تقارير و تحقيقات

نقص وتلاعب واحتكار.. تدهور سوق الدواء يضع المرضى في مرمى الموت

اختفاء الإنسولين من الصيدليات.. وانتعاش في السوق السوداء

صيادلة: 98% من العلاج غير متوفر.. والمخازن: انخفاض في نسب المبيعات

مواطن: رضينا بارتفاع الأسعار ولم نجد العلاج.. وآخرون يتعرضون للاستغلال

شعبة الدواء: البدائل متوفرة بسعر مناسب.. والبرلمان: لم نعلم بوجود الأزمة

تحقيق- أحمد سالم:

يشهد سوق الدواء خلال هذه الفترة اضطرابات تعددت بين نقص أصناف العلاج واحتكار المنتجات الأشد طلبًا من المواطنين، ما يضع المرضى في مأزق، لعدم قدرتهم على شراء الدواء الذي اعتادوا تناوله لمحاربة أمراضهم، ناهيك عن التلاعب بالتسعير وموجات الارتفاع المتتالية التي تشهدها الأدوية يومًا بعد آخر، مما نتج عن هذه الأزمات: مواطن حائر بين نار الأسعار وعلاج لم يعد يجده.. هذا ما نناقشه في التحقيق التالي:

نقص الأدوية

بالبحث في عدد من الصيدليات ومخازن الدواء، اتضح لك أن هناك أصنافًا كثيرة قد اختفت من السوق، من بينها عائلات من أدوية المضاد حيوي، أمثال أوجمنتين وبدائله، وميبافلوكسين وبدائله التي تنتمي إلى المادة الفعالة ليفوفلوكساسين.

كذلك مرضى السكر أصبحوا يعانون الأمرين في الحصول على إنسولين ميكستارد 30ml، الذي اختفى تمامًا من سوق الأدوية سواء في الصيدليات أو المخازن، إضافة إلى عقار جلوكوفانس وبدائله.

قائمة النواقص ضمت أيضًا أدوية أمراض الباطنة ومنها: فوار أملاح يوريفين أو يوروسولفين أو حتى بروكسيمول، وفاموتين 40، وأنتودين أمبول وأقراص، وحتى عقار ستربتوكين، وأنتينال شراب وأقراص.

كذلك اختفى عقار ديكانست، مضاد الهيستامين، إضافة إلى عقارات: رواتنكس ويورينكس ورواكول وكوراسور وميدودرين وبيتافوس حقن، وجليمت فورت وبيسلفون حقن شراب وأقراص.

أندوسيد لبوس وفولتارين أمبول ولبوس جاستروتيدين أمبول وفاموتين أقراص وفاموتاك أقراص، وكونكور أملو 5 أقراص، واندوميثازين لبوس، وامريزول لبوس، وكونتافيفر شراب.. كذلك كلها أدوية لم تعد متوفرة بالصيدليات.

القائمة لم تنتهِ بعد، فأصناف رواكول، وتيجريتول 400 اس ار، والفينتيرن، وميدودرين 2.5، كونفانتين 600 إكس آر، إضافة لكثير من الأصناف الأخرى، علمًا بأن هذه الإحصائية على سبيل المثال لا الحصر.

تلاعب بالأسعار

أزمة النواقص ليست الوحيدة في سوق الدواء، فموجات الارتفاع التي أطلقتها الشركات ووافقت عليها هيئة الدواء، جعلت باب تزييف وتغيير أسعار الأدوية، مفتوحًا على مصراعيه.

أحد المواطنين يروي لنا موقفًا حدث معه في صيدلية بمنطقة الهرم في محافظة الجيزة، عند شرائه فوار يوريفين، المستخدم لعلاج الأملاح، فيقول: سألت الطبيب الصيدلي عن سعر العبوة، فنظر في جهاز الكمبيوتر لديه وأخبرني أنها تساوي 33 جنيهًا.

يضيف: السعر بالنسبة لي كان مفاجئًا، لأن هذا النوع من الفوار لم أعلم بارتفاع سعره، لكني ظننت أنه حدث مثل باقي الشركات المصنعة، وبالفعل اشتريت منه العبوة.

يستكمل: بعدها أخذت أنظر على العبوة بحثًا عن السعر الجديد المدوّن عليها، فلم أجد أي سعرًا وهذا الأمر كان مدهشًا بالنسبة لي، ما دعاني للذهاب إلى صيدلية أخرى والسؤال عن سعر “فوار يوريفين”، لأجده يساوي 22، بفارق 11 جنيهًا في سعر العبوة من الصيدلية الأخرى.

يتابع: سألت البائع عما إذا كان حدث تحديث في سعر “يوريفين” أم لا، فبحث في أحد التطبيقات المتخصصة في هذا الشأن، وأخبرني أن هذه الشركة لم ترفع السعر الرسمي إلى الآن عن هذا الحد.

أزمة في سوق الدواء
أزمة في سوق الدواء

تعقيبًا على هذا الموقف، يقول أسعد محمد، مساعد طبيب بإحدى الصيدليات، إن كل صيدلية لديها كمية من الدواء بالأسعار القديمة، لكن ما يحدث هو أن الشركات توقف إنتاج بعض الأصناف لفترة لاتخاذ قرار برفع الأسعار أو تغيير تواريخ المنتج.

يوضح: أن التعامل في هذا الموقف يختلف من صيدلية إلى أخرى، فهناك بعض الأطباء يبيع الأدوية المخزنة عنده بأسعار جديدة بحسب آخر تحديث، رغم أنه اشتراها بالسعر القديم سابقًا.

ويبرر ذلك، بأن البعض يحاول تعويض المبلغ الذي يحتاجه لشراء كمية أخرى من هذا الدواء بالسعر الجديد، ما يدفعه لتطبيق الزيادة على المنتجات القديمة.

ويضيف أسعد محمد، أن هناك بعض الصيادلة منعدمي الضمير -على حد تعبيره- يستغلون موجات زيادة أسعار الدواء، ويحذفون السعر الأصلي المطبوع على العبوة من الشركة، بأي آلة حادة، ويضعون سعرًا آخر عليها، تحقيقًا للكسب غير المشروع.

ونصح المستهلكين بضرورة التعامل الحازم والفوري مع هذا النوع من الصيدليات التي تستغل الأزمة وتحقق كسبًا غير مشروعًا من جيوب المواطنين.

وأشار المساعد الصيدلي، إلى أن المستهلك من الممكن أن يتقدم بشكوى رسمية للنقابة في هذا الصيدلي قد تصل إلى شطبه، إذا أثبت فعلًا ما قام به من تزييف وتغيير في الأسعار.

وأوضح أن هذه الشكوى من الممكن أن تتسبب في غلق الصيدلية بالكامل، إذا ثبت أن المتواجد فيها مساعد صيدلي فقط، ويقوم بهذا الفعل غير المشروع من تلقاء نفسه.

وقال إن هناك الكثير من الصيادلة الذين يراعون وظيفته وضمائرهم، ويبيعون المنتج بنفس السعر الذي اشتروه به، لدرجة أنه قد يتواجد لديه عدة عبوات دواء من صنف واحد لكن بأسعار مختلفة، نظرًا لارتفاع الأسعار أكثر من مرة في وقت قليل، ورغم ذلك يحرص الصيدلي على بيعها بنفس الأسعار القديمة، دون تطبيق أي زيادات عليها.

الضرر يصل المخازن والصيدليات

بما أن المصائب لا تأتي فرادي، فكذلك أزمة نقص الدواء لا تفرق بين فئة وأخرى، إذ أن الضرر لم يقتصر فقط على المرضى، بل امتد إلى الصيدليات ومخازن بيع الدواء.

في هذا الشأن، شكا أسعد محمد، مساعد طبيب صيدلي، من ارتفاع أسعار الدواء المستمر، قائلًا: إن الصيادلة أنفسهم يتضررون من تغيير الأسعار، لأن هذا يقلل من عمليات الشراء، إضافة إلى انخفاض نسب الربح على المنتجات المختلفة.

وأوضح بأن مخازن الأدوية التي تستورد من الشركات، تضع خصومات على العلاجات والأدوية التي تطلبها الصيدليات، وبالتالي فإن مكسب الصيدلية يكون من فارق أسعار البيع للصيدليات والبيع للجمهور.

ويفسر ذلك بأن المخازن باتت تواجه صعوبة في توفير الأدوية من الشركات، بسبب النقص الذي يضرب معظم الأدوية التي يصل نسبتها إلى 98%، على حد وصفه، وبالتالي فإن هناك أصنافًا من الأدوية تأتي الصيدلية بدون أي خصومات وتباع بنفس السعر الذي اشتريناه بها، ما يعني عدم تحقيق أي مكسب.

نفص الدواء في مصر
نفص الدواء في مصر

بالحديث مع إيهاب جاويش، مندوب مبيعات بمخزن أدوية، اتفق مع سابقيه على أن هناك أزمة طاحنة في نقص الدواء، ضربت السوق منذ عدة أشهر، لكن الأمر ازداد سوءً هذه الأيام، وباتت عائلات كاملة من الأدوية تختفي مرة واحدة.

وقدّر نسبة الأدوية الناقصة من السوق، بحوالي ثلاثة أرباع أصناف الدواء التي تستوردها المخازن من الشركات، ما أدى إلى ضعف نسب المبيعات في المخزن.

وعن سبب نقص الدواء لهذا الحد غير المسبوق في السوق، أوضح أنه لا يوجد تفسير صريح لهذه الأزمة التي أرهقت الجميع بداية من المخازن وحتى الصيدليات وصولًا للمستهلك.

وأشار مندوب المبيعات، إلى أن السبب المتداول بين الناس، يرجع لتخزين العلاج في شركات الأدوية، لحين اتخاذ قرارات برفع سعره، ومن ثم يبدأ ضخه بتواريخ وأسعار جديدة مرة أخرى للمستهلك.

ولفت إلى أن هذه الأزمة بلا شك، أثرت على نسب الطلبيات التي توردها المخازن للصيدليات، إذ أن الصيدلية الواحدة مثلًا بعدما كان سعر طلبيتها يساوي الألف جنيه في اليوم الواحد، أصبح لا يتجاوز الـ500 جنيه.

انتعاش السوق السوداء

يجد تجار السوق السوداء أن أزمة نقص الدواء، فرصة جيدة للاستغلال وانتعاشا للسوق الموازي، فيعملون على توفير الأدوية الأشد طلبا في السوق، ويبيعونها بأسعار مضاعفة للمستهلك المضطر لشراء هذا الدواء.

بحسب المواطنين الذين لمسوا هذا الاستغلال الفاحش واضطروا لشراء الدواء الناقص من السوق السوداء، فإن من أكثر الأدوية اختفاءً من السوق، هو أمبول الإنسولين الذي يحتاجه مرضى السكري.

يقول أحد الأشخاص -لم يذكر اسمه- بحثت عن حقنة إنسولين لجدتي في جميع الصيدليات، وعندما وجدتها في السوق السوداء، كان سعرها مضاعفًا، إذ أنها الآن تساوي 63 جنيهًا، لكنني اشتريتها بـ95.

إنسولين ماكستارد
إنسولين ماكستارد

كذلك الباحثين عن العقارات المستخدمة لمرضى السكري، يتهافتون على هذه العقارات في السوق الموازية لعدم توافرها في الصيدليات، ووصل سعرها إلى 550 جنيهًا، بحسب أحد المواطنين الذين اشتروه.

ومنذ فترة قصيرة كان عقار “التروكسين” هو الاسم التجاري لدواء الغدة الدرقية، ويعتمد عليه عدد كبير من مرضى قصور الغدة الذين يعانون من أعراض مختلفة متعلقة بالسمنة والاكتئاب وكثير من المشاكل الأخرى.

تدريجيًا بدأ هذه العقار يختفي من الصيدليات، وأصبح العثور عليه أمرًا شبه مستحيلًا، حتى أن العبوة منه كانت تباع بالقرص الواحد في الصيدليات، رغم أنها عبوة مغلفة لا تصلح لذلك.

وما كان يدفع الصيدليات لفعل ذلك، حرصها على إرضاء جميع المرضى الذين يتهافتون على قرص واحد من هذا العقار الذي اختفى تمامًا بمرور الوقت دون وجود أي بديل يحل محله.

مواطن -لم يذكر اسمه- قال إنه بحث عن هذا العقار لزوجته في السوق السوداء بمحافظة أخرى، ووجده بعد عناء كبير، واشتراه بسعر باهظ وصل إلى 600 جنيه للعبوة الواحدة.

الأزمة لم تصل البرلمان

بالحديث مع الدكتور أشرف حاتم، رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، أبدى دهشته من وجود نقص في سوق الأدوية قائلًا: أنا شخصيًا معرفش ان فيه أزمة نقص في الدواء.

وأضاف أن اختفاء بعض أصناف الدواء كان في الفترة الماضية التي شهدت نقصًا في العملة الأجنبية، ما أدى إلى تقليل الوارد من المواد الخام.

وأوضح أنه في حالة نقص الدواء من الصيدليات، فإنه على المواطنين الاتصال بالخط الساخن التي توفره هيئة الدواء، للإبلاغ عن الأصناف الناقصة والتعرف على البدائل المناسبة وأماكن توفرها في الصيدليات.

وأشار إلى أن كل دواء مستورد يوجد له بدائل مصرية يمكن للمريض أن يلجأ لاستخدامها حال عدم توفر الدواء الذي اعتاد تناوله.

تعددت الأسباب.. والنتيجة: سوق متعطش

الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، يعلق على غياب كثير من أدوية مرض السكري، قائلًا: إن أي دواء مستورد لعلاج السكر يكون له بديل محلي، بحيث يجب على الصيادلة إخبار المريض بأن هناك نوع آخر من نفس المادة الفعالة.

وأرجع الخلل الظاهر خلال هذه الأزمة، إلى أن ثقافة وتقاليد الأطباء المصريين في الاعتماد على شركات معينة، جعلت المريض يرفض أي علاج من علامة تجارية أخرى حتى لو كانت نفس المادة الفعالة المستخدمة في صناعة الدواء.

وأشار إلى أن المادة الفعالة طالما أنها متواجدة في السوق ومتداولة من قبل شركات أخرى، فإن الأمر يكون طبيعيًا، ولكن تكمن الخطورة في حال كان الدواء غير متوفر له بديل.

رئيس شعبة الدواء
رئيس شعبة الدواء

ودلل رئيس شعبة الأدوية، على صحة حديثه بالأزمة التي حدث في عقار علاج الغدة “انتروكسين”، وعندما تم توفير بدائل محلية بنفس الصناعة والمادة الفعالة، انتهت الأزمة ولم يلاحظ أي مريض فرق بين العلاج المستورد والمحلي.

وأوضح أن هناك مرضى لديهم وفرة مالية، يرغبون في شراء العلاج الأغلى سعرًا، وبالتالي يرفضون أي أدوية رخيصة الثمن، رغم أنها نفس المادة الفعالة وتؤدي نفس المفعول.

ورد الدكتور علي عوف، على الأقوال المتداولة بأن الشركات ترفض إنتاج الدواء حتى السماح بارتفاع أسعاره، قائلًا: إنه في حال رفض الطلبات المقدمة من قبل الشركات، فإن لديها طرق أخرى لتعويض الخسائر وزيادة أرباحها من العلاج.

وأرجع أسباب توقف بعض الشركات عن إنتاج الأدوية وإحداث هذه الأزمة، لعدة أسباب منها: أن المواد الفعالة المستوردة من الخارج غير مطابقة للمواصفات، وكذلك قد يكون السبب متعلقًا بالتعثر المالي.

وتابع أن نقص الدولار وعدم وجود سيولة مالية لاستيراد المواد الخام، قد تلعب دورًا مهمًا في عجز الشركات عن إنتاج الأدوية أحيانًا، مشيرًا إلى أن الأعطال التي تضرب المصانع قد تؤثر كذلك على توقف الإنتاج لفترة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى