكدونالدز، لإصدار بيانات اعتذار وتأكيد عن أن سلسلة المطاعم في مصر ليست تابعة إلى مطاعم ماكدونالدز في أمريكا، وأنها مؤسسة مصرية خالصة.

فكرة البيان الصادر عن الشركة المذكورة، انتهجته أيضًا سلسلة مطاعمها في سوريا، معلنة رفضها تماما للعنف والإبادة الجماعية التي يتعرض لها قطاع غزة.

أيضًا شركات مثل بيبسي صنعت عبوات مرسوم عليها فلسطين، لإظهار دعمهم للقضية أملًا في عودتهم للسوق المصري مرة أخرى وكثب ثقة المستهلكين.

لكن المشاركون في حملات المقاطعة أكدوا رفضهم الكامل لتلك المحاولات غير المجدية، فعلّق بعضهم على عبوات بيبي المرسوم عليها علم فلسطين، قائلًا: «حتى لو لبستي النقاب، بردو معدتش شاريكي»، وقال آخر تعليقًا على بيان اعتذار ماكدونالدز: «نفس البيان منشور في فرع مصر وسوريا مفكروش حتى يتعبوا نفسهم ويطوروه شوية».

مقاطعون بلا حدود

جموع غفيرة من فئات الشعب أعلنت مقاطعتها بشكل نهائي للمنتجات التي ضمتها قوائم المقاطعة، مؤكدين أننا سنلجأ لأي منتجات بديلة، حتى لو كانت بجودة أقل.

أحد الشباب يقول: إنني تخليت عن شراء أي منتجات خاصة بالماركات العالمية التي أعلنا مقاطعتها، وأحرص دائمًا على نصح أقربائي وأصدقائي بذلك.

يضيف: عندما أذهب إلى أي محال تجاري انتقي منه المنتجات محلية او عربية الصنع، سواء كانت أطعمة أو مشروبات غازية أو حتى ملابس وأدوات وأغراض صحية.

يتابع: لا نملك من الحرب والجهاد سوى المقاطعة، لذا نعمل على الالتزام بها تضامنًا مع أخواتنا في فلسطين وتحديدًا قطاع غزة، وإعلانًا للحرب الباردة على الشركات الداعم للكيان الصهيوني.

بينما يقول آخر: إن أطفالي الصغار أصبحوا على وعي بتلك الحملات المقاطعة للماركات العالمية، فعلى سبيل المثال لم يعد لديهم رغبة في شراء الشيبسي والزبادي التابع للشركات الداعمة للاحتلال.

ويقول: أطفالي أصبحوا ينصحونني أيضًا بعدم شراء هذه المنتجات، بعد المشاهد التي رأوها في شاشات التلفاز لإخوانهم وهم يتعرضون لجرائم بشعة ترفضها الإنسانية.

الغرف التجارية: عمالنا الضحية

الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أصدر بيانا حول انتشار الحملات الداعية لمقاطعة منتجات الشركات والمطاعم التي قيل إنها تدعم إسرائيل في حربها على غزة.

البيان حمل في سطوره أن الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية، بلا شك يقف مع الاشقاء في غزه، ويشارك مع منتسبيه واتحادات الغرف العربية في توفير المعونات اللازمة، لكن يجب عليه توضيح أن تلك الشركات التي تم الدعوة لمقاطعتها، تعمل بنظام “الفرانشايز”، أي أن الشركة الام لا تملك أي من الفروع الموجودة في مختلف دول العالم، وأن فروعها في مصر يملكها مستثمرين مصريين.

وأضاف: «أنها شركات مساهمة مصرية، وتوظف عشرات الالاف من أبناء مصر، وتسدد ضرائب وتأمينات لخزانة الدولة، كما أن من يقوم بدعم جيش الاحتلال في غالبية الأحوال هو الوكيل في إسرائيل وليس الشركة الام، وبالطبع ليس الوكيل في مصر الذي لا ذنب له بأي حال من الأحوال».

وأكد أن: «مثل تلك الحملات لن يكون لها أي تأثير على الشركات الام، لأن مصر تشكل أقل من 1 في الألف من حجم الاعمال العالمية، ونصيب الشركة الأم من الفرانشايز لا يتجاوز 5% من إيرادات الشركة المصرية، وبالتالي فالأثر على الشركة الأم لا يذكر، ولكن الأثر سيكون فقط على المستثمر المصري والعمالة المصرية».

واختتم البيان: «يناشد الاتحاد العام للغرف التجارية المصرية أبناء مصر الأوفياء بعدم الانسياق خلف تلك الدعوات لمقاطعة شركات مصرية تحمل علامة تجارية اجنبية لما فيه من ضرر على الاستثمار والاقتصاد المصري والأهم على مرتبات عشرات الألاف من أبناء مصر من العاملين بتلك الشركات».

محال: «لا نبيع منتجات الأشكال دي»

«لا نبيع منتجات الأشكال دي».. هكذا علق أحد المحال لافتة مكتوب مفادها أنه لن يبيع منتجات الشركات الداعمة للاحتلال الذي ينتهك كل مبادئي الإنسانية ضد أخواتنا في غزة.

في حين حرص آخر على تصوير كمية كبيرة من المواد الغذائية التابعة لشركات بيبي وكوكاكولا وسيفن أب، وعلق لافتة تقول: «راجع للمصنع»، في إشارة منهم إلى استرداد كل هذه المنتجات إلى المستود وعد رغبتهم في توريدها مرة أخرى.

صاحب محل آخر كتب منشورًا على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” قال فيه: «شيرنك البيبسي ده كنت بشتريه بـ120 جنيه وبفاصل مع التاجر على جنيه واتنين لكن مبيوافقش، النهاردة معمول عليه عرض بـ105 ومش لاقيين حد يشتريه».

ظهور المنتج المحلي

وفي الوقت ذات عملت العديد من الشركات المحلية للإعلان عن منتجاتها والاستفادة من عزوف المواطنين عن شراء المنتجات الأجنبية.

شركة سبيرو سباتس المتخصصة في صناعة المشروبات الغازية، تأسست منذ عام 1920، كشركة مصرية الأصل، وعملت حملة المقاطعة على إعادتها للمشهد مرة أخرى بعدما كانت قد اختفت لسنوات طويلة.

وأعلنت الشركة ذاتها أنها حققت مبيعات ضخمة أخيرا وستفتح خطوط إنتاج جديدة وتعمل على تحسين منتجاتها بشكل أكبر.

ورحب عدد كبير من المستهلكين بهذا المشروب حلو المذاق -على حد تعبيرهم- وأكدوا أنهم يغنيهم عن اللجوء لشراء أي مشروبات أخرى تابعة للشركات الداعمة للإبادة الجماعية في غزة.

إضافة إلى ذلك بدأت تظهر شركات أخرى محلية على الساحة في كافة القطاعات، ولم ير النشطاء منتجا محليًا الصنع إلا وروجوا له على مواقع التواصل بشكل كبير حتى يشجعوا المستهلكين على صناعة المحلية.

بينما عمل آخرون على رصد المنتجات المقاطعة في منشورات توعوية، وإضافة المنتجات البديلة لها، حتى لا يشعر السوق بالنقص في أي نوع من السلع التي اعتادوا شرائها على مدار عقود طويلة.

في الواقع.. هل تؤثر المقاطعة؟

متى بشاي رئيس لجنة التموين والتجارة الداخلية بالاتحاد العام للغرف التجارية يقول إننا نؤيد بيان الغرفة التجارية الصادر بشأن حملات المقاطعة وما جاء فيه من مبادئ اقتصادية تكشف نتائج تلك الحملات.

وأضاف لـ«اليوم» إن هذه الحملات في الواقعة ومن وجهة نظر اقتصادية ما هي إلا شفاء لصدور الناس تجاه ما يحدث في غزة.

ورأى أن السوق المصري بالنسبة للشركات المدرجة على قوائم المقاطعة لا يمثل إلا واحد بالمائة فقط، وأن إفلاس فروعها في مصر لا يؤثر على الشركات الأم.

وتابع أن سلاسل المطاعم وشركات التي الإنتاج التي تمت مقاطعتها، تضم في هيكلها عمال مصريين، وبالتالي فإن هذا يؤثر عليهم بالدرجة الأولى أو يؤدى إلى تسريحهم.

وأوضح أننا بكل تأكيد نعلن كامل تضامنا مع أهلنا في غزة، لكننا في الأساس نعاني في مصر من أزمة اقتصادية ولا نحتمل أي اثار سلبية أخرى في السوق.

وقال إن الأمر الإيجابي في المقاطعة، تشجيع المنتجات المحلية، لكننا لا نفضل استمرار عزوف المستهلكين عن شراء منتجات الشركات الأجنبية، لأن الخسارة تكون على المستوردين والتجار.

وقال إن الأزمة بين مصر وتركيا عندما اندلعت منذ عامين، لم نسمع بهذه المقاطعة للمنتجات التركية، ولا الحملات التي تدعو للعزوف عن شرائها.

وقال إن عددًا من الشركات المحلية التي تأتي بديلًا للأخرى الأجنبية، لن تكون بنفس الجودة، وبالتالي فإن هذا يعتبر إهدارًا لمال المستهلك.

تراجع حاد في المؤشرات

بحسب إحصاءات مواقع محلية، فإن العلامات التجارية الأجنبية في مصر، شهدت تراجعًا حادًا في عمليات البيع، منذ بدء حملات المقاطعة، ما أدى لخسائر غير مسبوقة.

وأوضحت المؤشرات تراجع مبيعات سلسلة مطاعم ماكدونالدز على مستوى الجمهورية، ومبيعات محال ستاربكس التي أعلنت تسريح عددًا من العمال بسبب العجز المالي.

بينما شهد شاي ليبتون تراجعًا في نسب الشراء بنسبة تقارب الـ20%، في حين ارتفعت الحصة السوقية لشاي العروسة منافسة ليبتون، خلال الشهرين الماضيين.

منتجات شركات بيبسي وكوكاكولا، شهدت تراجعًا هي الأخرى بنحو 30%، وكذلك الإقبال على شراء منتج نسكافيه وشيبسي، لم يعد بالكثافة العالية التي شهدها خلال السنوات الأخيرة، بعدما أصبحا على رأس قوائم المقاطعة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى