اقتصاد

هل تتخطي العقوبات الغربية روسيا وترتد إلى الغرب؟

كتبت- هبة عوض:

تهدد العقوبات الغربية المفروضة على موسكو عقب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، استمرار تربع الدولار على عرش العملات الدولية كعملة احتياطية، الأمر الذي يثير القلق من إمكانية انقسام النظام المالي العالمي، نتيجة ما أفرزه من تخوفات لدي العديد من الدول حول إمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة ضدها في المستقبل ما إذا كانت في موقف عدائي تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، الأمر الذي يدفع تلك الدول لإعادة تقييم علاقتها بالدولار.

وشرعت بعض الدول في إجراء مفاوضات تجارية ثنائية معتمدة على عملات أخري غير الدولار، فيما أكد صندوق النقد الدولي صعوبة استبدال الدولار في التعاملات العالمية وأنه سيظل العملة الرئيسي، لاسيما وأنه يشكل %55 من احتياطات النقد الأجنبي في العالم، فيما تأتي العملة التالية للدولار بفارق يصل إلى %35 في معدلات الاحتياطات العالمية.

ورغم ارتفاع معدلات الاحتياطات العالمية من الدولار، إلا أن تركيز هذا الكم من العقوبات على اقتصاد بحجم روسيا يعد أمر غير محسوب العواقب، لاسيما وأنه وليد المرحلة ولم يسبق تجربته، لذا فإن نسب حدوث أخطاء واردة حتي وإن كانت بمقدار بسيط، لاسيما وأن غالبية العقوبات الأمريكية التي فرضت مؤخراً على دول مثل إيران، وفنزويلا والتي استخدمت خلالها قوة الدولار كأداة عقابية عبر تجميد احتياطات تلك الدول لم تكن بمستوي تلك المفروض على روسيا، فضلاً عن أن مساندة الصين لروسيا خلال أزمتها الراهنة يضع عراقيل واضحة لتقدم العقوبات الغربية في توجيه ضربة قوية للاقتصاد الروسي.

الصين باتت رقم مهم في المعادلة، لاسيما بعد أن عمدت لإنشاء نظام مالي عابر للحدود بديل لنظام سويفت العالمي، إذ دفعت العقوبات الغربية الأخيرة على روسيا إلى التسريع العمل به، لاسيما وأن البنك المركزي الصيني أعلن اعتماده التوسع في استخدام اليوان بديل للدولار في المعاملات التجارية الخارجية، ما يؤشر إلى تغيير محتمل لقواعد اللعبة على المدي المتوسط. 

ويعد الدولار العملة الرئيسية في التعاملات التجارية خلال الوقت الراهن، إذ تعتمد العديد من الدول إلى الاستثمار في سندات الخزانة أو الأصول المقومة بالدولار، فيما لايزال الدولار العملة الرئيسية في التجارة بين الدول، وربما استعدت روسيا لسيناريو العقوبات جيداً عندما استطاعت تخزين احتياطات ضخمة من الدولار تقدر بحوالي  630 مليار دولار، بالتزامن مع خفض حيازاتها من الأصول المقومة بالدولار الأمريكي لتقليل اعتمادها على الدولار.

ورغم امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية الهيمنة الكاملة على الدولار، إلا أن العقوبات الأخيرة على روسيا كشفت إمكانية استغلال تلك الهيمنة لضرب اقتصاد دول أخري تمتلك احتياطات نقدية بالدولار، الأمر الذي دفع الكثير من الاقتصادات الواعدة مثل الهند واندونسيا لرفض حظر التعاون الاقتصادي مع روسيا، ما يعد لحظة فاصلة في تاريخ المالية العالمية نظراً لإمكانية الانتقال إلى علاقات مالية جديدة بين الدول – إقليمية أو ثنائية-  تضمن تحييد الدولار ، فضلاً عن احتمالية إنشاء نظم قادرة على منافسة الدولار، وهو الأمر الذي تسعي إليه روسيا والهند بالفعل، إذ تتجه الدولتان لإنشاء علاقات تجارية ثنائية تعتمد على عملتهما لتسهيل المعاملات التجارية بينهما ودون التقيد بالعقوبات. 

إلى ذلك، باتت الجغرافيا السياسية لحركة المدفوعات العابرة للحدود تواجه احتمالية التغيير بشكل كبير، عقب اعتماد روسيا على رسائل البريد الإلكتروني المشفرة لتسهيل تجارتها الخارجية، الأمر الذي يضع الدولا قاب قوسين أو أدني من الإزاحة عن الساحة المالية العالمية، غير أن البعض يشكك في احتمالية حدوث هذا في ظل تردد الصين في الدفع بعملتها كبديل للدولار، خاصة وأنها تعي جيداً أن اليوان لايزال غير مستخدم بقوة في التجارة الدولية، بالإضافة إلى صعوبة اقناع الدول تحويل احتياطاتها إلى اليوان إذا لم تكن لديها حرية تبديلها بعملة أخري بسهولة، فضلاً عن أن الجانب الأمريكي بدوره يشكك في احتمالية الاستغناء عن الدولار، بسبب اتباع الولايات المتحدة الأمريكية سياسات نقدية تفسيرية تضمن تحويلات آمنة وانفتاح على الأسواق، الأمر الذي لا يتوفر لدي أي من الاقتصادات الاخري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى