مقالات

محمد كامل العيادى: المواطن المسكين والتاجر اللص!

يأتي رمضان هذا العام متزامنًا مع معاناة أغلب المصريين من مشكلة ارتفاع الأسعار وما يحتاجونه من سلع أساسية وغيرها، ناهيك عن المبالغة الشديدة في رفع الأسعار بصورة شبه يومية، ما يدفع باليأس ليتسلل إلى نفوسهم وسط إحباط لغياب من يُحاسب اللص الذي يسرقهم بالإجبار؛ ذلك التاجر الذي لا يراعي الله، فلا فرق هنا بينه وبين اللص الذي في القطار أو الشارع أو في أي مكان حاله كحال العصابات المتخصصة في السرقة، فالتاجر يسرق الراتب من المواطن المغلوب على أمره حين يرفع من سعر السلعة مبررًا ذلك بحجة الحروب والزيادات العالمية.

لا شك أن الأزمات الدولية قد يصاحبها ارتفاعًا في أسعار السلع المستوردة من الدولة محل الأزمة أو أحد طرفي النزاع أو الحرب، كما حدث على سبيل المثال في الأزمة الروسية الأوكرانية، حين ارتفعت أسعار السلع التي تُصدرها الدولتين، ومنها: القمح وخام الحديد والأخشاب والصويا والكابلات واللحوم والألبان، ومع وقف الاستيراد استغل ذلك الكثيرون من التجار في رفع أسعار السلع رغم وفرة المنتجات في المخازن لديهم، وتم رفع ما يُستورد منها وما لم يُستورد؛ فولا بأس فإن شماعة الحرب موجودة وتتحمل الكثير من الأسباب، ولا يشعر بأي زيادة حتى ولو كانت طفيفة غير الفقير الذي لا يتعدى راتبه الـ 2000 جنيه، والعامل بالأجر اليومي، الذي يتحتم على الدولة وضع تلك الفئات في الاعتبار وحمايتهم وعدم مساواتهم بمن يتعدى ثمن وجبة عشائه في أحد المطاعم 3000 جنيه، أو من يتحمل قيمة مماثلة أو أضعافها لأجل تنظيف بشرة وفرد شعر لأيٍ من أهل بيته سواء الأبنة أو الزوجة، ونحن هنا نتحدث عن مبالغ كفيلة بزواج ابنة رجل فقير، ولعل أصدق مثال يؤكد ذلك ما رأيناه عبر صفحات التواصل الاجتماعي حين انتشرت فاتورة نشرتها إحدى السيدات عقب خضوعها لبعض الأعمال التجميلية في بشرتها وشعرها تُقدر قيمتها بنحو 43 ألف جنيه، ما قد يُعطي مؤشرًا على مدى الفرق بين تلك الطبقة من الناس وما دونهم من أبناء الاجر اليوم والوعيد سواء كانوا عمال باليومية أو حتى موظفين.

إن غلاء الأسعار وباء عظيم من الله عز وجل، ربما كان سببه الذنوب وكثرة الفسا والجشع وحب الذات من تاجر لا يعنيه غير نفسه فقط، ومنهج النهج مضرب المثل الدنيء: أنا ومن بعدي الطوفان؛ فلا يكفيه نقص المكيال والميزان وجعل الكيلو في بعض السلع 900 جرامًا أو أقل من ذلك، بل يستغل الأوضاع ويحتكر السلعة لرفع سعرها من أجل حفنة من المال، في دائرة وعمل لا شك أنه يُخالف شرع الله ويصل إلى حد الجرائم التي يُجرمها القانون؛ لتعمد الكسب مهما ساهم ذلك الأمر من جُرم في الإضرار بالناس وحياتهم، في أعتى نوع من أنواع الظلم، وكذلك انتشار المعاملات الربوية واختلاط الحلال بالحرام، فقد قال الله تعالى: ﴿ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون﴾، فهل لنا من عودة حتى يرفع الله البلاء عنا؟، وإذا كانت مؤشر الإجابة يميل نحو الصواب وجب على الحكومة المراقبة الجدية على السوق والضرب بيدٍ من حديد على من يستغل المسهلك ويرفع السعر عليه، فيما يجب على المستهلك كذلك أن تكن لديه الثقافة اللازمة في العدول عن أي سلعة يرفع التاجر ثمنها حتى يضطر التاجر مجبرًا على العودة إلى السعر المناسب للمواطن.

المؤكد أن ظاهرة رفع الأسعار ظاهرة عالمية، لكن تختلف طريقة التعامل معها من مكانٍ إلى آخر حسب الرغبة الجدية في التفكير بجد والتعامل الذي يفيد المواطن، وبكل تأكيل الجميع مشترك في الدور ويكمل بعضه بعضًا؛ فهناك دور مسؤولية يقع على الحكومة ودور على التاجر نفسه، ودور على المستهلك، الحكومة عليها التوجيه والمراقبة ووضع الأسعار المناسبة للمستهلك والتاجر على حدٍ سواء ومن يتعداها يُعاقب بالقانون، فالتلاعب بالأسعار أمن قومي يجب عدم التساهل فيه، وفي واقع الأمر فإن التاجر لا يهتم كثيرًا بما يُفرض عليه من أسعار لأنه ببساطة يعلم جيدً أنه قد آمن المسائلة والعقاب، ولو أنه أدرك أن هناك من يراقبه وسيحاسبه لو رفع «قرش صاغ» لكن الأمر غير، لكن عدم الرقابة هو الذي يجعل من أي تاجر سارق يتلاعب على راحته بالاسعار حيثما شاء ووقتما شاء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى