مقالات

أيمن مدين يكتب: العرب مابين الشرق الاوسط الجديد والنظام العالمى الجديد «3»

قد يظن البعض ان العرب بعيدين عما يحدث من صراع فى شرق اوربا هذا الصراع الذى تصاعد وتطور بشكل كبير بحيث  لم يعد مجرد صراع عسكرى بين دولتين بل سرعان ما تحول إلى صراع قوى بين الكتلتين الشرقية والغربية صراع بين نظامين    عالميين النظام العالمى القائم إحادى القطب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية والكتلة الغربية ونظام جديد متعدد الاقطاب بقيادة روسيا ومجموعة بريكس وعدد من الدول الداعمه لتحركاتها.

قبل الخوض فى التفاصيل علينا ان نعود للمقال السابق الذى تحدثنا فيه عن أثر مخطط الشرق الاوسط الجديد على العرب    

                حيث جاء هذا المخطط  بهدف العمل على تفتيت الدول العربية وتقسيمها لدويلات متناحرة على اساس طائفى بحيث تغرق فى صراعات داخلية وحروب اهلية طويلة ما يساعد على تمرير صفقة القرن المزعومة واعلان القدس عاصمة لإسرائيل .وهو مالم يحدث بفضل تحركات عدد من الدول العربية على رأسهم ( مصر – السعودية –الامارات ) لحشد رأى عام دولى رافض لهذه الصفقة التى تتعارض مع القانون الدولى وقرارات الامم المتحدة .

ظل هذا الثلاثى العربى يتحرك ضمن تنسيق مشترك وتوسع عدد الدول المنضمة إلى هذا الثلاثى فإنضمت البحرين بحيث تشكل ما عرف بالرباعية العربية والتى لعبت دورا فى التصدى لمخطط الشرق الاوسط الجديد . برز فى مقاطعة قطر التى كانت قناة الجزيرة تبث اخبار تهدف لزعزعة استقرار عدد من الدول العربية على رأسها مصر والتى كانت تدعم جماعة الاخوان المسلمين الإرهابية . ورغم محاولات الولايات المتحدة التدخل و حث الرباعية العربية على رفع العقوبات عن قطر الا ان هذه المحاولات لم تجدى نفعا. وقد اسهم نجاح هذا التحالف العربى وتغير الاحداث ظهرت تحالفات عربية اخرى  حيث شكل كلا من ( مصر – الاردن – العراق ) تحالف عرف بالشام الجديد والذى بدا يعمل على زيادة التعاون المشترك فيما بين اعضاءه خاصة اقتصاديا وسياسيا إضافة إلى التنسيق الاستخباراتى والعمل على التصدى لداعش والتنظيمات الارهابية  بما يحافظ على الامن القومى العربى من مثل هذه التنظيمات المخربة . 

عملت مصر إلى جوار السعودية والامارات على دعم الدول العربية كى تستطيع مواجهة مخطط الشرق الاوسط الجديد وكان لهم       دورا بارزا فيما يخص التصدى للمحاولات الاستعمارية التركية فى ليبيا . خاصة مع اعلان مصر عن الخط الاحمر ( سرت الجفرة ) كان لروسيا والصين دورا ايضا خاصة روسيا فى مساندة الدول العربية فى مواجهة مخطط الشرق الاوسط  الجديد حيث كان تدخل روسيا فى سوريا حاسم . ايضا القت روسيا ثقلها السياسى لدعم الموقف العربى فيما يخص ليبيا .

فى النهاية تخلت الولايات المتحدة عن مخطط الشرق الاوسط بل عملت على الانسحاب من هذه المنطقة فقد شعرت الولايات المتحدة بصعوبة تحقيق اى نتائج فيما يخص هذا المخطط دون التخلص من النفوذ الروسى والذى بات اوسع واكثر قوة لذلك بدات فى الانسحاب من منطقة الشرق الاوسط  وكان انسحابها السريع وغير المنظم من افغانستان أمر مربك للرأى العام العالمى حتى فى الداخل الامريكي لقى هذا الانسحاب هجوما حتى من نواب بالكونجرس الامريكى . فقد  تركت الولايات المتحدة خلفها معدات عسكرية متطورة وذات كلفة عالية . مما أثار الشكوك حول هذا الأمر فلم تكن هناك ضرورة لترك هذه المعدات وكان من اليسير سحبها مثلما تم سحب الدبلوماسيين والرعايا القوات الامريكية ومعدات اخرى . لكن كان وراء هذا الامر بعد اخر فقد ارادت الولايات المتحدة ان تترك بؤرة إرهابية تعمل على زعزعة الاستقرار فى هذه المنطقة بشكل يشغل انتباه روسيا عن مخططاتها .

لكن فطنت روسيا لهذا الأمر وتم الاتفاق مع كلا من ( الصين _ ايران _ باكستان ) على هامش قمة شنغهاى حول الوضع فى افغانستان  وقد حثت روسيا افغانستان على الحيلولة دون انتشار الارهاب للحفاظ على الهدوء فى المنطقة . كما سارعت هى والصين لابرام اتفاقيات اقتصادية مع حكومة افغانستان خاصة فيما يخص المعادن النادرة . وقد صرحت طالبان ان علاقتها مع روسيا والصين اخذه فى النمو . ما أفشل مساعى الولايات المتحدة من وراء هذا الانسحاب .

العرب والنظام العالمى الجديد 

خرج العرب من مخطط الشرق الاوسط الجديد اكثر وحدة وتنسيق على عكس ما كانت تأمل الولايات المتحدة الامريكية قد تراجع نفوذها وتردت علاقتها مع اغلب الدول العربية فقد بات واضحا نوايا الولايات المتحدة الامريكية خاصة بعدما تحولت مصر نحو بناء علاقات متوازنة معها . خاصة عقب احداث 30 يونيو وخلع مرسى الامر الذى رفضته امريكا وطالبت بعودته وهو ما تم رفضه ما دفعها لوقف المساعدات العسكرية لمصر وهو الامر الذى جعل القيادة المصرية توقف الاعتماد الكلى فيما يخص التسليح على امدادات السلاح الامريكية وعملت على تنويع مصادر السلاح بل ونقل تنكولوجيا التصنيع للبدء فى التصنيع المحلى المشترك .

أيضا المملكة العربية السعودية التى عانت من ضربات الصواريخ الباليستيكية الحوثية والتى فشلت منظومة ( باتريوت ) الامريكية الصنع المضادة للصواريخ والدفاع الجوى فى صدها . ما دفع الولايات المتحدة الامريكية لسحبها خوفا على سمعة السلاح الامريكى تاركة جنوب المملكة عارى تماما وعرضة للهجمات التى فعلا تزايدت بشكل ملحوظ . ايضا استغلال امريكا قضية إغتيال الصحفى المعارض السعودى جمال خاشقجى والذى كان يعيش على اراضها للهجوم على ولى العهد السعودى . كما ان تساهل الولايات مع ايران مؤخرا زاد من خيبة أمل السعودية ما جعلها تقلص من علاقاتها مع الولايات المتحدة وبدات فى الاتجاه شرقا وبدأت تعمل على التنسيق مع روسيا فى اوبك وفيما يتعلق بأسعار النفط . أيضا بدات المملكة العربية السعودية تعقد اتفاقيات فيما يخص التصنيع الحربى مع الصين حيث تم الاتفاق على نقل تكنولوجيا التصنيع لصواريخ صينية بعيدة المدى .

انعكست احداث شرق اوربا ( روسيا – اوكرانيا ) على الدول العربية بشكل كبير فرغم بعد المسافة عن الاحداث الا انها كانت لها اثر كبير على العرب حيث تعتمد اغلب الدول العربية على امدادات الغذاء من روسيا وأوكرانيا على رأسها مصر التى بلغ حجم إجمالى وارداتها من القمح الروسى فقط 4.2 مليون طن و 651.4 ألف طن من القمح الأوكرانى عام 2021                             أيضا ادى هذا النزاع إلى ارتفاع اسعار النفط  ما أثر على الدول المصدرة للنفط بشكل إيجابى لكنه فى نفس الوقت انعكس بشكل سلبى على الدول العربية المستورده للنفط ومن ضمنها مصر التى تكمل احتياجاتها من النفط عن طريق الاستيراد .                                    كما تأثرت حركة الملاحة والطيران ما اثر على القطاع السياحى فى الدول العربية خاصة مصر التى تعد من اكثر الدول العربية اعتمادا على هذا القطاع . 

لكن على الرغم من ذلك فقد كان اكبر تأثير على العرب والمنطقة العربية هو إنشغال امريكا وحلفائها الغربيين بهذه الأحداث ما ساعد على هدوء الاوضاع فى الدول العربية التى عانت لاعوام من الاحداث الساخنه المدعومة بكل تأكيد من امريكا والغرب وأذرعهم فى المنطقة . كما بدأت بعض الدول التحول نحو المزيد من الاستقرار مثل تونس التى بدأت فى التخلص من جماعة الإخوان المسلمين والتى تحظى بدعم من الولايات المتحدة الامريكية . ( قد وضحت اسباب هذا فى المقال سابق ) وهى تسير نحو دولة مدنية بعيدة عن( تيار الاسلام السياسى ) إن صح التعبير . أيضا السودان وليبيا تمران بنفس هذه المرحلة . فقد اعلن رئيس المجلس الانتقالى السودانى الفريق عبد الفتاح البرهان ان هناك تدخلات خارجية تحول دون إستقرار الاوضاع فى الداخل السودانى . 

النظام العالمى الجديد وتأثيره على العلاقات العربية الدولية 

مما لا شك فيه ان انحصار النفوذ الأمريكى على المنطقة العربية ومنطقة الشرق الاوسط كان له اثر ملموس وواضح فى دفع عدد  من الدول التى كانت تهرع  للتحالف مع الولايات المتحدة إلى التراجع وإعادة النظر وتغيير سياستها تجاه باقى دول المنطقة  وهو ما نتج عنه إعادة تشكيل القوى بمنطقة الشرق الاوسط  ما جعل دولة مثل قطر تعيد النظر فى سياستها الخارجية و تعمل على العودة إلى الحضن العربى بعد فترة طويلة من الابتعاد عنه . 

أيضا تركيا الدولة التى عمدت على التدخل فى الشأن العربى سواء سياسيا او عسكريا ، عمدت هى الاخرى على العدول عن سياسة الاستفزازات والتدخلات فى الشئون العربية فقد تفهمت اخيرا انها لم ولن تحقق أى من احلامها الزائفة خاصة بعد تخلى الولايات المتحدة  الامريكية عن جماعة الاخوان المسلمين التنظيم الام الذى يعد حزب الحرية والتنمية الحزب الحاكم بتركيا وزعيمه رئيس الدولة التركية رجب طيب اردوغان جزء منه. إضافةإلى  تدهورالاوضاع الاقتصادية التركية وما تسببت فيه مقاطعة الرباعية العربية ودول الخليج للمنتجات التركية من أثر بالغ على حجم الصادرات التركية وهو ما زاد من سوء اوضاع الاقتصاد التركى . وبالنهاية خاضت الخارجية التركية عدت جولات من التفاوض مع الدول العربية بوساطة قطرية ما نتج عنه إعلان الخارجية التركية مؤخرا عن العمل على استعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر واحياء عدد من الاتفاقات العسكرية .

 كما إستجاب القضاء التركى لمطالب المملكة العربية السعودية من نقل المحاكمة الخاصة بقضية الصحفى السعودى المعارض جمال خاشقجى والذى قد تم إغتياله سابقا على الاراضى التركية إلى المحاكم السعودية. 

وقد ساعدت كل هذه الأمور فى رفع الضغط عن الدول العربية ما سمح  لها بالتحرك  بشكل اكثر حرية  وهو ما اتضح فى تحركات جامعة الدول العربية وتكوين مجموعة اتصال حول أزمة شرق اوربا وارسال وفد لزيارة كلا من وراسو وموسكو للقاء الجانبين الأوكرانى والروسى من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة  . 

ويتضح لنا أن  تأثير التغيير فى النظام العالمى على العرب  جاء إيجابي حيث انه قد أتاح الفرصة أمام الدول العربية لإلتقاط  الأنفاس والعمل على ترتيب الداخل والسير نحو الاستقرار . كما بدأت أيضا بعض الازمات التى كانت تواجه العديد من دول المنطقة العربية تنحصر إلى حد كبير أبرزها تراجع وتيرة التدخلات الاجنبية فى شئون الدول العربية و توقف الهجمات الإرهابية فى عدد من الدول   كما ساعد على عدد من الدول أخرها اليمن نحو الهدوء وتوقف هجمات الحوثيين على دول التحالف العربى المتمثل فى كلا من             ( المملكة العربية السعودية – دولة الإمارات العربية ) وبدء مفاوضات جادة  نحو حلحلة هذه الازمة التى اثرت بشكل كبير على عشرات الالاف من الشعب اليمنى الذى عانى اشد معاناة بين الدول العربية حيث أنه إضافة إلى القتلى والجرحى  وتلهجير عانى  أيضا من  المجاعة وانتشار الاوبئة .

التغيير فى النظام العالمى وتأثيراته على القضية الفلسطينية 

فلسطين رغم انها لم تكن إحدى دول الربيع العربى المزعوم إلا انها  كانت فى قلب الاحداث فكل ما حدث من مخططات واحداث كان يهدف فى المقام الاول فى فرض صفقة القرن المزعومة على المنطقة العربيى والتى فشلت كل المساعى فى إقرارها ، بل على العكس شهدت القضية الفلسطينية تطورات إيجابية ظهرت فى احداث  الشيخ جراح ومحاولة إجتياح غزة 2021 وتدخل الدول العربية وعلى رأسها مصر لوقف مساعى الاجتياح الإسرائيلى للقطاع  وقد نجحت اجهزة الدولة المصرية وعلى رأسها جهاز المخابرات العامة فى التوصل لهدنة بل تطور الامر إلى إعلان مصر رعاية عملية إعمار غزة وإقامة مدن مصرية هناك  مثل ( مدينة العاشر من رمضان ) ويعد هذا تطور كبير . إضافة إلى ارسال عدد من الدول العربية المساعدات لقطاع غزة عبر معبر رفح الحدودى بين مصر وقطاع غزة ومرت الايام و توالت الاحداث . وحدث مؤخرا عدة هجمات فى عدة مدن متفرقة فى الداخل الإسرائيلى هذا لأول مرة منذ عصور حتى طالت هذه الهجمات تل أبيب عاصمة إسرائيل . ما دفع الحكومة الاسرائيلية لشن هجوم جوى على نقاط فى الداخل السورى زعما منها انها معسكرات لقوات الحرس الثورى الإيرانى . وشنت بالتوازى حملة من الاعتقالات ضد عدد من المواطنين الفلسطينين .                                 وكانت أخر التطورات هى إقتحام المسجد الاقصى وقصف نقاط داخل غزة . ما تم مواجهته برفض عربى وتحركات سريعه  تعكس تغير كبير فى ردة الفعل العربية على الانتهاكات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والمقدسات ما دعى تل أبيب إعلان  انها لا تريد التصعيد وهو ما يعكس قوة الموقف العربى .

ومازال المستقبل يخفى الكثير . إلا أننى أرى أنه مع مرور الوقت وزيادة ظهور ملامح النظام العالمى الجديد سيكون للعرب دورا بارز ضمن هذا النظام العالمى المتعدد الأقطاب بل أن مصر والعرب سيكون لهم مقعد بين الدول الكبرى التى تلعب دورا محوريا فى جميع القضايا على الساحتان الإقليمية والعالمية . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى