غير مصنف

الدكتور محمد داود في حواره لـ ” اليــوم “.. اختلاف أئمة المسلمين متعلقًا بالفروع وليس الأصول

أجرى الحوار: مصطفى كمال

أكد الأستاذ الدكتور محمد داود، المفكر الإسلامي وأستاذ الدراسات اللغوية والإسلامية بجامعة قناة السويس، أن الإسلام دين الوسطية واليسر ورفع الحرج، ونبذ الغلو والتطرف والإرهاب وكل ما خرج عن التوسط واليسر فليس من الإسلام في شيء وخارج عن منهجه الحكيم، وأن المجتمع المعاصر شاع فيه الحديث عن التكفير واللعن والإخراج من الملة وأصبح كثير من الناس يقعون في فتنة التكفير بعلم وبغير علم دون الرجوع إلى الضوابط الشرعية الأصيلة .

وأضاف الدكتور داود في حوار خــاص لـ ” اليـوم ”  أن الطرح المشوّه للدين بين الإفراط والغلو والتشدد والتفريط والتساهل وتحول المرجعية في الدين إلى الشهرة بدلاً من التخصيص والكفاءة أحد أسباب ضياع القدوة والتشتت الفكري الموجود بين افراد المجتمع، بالإضافة إلى حرب الأفكار والثقافات، وما يصاحبها من حروب نفسية من نشرالشائعات الكاذبة المغرضة، ومحاولة تشويه الرموز الفكرية والعلمية والقادة، وكل ذلك يهدف إلى تحويل المجتمع المسلم إلى نسيج مهلهل مستسلم . وإلى نص الحوار :

كثر الحديث عن وسطية الإسلام ما هو المقصود بذلك ؟

معلوم أن الإسلام دين الوسطية واليسر ورفع الحرج، ونبذ الغلو والتطرف والإرهاب وكل ما خرج عن التوسط واليسر فليس من الإسلام في شيء بل هو مناقض لحقيقة الإسلام وخارج عن منهجه الحكيم، فالأمة الإسلامية خير أمة أخرجت للناس قائمة بالعدل آمرة بالمعروف ناهية عن المنكر مجابية للغلو وقد استحقت الصدارة في المجتمع الإنساني لمزايا وخصائص أهمها على الإطلاق، أنها الأمة الوسط  فبوسطيتها استحقت الخيرية وتأتي أهمية الحديث عن الوسطية؛ لأن المسلمين اليوم يواجهون مشكلات الحضارة وتحديات العصر في معركة البقاء، لايواجهون ذلك كله وهم على منهج واحد بل هناك اتجاهات نشأت بعيدًا عن المنهج الوسط، فكل انحراف عن هذا المنهج الوسط يولَد الفرقة والتناحر والتشتت وتصبح الأمة فريسة سائغة للأعداء والخصوم  .

من الذي يعيد الأمة الوسط إلى الصدارة ويبعث فيها الحياة والروح؟

إن الذي يعيد الأمة الوسط بحق، هو عودة الأمةإلى هدي ربها طائعة هذا الهدي الذي يتمثل في الفهمالصحيح للقرآن والسنة، وذلك بأن تتخلى عن سلبياتهاالمتراكمة التي صارت أخطر علينا من أعدائنا وأن تسعىلتؤدي دورها، وهذا لا يتحقق في واقع الأمة إلا بثلاثة قرارات مهمة، قرار علمي يحدد ماذا ينبغي أن نفعل ؟ وكيف نفعل ؟ وقرار سيادي يمكن للقرار العلمي، وقرار اقتصادي يضع كل القرارات العلمية والسياسية في موقع إمكانية التنفيذ والتفعيل ويواكب ذلك أن نتخلى عن قيم الهدم والأخلاق السلبية ونتحلى بقيم الحضارة والإيمان .

 كيف يكون لدينا صحوة دينية حقيقة ووعي ديني يضبط تعاملاتنا وسلوكياتنا في ظل الخلافات المنتشرة ؟

 إننا بحاجة إلى الوعي بسنن الاختلاف الإيجابي؛ كي نجني الأفكار المتعددة والعقول المتآزرة فلا أحد بعد الأنبياء عليهم السلام يملك الحقيقة المطلقة، والحقيقة تحتاج إلى متعمق وأرواح مخلصة تفتش عنها في كل شيء، وفقدان هذا الوعي يجعلنا نسخًا متشابهة خالية من الروح، وتاريخ الإسلام يَمدنا بالعديد من المواقف التي تدل على فقه الاختلاف الإيجابي، ولنا في رسول الله أسوة حسنة حين استشار أصحابه رضوان الله عليهم في معركة بدر أين ينزل المسلمون ؟ ثم نزل على رأي الحباب بن المنذر في النزول قريبًا من ماء بدرء، كما نزل على رأي سلمان الفارسي في غزوة الأحزاب حين أشار بحفر خندق حول المدينة، فهذه دعوة صريحة إلى الاستنياط والإجتهاد وللمجتهد المصيب أجران، وكان اختلاف أئمة المسلمين وفقهائهم اختلافاً مشتملًا على أدب وكان متعلقًا بالفروع دون الأصول، وكان الاختلاف عند السلف رضوان الله عليهم عامل بناء وليس عامل هدم؛ لأن كلا منهم كان يَنشّد الصواب أو الأفضل حتى ولو ظهر على يد غيره، وكانت آراء الأئمة ثمرات متعددة لشجرة واحدة هي شجرة الكتاب والسنة  أما بعض المعاصرين فلم يدركوا أن الإختلاف ضرورة حياتية وسنة إلهية وأن الإختلاف الإيجابي وسيلة لإظهار الحق، فالآراء يقدح بعضها بعضًاء والباطل نفسه قد يكون أداة لظهور الحق وانتصاره، والشاعر العربي يقول ” وبضدّها تتميز الأشياء ” فلولا الظُلْمَة ما أدركنا معنى النور .

قضية الترحم على الأموات وتكفيرهم والقول الفصل فيها وهل يمكن لاحد الجزم بعدم الترحم على شخص مهما كانت أفعاله أو أقواله ؟

قضية التكفير من أهم وأخطر القضايا الفكرية التي يعاني منها المجتمع المعاص، حيث شاع الحديث عن التكفير واللعن والإخراج من الملة وأصبح كثير من الناس يقعون في فتنة التكفيربعلم وبغيرعلم دون الرجوع إلى الضوابط الشرعية الأصيلة، فلا يوجد في الإسلام سلطة دينية لأحد إلا سلطة الموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، ومن قواعد الأحكام في دين الإسلام أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر، فتكفير الناس أمر خطير منهى عنه وتكمن خطورته فيا يترتب عليه من استحلال دماء الناس وأمواهم وأعراضهم .

لا شك أن انتشار الثقافات المختلفة والافكار الغريبة على الاسلام  أثرت على المجتمع وخاصة الشباب فضاعت قيم كثيرة كيف نتصدى لذلك  ؟

ما من شك في أن الاختراق الثقافي الغربي والجمود الفكري الذي تعاني منه الأمة في حالتها المعاصرة، من أكبر ما يغذي الفكر المتطرف حيث يتعرض المجتمع المسلم لحرب جديدة أخطر من كل الحروب العسكرية، حرب الأفكار والثقافات وما يصاحبها من حروب نفسية من نشرالشائعات الكاذبة المغرضة ومحاولة تشويه الرموز الفكرية والعلمية والقادة، وكل ذلك يهدف إلى تحويل المجتمع المسلم إلى نسيج مهلهل مستسلم، وإن كانت الحروب العسكرية التي يقوم بها الغرب ضد العرب والمسلمين، تدفع المجتمعات إلى الفقر لفرض السياسات والأفكار بعد ذلك ، فإن الحروب الفكرية الممنهجة هي آلية تدمير الإنسان معنوية وصناعة الهزائم النفسية ليس عبثًا ولا سدى أن يُدْعَم انتشار الأفلام الجنسية، والمخدرات في بلاد المسلمين والمواقع التي تشكك في القرآن ونبي القرآن وسنته وفي كل ما هو إسلامي إنهم يخترقون القلب .

كيف نعالج حملات الصراعات الفكرية، وإثارة الشبهات، ونشر الأفكار والمبادئ الهدامة لإضعاف العقيدة ؟

الصراعات الفكرية نشأت بسبب السقوط العلمي للمجتمعات الإسلامية والعربية أمام الحضارة الغربية، فليس للمسلمين حضور على الخريطة العلمية العالمية ولا إسهام في صنع الحضارة، وإنما هم في موقع الاستهلاك الحضاري ومن هنا شاعت أكذوبة أن الاسلام ضد العلم وأن الإسلام سبب التأخروترتب على ذلك سحب الصراع الذي كان بين الكنيسة والعلم في القرن السابع عشر في أوربا على الإسلام، وفي إطار هذه الفتن والثقافات المضادة الوافدة اتسعت مساحة الأسئلة وتجاوزت السؤال وما كان مسلماً به في الماصي ” المقدسات وأمور الغيب أصبح الآن موضع نقاش، ويستلزم هذا أن يتسع الصدر لكل الأسئلة وأن نبين بالعلم والعقل الإجابات المقنعة عن هذه الأسئلة الجديدة، ولايخفي على وعي عاقل بصير أن التقنية الحديثة يستخدمها الآخر في إتقان صناعة الزيف في حياتنا، وتسهم عمليات التزوير اللغوي في ذلك فالتحرش الجنسي تحرّر جنسي وحرية شخصية، ولم تعد العذرية مهمة للبنات والكفر والإلحاد حرية والأجساد العارية جمال إنساني والجرأة على تأويل نصوص القرآن بغيرعلم يحدث تحت عنوان الفكر حرية وبحجة مواجهة التشدد والتطرف ونحن الشرق الأوسط ولسنا الشرق العربي أو الإسلامي .

قضية الوعي الديني الكامل والتى يجب أن تكون هى المعيار والمرجع الحقيقي  لكل مسلم لماذا غابت ؟

الطرح المشوّه للدين بين الإفراط والغلو والتشدد والتفريط والتساهل، وتحول المرجعية في الدين إلى الشهرة بدلاً من التخصيص والكفاءة، فيتصدر المشهد الدعوي الآن الغالب أصحاب الشهرة وليس أصحاب الكفاءة والخبرة، وساهمت وسائل التواصل الإجتماعي والسوشيال ميديا والإعلام في ذلك من خلال تقديمه من لا يحق له أن يتصدر للعلم والفتوى وظهر في بعض القنوات الإعتبار التجاري الذي يهدف إلى الربح على حساب الرسالة الإعلامية وحدث خلط بين القيمة والشهرة  .

الحديث القديم الحديث عن نشأة الإرهاب ومكان نشأته خاصة ولماذا دائماً يلصق بالإسلام ؟

يرى المؤرخون والباحثون، أن الإرهاب قديم قدم العلاقات الإنسانية فهو يرتبط بوجود علاقات اجتماعية بين بني البشر، ويرتبط بوجود أى نوع من الصراع  بين الحق والباطل والخير والشر، وهناك محاولات مستميتة في العصر الحاضر تحاول لصق الإرهاب بالإسلام زورًا وبهتانا، بينما وقائع التاريخ تشير إلى أن العنف والإرهاب على اختلاف صوره وأشكاله ظهر عند غير المسلمين، فأول منظمة إرهابية في تاريخ البشرية قد ظهرت في

بداية القرن الأول الميلادي، وقد تشكلت على يد بعض المتطرفين اليهود الذين وفدوا إلى فلسطين في ذلك الزمان لإعادة بناء المهيكل المزعوم، وفى العصر الحديث ظهر الإرهاب إلى حيز الوجود أثناء الثورة الفرنسية، حين تبنّى بعض الثوريين الذين استولوا على فرنسا سياسة العنف ضد أعدائهم، وقد عرفت فترة حكمهم باسم عهد الإرهاب، كما أن الجماعات التي ظهرت حديثًا تمارس العنف والإرهاب وتنتسب إلى الإسلام هي صناعة غربية، فمن صنع القاعدة ؟ ومن صنع داعش ؟ لاستخدامها في تفكيك الدول العربية والإسلامية وتفتيتها وتشوية صورة المسلمين والإسلام فالحقيقة التي يقرها الباحثون المنصفون في الآديان المختلفة أن الإرهاب لا دين له ولا وطن له وأنه صناعة سياسية لإدارة مصالح من صنعوه .

كيف ترى فكر بعض الجماعات بتقسيم العالم إلى دار إسلام ودار كفر ؟

جمهور العلماء سلفاً وخلفاً على أن دار الإسلام هي التي يملك المسلمون فيها السيادة وتظهر فيها أحكام الإسلام وشعائره، وفي الحياة المعاصرة تغير الواقع الدولي وأصبحت الدول لا تقام على أساس ديني وأصبح العالم يأخذ بمبدأً المواطنة حيث لا يميز بين فرد وآخر على أساس دينه أو ماله، وإنما الكل سواء أمام الحقوق والواجبات، ويؤكد هذا المعنى العودة إلى وثيقة المدينة المنورة، التي تؤسس للعلاقة مع الآخر وتجعله جزءًا من نسيج الأمة له ما لنا وعليه ما علينا، وعلاقة النبي عليه الصلاة والسلام في التعاملات الإجتماعية والمالية مع اليهود في المدينة، يمكن أن تكون منطلقاً للتعامل مع الدول التي لا تدين بالإسلام، وهنالك وجه محمود لوجود المسلمين في الدول غيرالإسلامية، هو أمر مهم ليصبحوا مشاعل للدعوة ونشر الدين في هذه البلاد بحسن العشرة وطيب المعاملة، وهل انتشر الإسلام في إفريقيا وآسيا إلا من خلال المسلمين الذين أقاموا هناك وهكذا في أوروبا وأمريكا وهؤلاء لم يكونوا دعاة متتخصصين .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى