مقالات

روح أكتوبر والتمهيد للمستقبل

منذ 49 عاماً وتحديداً في السادس من أكتوبر عام 1973م، وفي حدث جلل وقف العالم يشاهده ويطالع تفاصيله المتاحة، في ظل ضعف وسائل الإعلام قياسا بالوقت الراهن، بشغف وذهول وإكبار، لما للحدث وحجم المفاجأة من صدمة كبيرة في الأوساط العسكرية بصفة خاصة والعالم بشكل عام، نظراً للمفاجأة والصدمة والتوقيت والتكتيك العسكري.

على مدار سنوات سبقت حرب أكتوبر تغنت العسكرية الإسرائيلية، تساندها آلة إعلامية عالمية، بأن جيشها فوق مصطلح الهزائم، وأن صفوفه تضم نخبة وصفوة رجال الحروب بخبراتهم وتجهيزاتهم وتدريباتهم القتالية، وبات لدى الغرب يقين بأن طفلهم المدلل آنذاك في مأمن عن أي صراعات لا حالية ولا مستقبلية، ولعل ذلك مرده إلى حجم التسليح والظهير الشعبي الغربي للعسكرية الإسرائيلية، إضافة إلى التحصينات الدفاعية على مختلف الجبهات مع دول الطوق العربي، وفي القلب منها خط بارليف وخطوط النابلم.

منذ ما بات يسمى بنكسة 67 والعسكرية المصرية لا تتوانى مطلقاً عن مضاعفة الجهد والقوة، سواء في التدريب والتسليح وتطوير جبهات القتال، ما يوحي أن القيادة المصرية لديها نية في جولة أخيرة تنهي بها الصراع، مع الحرص على أن يذكر التاريخ أنها جولة مصرية بنكهة الانتقام وبعزيمة استرداد الكرامة، فكان القرار الجريء من الرئيس السادات بطرد الخبراء الروس.

فجاءت توقعات الجميع وحساباتهم بخلاف ما خططت له القيادة المصرية، وجاء دويَ المعركة بمثابة صفارة إنذار وتنبيه للجميع بأن الإرادة والانتقام والعزيمة المصرية لا يخضعون لمقاييس قوة العتاد فقط، وأن هناك قوة الحق والإرادة والتخطيط.

بطولات سطرها الجيش المصري، تفوق في وصفها المؤلفات والأعمال الدرامية، فليس من رأى كمن سمع، فضلاً عن أن هناك العديد والعديد من العوائق التي كانت بمثابة عبء إضافي أثقل كاهل الجندي المصري، لعل أبرزها ما عرف بالجسر الجوي الأمريكي، إلا أن التخطيط العسكري والإرادة وكسب التأييد الدولي ووضع قدم في الضفة الشرقية للقناة كانت أمور كلها تسير في خطوط متوازية مع الحرب في اتجاه واحد، لتأتي المعركة السياسية والمفاوضات بشكل أثبت نجاح وتفوق الدبلوماسية المصرية كما هو تفوق العسكرية المصرية.

الاحتفال بانتصارات أكتوبر كان له مذاق خاص وتعامل خاص أيضاً من الأجهزة الاعلامية المملوكة للدولة والخاصة حتى سنوات باتت غير قليلة، إلا أن الاحتفال يجب أن يتطور بتطور أدوات الميديا واتساع رقعتها، فالهدف ليس التعريف بالمناسبة فقط، فما أكثر المناسبات الإيجابية في عمر الدولة المصرية.

إلا أن هناك دور يجب أن تضطلع به مختلف الأجهزة الإعلامية، حيث يتوجب عليها تنشئة جيل بروح أكتوبر، جيل يعي حجم التضحيات التي قدمها آباؤه ليجني ثمارها أمناً ورخاء واستقرارً، جيل يعي أنه منوط به حمل الراية، وأنه لا يقتصر حمل الراية على جبهات القتال فقط، فهناك جبهات أخرى لا تقل أهمية عن جبهة المعركة.

الدول التي تتطلع إلى المستقبل بخطى واثقة لابد لها أن تتضافر جهود مواطنيها بما يخدم مجتمعهم، بالإضافة إلى تبني نهج العلم والمعرفة، فالمعارك الاقتصادية والتنموية لا تقل ضراوة عن مثيلاتها على خطوط النار.

من هنا يتوجب على كل صاحب رأي وكلمة وكاميرا وقلم أن يضعو نصب أعينهم أن المعارك انتهت على جبهة واحدة، هي جبهة الرصاص والمدفعية، وأن هناك العديد من الجبهات التي تحتاج إلى جنود أشداء يحمون أوطانهم من معارك الاقتصاد والتجارة والعلوم الحديثة، وأن التفداء والتضحية لهما صور كثيرة ومتعددة، وبإمكان المرأ أن يسطر اسمه بحروف من نور مع المحاربين وبجوارهم، فكلا له معركته التي يجب أن لا يؤتى استقلال بلده من قبله أو من جانبه، وبالتالي على كل محب لبلده أن يدفع نحو التعبئة المجتمعية التي تخدم التوجه التنموي للدولة في مسيرتها الحالية، لتبني انتصارات مدنية بجانب الانتصارات العسكرية.

رحم الله شهداء الوطن، وحفظ مصر وشعبها، وأدام عليها استقرارها

نلقاكم في قعدة عرب أخرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى