مقالات

خلط الصالح بالطالح

بقلم: عبد الستار حتيتة
قديما كان بعض الخطَّاطِين يكتبون “محي الدين”، بالخطأ، حين يُطلب منهم كتابة “محيي الدين”. والفرق شاسع بين الرسمين. فالأول يعني المحو، والثاني يعني الإحياء. هذا بمناسبة دعوة البعض لتكليف محمود محيي الدين، بتشكيل وزارة جديدة للدولة المصرية. يبدو أن الخلط ما زال موجوداً. كيف؟
ظهر محمود محيي الدين ضمن مجموعة جمال مبارك التي صعدت على السطح بعد عام 2003، واستمرت حتى سقوط فترة مبارك الأب، وابنه، في 2011. لهذا يقترن اسم محيي الدين، في معظم الوقت، بنظام مبارك وتوابعه. فهل هذا صحيح؟
للإجابة ينبغي الإشارة إلى موضوع مهم. في سنة 2011 نشرت صحف غربية أن أموال مبارك في الخارج تبلغ 70 مليار دولار. وهو مبلغ كبير بلا شك. وبالبداهة، يصعب تصديق هذا الأمر. لكن إليكم ما حدث..
كنت في تلك الفترة أعمل كمسؤول عن إحدى الصحف العربية. وطلبَ أمراءٌ في إدارة الصحيفة الإيغال في تشويه مبارك. وترجمة ما تنشره الصحف الغربية عنه. وأرسل بعضهم قصة الـ70 مليار دولار، لكي أترجمها وأضيف عليها، كموضوع حقيقي.
ولأنني صحفي، بدأت في البحث عن مصدر المعلومة. فوجدت أنها نشرت لأول مرة في صحيفة جزائرية، بلا أي مصادر، وذلك أثناء الخلافات بين البلدين بسبب الأحداث المأساوية لمباراة مصر والجزائر للتأهل لكأس العالم في 2010، وما صاحب تلك المباراة من تلاسن شبه رسمي بين نظام مبارك ونظام بوتفليقة.
النتيجة هي أن الصحف الغربية استندت على الصحيفة الجزائرية، وهذه الأخيرة لم يكن لديها أي مصدر للمعلومة. طبعاً عملية التدقيق الصحفي تلك لم تعجب أولئك الأمراء. فأحالوها إلى آخرين. ونشروا ما شاء لهم النشر، بأموالهم.
ثم جاء الدور على ابن مبارك وصحبه. وكان من بينهم، بطبيعة الحال، محمود محيي الدين، وشائعات كثيرة عن هروبه خارج مصر. ومرة أخرى أجد ضرورة إحالة أي قصة صحفية للتدقيق. وللمرة الثانية لم تعجب النتيجة الأمير، فأحال الأمر لأحد اللبنانيين، لكي يقوم بالتشويه كما يريد.
وللإنصاف جاء أمراء آخرون، وطلبوا تصحيح الأوضاع. بل توسطوا عن طريقي لكي يوافق محمود محيي الدين على كتابة مقالات للنشر في الصحيفة نفسها. وكان وقتها، أظن بعد عام 2014، يشغل موقعاً مهماُ في البنك الدولي. وما بين المحو والإحياء، تظل المعلومات الخاصة بعهد مبارك ورجاله، تحت المجهر. ولا ينفع معها اتباع الهوى. فهي تحتاج، على الأقل، إلى التدقيق، والمراجعة، والتأني قبل إصدار الأحكام.
لقد تولى محيي الدين، فيما بعد، العديد من المواقع الدولية المالية الهامة. وكان من بين المشاركين بشكل أساسي في المؤتمر الدولي للمناخ في شرم الشيخ. وأعود وأقول لمن دعوا لتكليفه بتشكيل وزارة جديدة، إن المعارضين لهذا التوجه ما زالوا كُثُر، لأن المعلومات التي تم البناء عليها، منذ 2011، حتى يومنا هذا، ما زالت مشوشة، مثل قصة الـ70 مليار. باختصار لم يجر التمحيص المطلوب، لفرز الصالح من الطالح، وللتفرقة بين المحو الإحياء!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى