مقالات

في ذكرى ميلاده .. الإمام علي السجاد شهيد آل البيت يضاف لسجل حكم بني أمية السوء الإجرامي الدموي

قلم وصوت ومحام آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

آل البيت هم خزنة علم النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل الكساء ونسله الشريف ، وسدنة حكمته ، فكان صهره الإمام علي بن ابي طالب زوج السيدة فاطمة الزهراء البتول سيد العترة وعملاق الفكر الإسلامي .

كان أمير المؤمنين الإمام علي كرم الله وجهه بمعزلٍ تام عن الحياة السياسيّة والعملية طيلة حكم الخلفاء ، ولمّا آل إليه الأمر وتقلّد زمام الحكم ثارت عليه الرأسمالية القرشية التي ناجزت الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ، كما ثار عليه الطامعون والمنحرفون عن نهج الحقّ ؛ فجرّعوه الغصص والآلام ، وشغلوه حتّى عن نفسه ، ومُني العالم الإسلامي بخسارة عظمى ، فلم يُفسح المجال لهذا الإمام الملهم العظيم أن ينشر علومه بين الناس .

لقد كان الإمام علي (عليه السلام) أعظم عملاق في الميادين العلمية عرفته الإنسانيّة بعد النبي (صلّى الله عليه وآله) ، ويدلّ على طاقاته العلميّة الهائلة كتابه نهج البلاغة الذي هو من أعظم ما تملكه الإنسانيّة من تراثٍ بعد القرآن الكريم .


ومن مظاهر شخصيّة الإمام (عليه السّلام) زهده في الدنيا وعدم احتفائه بأيّ زينةٍ من زينة الحياة ، فقد تقلّد الحكم وتشرفت الدولة الإسلاميّة بقيادته ، فزهد في جميع مظاهر السلطة ، وجعل الحكم وسيلة لإقامة الحقّ والعدل ونشر المساواة بين الناس ، ولم يستخدم السلطة لتنفيذ رغباته والظفر بالثراء العريض .

وعندما خرج الإمام علي بن ابي طالب (عليه السّلام) , فلما انتهى إلى بيت الله جعل على عادته يوقظ الناس لصلاة الصبح ، وشرع الإمام في أداء الصلاة ، فلمّا استوى من السجدة الأولى هوى عليه الوغد الأثيم ابن ملجم بسيفه وهو يهتف بشعار الخوارج : ( الحكم لله لا لك ) .

وضرب الإمام (عليه السّلام) على رأسه فقدّ جبهته الشريفة ، وانتهت الضربة القاسية إلى دماغه المقدّس الذي ما فكّر إلاّ في إقامة العدل وتدمير الظلم وإسعاد البؤساء والفقراء .


ولمّا أحسّ الإمام (عليه السّلام) بلذع السيف ، رفع صوته قائلاً : (( فزت وربّ الكعبة )) .
لقد فزت يا إمام المتّقين ويعسوب الدين ، فأيّ فوز أعظم من فوزك ؟ لقد أقمت الإسلام بسيفك ، وجاهدت في سبيل الله كأعظم ما يكون الجهاد ، وحطّمت الشرك وأفكار الجاهليّة وتقاليدها ، ورفعت كلمة الله مع ابن عمّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عالية في الأرض .
لقد فزت أيّها الإمام العظيم ، فأنت أوّل حاكم في دينا الإسلام طلّقت الدنيا ثلاثاً فلم تغرّك مباهجها ، ولم تخدعك السلطة ، فلم تبنِ لك بيتاً ، ولم تدّخر لعيالك وأبنائك شيئاً من حطام الدنيا .
لقد فزت ، فقد كانت نهايتك المشرّفة في أقدس بيت من بيوت الله ، وفي أعظم شهر من شهور الله ، فبداية حياتك في الكعبة , ونهايتها في هذا الجامع العظيم ، ولسانك يلهج بذكر الله .
ولمّا رُفع الإمام (عليه السّلام) صريعاً في محرابه هتف معرّفاً بقاتله قائلاً : (( قتلني ابن اليهودية عبد الرحمن بن ملجم فلا يفوتنّكم )) .

وهرع الناس من كلّ جانب , قد أذهلهم الخطب وأضناهم المصاب ، وبلغ بهم الحزن إلى قرار سحيق ، فوجدوا الإمام صريعاً في محرابه , فأخذوا يندبونه بذوب أرواحهم , ولم يستطع الإمام (عليه السّلام) الصلاة بالناس ، فصلّى وهو جالس والدم ينزف منه ، وأمر ولده الإمام الحسن فصلّى بالناس ، وحُمل الإمام إلى منزله ، واُلقي القبض على الوغد ابن ملجم فجيء به مخفوراً إلى الإمام (عليه السّلام) , فقال له بصوت خافت :

( لقد جئت شيئاّ إدّاً ، وأمراً عظيماً ! ألم أشفق عليك واُقدّمك على غيرك في العطاء , فلماذا تجازيني بهذا الجزاء ؟ )) .


والتفت الإمام علي (عليه السّلام) إلى ولده الحسن (عليه السّلام) فأوصاه بالبرّ والإحسان بابن ملجم قائلاً : (( يا بُني ، ارفق بأسيرك وارحمه ، واشفق عليه )) .

فبُهر الحسن (عليه السّلام) وقال : (( يا أبتاه ، قتلك هذا اللعين ، وفجعنا بك ، وأنت تأمرنا بالرفق به ! )) . فأجابه الإمام (عليه السّلام) بما انطوت عليه نفسه من المُثل العليا قائلاً : (( يا بُني ، نحن أهل بيت الرحمة والمغفرة ؛ أطعمه ممّا تأكل ، واسقه ممّا تشرب ، فإن أنا متّ فاقتصّ منه بأن تقتله ، ولا تمثّل بالرجل ؛ فإنّي سمعت جدّك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور . وإن أنا عشت فأعلم ما أفعله به ، وأنا أولى بالعفو ؛ فنحن أهل بيت لا نزداد على المذنب إلينا إلاّ عفواً وكرماً )) .

أيّ نفس ملائكية هذه النفس التي توصي بالبرّ والإحسان لقاتلها ؟!

وجعل الإمام علي بن ابي طالب (عليه السّلام) وهو في الساعات الأخيرة من حياته يوصي أبناءه , وفي طليعتهم سيّدا شباب أهل الجنّة الإمام الحسن والحسين (عليهما السّلام) بمكارم الأخلاق والزهد في الدنيا .

ومن بنود وصيّته هذه الوصايا الخالدة ، قال (عليه السّلام) : (( اُوصيكما بتقوى الله ، وأن لا تبغيا الدنيا وإن بغتكما ، ولا تأسفا على شيء زُوي عنكما ، وقولا للحقّ ، واعملا للأجر ، وكونا للظالم خصماً , وللمظلوم عوناً .

اُوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومَنْ بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم ، وصلاح ذات بينكم ؛ فإنّي سمعت جدّكما (صلّى الله عليه وآله) يقول : صلاح ذات البين أفضل من عامّة الصلاة والصيام .

الله الله في الأيتام فلا تغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم . الله الله في جيرانكم ؛ فإنّهم وصيّة نبيّكم ، ما زال يوصي بهم حتّى ظننا أنّه سيورّثهم . والله الله في القرآن , لا يسبقكم بالعمل به غيركم . الله الله في الصلاة ؛ فإنّها عمود دينكم . الله الله في بيت ربّكم لا تخلوه ما بقيتم ؛ فإنّه إن تُرك لم تُناظروا ـ أي لم ينظر إليكم بالكرامة ـ . الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله ، وعليكم بالتواصل والتباذل ، وإيّاكم والتدابر والتقاطع ، لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فيتولّى عليكم شرارُكم ثمّ تدعون فلا يُستجاب لكم )) .


ثمّ وجّه وصيته إلى آله وذويه قائلاً :

( يا بني عبد المطلب ، لا ألفينكم تخوضون دماء المسلمين خوضاً تقولون : قُتل أمير المؤمنين ، قُتل أمير المؤمنين ؛ ألا لا تقتلنَّ بي إلاّ قاتلي . انظروا إذا أنا متّ من ضربته هذه فاضربوه ضربة بضربة ، ولا يُمثّل بالرجل ؛ فإنّي سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : إيّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور ))

وحفلت هذه الوصية بالقيم الخالدة التي هي من أروع ما خلّفه الأنبياء والمصلحون لاُممهم وشعوبهم .

ومن المؤسف حقاً أن الأئمة (عليهم السّلام) من بعده واجهوا المصير الذي لاقاه جدّهم أمير المؤمنين الإمام علي ، فقد عمد الاُمويون والعباسيون إلى حجبهم عن الأوساط الشعبيّة حتّى لا تعرف قدراتهم العلميّة ، وكلّ هذه الضربات القاسية التي عانتها الاُمّة من جراء فصل القيادة العامة عن أهل البيت (عليهم السلام) .

ومن النتائج المؤسفة والمحزنة بعد إقصاء العترة الطاهرة عن شؤون الحكم أن آلت الخلافة الإسلامية التي هي ظلّ الله في الأرض إلى (بني اُمية) ، الذين هم الشجرة التي قلت آل البيت واراقت دم المسلمين ؛ فاتخذوا مال الله دِوَلاً ، وعباد الله خِولاً ، وأشاعوا الجور والظلم بين الناس ، واستهدفوا المصلحين ورجال الوعي بالإعدام والتنكيل .

اغتيال الإمام الحسن (عليه السلام)

وأكبر جريمة اقترفها معاوية ضدّ الإسلام والمسلون اغتياله لسبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الإمام الحسن (عليه السّلام) ، الذي أعطاه عهداً بأن تكون الخلافة له من بعده إلا أنه خان بعهده ، وراح يُنشئ دولة اُموية تنتقل بالوراثة إلى أبنائه وأعقابه .

وقد وصفه (الميجر أوزبورن) بأنّه مخادع ، وذو قلب خال من كلّ شفقة ، وأنّه كان لا يتهيّب من الإقدام على أيّة جريمة من أجل أن يضمن مركزه ؛ فالقتل إحدى وسائله لإزالة خصومه ، وهو الذي دبّر تسميم حفيد الرسول (صلّى الله عليه وآله) ، كما تخلّص من مالك الأشتر قائد عليّ بنفس الطريقة .


واستعرض الطاغية السفّاك المجرمين ليعهد إلى أخسّهم باغتيال ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فلم يجد أحداً خليقاً باقتراف هذه الجريمة سوى جعدة بنت الأشعث ، فهي من بيت جُبل على الجريمة , وطُبع على الغدر والخيانة ؛ فأرسل إلى مروان بن الحكم سمّاً فاتكاً كان قد جلبه من ملك الروم ، وأمره بإغراء جعدة بالأموال وزواج ولده يزيد إن استجابت له ، وعرض عليها مروان ذلك فاستجابت له ، فأخذت السمّ ودسّته للإمام الحسن(عليه السّلام) ، وكان صائماً في وقت شديد الحرّ ، وما إن وصل السمّ إلى جوف الإمام (عليه السّلام) لاحتّى تقطّعت أمعاؤه ، فالتفت (عليه السّلام) إلى الخبيثة الماكرة وقال لها : (( قتلتيني قتلك الله ! والله لا تصيبين منّي خلفاً ، لقد غرّك ـ يعني معاوية ـ وسخر منك , يخزيك الله ويخزيه ) .

وأخذ ريحانة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعاني من شدّة السمّ وقسوته , وكان يتقيّأ قطعاً من الدم في طشت ، فدخلت عليه شقيقته سيّدة النساء العقيلة فأمر برفع الطشت ؛ لئلا ترى ما فيه فيذوب قلبها ، فنظرت العقيلة إلى أخيها وهو مصفرّ الوجه , قد فتك السمّ به ، فانهارت قواها , وطافت بها موجات مذهلة من الألم والحزن ؛ فقد علمت أنّ أخاها سيفارقها عمّا قريب .

وأخذ الإمام (عليه السّلام) يقبّل إخوته وخلّص أصحابه , وهو يوصيهم بمكارم الأخلاق ، ومحاسن الأعمال ، وتقوى الله ، والاجتناب عن معاصيه . واشتدّت حالته , وأخذ يتلو آيات من كتاب الله العزيز , ويطلب من الله تعالى أن يجعله في أعلى مراتب المتّقين والصالحين . ووافاه الأجل المحتوم ولسانه يلهج بذكر الله ، وقد سمت روحه العظيمة إلى بارئها وهي مليئة بالآلام التي عانتها من معاوية العدوّ الماكر للإسلام .

وقام الإمام الحسين (عليه السّلام) بتجهيز جثمان أخيه ، وبعد الانتهاء من مراسيم الغسل والتكفين رأى الإمام (عليه السّلام) أن يدفن أخاه بجوار جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فمنعته بنو اُميّة , وقد استعانوا بعائشة ؛ فقد خرجت على بغل وهي تقول : لا يُدفن الحسن بجوار جدّه أو بيتي هذه .وأومأت إلى شعر رأسها وصاحت بالهاشميّين : لا تدخلوا بيتي مَنْ لا اُحبّ

وكادت الفتنة أن تقع وتُراق الدماء ، فعدل الإمام (عليه السّلام) عن دفن أخيه بجوار جدّه , ودفنه في البقيع ،

وختم معاوية حياته الملوّثة بالجرائم والموبقات بفرض ولده يزيد خليفة على المسلمين ، وقد استخدم جميع الوسائل المنحطّة في جعل الخلافة في أبنائه وتحويلها إلى ملك عضوض لا محلّ فيه لأي قيمة من القيم الدينية .
وقد ورث يزيد صفات جدّه أبي سفيان وأبيه معاوية من النفاق والغدر , والطيش والعداء للإسلام . يقول السيد مير علي الهندي : وكان يزيد غدّاراً كأبيه , ولكن ليس داهية مثله ، كانت تنقصه القدرة على تغليف تصرفاته القاسية بستار من اللباقة الدبلوماسية الناعمة ، وكانت طبيعته المنحلّة ، وخُلقه المنحطّ لا تتسرّب إليهما شفقة ولا عدل ؛ كان يقتل ويعذّب نشداناً للمتعة واللذّة التي يشعر بهما وهو ينظر إلى آلام الآخرين ، وكان بؤرة لأبشع الرذائل ، وها هم ندماؤه من الجنسين خير شاهد على ذلك , لقد كانوا من حثالة المجتمع

وخيّم على العالم الإسلامي حكم إرهابي عنيف لا يخضع لعرف ولا لقانون ، ولا يستجيب لأيّة عاطفة إنسانيّة ، شعاره الظلم والاستبداد واللامبالاة . هذا هو السمت الظاهر والواقع لحكم يزيد بن معاوية الذي بُلي به المسلمون ، وامتحنوا امتحاناً عسيراً .

لقد عانت عقيلة بني هاشم السيّدة زينب في عهد هذا الطاغية أشقّ وأقسى ألوان المصائب والكوارث ، كما تعرّضت الاُسرة النبويّة إلى الإبادة الشاملة ؛ فقد جُزروا كالأضاحي ، ومثّلت الجيوش الاُمويّة أشرّ تمثيل بأجسامهم الطاهرة .

كلّ ذلك كان بمرأى من حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ؛ فذابت نفسها أسى وحسرات ، ولم تقتصر محنتها على ذلك ، وإنّما تعدّت إلى ما هو أقسى وأشجّ ؛ فقد سُبيت مع عقائل الوحي ومخدّرات الرسالة ، يُطاف بهنّ من بلد إلى بلد ، فتارة يمثلنَ أمام ابن مرجانة ، واُخرى في مجلس يزيد ، فلم تبقَ محنة من محن الدنيا ، ولا فاجعة من فواجع الدهر إلاّ جرت على حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) في عهد هذا الطاغية الأثيم .

وعلى أيّ حال ، فقد تسلّم يزيد بعد هلاك أبيه قيادة الدولة الإسلاميّة وهو في غضارة العمر وريعان الشباب , لم تصقله التجارب ، ولم تُهذّبه الأيام ، قد استسلم لشهواته وملذّاته التي كان البارز منها سفك الدماء , وإشاعة الفزع والخوف بين الناس .

الفاجعة الكبرى

ووقف أبو الأحرار الإمام الحسين عليه السلام في الميدان وقد أحاطت به جيوش الاُمويِّين , وهو ثابت الجنان ،

لم يوهن عزيمته مصارع أصحابه وأهل بيته , وكان كالطود الشامخ ، وقد روى الإمام زين العابدين (عليه السّلام) صمود أبيه قال : (( كان كلّما يشتدّ الأمر يشرق لونه ، وتطمئن جوارحه

فقال بعضهم : انظروا كيف لا يُبالي بالموت ! وقال عبد الله بن عمّار : فوالله ما رأيت مكثوراً قط قد قُتل ولده وأصحابه أربط جأشاً منه ، ولا أمضى جناناً منه ! ووالله ما رأيت قبله ولا بعده مثله

وحمل أبيّ الضيم على أرجاس البشرية فجعل يُقاتلهم أعنف قتال وأشدّه ، وحمل على الميمنة وهو يرتجز :

القتل أولى من ركوبِ العارِ والعارُ أولى من دخولِ النارِ

وحمل على الميسرة وهو يرتجز :

أنـا الحسين بن علي آلـيـت أن لا أنـثني
أحـمي عـيالات أبي أمضي على دين النبي

أجل أنت الإمام الحسين (عليه السّلام) ، وأنت ملأت فم الدنيا شرفاً ومجداً ، فلم تُشاهد اُمم العالم وشعوب الأرض مثلك يا مفخرة الإسلام ؛ فقد صمدت أمام الأهوال والكوارث التي لا يطيق حملها أيّ مصلح على وجه الأرض ، وقد مضيت على دين جدّك الرسول مُجدداً له ، ولولاك لما أبقى الاُمويّون والقرشيون أيّ ظلّ لدين الله .

وداعه لعقائل الوحي

ومضى الحسين (عليه السّلام) يودّع عقائل النبوّة ، وسيّدات نساء الدنيا ، ويأمرهنَّ بالخلود إلى الصبر ، ونظر إلى شقيقته زينب وهي غارقة بالدموع فعزّاها وأمرها بالصبر ، وأن
تقوم برعاية أطفاله ، ولمّا أراد الخروج أحطنَ به السيدات ليتزوّدن منه ، وهنّ يذرفن أحرّ الدموع ، والتفت الإمام زين العابدين (عليه السّلام) إلى عمّته زينب ، فقال لها : (( عليَّ بالعصا والسيف )) .
ـ ما تصنع بهما ؟
ـ (( أمّا العصا فأتوكّأ عليها ، وأمّا السيف فأذبّ به عن ابن رسول الله )) . وكانت الأمراض قد ألّمت به , فنهاه الإمام الحسين (عليه السّلام) وأمسكته عمّته زينب .
وأمر الإمام (عليه السّلام) حرم الرسالة بلبس الاُزر ، والاستعداد للبلاء ، والتسليم لقضاء الله ، وقال لهن : (( استعدوا للبلاء ، واعلموا أنّ الله تعالى حاميكم وحافظكم , وسينجيكم من شرّ الأعداء ، ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ، ويعذّب عدوّكم بأنواع العذاب ، ويعوّضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة ، فلا تشكّوا ، ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص قدركم )) .

إنّه هذا الإيمان ، وهذا الصبر أجدر بالخلود من هذا الكوكب الذي نعيش عليه . إنّ هذه الرزايا تتصدّع من هولها الجبال ، وتميد بحلم أيّ مصلح كان ، وقد تجرّعها أبيّ الضيم من أجل رفع كلمة التوحيد التي جهدت الاُسر القرشيّة على إطفاء نورها .

مناجاته مع الله

واتّجه الإمام العظيم في تلك اللحظات الحاسمة من حياته إلى الله تعالى ، فأخذ يناجيه ويتضرّع إليه ، ويشكو إليه ما ألمّ به من الخطوب قائلاً : (( صبراً على قضائك يا رب ، لا إله سواك ، يا غياث المستغيثين ما لي ربّ سواك ، ولا معبود غيرك ، صبراً على حكمك . يا غياث مَنْ لا غياث له ، يا دائماً
لا نفاد له ، يا محيي الموتى ، يا قائماً على كلّ نفس ، احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين ))(1) .
أرأيتم هذا الإيمان الذي تفاعل مع شعور الإمام وعواطفه ؟ فقد صبر على قضائه ، وفوّض إليه جميع ما نزل به من الخطوب . يقول الدكتور الشيح أحمد الوائلي :

يا أبا الطفّ و ازدهى بالضحايا مـن أديمِ الطفوفِ روضخميلُ
نـخبةٌ مـن صـحابةٍ و شقيقٌ و رضـيـعٌ مـطوّقٌ وشـبولُ
والـشبابُ الفتيان جفّ ففاضت طـلعةٌ حـلوةٌ ووجـهٌٍ جـميلُ
و تـوغلتَ تـستبينَ الـضحايا وزواكـي الـدماءِ مـنها تسيلُ
و مـشت في شفاهكَ الغرِّ نجوى نـمَّ عـنها الـتحميدُ والـتهليلُ
لكَ عتبي يا ربّ إن كانَ يرضيـ ـك فهـذا إلــى رضـاكَ قـليلُ

الهجوم على الإمام الحسين عليه السلام:

وهجمت على سبط رسول الله (صلّى الله عليه وآله) العصابة المجرمة التي تحمل رجس الأرض وخبث اللئام ، فحملوا عليه من كلّ جانب ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح .

ويقول بعض المؤرخين : إنّه لم يُضرب أحد في الإسلام كما ضُرب الحسين ؛ فقد وجد به مئة وعشرون جراحة , ما بين ضربة سيف , وطعنة رمح , ورمية سهم .
ومكث أبو الأحرار مدّة من الزمن على وجه الأرض وقد فتكت الجراحات بجسمه ، وقد هابه الجميع ونكصوا من الإجهاز عليه .

يقول السيّد حيدر :

فما أجلت الحربُ عن مثله صـريعاً يُـجبِّن شجعانَها

خروج العقيلة (عليها السّلام)

وخرجت حفيدة الرسول من خبائها وهي تندب أخاها بأشجى ما تكون الندبة ، وتقول بذوب روحها : ليت السماء وقعت على الأرض ! وصاحت بالخبيث الدنس عمر بن سعد قائلة : يا عمر ، أرضيت أن يُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ؟! فأشاح الخبيث بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته المشؤومة .
ولم تعد العقيلة الطاهرة تقوى على النظر إلى أخيها وهو بتلك الحالة , فانصرفت إلى خبائها لترعى المذاعير من النساء والأطفال .

الإجهاز على الإمام الحسين (عليه السّلام)

أحاط أعداء الله بالإمام من كلّ جانب وهم يوسعونه ضرباً بالسيوف وطعناً بالرماح ورمياً بالحجارة ، فصاح بهم : (( أعلى قتلي تجتمعون ؟! أما والله لا تقتلون بعدي عبداً من عباد الله . وأيم الله , إنّي لأرجو أن يُكرمني الله بهوانكم ثمّ ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون )) .

لقد رضيت بما عانته حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من أهوال هذه الكارثة التي تذوب من هولها الجبال ؛ لأنّها في ذات الله تعالى الذي هامت في الإنابة إليه .

لقد تجلّت معاني الوراثة النبويّة في سيدة النساء زينب (عليها السّلام) ، وبرزت في شخصيتها معالم شخصية جدّها الرسول (صلّى الله عليه وآله) , ووصيّة أبيها الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) .

حرق الخيام

وأوعزت القيادة العامة إلى الجند بحرق خيام آل النبي (صلّى الله عليه وآله) , فحملوا أقبسة من النار وهم ينادون : احرقوا بيوت الظالمين.

لقد كان بيت الإمام (عليه السّلام) ـ حسب ما يزعمون ـ بيت الظلم , وبيت ابن مرجانة وسيده يزيد حفيد أبي سفيان بيت العدل ! فيالله أمام هذا الظلم الذي لم يقع نظيره في تأريخ الاُمم والشعوب !

رحم الله الإمام الحسين أبي عبدالله الشهيد وكل شهداء الطف رفقاء الإمام عليهما السلام ولعن الله قاتليهم.

رحم الله ستنا المشيرة رئيسة الديوان السيدة زينب عليها السلام وكل آل البيت راضون الله عليهم أجمعين.

يمكن القول بأن معاوية بن أبي سفيان قد اعمد أيضا أعلام الإسلام وحماته ، أمثال : حجر بن عدي وأصحابه المجدّدين ، وعمرو بن الحمق الخزاعي وغيرهم ، وتتبّع أخوه اللا شرعي الإرهابي زياد بن أبيه ذرية الإمام علي كرم الله وجهه أمير المؤمنين وشيعته الذين يمثّلون الوعي الديني والسياسي في المجتمع الإسلامي ؛ فنفّذ في معظمهم الإعدام ، وأخلد الكثيرين منه في ظلمات السجون . وسار على هذه السياسة الخرقاء السوداء عمّاله وولاته , وسائر ملوك بني اُميّة من بعده ؛ فأوعزوا إلى رجال أمنهم وأجهزة حكمهم بمطاردة آل البيت (عليهم السّلام) ، وإبادتهم تحت كلّ حجر ومدر .
لقد كانت سياستهم شعلة من النار تحرق المصلحين , وتبيد المؤمنين , وتحمي الفاسقين ، وتساند الظالمين .

أما عن الإمام علي زين العابدين ويُعرف أيضًا باسم علي السجاد ، واسمه علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ويُكنى بـ«أبي محمد» ، (ولد يوم 5 شعبان 38 هـ في المدينة المنورة وتوفي فيها في 25 محرم من سنة 95 هـ) هو رابع أئمة الشيعة بكل طوائفهم

نسبه

هو : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر جد قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.

كُني بأبي الحسن ، وأبي محمد ، ومن ألقابه التي عرف بها زين العابدين ، وسيد الساجدين والعابدين ، والسجاد ، لقب به لكثرة سجوده وذو الثفنات .

الإمام علي بن الحسين عليه السلام في كربلاء

تؤكد المصادر التاريخية أنّ علي زين العابدين كان حاضرًا في كربلاء إذ شهد واقعة الطفّ بجزئياتها وتفاصيلها، وكان شاهدًا عليها ومؤرخًا لها. إن المؤكد في الكثير من المصادر التاريخية، أو المتفق عليه فيها أنه كان يوم الواقعة مريضًا أو موعوكًا

أنّ الإمام علي السجاد خرج مع أبيه الإمام الحسين وأهل بيته عليهم السلام من المدينة إلى مكة، بعد أن رفض الإمام الحسين عليه السلام إعطاء البيعة ليزيد لعنة الله وكان ذلك في رجب أو شعبان من سنة 60 للهجرة.

وفي 3 من ذي الحجة سنة 60 هـ (وقيل 8 منه، أي يوم التروية) خرج ركب أهل البيت من مكة متوجهًا نحو العراق.

وفي كربلاء ذاق الإمام علي بن الحسين عليهما السلام، مع زوجته السيدة فاطمة بنت الحسن وابنه محمد الباقر، مرارة عطش الطف وعانى من مرضه مدة 8 أيام متوالية أي من 2 محرم حتى 10 منه والظاهر أنّ المرض امتدّ به حتى وصوله الكوفة وسمِع جميع خطب أبيه الحسين الموجّهة لعساكر بني أمية، ورأى أباه الإمام الحسين عليه السلام يصلي ليلة العاشر من محرم ويتلو كتابه حتى طلوع الفجر وكانت تلك سجية الإمام الحسين عليه السلام في كثرة صلاته.

وفي ظهر يوم العاشر من محرم، دخل الإمام الحسين عليه السلام على أبنه وأوصاه بوصاياه، وسلّمه بعضًا من مواريث الإمامة كخاتمه، وكانت آخر وصية له :«يا بني، أوصيك بما أوصى به جدك رسول الله عليًا حين وفاته، وبما أوصى جدّك عليّ عمك الإمام الحسن عليه السلام ، وبما أوصاني به عمّك إياك وظلم من لا يجد عليك ناصرًا إلا الله». ثم ودعه ومضى إلى ميدان المعركة الأخيرة التي توفي فيها.وكان السجاد مريضًا يوم عاشوراء، فلم يكن قادرًا على القتال وقيل أنه قاتل قليلًا ثم أتعبه المرض، ولكنه بعيد. يقول ابن سعد في طبقاته: «كان علي بن الحسين مع أبيه بطف كربلاء وعمره إذ ذاك 23 سنة لكنه مريضًا ملقى على فراشه وقد أنهكته العلّة والمرض ولما استشهد والده، قال شمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا الغلام؛ فقال بعض أصحابه: أنقتل فتى حدثًا مريضًا لم يقاتل ؟! فتركوه»

وعندما أدخلوا الإمام زين العابدين عليه السلام على ابن زياد لعنة الله سأله من أنت؟ فقال: «أنا عليّ بن الحسين»، فقال له:
أليس قد قتل الله عليّ بن الحسين؟ فقال الإمام زين العابدين: «قد كان لي أخ يسمّى عليّاً قتله الناس، فقال ابن زياد: بل الله قتله، فقال الإمام علي زين العابدين: (الله يتوفّى الأنفس حين موتها)، فغضب ابن زياد وقال: وبك جرأة لجوابي وفيك بقية للردّ عليّ؟! اذهبوا به فاضربوا عنقه.
فتعلّقت به عمّته زينب وقالت: ياابن زياد، حسبك من دمائنا، واعتنقته وقالت: لا والله لا اُفارقه فإن قتلته فاقتلني معه، فقال لها علىّ: اسكتي يا عمّة حتى اُكلّمه، ثمّ أقبل عليه فقال: أبالقتل تهدّدني ياابن زياد؟ أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة؟ ثمّ أمر ابن زياد بالإمام زين العابدين وأهل بيته فحملوا إلى دار بجنب المسجد الأعظم.

موقف الإمام علي زين العابدين عليه السلام من أهل الكوفة بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام :

بعد استشهاد الامام الحسين بن الإمام علي عليهما السلام وأولاده ورجال أهل بيته وأصحابه في معركة كربلاء ، أعلن عمر بن سعد لعنة الله القائد الأموي لجيش الكوفة النصر العسكري على جيش الحسين، فبدأ جنوده اقتحام الخيم القليلة المنصوبة للنساء والاطفال وحرقها، وساقوا النساء والصبيان والمرضى سبايا إلى الكوفة حيث مقر عبيدالله بن زياد، وواليها من قبل بني أمية.

فلما قاربوا الكوفة إجتمع أهلها للنظر إليهن. فجعل أهل الكوفة ينوحون ويبكون . فقال الإمام علي بن الحسين عليهما السلام : تنوحون وتبكون من أجلنا؟ فمن ذا الذي قتلنا؟ وقد أومأت زينب بنت علي عليهما السلام إلى الناس أن اسكتوا وألقَت خطبة بليغة عليهم. وروى أنّ السيدات فاطمة بنت الحسين بن علي وأم كلثوم بنت علي عليهما السلام خطبتا بعد أن وردتا من كربلاء ضمن السبايا في ذلك اليوم. ثم إن علي بن الحسين زين العابدين أومأ إلى الناس أن اسكتوا فسكتوا ، فقام بإلقاء خطبته المعروفة في أهل الكوفة.

وجيء بالامام علي بن الإمام الحسين عليهما السلام على بعير ضالع، والجامعة في عنقه، ويداه مغلولتان إلى عنقه، وأوداجه تخشب دماً فكان يقول:

يا اُمية السّوء لا سقياً لربعكُمُ يا اُمّة لَم تراع جدّنا فينا
لَو أنّنا ورسول الله يجمعنا يوم القيامة ما كنتم تقولونا
تسيّرونا على الأقتاب عارية كأنّنا لم نشيّد فيكم دينا
وخرج إلى الناس وأومأ إليهم أن اسكتوا، فسكتوا وهو قائم، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه ثم قال في بداية الخطبة: «أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا علي بن الحسين بن علي أبي طالب أنا ابن من انتهكت حرمته، وسلبت نعمته، وانتهب ماله، وسبي عياله أنا ابن المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات أنا ابن من قتل صبراً، وكفى بذلك فخراً. »

وتابع بهذه الکلمات: «أيها الناس، ناشدتكم الله هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبي وخدعتموه، وأعطيتموه من أنفسكم العهود والمواثيق والبيعة، وقاتلتموه فتبّاً لما قدمتم لأنفسكم وسوأة لرأيكم، بأية عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول لكم: قتلتم عترتي، وانتهكتم حرمتي، فلستم من أمتي … رحم الله امرأً قبل نصيحتي، وحفظ وصيتي في الله وفي رسوله وفي أهل بيته، فإن لنا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة. »

فصمتوا وهم يستمعون إلى هذا القول ثم قالوا: «نحن يا بن رسول الله، سامعون مطيعون حافظون لذمامك، غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرك يرحمك الله، فأنا حرب لحربك، وسلم لسلمك، نبرأ ممن ظلمك وظلمنا».

فأجابهم الإمام علي السجاد عليهما السلام: «هيهات، هيهات، أيها الغدرة المكرة، حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم، أتريدون أن تأتوا إلي كما أتيتم إلى أبي من قبل، كلا ورب الراقصات فإن الجرح لما يندمل قتل أبي بالأمس وأهل بيته، ولم ينس ثكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وثكل أبي، وبني أبي إن وجده والله بين لهاتي، ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصص تجري في فراش صدري».

قصيدة الفرزدق في الإمام علي بن الحسين عليه السلام

يُروى: أن هشام‌ بن‌ عبد الملك‌ حج فلم‌ يقدر علی‌ الاستلام‌ من‌ الزحام‌. فنُصب‌ له‌ منبر فجلس‌ علیه‌ وأطاف‌ به‌ أهل‌ الشام‌، فبينما هو كذلك‌ إذ أقبل‌ عليّ بن‌ الحسين‌‌ وعلیه‌ إزار ورداء، من‌ أحسن‌ الناس‌ وجهًا وأطيبهم‌ رائحةً، بين‌ عينيه‌ سجّادة‌. فجعل‌ يطوف‌، فإذا بلغ‌ إلی‌ موضع‌ الحجر تنحّي‌ الناس‌ حتّى يستلمه‌ هيبةً له‌. فقال‌ شامي‌ّ: مَنْ هَذَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؟!

فنكره هشام وقال: لاَ أَعْرِفُهُ؛ لئلّا يرغب‌ فيه‌ أهل‌ الشام‌. فقال‌ الفرزدق‌ (وكان‌ من‌ شعراء بني‌ أُميّة‌ ومادحيهم‌) وكان‌ حاضرًا: لكنّي‌ أنا أعرفه‌. فقال‌ الرجل الشامي‌ّ: مَن‌ هو يا أبا فراس‌؟! فأنشأ قصيدة‌ ذكر بعضها في‌ «الأغاني‌»، و«الحلية» و«الحماسة‌»، والقصيدة‌ بتمامها هذه‌:
يَا سَـائِلِي‌: أَيْنَ حَـلَّ الجُـودُ وَالكَـرَمُ عِنْـدِي‌ بَـيَـانٌ إذَا طُـلاَّبُـهُ قَـدِمُـوا
هَذَا الذي‌ تَعْـرِفُ البَطْـحَاءُ وَطْـأَتَـهُ وَالبَـيْـتُ يَعْـرِفُـهُ وَالحِـلُّ وَالحَـرَمُ
هَذَا ابْنُ خَيْرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ هَذَا التَّقِي‌ُّ النَّقِي‌ُّ الطَّاهِرُ العَلَمُ
هَذَا الذي‌ أحْمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ صَلَّي‌ عَلَیهِ إلَهِي‌ مَا جَرَي‌ القَلَمُ
لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْنُ مَنْ قَدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ لَخَرَّ يَلْثِمُ مِنْهُ مَا وَطَي‌ القَدَمُ
هَذَا علی رَسُولُ اللَهِ وَالِدُهُ أَمْسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي‌ الاُمَمُ
هَذَا الَّذِي‌ عَمُّهُ الطَّيَّارُ جَعْفَرٌ وَالمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْثٌ حُبُّهُ قَسَمُ
هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْوَانِ فَاطِمَةٍ وَابْنُ الوَصِيِّ الَّذِي‌ في‌ سَيْفِهِ نِقَمُ
إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِلُهَا إلَی‌ مَكَارِمِ هَذَا يَنْتَهِي‌ الكَرَمُ
يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِرْفَانَ راحته رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَاءَ يَسْتَلِمُ
وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَذَا؟ بِضَائِرِهِ العُرْبُ تَعْرِفُ مَنْ أنْكَرْتَ وَالعَجَمُ
يُنْمَي‌ إلَی‌ ذَرْوَةِ العِزِّ الَّتِي‌ قَصُرَتْ عَنْ نَيْلِهَا عَرَبُ الإسْلاَمِ وَالعَجَمُ
يُغْضِي‌ حَيَاءً وَيُغْضَي‌ مِنْ مَهَابَتِهِ فَمَا يُكَلَّمُ إلاَّ حِينَ يَبْتَسِمُ
يَنْجَابُ نُورُ الدُّجَي‌ عَنْ نُورِ غُرِّتِهِ كَالشَّمْسِ يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقِهَا الظُّلَمُ
بِكَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيحُهُ عَبِقٌ مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي‌ عِرْنِينِهِ شَمَمُ
مَا قَالَ: لاَ قَطُّ، إلاَّ فِي‌ تَشَهُّدِهِ لَوْلاَ التَّشَهُّدُ كَانَتْ لاَؤهُ نَعَمُ
مُشتَقَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَهِ نَبْعَتُهُ طَابَتْ عَنَاصِرُهُ وَالخِيمُ وَالشِّيَمُ
حَمَّالُ أثْقَالِ أَقْوَامٍ إذَا فُدِحُوا حُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحْلُو عِنْدَهُ نَعَمُ
إنْ قَالَ قَالَ بمِا يَهْوَي‌ جَمِيعُهُمُ وَإنْ تَكَلَّمَ يَوْمًا زَانَهُ الكَلِمُ
هَذَا ابْنُ فَاطِمَةٍ إنْ كُنْتَ جَاهِلَهُ بِجَدِّهِ أنبِيَاءُ اللَهِ قَدْ خُتِمُوا
اللهُ فَضَّلَهُ قِدْمًا وَشَرَّفَهُ جَرَي‌ بِذَاكَ لَهُ فِي‌ لَوْحِهِ القَلَمُ
مَنْ جَدُّهُ دَانَ فَضْلُ الآنْبِيَاءِ لَهُ وَفَضْلُ أُمَّتِهِ دَانَتْ لَهَا الاُمَمُ
عَمَّ البَرِيَّةَ بِالإحْسَانِ وَانْقَشَعَتْ عَنْهَا العِمَأيَةُ وَالإمْلاَقُ وَالظُّلَمُ
كِلْتَا يَدَيْهِ غِيَاثٌ عَمَّ نَفْعُهُمَا يُسْتَوْكَفَانِ وَلاَ يَعْرُوهُمَا عَدَمُ
سَهْلُ الخَلِيقَةِ لاَ تُخْشَي‌ بَوَادِرُهُ يَزِينُهُ خَصْلَتَانِ: الحِلْمُ وَالكَرَمُ
لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ مَيْمُونًا نَقِيبَتُهُ رَحْبُ الفِنَاءِ أَرِيبٌ حِينَ يُعْتَرَمُ
مِنْ مَعْشَرٍ حُبُّهُمْ دِينٌ وَبُغْضُهُمُ كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنْجيً وَمُعْتَصَمُ
يُسْتَدْفَعُ السُّوءُ وَالبَلْوَي‌ بِحُبِّهِمُ وَيُسْتَزَادُ بِهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ
مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْرِ اللَهِ ذِكْرُهُمْ فِي‌ كُلِّ فَرْضٍ وَمَخْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ
إنْ عُدَّ أهْلُ التُّقَي‌ كَانُوا أئمَّتَهُمْ أوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الارْضِ قِيلَ: هُمُ
لاَ يَسْتَطِيعُ جَوَادٌ بُعْدَ غَأيَتِهِمْ وَلاَ يُدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا
هُمُ الغُيُوثُ إذَا مَا أزْمَةٌ أزَمَتْ وَالاُسْدُ أُسْدُ الشَّرَي‌ وَالبَأْسُ مُحْتَدِمُ
يَأبَي‌ لَهُمْ أَنْ يَحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ خِيمٌ كَرِيمٌ وَأيْدٍ بِالنَّدَي‌ هُضُمُ
لاَ يَقْبِضُ العُسْرُ بَسْطًا مِنْ أكُفِّهِمُ سِيَّانِ ذَلِكَ إنْ أثْرَوْا وَإنْ عَدِمُوا
أيٌّ القَبَائِلِ لَيْسَتْ فِي‌ رَقَابِهِمُ لاِوَّلِيَّةِ هَذَا أوْ لَهُ نِعَمُ
مَنْ يَعْرِفِ اللَهَ يَعْرِفْ أوَّلِيَّةَ ذَا فَالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الاُمَمُ
بُيُوتُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يُسْتَضَاءُ بِهَا فِي‌ النَّائِبَاتِ وَعِنْدَ الحُكْمِ إنْ حَكَمُوا
فَجَدُّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي‌ أُرُومَتِهَا مُحَمَّدٌ وَعليّ بَعْدَهُ عَلَمُ
بَدرٌ له‌ شَاهِدٌ وَالشِّعْبُ مِنْ أُحُدٍ والخَنْدَقَانِ وَيَومُ الفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا
وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَدَانِ لَهُ وَفِي‌ قُرَيْضَةَ يَوْمٌ صَيْلَمٌ قَتَمُ
مَوَاطِنٌ قَدْ عَلَتْ فِي‌ كُلِّ نائِبَةٍ علی‌ الصَّحَابَةِ لَمْ أَكْتُمْ كَمَا كَتَمُوا

فغضب‌ هشام‌ ومنع‌ جائزته‌ وقال‌: أَلاَ قُلْتَ فِينَا مِثْلَهَا؟! قال‌: هَاتِ جَدًَّا كَجَدِّهِ، وَأَبَا كَأَبِيهِ، وَأُمَّا كَأُمِّهِ حَتَّي‌ أَقُولَ فِيكُمْ مِثْلَهَا! فامر هشام بحبسه‌ بعُسفَان‌ بين‌ مكّة‌ والمدينة‌: فبلغ‌ ذلك‌ عليُ بن الحسين‌ ، فبعث‌ إلیه‌ باثني‌ عشر ألف‌ درهم‌، وقال‌: أَعْذِرْنَا يَا أَبَا فِرَاسٍ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَنَا أَكْثَرُ مِنْ هَذَا لَوَصَلْنَاكَ بِهِ! فردّها وقال‌: يَابْنَ رَسُولِ اللَهِ! مَا قُلْتُ الَّذِي‌ قُلْتُ إلاَّ غَضَبًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ! وَمَا كُنْتُ لاِرْزَأَ عَلَیهِ شَيْئًا. فردّها إلیه‌ وقال‌: بِحَقِّي‌ عَلَیكَ لَمَّا قَبِلْتَهَا فَقَدْ رَأَي‌ اللَهُ مَكَانَكَ وَعَلِمَ نِيَّتَكَ! فقبلها. فجعل‌ الفرزدق‌ يهجو هشامًا وهو في‌ الحبس‌، فكان‌ ممّا هجاه‌ به‌ قوله‌:

أَيَحْبِسُنِي‌ بَيْنَ المَدِينَةِ وَالَّتِي‌ إلَیهَا قُلُوبُ النَّاسِ يَهْوِي‌ مُنِيبُهَا

يُقَلِّبُ رَأْسًا لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ وَعَيْنًَا لَهُ حَوْلاَءَ بَادٍ عُيُوبُهَا

فأُخبر هشام‌ بذلك‌ فأطلقه‌. وفي‌ رواية‌ أبي‌ بكر العلاّف‌ أنّه‌ أخرجه‌ إلی‌ البصرة‌.

آثارة العلمية

الصحيفة السجادية: كتاب يحوي على الأدعية التي يطلب فيها العفو من الله تعالى وكرمه والتوسّل إليه. وقد قال الشيخ الطنطاوي صاحب التفسير المعروف: «ومن الشقاء إنا إلى الآن لم نقف على هذا الأثر القيم الخالد في مواريث النبوة وأهل البيت، وإني كلما تأملتها رأيتها فوق كلام المخلوق، دون كلام الخالق» (مقدمة الصحيفة بقلم العلامّة المرعشي ).


رسالة الحقوق: وهي رسائل في أنواع الحقوق، حيث يذكر الإمام فيها حقوق الله سبحانه على الإنسان، وحقوق نفسه عليه، وحقوق أعضائه من اللسان والسمع والبصر والرجلين واليدين والبطن والفرج، ثمّ يذكر حقوق الأفعال، من الصلاة والصوم والحج والصدقة والهدي… التي تبلغ خمسين حقًّا، آخرها حق الذمّة.

أصبحت مطلوبًا بثمان : الله يطالبني بالفرائض، والنبي بالسُنّة، والعيال بالقوت، والنفس بالشهوة، والشيطان باتّباعه، والحافظان بصدق العمل، وملك الموت بالروح، والقبر بالجسد.. فأنا بين هذه الخصال مطلوب… »

«إذا رأيتم الرجل قد حسُنَ سمتُه وهديه، وتمادى في منطقه وتخاضع في حركاته، فرويدًا لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب الحرام فيها، لضعف بنيته ومهانته وجبن قلبه، فنصبَ الدين فخًا له، فهو لا يزال يُختل الناس بظاهره، فإنّ تمكن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعفّ عن المال الحرام فرويدًا لا يغرّنّكم، فإنّ شهوات الخلق مختلفة، فما أكثر من يتأبّى من الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرمًا، فإذا رأيتموه كذلك، فرويدًا حتى لا يغرّنّكم عقده وعقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثمّ لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله… فإذا وجدتم عقله متينًا فرويدًا لا يغرنكم حتى تنظروا أيكون هواه على عقله، أم يكون عقله على هواه ؟ وكيف محبته للرياسة الباطلة وزهده فيها ؟ فإنّ في الناس من يترك الدنيا للدنيا، ويرى لذّة الرياسة الباطلة أفضل من رياسة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبًا للرياسة، حتى إذا قيل له اتق الله أخذته العزّة بالاثم فحسبه جهنم وبئس المهاد… فهو يحلّ ما حرم الله، ويحرم ما أحلَّ الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرياسة التي قد شقي من أجلها، فاولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعدّ لهم عذابًا أليما… ».

أيُّها الناس، اتقوا الله، واعلموا أنكم إليه راجعون، فتجد كلّ نفسٍ ما عملت من خيرٍ محضرًا… ويحذّركم الله نفسه… ويحك ابن آدم، إن أجلك أسرع شيء إليك، ويوشك أن يدركك، فكأنك قد أوفيت أجلك، وقد قبض الملك روحك، وصُيّرت إلى قبرك وحيدًا… فان كنت عارفًا بدينك متّبعًا للصادقين، مواليًا لاَولياء الله، لقّنك الله حجتك، وأنطق لسانك بالصواب، فأحسنت الجواب، وبُشّرت بالجنّة والرضوان من الله، واستقبلتك الملائكة بالروح والريحان، وإن لم تكن كذلك تلجلج لسانك، ودُحضت حجتك، وعييت عن الجواب وبُشرت بالنار، واستقبلتك ملائكة العذاب بنُزُلٍ من حميم، وتصلية جحيم.. »

انا ابن الخيرتين وسبب ذلك أن النبى قال فيما روى ” لله من عباده خيرتان، فخيرته من العرب قريش، وخيرته من العجم فارس وعلي زين العابدين قرشى الأب وفارسي الأم.

(قال الحافظ ابن حجر في الإصابة في تمييز الصحابة عبد الله بن رزق المخزومي ويقال الرومي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل قريش وفارس روى عنه عمران بن أبي أنس ذكره بن شاهين وابن منده من طريق معن بن عيسى عمن حدثه عن عمران وقال ابن منده لا يعرف له صحبة ولا رؤية).

الثورات التي عاصرت الإمام السجاد عليه السلام، والتي ترتبط به بشكل أو بآخر، منها :

واقعة الحرة

وهي من الوقائع الشهيرة التي حدثت في عهد يزيد بن معاوية، وتحديدا في ذي الحجة سنة 63 هـ. وقد ذكر الكثير من المؤرخين أنّ سبب هذه الواقعة هو قيام أهل المدينة ضد حكم يزيد بن معاوية وهدف قيامهم يظهر من خلال إعلانهم الأول الذي ما نصه: إنّا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويدع الصلاة، ويعزف بالطنابير، وتضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الخرّاب، والفتيان، وإنّا نُشهدكم أنا قد خلعناه. وأتوا عبد الله بن الغسيل، فبايعوه وولّوه عليهم. وأجمعوا على أنَّ أهل الشام قتلوا في هذه الواقعة جمعاً كبيراً من الصحابة ومن أبناء المهاجرين والانصار وصل وفقاً لبعض النقول التاريخية إلى عشرة آلاف شهيد، واستباحوا المدينة المنورة ثلاثة أيام بإيعاز من يزيد بن معاوية.

موقف الإمام منها

لقد اتخذ الإمام السجادعليه السلام موقف الحياد في هذه الثورة، وتذكر المصادر أسبابا مختلفة لموقف الإمام هذه، منها:

علم الإمام بما كان عليه أهل المدينة من ضعف وقلّة، في مواجهة ما كان عليه أهل الشام من كثرة وبطش وقسوة.

الاختيار الخاطئ لأهل المدينة لمكان الثورة، كما أخطأ ابن الزبير في اتخاذه مكة مقرا لحركته، فقد عرضوا هذين المكانين الحرمين المقدسين لهجمات أهل الشام وانتهاكهم للمقدسات، ولذلك فإن كل العلويين الذين ثاروا على الحكام خرجوا من الحرمين، حفاظا على كرامتهما من أن يُهدر فيهما دم، وتهتك لهما حرمة.

لعلم الإمام زين العابدين عليه السلام ان اشتراكه في تلك الحركة سوف يؤدي إلى إبادة أهل البيت النبوي وشيعتهم إبادة شاملة، فتمكن بحياده من الوقوف في وجه هذا العمل.

لعله اتخذ الحياد موقفا للحفاظ على أرواح الكثير من الناس حتى من غير العلويين، ففي الخبر أنه ضمّ إلى نفسه أربعمائة منافيّة (أي من بني عبد مناف) يعولهن إلى أن تفرّق الجيش، وكان فيمن آواهن عائلة مروان بن الحكم، وزوجته هي عائشة بنت عثمان بن عفان الأموي، فكان مروان شاكرا لعلي بن الحسين ذلك.
ورغم موقفه المحياد قد تكفل الإمام (علي السجاد) بالإنفاق على 400 عائلة طيلة وجود مسلم بن عقبة والجيش الشامي في المدينة..

ثورة التوابين

وهي أول الثورات التي عاصرها الإمام علي بن الحسين عليه السلام حيث عقد الثوار مؤتمراً في منزل شيخ الشيعة وكبيرهم آنذاك سليمان بن صرد الخزاعي، فتداولوا الحديث فيما بينهم، ورأوا أنَّ ما حدث لا يمحى إلا بالثأر من قَتَلَة الحسين وكان انعقاد المؤتمر سنة “61 هـ” وهي التي قتل فيها الحسينعليه السلام ومِن هذا المؤتمر انطلقت ثورة التوَّابين للأخذ بثأر الإمام الشهيد، وتسمية هؤلاء الثائرين أنفسهم بالتوَّابين، يُعبِّر عن حالة الشعور بالذنب العظيم تِجاه الإمام وثورته، وإعلان التوبة مِن ذلك الذنب. وكان هدف الثوار – بعد نجاح الثورة – إعادة الحكم إلى ابناء فاطمةعليها السلام وانطلقت في مستهل شهر ربيع الأوّل سنة 65 هجرية.

موقف الإمام السجاد عليه السلام منها

إن الإمام السجاد عليه السلام لم يعلن عن ارتباطه المباشر بالثورات التي قامت تدعو للثأر لأهل البيتعليهم السلام، وكذلك لم يعلن عن رفضه لها كما واجه ابن الزبير، بل أصدر بيانا عاما يصلح لتبرير الحركات الصالحة، من دون أن يترك آثارا سيئة على الإمام

ثورة المختار الثقفي

لقد خرج المختار الثقفي مطالبا بدم الإمام الحسينعليه السلام، في الرابع عشر من ربيع الأول سنة 66 للهجرة وقد رفع شعار “يا لثارات الحسين”، وتمكن من تحقيق ما خرج من أجله، حيث ثأر من قتلة الإمام الحسين وتولى إدارة شؤون البلاد، وشكّل حكومة.

موقف الإمام السجاد منها

ذكر الرواة انه لما أرسل المختار برؤوس قتلة الإمام الحسينعليه السلام إليه، خرَّ الإمام السجادعليه السلام ساجدا، ودعا له، وجزّاه خيرا، وقام أهل البيت كافة بإظهار الفرح، وترك الحداد والحزن.

كما ويُنقل عن الإمام قوله لعمّه محمد بن الحنفية: يا عم، لو أن عبدا تعصّب لنا أهل البيت، لوجب على الناس مؤازرته، وقد ولَّيتك هذا الأمر فاصنع ما شئت.

ولكن توجد بعض الروايات أيضا تحكي عن عدم رضى الإمام عن فعلة المختار ومنها ما يذكر من إرسال المختار للإمام بعض الهدايا من العراق ولكن أبى الإمام أن يقبلها قائلا: “أَمِيطُوا عَنْ بَابِي فَإِنِّي لَا أَقْبَلُ هَدَايَا الْكَذَّابِينَ وَ لَا أَقْرَأُ كُتُبَهُم‏”

ثورة عبد الله بن الزبير


قال الشيخ القرشي: انطوت نفوس الحجازيين على كره عميق للأمويين، وذلك لهجومهم في أيام يزيد على مدينة النبي وعلى الكعبة المقدسة التي هي موضع عز المسلمين، وعندما دعاهم ابن الزبير لمبايعته استجابوا له، وقد خلص له الحجاز بأسره كما خلص له غيره من سائر الأقاليم الإسلامية.

كان عبد الله بن الزبير يبغض آل النبيصلی الله عليه وآله وسلم
,يُذكر ان ابن الزبير طلب من العلويين البيعة له، فقالوا: لا نبايع حتى تجتمع الأمة، فاعتقلهم في زمزم وتوعدهم بالقتل والاحراق، فاستنجد ابن الحنفية بالمختار الثقفي، فأرسل المختار قوة عسكرية بقيادة أبي عبد الله الجدلي، فهجمت على السجن وخلصت العلويين منه.

موقف الإمام السجاد منها

يحدثنا التاريخ ان الإمام السجادعليه السلام لم يؤيد ابن الزبير وكان يظهر التخوف من حكمه، ولعلّه بسبب أنّ ابن الزبير اتّخذ مكّة موقعاً لحركته، مما يؤدي عند هزيمته إلى أن يعتدي الأمويون على هذه البلدة المقدَسة الاَمنة، وعلى حرمة البيت الحرام والكعبة الشريفة، – وقد حصل ذلك فعلاً – مع أنَ علم الإمام بفشل حركته لضعفه وقلّة أنصاره بالنسبة إلى جيوش الدولة الأموية، كان من أسباب امتناع الإمام ومعه كل العلويين من الاعتراف بحركة ابن الزبير.

وقد ذكر بعض المفكرين مجموعة من الصفات التي اتصفت بها فترة الحكم الأموي:

إن نظام الحكم في عهد ملوك الأمويين كان بما يُسمى في لغة العصر بـ “نظام الأحكام العرفية”.

لقد كان الاتهام بالكفر والزندقة والالحاد في زمن حكم الأمويين أهون من الاتهام بالولاء لأهل البيتعليهم السلام، وقد عُلّقت في الساحات العامة في الكوفة مجموعة من الجثث قد صُلبوا لحبهم للإمام أمير المؤمنينعليه السلام كميثم التمّار ورشيد الهجري وأمثالهما.

كان الأمويون طغاة مستبدين لانتهاكهم قوانين الإسلام وشرائعه، وامتهانهم لمثله العليا، ووطئها بأقدامهم.

الملوك الذين عاصرهم

الملوك الذین عاصرهم الإمام السجاد هم يزيد بن معاوية، ومعاوية بن يزيد، ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان، والوليد بن عبد الملك.

وبخصوص علاقة مروان بن الحكم بالإمام فيُنقل أن علاقته كانت طيّبة مع الإمام السجادعليه السلام لما أبداه الإمام تجاهه من رعاية أيام وقعة الحرة، وكان مروان شاكرا للإمام هذه المكرمة.

وأما علاقة عبد الملك بالإمام زين العابدينعليه السلام ففي بداية حكمه نقلت لنا التواريخ ان عبد الملك بن مروان كان ليّنا في تعامله مع الإمام فلم يتعرض له بسوء في بدايات حكمه، فعندما أشار عليه الحجاج الثقفي بقتل الإمام السجادعليه السلام ليصفو له الملك، فكتب له كتاب يقول فيه: فانظر دماء بني عبد المطلب فاحتقنها و اجتنبها، فإنّي رأيت آل أبي سفيان لمّا ولغوا فيها لم يلبثوا إلّا قليلا

ولكن روي ان عبد الملك بن مروان بعث للإمام السجادعليه السلام يستوهبه سيف رسول اللهصلی الله عليه وآله وسلم فامتنع الإمام من إجابته، فكتب إليه عبد الملك يتهدده ويتوعده بقطع رزقه من بيت المال، فأجابه الإمامعليه السلام: أما بعد، فإنَّ الله ضمن للمتقين المخرج من حيث يكرهون، والرزق من حيث لا يحتسبون، وقال جل ذكره﴿إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ﴾ فانظر أينا أولى بهذه الآية، والسلام.

وأخيرا أمر عبد الملك باعتقال الإمام زين العابدينعليه السلام وحمله من المدينة إلى دمشق: قال الزهري: شهدت علي بن الحسين يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام، فأثقله حديداً ووكل به حفاظاً في عدّة وجمع.

وهكذا بالنسبة لعلاقة الوليد بن عبد الملك بالإمام علي بن الحسينعليه السلام حيث قيل: إنَّ الوليد بن عبد الملك كان يرى أنه لا يتم له الملك والسلطان مع وجود الإمام زين العابدين، فدسّ له السم

استشهاد الإمام علي بن الحسين عليهما السلام

إذ كان الإمام الحسن مات مسموما بعسل ، بعدما دس معاوية إلى جعدة زوجته أن تسقيه سماً فأَرسل لها مائة ألف درهم ووعدها بالزواج من ابنه يزيد شرط أن تدس السم للحسن، وقال لها إن قتلت الحسن زوجتك بيزيد، وهو ما حدث، فبعثت إلى معاوية تطلب قوله وتنفيذ ما وعد، فقال لها فى جواب “أنا أضن بيزيد”، وخلف بوعده، وبحسب رواية ابن عباس أن معاوية أظهر الشماتة بموت الحسن.

ولم يكتفي بني أمية بسم الإمام الحسن ثم قتل الإمام الحسين وآل البيت في معركة كربلاء وانتهك حرم آل بيت المصطفى بعد قتلوا الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين عليهما السلام بالسم أيضاً

وبحسب كتاب ” معجم أنصار الحسين – الهاشميّون – الجزء الثاني: دائرة المعارف الحسينية” لـ محمّد صادق محمّد الكرباسي، فأن عندما تولى الخليفة الوليد بن عبد الملك الأموى، ضاق بالإمام زين العابدين، ويروى الزهرى أنه قال: لا راحة لى وعلى بن الحسين موجود فى دار الدنيا”، وكان أخوه هشام بن عبد الملك فى مكة، يحج بيت الله وحاول مرارا استلام الحجر الأسود، وكان يقف الإمام زين العابدين له بالمرصاد، فاتفقا مع أخيه على قتله، فدبرا سما قاتلا، عبر عامله أو أحد المرتزقة، ليدسه إلى الإمام زين العابدين، ولما نفذ السم إلى بدن الإمام أخذ يعانى أشد الألم وأقساه بضعه أيام.

الدور الفكري للإمام السجاد

قال الشيخ القرشي: لقد فتح الإمام زين العابدينعليه السلام آفاقا من العلم لم يعرفها الناس من ذي قبل فقد عرض لعلوم الشريعة الإسلامية من الحديث، والفقه، والتفسير، وعلم الكلام، والفلسفة، ويقول بعض المترجمين له: إن العلماء رووا عنه من العلوم ما لا يحصى.

وذكر المحدثون أن الإمام علي بن الحسين روى مجموعة كبيرة من الأحاديث عن جدّيه الرسول الأعظمصلی الله عليه وآله وسلم والإمام أمير المؤمنينعليه السلام، وعن أبيه الإمام الحسينعليه السلام وغيرهم.

ولقد استفاد الإمام زين العابدين من الدعاء لطرح بعض المعتقدات الإسلامية فأوجد لدى الناس مرة أخرى اندفاعا وحركة نحو العبادة والتوجّه إلى الله.

ومن هذه المعتقدات التي وردت في الصحيفة السجادية مسألة الإمامة، كقوله: رَبِّ صَلِّ عَلَى أَطَايِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِأَمْرِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِينِكَ، وَخُلَفَاءَكَ فِي أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإِرَادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمُ الْوَسِيلَةَ إِلَيْكَ، وَالْمَسْلَكَ إِلَى جَنَّتِكَ‌.

وقوله عليه السلام: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَائِكَ وَمَوَاضِعَ أُمَنَائِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا قَدِ ابْتَزُّوهَا، وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ، لَا يُغَالَبُ أَمْرُكَ، وَلَا يُجَاوَزُ الْمَحْتُومُ مِنْ تَدْبِيرِكَ‌ كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ، وَلِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَى خَلْقِكَ وَلَا لِإِرَادَتِكَ حَتَّى عَادَ صِفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّينَ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلًا، وَكِتَابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أَشْرَاعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً.

قال ابن الصباغ: «توفي علي بن الحسين زين العابدين في الثاني عشر من المحرم سنة أربع وتسعين من الهجرة وله من العمر سبع وخمسون سنة، أقام منها مع جده أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب سنتين، ومع عمه أبي محمّد الحسن بعد وفاة جده علي أحد عشر سنة وكان بقاؤه بعد مصرع أبيه ثلاثاً وثلاثين سنة، يقال: انه مات مسموماً، وان الذي سمه الوليد بن عبد الملك، ودفن بالبقيع في القبر الذي دفن فيه عمه الحسن في القبة التي فيها العباس بن عبد المطلب»

وقال ابن سعد «كان علي بن الحسين مع أبيه بطف كربلا، وعمره إذ ذاك ثلاث وعشرون سنة، لكنه كان مريضاً ملقى على فراشه وقد أنهكته العلة والمرض، ولما قتل والده قال الشمر بن ذي الجوشن: اقتلوا هذا الغلام، فقال بعض أصحابه تقتل مريضاً لم يقاتل فتركوه، قال ابن عمر: هذا هو الصحيح وليس قول من قال بأنّه كان صغيراً حينئذ لم يقاتل وأنه ترك بسبب ذلك بشيء»

وقال الإمام الكاظم عليه السلام: «لما حضر علي بن الحسين الوفاة أغمى عليه ثلاث مرات فقال في المرة الأخيرة: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الاَْرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)ثم مات صلوات الله عليه»

روى الباقر عن أبيه علي بن الحسين « أنه أتى في الليلة التي قبض فيها بشراب فقيل له: اشرب، فقال: هذه الليلة وعدت أن أقبض فيها»

روى الحسن بن علي ابن بنت الياس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سمعته يقول: ان علي بن الحسين لما حضرته الوفاة أغمي عليه، ثم فتح عينيه وقرأ إذا وقعت الواقعة، وانا فتحنا لك، وقال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الاَْرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) ثم قبض من ساعته ولم يقل شيئاً»

قال سهل بن زياد: «لما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة أغمي عليه فبقي ساعة، ثم رفع عنه الثوب ثم قال: «الحمد لله الذي أورثنا الجنة نتبوّء منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين». ثم قال: احفروا لي وابلغوا الى الرسخ، قال: ثم مد الثوب عليه فمات»

قال أبو جعفر عليه السّلام: «لما حضر علي بن الحسين عليهما السلام الوفاة ضمني الى صدره وقال: يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، ومما ذكر أن أباه أوصاه به قال: يا بني اياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً الاّ الله».

قال أبو عبد الله عليه السّلام: «لما كان في الليلة التي وعد فيها علي بن الحسين عليهما السلام قال لمحمّد عليه السّلام: يا بني ابغني وضوءً قال: فقمت فجئته بوضوء قال: لا ابغي هذا فان فيه شيئاً ميتاً، قال: فخرجت فجئت بالمصباح فإذا فيه فارة ميتة فجئته بوضوء غيره فقال: يا بني هذه الليلة التي وعدتها، فأوصى بناقته أن يحضر لها حظار وأن يقام لها علفٌ فجعلت فيه. قال: فلم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها ورغت وهملت عيناها، فاُتي محمّد بن علي فقيل له: ان الناقة قد خرجت فأتاها فقال: صه الآن قومي بارك الله فيك، فلم تفعل، فقال: وان كان ليخرج عليها الى مكة فيعلّق السوط على الرحل فما يقرعُها حتى يدخل المدينة، قال: وكان علي بن الحسين يخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم، حتى يأتي باباً باباً فيقرعُهُ ثم ينيل من يخرج اليه، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذاك فعلموا أن علياً كان يفعله».

قال سبط ابن الجوزي: «اختلفوا في وفاته على أقوال: أحدها: أنه توفي سنة أربع وتسعين، والثاني، سنة اثنين وتسعين، والثالث: سنة خمس وتسعين، والأول أصح، لأنها تسمى سنة الفقهاء لكثرة من مات بها من العلماء، وكان سيد الفقهاء مات في أولها وتتابع الناس بعده سعيد بن المسيّب، وعروة بن الزبير، وسعيد بن جبير، وعامة فقهاء المدينة. أسند على الحديث عن أبيه، وعمه الحسن، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وأم سلمة، وصفية، وعائشة في آخرين، وعاش سبعاً وخمسين سنة، وقيل: ثمان وخمسين وهو الأصح».

روى علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب «أنه سبح في سجوده فلم يبق حوله شجرة ولا مدرة الاّ سبحت بتسبيحه، ففزعت من ذلك واصحابي ثم قال: يا سعيد ان الله جل جلاله لما خلق جبريل ألهمه هذا التسبيح فسبحت السماوات ومن فيهن لتسبيحه الأعظم، وهو اسم الله عزّوجل الأكبر، يا سعيد أخبرني أبي الحسين عن أبيه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن جبريل عن الله جل جلاله أنه قال: ما من عبد من عبادي آمن بي وصدق بك، وصلى في مسجد ركعتين على خلأ من الناس، الاّ غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلم أر شاهداً أفضل من علي ابن الحسين عليه السّلام حيث حدثني بهذا الحديث، فلما أن مات شهد جنازته البر والفاجر وأثنى عليه الصالح والطالح، وانهال الناس يتبعونه حتى وضعت الجنازة فقلت: ان ادركت الركعتين يوماً من الدهر فاليوم، ولم يبق ثم لا رجل ولا امرأة إلاّ خرج الى الجنازة، ووثبت لأصلي فجاء تكبير من السماء فأجابه تكبير من الأرض، فأجابه تكبير من السماء فأجابه تكبير من الأرض، ففزعت وسقطت على وجهي، فكبر من في السماء سبعاً وكبر من في الأرض سبعاً، وصُلّي على علي ابن الحسين، ودخل الناس المسجد فلم أدرك الركعتين ولا الصلاة على علي بن الحسين فقلت: يا سعيد لو كنت أنا لم أختر الاّ الصلاة على علي بن الحسين ان هذا لهو الخسران المبين، قال: فبكى سعيد، ثم قال: ما أردت الاّ الخير، ليتني كنت صليت عليه فانه ما رأى مثله. والتسبيح هو هذا: سبحانك اللهم وحنانيك، سبحانك اللهم وتعاليت، سبحانك اللهم والعز إزارك، سبحانك اللهم والعظمة رداؤك، ويقال سربالك، سبحانك اللهم والكبرياء سلطانك، سبحانك من عظيم ما اعظمك، سبحانك سبحت في الأعلى، سبحانك تسمع وترى ما تحت الثرى، سبحانك أنت شاهد كل نجوى، سبحانك موضع كل نجوى، سبحانك حاضر كل ملأ، سبحانك عظيم الرجاء، سبحانك ترى ما في قعر الماء، سبحانك تسمع أنفاس الحيتان في قعور البحار، سبحانك تعلم وزن السماوات، سبحانك تعلم وزن الأرضين، سبحانك تعلم وزن الشمس والقمر، سبحانك تعلم وزن الظلمة والنور، سبحانك تعلم وزن الفيء والهواء، سبحانك تعلم وزن الريح كم هي من مثقال ذرة، سبحانك قدوس قدوس قدوس، سبحانك عجباً من عرفك كيف لا يخافك، سبحانك اللهم وبحمدك، سبحان العلي العظيم»

قلم وصوت ومحام آل البيت
إبن وليد الكعبة وشهيد المحراب أمير المؤمنين الإمام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى