مقالات

الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين عليهما السلام.. إمام الساجدين والعابدين والباكين

بقلم/ الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
إبن آل البيت

احتفل السادة الأشراف والطرق الصوفية و الشعب المصري بمولد سيدي الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن ابي طالب عليهم السلام إذ أن مولد الإمام علي السجاد عليه السلام، ذكرى ومناسبة عظيمة لاستحضار مآثره؛ كي يقتديه المعاصرون، إذ لم ينتظم في تشكيل سياسي للثأر من الأمويين قتلة أبيه ومغتصبي الخلافة، بل عاش.. عليه السلام في المدينة المنورة، ناذرا علمه للفقه.. يعيش بسلام، عاطفا على الفقراء، الذين يجدون رزق يومهم عند ابواب البيوت ولم يعرفوا أنها من عطايا زين العابدين، إلا عند انقطاعها بوفاته.. رحمه الله.

برغم قسوة ما عاناه عليه السلام، إلا أنه عاش فقيها عالما متسامحا عنوان ثبات لا تهزه وقائع الفترة التي خاضها مكتظة بأحداث جسيمة، منها واقعة “الطف” وقد كابدها عليلا.. عاجزا عن القتال.. يرى أباه وأعمامه وإخوته وصحبهم يستشهدون دفاعا عن الحق بسيف الباطل

في ظل تلك الأحداث مكث السجاد متماسكا، لم يشغله الثأر لعائلته التي أبيد رجالها وأخذت نساؤها سبايا والأطفال ظامئون، فلم يخضع نفسيا لقسوة ما مر به في كربلاء، بل تجرد من آثارها متسامحا مع الناس رحوما بالفقراء رؤوفا بالضعفاء واضح الرؤى لم تتضبب بصيرته جراء ظلم الأمويين، بل تمسك بمقومات الرسالة فقها وسلوكا.

نسب الإمام علي زين العابدين بن الإمام علي

هو: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر جد قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان

هو الإمام علي بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب

، وقد ورد في بعض الروايات أن الرسول الأعظم

 قد سمّاه بـ”علي” ولقّبه بـ”زين العابدين“، وذلك قبل أن يولد بعشرات السنين،[١] ومن هذه الأخبار: روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال كنت جالساً عند رسول الله صلى الله عليه وسلم

 والحسين في حجره، وهو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه “علي” إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرأه مني السلام.[٢]و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ص قَالَ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ يُنَادِي مُنَادٍ أَيْنَ‏ زَيْنُ‏ الْعَابِدِينَ‏ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَلَدِي عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَخْطُو بَيْنَ الصُّفُوفِ

زين العابدين ويُعرف أيضاً باسم علي السجاد، واسمه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويُكنى بـ«أبي محمد»، علي السجاد · سيد الساجدين · الزكي · الأمين · سيد العابدين · زين العابدين · ذو الثفنات · زين الصالحين · منار القانتين.

أما عن تسميته بالبكاء يروي الرواة عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) أنّه قال : « بكى علي بن الحسين على أبيه عشرين سنة ما وضع خلالها بين يديه طعام إلّا بكى ». وقال له بعض مواليه : جعلت فداك يا بن رسول الله ، إنّي أخاف أن تكون من الهالكين ، فقال : « إنّما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، إنّي لم أذكر مصرع أبي وإخوتي وبني عمومتي إلّا خنقتني العبرة ».

وقد روى الرواة كثيراً عن حزنه وبكائه فكان كلّما قدم له طعام وشراب يقول : « كيف آكل وقد قتل أبو عبد الله جائعاً ، وكيف أشرب وقد قتل أبو عبد الله عطشاناً ». وكان كلّما اجتمع إليه جماعة أو وفد يردد عليهم تلك المأساة ويقص عليهم من أخبارها. وأحياناً يخرج إلى السوق فإذا رأى جزاراً يريد أن يذبح شاة أو غيرها يدنو منه ويقول : « هل سقيتها الماء ؟ »

فيقول له : نعم يابن رسول الله إنّا لا نذبح حيواناً حتّى نسقيه ولو قليلاً من الماء ، فيبكي عند ذلك ويقول : « لقد ذبح أبو عبد الله عطشاناً ». كان يحاول في أكثر مواقفه هذه أن يشحن النفوس ويهيّئها للثورة على الظالمين الذين استباحوا محارم الله واستهزأوا بالقيم الإنسانيّة والدعوة الإسلاميّة من أجل عروشهم وأطماعهم وقد أعطت هذه المواقف المحقّة ثمارها وهيّأت الجماهير الإسلاميّة في الحجاز والعراق وغيرها للثورة.

(ولد يوم 5 شعبان 38 هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها في 25 محرم من سنة 95 هـ)؛ هو رابع أئمة الشيعة بكل طوائفهم. تزوج من إبنه عمه السيدة الصديقة الطاهرة المباركة الشريفة السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن بن الإمام علي بن ابي طالب رضوان الله عليهم أجمعين

ابناء الإمام علي زين العابدين

قال الشيخ المفيد و قال صاحب الفصول المهمّة انّ ولد عليّ بن الحسين (عليهم السّلام) خمسة عشر ولدا : 1- محمد، المكنّى بأبي جعفر الباقر (عليه السلام) ، أمّه أم عبد اللّه بنت الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السّلام) 2- عبد اللّه 3- الحسن 4- الحسين، أمهم أم ولد 5- زيد 6- عمر، لأم ولد 7- الحسين الأصغر 8- عبد الرحمن 9- سليمان، لأم ولد 10- عليّ، و كان أصغر ولد عليّ بن الحسين (عليهم السّلام) 11- خديجة، أمهما أم ولد 12- محمد الأصغر، أمه أمّ ولد 13- فاطمة 14- عليّة 15- أم كلثوم أمّهن أم ولد .

منذ ان دبت قدم بني ادم تراب هذه الارض وهو يتحلى بالأخلاق الحميدة ومشخصا للأخلاق الفاسدة ، وقد امره الله تعالى بالتخلق بكل الفضائل الاخلاقية لكي يصل الى تحقيق الهدف الذي خلق من اجله الا وهو عبادة الله سبحانه وتعالى كما في قوله تعالى ” وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون ”

فأصبحت الاخلاق الفاضلة من مستلزمات الحياة الصحيحة على الارض ومن مستلزمات المجتمعات البشرية التي تطمح الى الرفعة والطهارة . فأصبح قرب الانسانمن الكمال غاية الشرائع السماوية . وبدأ الرسل عليهم السلام بالإرشاد والوعظ لهذه النفوس الجامحة التي تميل طبعا الى الراحة والدعة . وتوالى الرسل الى قيادة البشرية نحو هذا الهدف السامي حتى خاتمها وسيد المرسلين محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم) الذي قال ط انما بعثت لا تمم مكارم الاخلاق ” وورد عن الامام علي (عليه السلام) قوله : حسن الخلق من افضل القسم واحسن الشيم ” ولكي نقف على معنى الاخلاق وحسنها جاء مقالنا هذا عن الامام علي زين العابدين بن الإمام الحسين (عليه السلام)

أخلاقيات الإمام علي زين العابدين

  • الحلم: توجد صورا كثيرة تدل على حلمه، ومنها: انه كانت له جارية تسكب على يديه الماء، فسقط الإبريق من يدها على وجهه الشريف فشجّه، فبادرت الجارية قائلة: إنّ الله يقول:﴿والكاظمين الغيظ﴾ وأسرع الإمام قائلاً: «كظمت غيظي»، وطمعت الجارية في حلم الإمام ونبله، فراحت تطلب منه المزيد قائلة:﴿والعافين عن الناس﴾ فقال الإمامعليه السلام: «عفا الله عنك»، ثمّ قالت:﴿والله يحبّ المحسنين﴾فقال لها: «إذهبي فأنت حرّة».
  • الشجاعة: ذكر المجلسي انه لما اُدخل الإمامعليه السلام أسيراً على عبيد الله وقد جابهه بكلمات التشفي فأجابه الإمام بكلمات أمر ابن زياد على إثرها بقتله، فأجابه الإمام: أبالقتل تهددني يا ابن زياد أما علمت ان القتل لنا عادة وكرامتنا الشهادة.
  • التجرد عن الأنانية: روى الصدوق في عيون أخبار الرضاعليه السلام: أن الإمام علي بن الحسينعليه السلام كان إذا أراد السفر سافر مع قوم لا يعرفونه ليقوم بنفسه برعايتهم وخدماتهم ولا يخدمه أحد منهم، وسافر مرة مع قوم لا يعرفونه، فنظر إليه رجل فعرفه فصاح بالقوم: ويلكم أتعرفون من هذا ؟ فقالوا: لا ندري، فقال: هذا علي بن الحسين، وأسرع القوم نحو الإمام، وجعلوا يقبّلون يديه ورجليه قائلين: “أتريد أن تصلينا نار جهنم؟ ما الذي حملك على هذا ؟..”، فقال: “كنت قد سافرت مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم ما لا أستحق وإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحب إلي.
  • الإحسان إلى الناس: أُثِرَ أنه كانعليه السلام يبادر لقضاء حوائج الناس خوفاً من أن يقوم بقضائها غيره فيحرم الثواب، وقد قال: إن عدوي يأتيني بحاجة فأبادر إلى قضائها خوفاً من أن يسبقني أحد إليها أو أن يستغني عنها فتفوتني فضيلتها.
  • السخاء: لقد نقلت التواريخ أخبار كثيرة من جوده وكرمه، ومنها: أنه كان يُطعم الناس إطعاما عاما في كل يوم في يثرب، وذلك في وقت الظهر في داره.
  • حنوه على الفقراء: روى العلامة المجلسي: ان الإمام السجادعليه السلام كان يحمل إلى الفقراء الطعام والحطب على ظهره حتى يأتي بابا من أبوابهم فيناولهم إياه.

سيرته الإمام علي زين العابدين عليه السلام العبادية

  • الإنابة لله تعالى: نقلت لنا الكثير من كتب الأدعية أدعية للإمام السجادعليه السلام في الإنابة لله تعالى، ومنها دعاؤه عند اللجأ إلى الله تعالى، والذي جاء فيه: اللَّهُمَّ إِنْ تَشَأْ تَعْفُ عَنَّا فَبِفَضْلِكَ، وَإِنْ تَشَأْ تُعَذِّبْنَا فَبِعَدْلِكَ * فَسَهِّلْ لَنَا عَفْوَكَ بِمَنِّكَ، وَأَجِرْنَا مِنْ عَذَابِكَ بِتَجَاوُزِكَ، فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَنَا بِعَدْلِكَ، وَلَا نَجَاةَ لِأَحَدٍ مِنَّا دُونَ عَفْوِكَ * يَا غَنِيَّ الْأَغْنِيَاءِ، هَا نَحْنُ عِبَادُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَنَا أَفْقَرُ الْفُقَرَاءِ إِلَيْكَ، فَاجْبُرْ فَاقَتَنَا بِوُسْعِكَ.
  • وضوؤه: رووا عنه انه إذا أراد الوضوء اصفرّ لونه، فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتريك عند الوضوء؟ فأجابهم عن خوفه وخشيته من الله قائلا: أتدرون بين يدي من أقوم؟
  • صلاته: فيُذكر بأنه “كَانَ إِذَا قَامَ فِي صَلَاتِهِ غَشِيَ لَوْنَهُ لَوْنٌ آخَرَ وَ كَانَ قِيَامُهُ فِي صَلَاتِهِ قِيَامَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ بَيْنَ يَدَيِ الْمَلِكِ الْجَلِيلِ كَانَتْ أَعْضَاؤُهُ تَرْتَعِدُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ كَانَ يُصَلِّي صَلَاةَ مُوَدِّعٍ يَرَى أَنَّهُ لَا يُصَلِّيَ بَعْدَهَا أَبَدا”
  • صومه: سُئلت جارية له عن عبادتهعليه السلام: فقالت: ما قدمت له طعاما في نهار قطّ، فقد كان يحث على الصوم، فقد قال: إنَّ الله تعالى وكَّلَ ملائكة بالصائمين.
  • زهده: سئل الزهري عن أزهد الناس، فقال: علي بن الحسين. وروي عن الإمام زين العابدينعليه السلام أنه رأى سائلا يبكي، فتأثر منه، وراح يقول: “لو أنَّ الدنيا كانت في كفِّ هذا، ثم سقطت منه لما كان ينبغي له أن يبكي عليها”.
  • حجّه: ذكر ابن عبد ربه: أنه حج خمسا وعشرين حجّة راجل
  • الدور الفكري للإمام السجاد عليه السلام

قال الشيخ القرشي: لقد فتح الإمام زين العابدينعليه السلام آفاقا من العلم لم يعرفها الناس من ذي قبل فقد عرض لعلوم الشريعة الإسلامية من الحديث، والفقه، والتفسير، وعلم الكلام، والفلسفة، ويقول بعض المترجمين له: إن العلماء رووا عنه من العلوم ما لا يحصى.

وذكر المحدثون أن الإمام علي بن الحسين روى مجموعة كبيرة من الأحاديث عن جدّيه الرسول الأعظمصلی الله عليه وآله وسلم والإمام أمير المؤمنينعليه السلام، وعن أبيه الإمام الحسينعليه السلام وغيرهم.

ولقد استفاد الإمام زين العابدين من الدعاء لطرح بعض المعتقدات الإسلامية فأوجد لدى الناس مرة أخرى اندفاعا وحركة نحو العبادة والتوجّه إلى الله.

ومن هذه المعتقدات التي وردت في الصحيفة السجادية مسألة الإمامة، كقوله: رَبِّ صَلِّ عَلَى أَطَايِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِأَمْرِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِينِكَ، وَخُلَفَاءَكَ فِي أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرَادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ، وَالْمَسْلَكَ إِلَى جَنَّتِكَ‌.

وقولهعليه السلام: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ وَمَوَاضِعَ أُمَنَائِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا، وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ، لَا يُغَالَبُ أَمْرُكَ، وَلَا يُجَاوَزُ الْمَحْتُومُ مِنْ تَدْبِيرِكَ‌ كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ، وَلِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَى خَلْقِكَ وَلَا لِإِرَادَتِكَ حَتَّى عَادَ صِفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّينَ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلًا، وَكِتَابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أَشْرَاعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً.

روى مجموعة كبيرة من الأحاديث عن جدّيه الرسول الأعظمصلی الله عليه وآله وسلم والإمام أمير المؤمنينعليه السلام، وعن أبيه الإمام الحسينعليه السلام وغيرهم.

الإمام علي بن الحسين في كربلاء

شهدت الفترة التي عاشها علي بن الحسين كثيراً من الأحداث التي وقعت في التاريخ الإسلامي، ومنها معركة كربلاء حيث كان حاضرا فيها والتي قتل خلالها أبوه الحسين بن علي ورجال أهل بيته، ولكن بسبب مرضه لم يتمكن من المشاركة في القتال، وكذلك واقعة الحرة وثورة التوابين وثورة المختار الثقفي. هناك مجموعة من الآثار التي نُسبت لعلي بن الحسين، وهي: الصحيفة السجادية التي تحتوي على عبارات عبادية، وتأتي في المرتبة الثانية عند المذهب الشيعي بعد كتاب نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب. ورسالة الحقوق والمناجاة الخمسة عشر ودعاء أبي حمزة الثمالي وقصيدة ليس الغريب إضافة إلى: كتاب علي بن الحسين، وديوان منسوب لعلي بن الحسين، ومصحف بخطه.

أنّ الإمام علي زين العابدين كان حاضراً في كربلاء إذ شهد واقعة الطفّ بجزئياتها وتفاصيلها، وكان شاهدًا عليها ومؤرخًا لها. إن المؤكد في الكثير من المصادر التاريخية، أو المتفق عليه فيها أنه كان يوم الواقعة مريضًا أوموعوكًا، إذ أنّ علي السجاد خرج مع أبيه الحسين وأهل بيته من المدينة إلى مكة، بعد أن رفض الحسين إعطاء البيعة ليزيد وكان ذلك في رجب أو شعبان من سنة 60 للهجرة. وفي 3 من ذي الحجة سنة 60 هـ (وقيل 8 منه، أي يوم التروية) خرج ركب أهل البيت من مكة متوجهًا نحو العراق.وفي كربلاء ذاق علي بن الحسين، مع زوجته فاطمة بنت الحسن وابنه محمد الباقر، مرارة عطش الطف وعانى من مرضه مدة 8 أيام متوالية أي من 2 محرم حتى 10 منه والظاهر أنّ المرض امتدّ به حتى وصوله الكوفة
وسمِع جميع خطب أبيه الحسين الموجّهة لعساكر بني أمية، ورأى أباه الحسين يصلي ليلة العاشر من محرم ويتلو كتابه حتى طلوع الفجر وكانت تلك سجية الحسين في كثرة صلاته.

وفي ظهر يوم العاشر من محرم، دخل الحسين على أبنه وأوصاه بوصاياه، وسلّمه بعضًا من مواريث الإمامة كخاتمه، وكانت آخر وصية له:«يا بني، أوصيك بما أوصى به جدك رسول الله عليًا حين وفاته، وبما أوصى جدّك عليّ عمك الحسن، وبما أوصاني به عمّك إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرًا إلا الله». ثم ودعه ومضى إلى ميدان المعركة الأخيرة التي توفي فيها.وكان السجاد مريضًا يوم عاشوراء، فلم يكن قادرًا على القتال وقيل أنه قاتل قليلًا ثم أتعبه المرض، ولكنه بعيد. يقول ابن سعد في طبقاته: «كان علي بن الحسين مع أبيه بطف كربلاء وعمره إذ ذاك 23 سنة لكنه مريضًا ملقى على فراشه وقد أنهكته العلّة والمرض ولما استشهد والده، قال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا الغلام؛ فقال بعض أصحابه: أنقتل فتى حدثًا مريضًا لم يقاتل ؟! فتركوه»

الإمام علي بن الحسين في الكوفة

خطبة علي بن الحسين في الكوفة
عندما أدخلوا الإمام علي بن الحسين على عبيد الله بن زياد لعنة الله في الكوفة، سأله من أنت؟ فقال: «أنا عليّ بن الحسين»، فقال له:
أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟ فقال الإمام علي السجاد: «قد كان لي أخ يسمّى عليًّا قتله الناس، فقال ابن زياد: بل الله قتله، فقال علي زين العابدين: (الله يتوفّى الأنفس حين موتها)، فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للردّ عليّ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه.
فتعلّقت به عمّته السيدة زينب وقالت: يابن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا اُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه، فقال لها علىّ: اسكتي يا عمّة حتى اُكلّمه، ثمّ أقبل عليه فقال: أبالقتل تهدّدني يابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟ ثمّ أمر ابن زياد بزين العابدين وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم

خطبة علي زين العابدين في الشام

قال الإمام عليّ بن الحسين: يا يزيد، إئْذَنْ لي أن أصعد هذه الأعواد (أي المنبر) فأتكلّم بكلماتٍ للهِ فيهنّ رضىً ولهؤلاء الجلساء فيهن أجرٌ وثواب. فأبى يزيد عليه ذلك، فقال الناس: يا.. إئذَنْ له فَلْيصعد المنبر؛ فلعلّنا نسمع منه شيئاً! فقال يزيد: إن صَعِد لم ينزل إلاّ بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان! فقيل له: يا.. وما قَدْرُ ما يُحسِن هذا ؟! فقال يزيد: إنّه مِن أهل بيتٍ قد زُقُّوا العلمَ زقّاً. قال الراوي: فما يَزالون به حتّى أذِن له، فصعد المنبر، فحَمِد الله وأثنى عليه، ثمّ خطب خطبةً أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب.. ثمّ قال:

   أيُّها الناس، أُعطينا ستّاً وفُضِّلْنا بسبع، أُعطينا: العلمَ والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين. وفُضِّلْنا: بأنّ منّا النبيَّ المختار محمّداً، ومنّا الصدِّيق، ومنّا الطيّار، ومنّا أسد الله وأسد رسوله، ومنّا سبطا هذه الأمّة (الحسن والحسين)، ومنا مهدي هذه الامة. مَن عرفني فقد عرفني، ومَن لم يعرفني أنبأتُه بحسبي ونسبي.أيًّها الناس، أنا ابنُ مكّةَ ومِنى، أنا ابنُ زمزمَ والصَّفا، أنا ابنُ مَن حَملَ الركن بأطراف الرِّدا، أنا ابن خير مَن ائتزر وارتدى، أنا ابن خير مَن انتعل واحتفى، أنا ابن خيرِ مَن طاف وسعى، أنا ابنُ خير مَن حجّ ولبّى، أنا ابنُ مَن حُمِل على البُراق في الهواء، أنا ابن مَن أُسرِيَ به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، أنا ابنُ مَن بلَغَ به جبرئيلُ إلى سِدرة المنتهى، أنا ابنُ مَن دَنا فتدلّى، فكان قابَ قوسَينِ أو أدنى، أنا ابنُ مَن صلّى بملائكة السماء، أنا ابن مَن أوحى إليه الجليلُ ما أوحى، أنا ابن محمّدٍ المصطفى. أنا ابنُ عليٍّ المرتضى، أنا ابن مَن ضرَبَ خَراطيمَ الخَلْق حتّى قالوا: لا إله إلاّ الله، أنا ابن مَن ضرب بين يدَي رسول اللهِ بسيفَين، وطعن برمحَين، وهاجَرَ الهجرتين، وبايع البيعتين، وقاتَلَ ببدرٍ وحُنَين، ولم يكفر بالله طَرْفةَ عين، أنا ابنُ صالحِ المؤمنين، ووارثِ النبيّين، وقامعِ الملحدين، ويعسوب المسلمين، ونور المجاهدين، وزينِ العابدين، وتاجِ البكّائين، وأصبرِ الصابرين، وأفضل القائمين مِن آل ياسينَ رسول ربِّ العالمين. أنا ابن المؤيَّد بجبرئيل، المنصور بميكائيل، أنا ابن المحامي عن حرم المسلمين، وقاتلِ المارقين والناكثين والقاسطين، والمجاهدِ أعداءه الناصبين، وأفخرِ مَن مشى مِن قريشٍ أجمعين، وأوّلِ مَن أجاب واستجاب لله ولرسوله من المؤمنين، وأوّلِ السابقين، وقاصمِ المعتدين، ومُبيدِ المشركين، وسهمٍ مِن مَرامي الله على المنافقين، ولسانِ حكمةِ العابدين، وناصرِ دِين الله، ووليِّ أمر الله، وبستانِ حكمة الله، وعيبة علمه. سَمحٌ سخيٌّ بهيّ، بُهلولٌ زكيّ أبطحيّ، رضيٌّ مِقدامٌ همام، صابرٌ صوّام، مهذَّبٌ قَوّام، قاطعُ الأصلاب، ومُفرِّق الأحزاب، أربطُهم عِناناً، وأثبتُهم جَناناً، وأمضاهم عزيمة، وأشدّهم شكيمة، أسدٌ باسل، يَطحنُهم في الحروب إذا ازدلفت الأسنّة، وقَرُبت الأعنّة، طَحْنَ الرَّحى، ويذروهم فيها ذَرْوَ الريح الهشيم، ليثُ الحجاز، مكّيّ مدنيّ، خَيفيٌّ عَقَبيّ، بَدريٌّ أُحُديّ، شَجَريٌّ مُهاجريّ، مِن العرب سيّدُها، ومِن الوغى ليثُها، وارثُ المشعرَين، وأبو السبطَين، الحسن والحسين، ذاك جَدّي عليُّ بن أبي طالب. ثمّ قال: أنا ابن فاطمةَ الزهراء، أنا ابن سيّدة النساء..   

فلم يزل يقول: أنا أنا، حتّى ضجّ الناس بالبكاء والنحيب، وخشِيَ يزيدُ أن ينقلب الأمر عليه، فأمر المؤذّنَ فقطع عليه الكلام. فلمّا قال المؤذّن: اللهُ أكبر، الله أكبر.. قال عليّ: لا شيءَ أكبر من الله. فلمّا قال: أشهد أن لا إله إلاّ الله.. قال عليّ بن الحسين: شَهِد بها شَعري وبَشَري، ولحمي ودمي. فلمّا قال المؤذّن: أشهد أنّ محمّداً رسول الله.. التفتَ مِن فوق المنبر إلى يزيد فقال: محمّدٌ هذا جَدّي أم جَدُّك يا يزيد؟! فإن زعمتَ أنّه جَدُّك فقد كذبتَ وكفرت، وإن زعمتَ أنّه جَدّي فلِمَ قتلتَ عترته

شخصية الإمام علي زين العابدين

لقد توفرت للإمام زين العابدين جميع المكوّنات التربوية الرفيعة التي لم يظفر بها أحد سواه، وقد عملت على تكوينه وبناء شخصيّته بصورة متميّزة، جعلته في الرعيل الأول من أئمّة المسلمين الذين منحهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ثقته، وجعلهم قادة لاُمّته واُمناء على أداء رسالته.نشأ الامام في أرفع بيت وأسماه ألا وهو بيت النبوّة والإمامة الذي أذن الله أن يرفع ويذكر فيه اسمه ، ومنذ الأيام الاُولى من حياته كان جده الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يتعاهده بالرعاية ويشعّ عليه من أنوار روحه التي طبّق شذاها العالم بأسره، فكان الحفيد ـ بحقٍّ ـ صورة صادقة عن جدّه، يحاكيه ويضاهيه في شخصيّته ومكوّناته النفسية. كما عاش الإمام زين العابدين في كنف عمّه الإمام الحسن بن علي سيّد شباب أهل الجنّة وريحانة رسول الله(صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) وسبطه الأول، إذ كان يغدق عليه من عطفه وحنانه، ويغرس في نفسه مُثُلَه العظيمة وخصاله السامية، وكان الإمام طوال هذه السنين تحت ظلّ والده العظيم الإمام الحسين الذي رأى في ولده علي زين العابدين امتداداً ذاتيّاً ومشرقاً لروحانيّة النبوّة ومُثُل الإمامة، فأولاه المزيد من رعايته وعنايته، وقدمه على بقية أبنائه، وصاحَبَه في أكثر أوقاته.

فنكره هشام وقال: لاَ أَعْرِفُهُ، لئلاّ يرغب‌ فيه‌ أهل‌ الشام‌. فقال‌ الفرزدق‌ (وكان‌ من‌ شعراء بني‌ أُميّة‌ ومادحيهم‌) وكان‌ حاضراً: لكنّي‌ أنا أعرفه‌. فقال‌ الشامي‌ّ: مَن‌ هو يا أبا فراس‌؟! فأنشأ قصيدة‌ ذكر بعضها في‌ « الأغاني‌ »، و« الحلية‌ » و« الحماسة‌ »، والقصيدة‌ بتمامها هذه‌: قصيدة‌ الفرزدق‌ في‌الإمام السجّاد

يَا سَـائِلِي‌: أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ – عِنْـدِي‌ بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا

هَذَا الذي‌ تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ – وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ

هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ – هَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ

هَذَا الذي‌ أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ – صَلَّي‌ عَلَیهِ إلَهِي‌ مَا جَرَي‌ القَلَمُ

لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ – لَخَرَّ يَلْثِمُ مِنْهُ مَا وَطَي‌ القَدَمُ

هَذَا علی رَسُولُ اللَهِ وَالِدُهُ – أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي‌ الاُمَمُ

هَذَا الَّذِي‌ عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعْفَرٌ – وَالمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَمُ

هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْوَانِ فَاطِمَةٍ – وَابْنُ الوَصِيِّ الَّذِي‌ في‌ سَيْفِهِ نِقَمُ

إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا – إلَی‌ مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي‌ الكَرَمُ

يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ راحته -رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ

وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِ – العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ

يُنْمَي‌ إلَی‌ ذَرْوَةِ العِزِّ الَّتِي‌ قَصُرَتْ – عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الإسْلاَمِ وَالعَجَمُ

يُغْضِي‌ حَيَاءً وَيُغْضَي‌ مِنْ مَهَابَتِهِ – فَمَا يُكَلَّمُ إلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ

يَنْجَابُ نُورُ الدُّجَي‌ عَنْ نُورِ غُرِّتِهِ – كَالشَّمْسِ يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقِهَا الظُّلَمُ

بِكَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ – مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي‌ عِرْنِينِهِ شَمَمُ

مَا قَالَ: لاَ، قَطُّ إلاَّ فِي‌ تَشَهُّدِهِ – لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ

مُشتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَهِ نَبْعَتُهُ – طَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ

حَمَّالُ أثْقَالِ أَقْوَامٍ إذَا فُدِحُوا – حُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحْلُو عِنْدَهُ نَعَمُ

إنْ قَالَ قَالَ بمِا يَهْوَي‌ جَمِيعُهُمُ – وَإنْ تَكَلَّمَ يَوْماً زَانَهُ الكَلِمُ

هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ – بِجَدِّهِ أنبِيَاءُ اللَهِ قَدْ خُتِمُوا

—اللهُ فَضَّلَهُ قِدْماً وَشَرَّفَهُ – جَرَي‌ بِذَاكَ لَهُ فِي‌ لَوْحِهِ القَلَمُ

مَنْ جَدُّهُ دَانَ فَضْلُ الآنْبِيَاءِ لَهُ – وَفَضْلُ أُمَّتِهِ دَانَتْ لَهَا الاُمَمُ

عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحْسَانِ وَانْقَشَعَتْ – عَنْهَا العِمَأيَةُ وَالإمْلاَقُ وَالظُّلَمُ

كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا – يُسْتَوْكَفَانِ وَلاَ يَعْرُوهُمَا عَدَمُ

سَهْلُ الخَلِيقَةِ لاَ تُخْشَي‌ بَوَادِرُهُ – يَزِينُهُ خَصْلَتَانِ: الحِلْمُ وَالكَرَمُ

لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ مَيْمُوناً نَقِيبَتُهُ – رَحْبُ الفِنَاءِ أَرِيبٌ حِينَ يُعْتَرَمُ

مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُ – كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنْجيً وَمُعْتَصَمُ

يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ وَالبَلْوَي‌ بِحُبِّهِمُ – وَيُسْتَزَادُ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ

مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَهِ ذِكْرُهُمْ – فِي‌ كُلِّ فَرْضٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ

إنْ عُدَّ أهْلُ التُّقَي‌ كَانُوا أئمَّتَهُمْ – أوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الارْضِ قِيلَ: هُمُ

لاَ يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَأيَتِهِمْ – وَلاَ يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا

هُمُ الغُيُوثُ إذَا مَا أزْمَةٌ أزَمَتْ – وَالاُسْدُ أُسْدُ الشَّرَي‌ وَالبَأْسُ مُحْتَدِمُ

يَأبَي‌ لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ – خِيمٌ كَرِيمٌ وَأيْدٍ بِالنَّدَي‌ هُضُمُ

لاَ يَقْبِضُ العُسْرُ بَسْطاً مِنْ أكُفِّهِمُ – سِيَّانِ ذَلِكَ إنْ أثْرَوْا وَإنْ عَدِمُوا

أيٌّ القَبَائِلِ لَيْسَتْ فِي‌ رَقَابِهِمُ – لاِوَّلِيَّةِ هَذَا أوْ لَهُ نِعَمُ

مَنْ يَعْرِفِ اللَهَ يَعْرِفْ أوَّلِيَّةَ ذَا – فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الاُمَمُ

بُيُوتُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا – فِي‌ النَّائِبَاتِ وَعِنْدَ الحُكْمِ إنْ حَكَمُوا

فَجَدُّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي‌ أُرُومَتِهَا – مُحَمَّدٌ وَعليّبَعْدَهُ عَلَمُ

بَدرٌ له‌ شَاهِدٌ وَالشِّعْبُ مِنْ أُحُدٍ – والخَنْدَقَانِ وَيَومُ الفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا

وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَدَانِ لَهُ – وَفِي‌ قُرَيْضَةَ يَوْمٌ صَيْلَمٌ قَتَمُ

مَوَاطِنٌ قَدْ عَلَتْ فِي‌ كُلِّ نائِبَةٍ – علی‌ الصَّحَابَةِ لَمْ أَكْتُمْ كَمَا كَتَمُوا

فغضب‌ هشام‌ ومنع‌ جائزته‌ وقال‌: أَلاَ قُلْتَ فِينَا مِثْلَهَا؟! قال‌: هَاتِ جَدَّاً كَجَدِّهِ، وَأَبَا كَأَبِيهِ، وَأُمَّا كَأُمِّهِ حَتَّي‌ أَقُولَ فِيكُمْ مِثْلَهَا! فامر هشام بحبسه‌ بعُسفَان‌ بين‌ مكّة‌ والمدينة‌: فبلغ‌ ذلك‌ عليُ بن الحسين‌ ،فبعث‌ إلیه‌ باثني‌ عشر ألف‌ درهم‌،وقال‌: أَعْذِرْنَا يَا أَبَا فِرَاسٍ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا لَوَصَلْنَاكَ بِهِ! فردّها وقال‌: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ! مَا قُلْتُ الَّذِي‌ قُلْتُ إلاَّ غَضَباً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ! وَمَا كُنْتُ لاِرْزَأَ عَلَیهِ شَيْئاً. فردّها إلیه‌ وقال‌: بِحَقِّي‌ عَلَیكَ لَمَّا قَبِلْتَهَا فَقَدْ رَأَي‌ اللَهُ مَكَانَكَ وَعَلِمَ نِيَّتَكَ! فقبلها. فجعل‌ الفرزدق‌ يهجو هشاماً وهو في‌ الحبس‌، فكان‌ ممّا هجاه‌ به‌ قوله‌:

أَيَحْبِسُنِي‌ بَيْنَ المَدِينَةِ وَالَّتِي‌ إلَیهَا قُلُوبُ النَّاسِ يَهْوِي‌ مُنِيبُهَا

يُقَلِّبُ رَأْساً لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ وَعَيْنَاً لَهُ حَوْلاَءَ بَادٍ عُيُوبُهَا

فأُخبر هشام‌ بذلك‌ فأطلقه‌. وفي‌ رواية‌ أبي‌ بكر العلاّف‌ أنّه‌ أخرجه‌ إلی‌ البصرة‌.

أقوال الإمام علي زين العابدين
أصبحت مطلوباً بثمان : الله يطالبني بالفرائض، والنبي بالسُنّة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتّباعه، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد.. فأنا بين هذه الخصال مطلوب… »
« إذا رأيتم الرجل قد حسُنَ سمتُه وهديه، وتمادى في منطقه وتخاضع في حركاته، فرويداً لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام فيها، لضعف بنيته ومهانته وجبن قلبه، فنصبَ الدين فخاً له، فهو لا يزال يُختل الناس بظاهره، فإنّ تمكن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويداً لا يغرّنّكم، فإنّ شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من يتأبّى من الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرماً، فإذا رأيتموه كذلك، فرويداً حتى لا يغرّنّكم عقده وعقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثمّ لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله… فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا أيكون هواه على عقله، أم يكون عقله على هواه ؟ وكيف محبته للرياسة الباطلة وزهده فيها ؟ فإنّ في الناس من يترك الدنيا للدنيا، ويرى لذّة الرياسة الباطلة أفضل من رياسة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرياسة، حتى إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالاثم فحسبه جهنم وبئس المهاد… فهو يحلّ ما حرم الله، ويحرم ما أحلَّ الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرياسة التي قد شقي من أجلها، فاولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذاباً أليما… ».


أيُّها الناس، اتقوا الله، واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضراً… ويحذّركم الله نفسه… ويحك ابن آدم، إن أجلك أسرع شيء إليك، ويوشك أن يدركك، فكأنك قد أوفيت أجلك، وقد قبض الملك روحك، وصُيّرت إلى قبرك وحيداً… فان كنت عارفاً بدينك متّبعاً للصادقين، موالياً لاَولياء الله، لقّنك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب، فأحسنت الجواب، وبُشّرت بالجنّة والرضوان من الله، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودُحضت حجتك، وعييت عن الجواب وبُشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنُزُلٍ من حميم، وتصلية جحيم.. »
انا ابن الخيرتين وسبب ذلك أن النبى قال فيما روى ” لله من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، وخيرته من العجم فارس وعلي زين العابدين قرشى الأب وفارسي الأم.

ضريح الإمام علي زين العابدين في مصر

وضريح زين العابدين، هو واحد من هذه الأضرحة، وهو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويقع الضريح في منطقة السيدة زينب بحي “زينهم” الذي سمي على اسمه اختصارًا وتبسطًا، زينهم أي زين العابدين، وقد بني الضريح في العصر الفاطمي بالقرب من مدينة الفسطاط، وأطلق اسمه على الحي كله في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.


توفى الامام زين العابدين في محرم عام 95 هجريًا وقيل إن سبب الوفاة هو “السم” وقد دسه له الوليد بن عبد الملك بن مروان.وقد دفن بالبقيع بجوار عمه الحسن بن علي، أما الضريح الموجود بالمسجد، مدفون به رأس ابنه الإمام زيد بن علي الذي قتله هشام بن عبد الملك بعد ثورته عليه، وقد أرسل هشام رأس زيد إلى مصر لينصب على جامع عمرو بن العاص بسطا لنفوذه وتخويفا لرعاياه هناك ويروى أن عدد من المصريين اخذوا الرأس ودفنوه بموقعه الحالي.

دور الامام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام)في بناء المجتمع الاسلامي

عني الإمام زين العابدين(عليه السلام)، من خلال سيرته العطرة، ببناء المجتمع الإسلامي بناء عقائديا وأخلاقيا عناية بالغة، سيما في الفترة التي أعقبت فاجعة الطف، بسبب ما وصل إليه حال المجتمع آنذاك من انهيار في الجانب العقائدي والأخلاقي، وابتعاد الناس عن دينهم من جراء سياسات الحكم الأموي التضليلية، التي حملت معول الهدم على القيم الأخلاقية والعقائد الحقة، فانبرى (عليه السلام) إلى إصلاح المجتمع وتثبيت العقائد الحقة وتهذيب الأخلاق بالقول والفعل وكان المسلمون يرون في سيرة الإمام زين العابدين(ع) امتدادا حقيقيا لسير جده الرسول الكريم(صلى الله عليه وسلم)، وتجسيداﹰ حيّاﹰ لقيم الإسلام، حتى ملكَ حبه القلوب، وانشدت إليه النفوس، بما كان يحمل من الملكات العالية وجوامع الكمالات، التي عزّ وجودها في ذلك الزمان. وقد استطاع الإمام زين العابدين(عليه السلام)، وهو في قيد المرض، ورهن الأسر الأموي والإقامة الجبرية، أن ينشر أهداف الثورة الكبرى التي فجرها أبوه سيد الشهداء(عليه السلام)، وذلك بالسعي إلى إصلاح المجتمع الإسلامي، وبث روح التدين والأخلاق الفاضلة فيه. فتمكن –برغم العقبات والصعوبات– أن ينشر الحياة في جسد الأمة الذي دبت فيه أمارات الموت، بسبب ابتعاده عن قيم الإسلام، والاستسلام لسياسة التجهيل والتضليل الأموي لشل حركة المجتمع الإسلامي، وتعطيل تفكيره، وأخلد إلى الراحة وطلب العافية. -وكانت الخطة الإصلاحية للإمام زين العابدين(عليه السلام) تعطي الأولوية لتدارك ما أصاب الأمة من ابتعاد عن القيم الروحية، وسلوك الاتجاه المادي البعيد عن كل ما يمت للآخرة بصلة. وذلك من خلال

1- انقطاعه إلى الله تعالى بالعبادة والمناجاة، حتى سمي لكثرة عبادته بـ(زين العابدين) و(سيد الساجدين) و(ذي الثفنات)، ولم يعرف المسلمون في زمانه رجلا أعبد منه ولا أزهد. وظهرت آثار العبادة على جسده الشريف، وكان يطوي كثيرا من لياليه في المسجد الحرام يؤدي نسكه وعباداته، وقد رويت مشاهد كثيرة لعبادة الإمام زين العابدين(عليه السلام) أدهشت من حوله، وأعادت إلى الناس صورة عبادة رسول الله(صل الله عليه وسلم) وجده أمير المؤمنين(عليه السلام ( وفي إحدى ليالي مناجاته مع ربه، كثر بكاؤه، وعلا نشيجه، حتى خر مغشيا عليه. يقول طاووس اليماني الفقيه (فدنوت منه وشلتُ رأسه ووضعته على ركبتي وبكيت حتى جرت دموعي على خده، فاستوى جالسا وقال: من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربي؟ فقلت: أنا طاووس يا ابن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع؟ ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ونحن عاصون جافون. أبوك الحسين بن علي، وأمك فاطمة الزهراء، وجدك رسول الله؟ قال: والتفت إلي وقال: هيهات هيهات يا طاووس، دع عني حديث أبي وأمي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه وأحسن ولو كان حبشيا، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيدا قرشيا، أما سمعت قوله تعالى: فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ). والله لا ينفعك غدا إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح . وما (المناجاة الخمسة عشر) إلا من رشحات نفسه القدسية، وفيها من فنون الدعوات، وآداب مخاطبة المعبود، ما لم يكن مألوفا لدى عبّاد ذلك العصر، فضلا عن اكتنازها لمطالب عالية في العقائد والأخلاق.وقد أثرى الإمام زين العابدين المجتمع الإسلامي، بل الفكر البشري، بكنوز العلم والحكمة عن طريق الدعاء، فحينما مُنع من إلقاء توجيهاته ودروسه عن طريق المنبر، تحول إلى المحراب ليبث علومه ومبادئه في الصحيفة السجادية المعروفة بزبور آل محمد، ولم تلك الأدعية للرهبانية والتصوف واعتزال المجتمع، بل هي كنوز معرفية ترسم

الوضع السياسي والاجتماعي للإمام علي بن الحسين (عليه السلام):

  أن مفهوم القيادة  يرتبط بالجماعة اكثر من ارتباطه بالأفراد ، اما القائد فهو أي شخص يقود جماعة من الاقراد ويؤثر في سلوكهم ويوجه عملهم فهو بهذا المعنى يكون بؤرة لسلوك اعضاء الجماعة ويكون الشخص المركزي في الجماعة .

وبعد واقعة الطف الفجيعة، عاش الإمام زين العابدين عليه السلام، وضعاً سياسياً واجتماعياً صعباً، نظراً لما سببته قضية الخذلان والهزيمة النفسية التي مُني بها أهل الكوفة أمام نداءات الاستغاثة لنصرة الدين التي أطلقها الإمام الحسين عليه السلام. وهذا ما جعل دور الإمام يتخذ صبغة جديدة، تواكب المرحلة الاجتماعية والسياسية للأمة، فبرز دوره الريادي في إعادة بناء النفوس التي لوثتها جريمة الطف، وإعادة المسلمين الى فطرتهم السليمة، ثم الى إيمانهم ودينهم كما أراد لهم الله تبارك وتعالى.

وفي ظل الإرهاب الدموي، واستمرار انتهاك القيم الدينية من قبل الحكم الأموي، متمثلاً بيزيد ومن جاء بعده، لجأ الإمام السجّاد عليه السلام الى أساليب جديدة في الدعوة الى الله تعالى، ومجابهة المنكر، وصون رسالة جده من الانحراف، على خُطى والده الشهيد.. وكان سلاحه الجديد على الساحة هو «الدعاء» من خلال السفر العظيم الذي خلفه لنا عليه السلام، وهو «الصحيفة السجادية»، الذي قيل بحقه في حديث شريف انه «زبور آل محمد» .

من هنا نعرف، أن قيادة الإمام زين العابدين عليه السلام، لم تكن بالمعنى المتعارف للقيادة الظاهرية، إنما بالمنظور الفكري المتوثب الذي يراقب الأحداث وهو في صميمها ويصاحب التطورات عن كثب.

اما القيادة في بعدها الفكري والعقائدي  فقد وضع الإمام زين العابدين عليه السلام، أسساً لخطته الإصلاحية المترامية الأطراف البعيدة الغايات، واختار السبل التي تبعد أعين السلطة عنه.

فكان منهج «الدعاء»، الذي تجاوز فيه الصعيد الوجداني، الى مطلق الصُعد التي تصاغ فيها الخطب والرسائل في طرح القضايا المختلفة، ومنها الصعيد الفكري والعقائدي.

لقد استغل الأمويون جهل العامة وبعدهم عن المعارف الدينية، فاخذوا المعنى الحرفي لكلمة «اليد» و «العين» و «الوجه» وغيرها مما لا يصح إطلاقها على الله تبارك وتعالى.

وعمدوا الى نشر هذه الأفكار في المجالس العامة ومساجد المسلمين، فسرت الى مسامع الإمام زين العابدين عليه السلام، أقوال قوم يشبهون الله جلّ وعلا بخلقه، وهم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففزع لذلك ولجأ مستجيراً بالله مما سمع وهو يقول:

«الهي بدت قدرتك، ولم تبد هيبة جلالك فجهلوك، وقدروك بالتقدير على غير ما أنت به شبهوك، وأنا بريء يا الهي من الذين بالتشبيه طلبوك، ليس كمثلك شيء يا الهي ولم يدركوك…. واتخذوا بعض آياتك رباً – فبذلك وصفوك..»

من هنا؛ رفع الإمام عليه السلام صوته الرافض لمروجي الأفكار الدخيلة على الإسلام، وأعلن براءته أمام الله من العقائد المنافية لمعنى التوحيد، حتى يكون حجة بالغة على الناس أجمعين، ولذا توجه عليه السلام الى تمجيد ربّه وتقديسه من خلال أدعيته ومناجاته، لتكون خير جواب وردّ على التوجه الخاطئ من بعض المسلمين لمعرفة الدين.

انقطاع الإمام علي زين العابدين إلى الله وليس إلى السلطة :

لقد كان صوت الإمام السجّاد عليه السلام مدوياً في الآفاق، وهو يوطد أسس عقيدة التوحيد في لفتات بارعة تهدم بنيان الصنمية الجديدة.

فبين أولاً وجوب الاعتماد والتوكل والطاعة والانقطاع لله وحده تعالى، لا لأحد من المخلوقين لان الكل محتاج الى الغني، القادر، المُعطي وحده، لذا يقول عليه السلام في دعائه كاشفاً عن تلك المفاهيم:

«اللهم إني أخلصت بانقطاعي إليك وأقبلت بكلّي عليك، وصرفت وجهي عمن يحتاج الى رفدك، وقلبت مسألتي عمن لم يستغن عن فضلك، و رأيت أن طلب المحتاج الى المحتاج سفه في رأيه و ضلّة في عقله. فكم قد رأيت يا إلهي من أناس طلبوا العزّ بغيرك فذلّوا، و راموا الثروة من سواك فافتقروا… فأنت يا مولاي دون كل مسؤول، موضع مسألتي، ودون كل مطلوب إليه وليّ حاجتي، أنت المخصوص قبل كل مدعو بدعوتي، لا يشترك أحد في رجائي. ولا يتفق احد معك في دعائي، لك يا الهي وحدانية العدد، وملكة القدرة الصمد، وفضيلة الحول والقوة، ودرجة العلو والرفعة، ومن سواك مرحوم في عمره، مغلوب على أمره…. فتعاليت عن الأشباه والاحتداد وتكبرت عن الأمثال والأنداد فسبحانك لا اله إلا أنت.

هذا الدعاء، دعوة مفتوحة لمن أراد الانقطاع الى الله تعالى، والاعتماد عليه، وفي هذه العبارة: «مرحوم في عمره، مغلوب في أمره»، ينعى الإمام السجاد عليه السلام، الذين يطلبون العزة والكرامة والارتفاع من غير طريق الله جل وعلا، لأنه تعالى وحده بيده ملكوت كل شيء، وأما غيره فمغلوب على أمره مقهور على شأنه .. وقد احتوى هذا الدعاء خالص الإيمان وجوهر التوحيد . 

لم تنعطف معركة كربلاء بمنهجه الإيماني؛ وقد حضر فيها مقتل أبيه واغتصاب الخلافة.

من آثاره الصحيفة السجادية التي تلي نهج بلاغة جده علي بن أبي طالب.. عليه السلام، وله ديوان شعري لم يحسم النقاد نسبته إليه… تاركا مصحفا قرآنيا بخط يده، محفوظ حاليا في متحف العتبة الحسينية.

لم يدخر وسعا في الوطنية، برغم ثأره الموتور كامنا؛ إذ سك النقود الأموية؛ حين خذلهم الرومان وأرادوا لوي يد الدولة لمصلحتهم، فالدولة الرومانية كانت تستأثر بسك النقود لحضارات العالم آنذاك، واختلفت مع الأمويين فأحرجتهم لعدم قدرتهم على تصنيع العملة، معتمدين الرومان في تغطية العجز، إلا أن السجاد بعلمه الموحى به من الله إلى رسول العزة.. متوارثا العصمة إماما عن إمام، أنشأ للأمويين ورش تصنيع النقود “سكها” محيدا موقفه لصالح الأمة!

أية عظمة تلك التي يتحلى بها.. معصوما عن الضغائن عندما يستلزم الموقف الوطني ترجيح المصلحة على الثأر.. والحسين ثار الله.

خاف الأمويون وجوده، وهو مسالم أعزل، بينما عرشهم مدجج بالسلاح والجنود، إذ قال الوليد بن عبد الملك: “لا راحة لي، وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا” فبعث سماً إلى عامله على يثرب، وأمره بدسه للإمام؛ فاستشهد، ودُفن في البقيع مع عمه الإمام الحسن، بقرب مدفن العباس بن عبد المطلب.

إيمانا برسالة آل البيت.. هداة الأمة، سفح الفرزدق مكارم هشام بن عبد الملك، متصديا للرد على إشارته إلى السجاد: “من هذا؟” منشدا: “هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.. والبيت يعرفه والحل والحرم.. هذا ابن خير عباد الله كلهم.. هذا التقي النقي الطاهر العلم.. ما قال: لا.. قط إلا في تشهده.. لو لا الشهادة كانت لاؤه نعم.. وما قولك: مَنْ هذا؟ بضائره.. العرب تعرف من أنكرت والعجم”.

سلام على الإمام زين العابدين علي السجاد بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب.. وعلى أبيه وجده والأئمة من ذريته.. عنوان الإسلام المتسامح.. إيمانا وعدالة.. سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

بقلم/ الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
كاتب ومحلل سياسي مصري
باحث في شؤون حركات الإسلام السياسي
كاتب ومؤرخ إسلامي
إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون الشريف
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى