مقالات

أيمن مدين يكتب: النظام العالمى المتعدد ومخاطر الحرب المتعددة “العالمية”

فى الوقت الذى تحتدم فيه المعارك الدائرة فى شرق أوربا بين كلا من روسيا وأوكرانيا وفى الوقت الذى لم يكد العالم يلتقط فيه أنفاسه  ويتعافى من الأثارالإقتصادية والسياسية المزلزلة الناجمة عن هذه الحرب حتى بدأت الولايات المتحدة الأمريكية فى ممارسة هوايتها المفضلة والتى إعتادت أن تمارسها منذ عقود وهى إشعال الحروب والفتن بين الدول لتحقيق مصالحها على حساب مصالح تلك الدول وشعوبها غير أبهه بما ينتج عن هذه الحروب من خسائر جمة  سواء إقتصادية أو إجتماعية أو فى العنصر البشرى .   

  فنجد أن الولايات المتحدة قد قررت فى هذه المرحلة أن تتوجه إلى شرق اسيا لتواجه الخصم الأول الذى لطالما اعتبرته التهديد الأكبر لعرشها والذى بات خطرا حقيقيا على موقعها فى صدارة العالم ( الصين ) وتسعى امريكا جاهدة إلى إستنساخ الحرب فى شرق أروبا ونقلها إلى شرق أسيا مستخدمه العصا التى لطالما استغلتها فى الضغط على جمهورية الصين الشعبية بين الحين والأخر وهى ( تايوان ) والتى تسعى للإنفصال عن جمهورية الصين الشعبية وإعلان الإستقلال وهو الأمر الذى لطالما رفضته الصين مررا وتعتبره خطا أحمرا و تدخلا فى شئونها الداخليه . و لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل بدأت أيضا التنسيق مع حليفتها إسرائيل لتوجيه ضربة لإيران لمعاقبتها على الدعم العسكرى الذى تقدمه لروسيا فى حربها مع اوكرانيا وهو السبب الذى لم تفصح عنه الولايات المتحدة بل تعزى الأمر كله للملف النووى الإيرانى وأمن المنطقه لكى تحصل على  دعم وتأييد دول الخليج العربى وعلى رأسها المملكة العربية السعودية مستغله التوتر فى العلاقات بين المملكة وإيران والذى نتج عن الهجوم الذى طال البعثات الدبلوماسية السعودية فى إيران عام 2016 عقب إعدام السعودية للمعارض الشيعى نمر النمر .

لذا تعالوا نلقى نظرة على هذه التحركات بشرق أسيا 

للولايات المتحدة علاقات ممتدة مع عدد من دول شرق أسيا مثل ( كوريا الجنوبية – اليابان – تايوان – الفلبين) وغيرها من دول هذه المنطقة والتى تستغلها أمريكا فى تحقيق أهدافها والعمل على عرقلة تقدم غريمتها الأولى الصين فى محاولة لمنعها من إزاحتها عن صدارة العالم 

  1. اليابان 

 تستضيف اليابان حوالى 39 الف جندى أمريكي وهو الرقم الاكبر حول العالم بالنسبه للأعداد القوات الامريكية المتواجدة خارج أراضيها  تتمركز اغلبها فى جزيرة اوكيناوا والتى تستضيف أيضا الأسطول السابع الأمريكي أكبر قوة بحرية أمريكية منتشرة فى العالم وتضم ما بين 50 الى 70 سفينه حربية وغواصة و 140 طائرة وحاملة الطائرات النووية رونالد ريجين وهو ما مكن الامريكان من السيطرة على دوائر صنع القرار باليابان وإستخدامها للضغط على كلا من روسيا فيما يخص جزر الكوريل . والصين عبر جزر سينكاكو ببحر الصين الشرقى ونجد فى الأونة الاخيرة أن اليابان قد بدأت فى تحديث جيشها وتسعى لتسليحه بأسلحة حديثة على رأسها الصواريخ الفرط صوتيه بمساعده الولايات المتحده وهو الأمر الذى انتقدته كلا من روسيا والصين واعتبراه تهديدا لهما خاصه وان اليابان قد قررت رفع ميزانية الدفاع إلى ما يزيد عن 800 مليار دولار وهو رقم ضخم للغايه .

  1. تايوان 

-أزمة مضيق تايوان الاولى : تعود الازمة إلى عام 1954  فبعد انتهاء الحرب الأهلية الصينية وهروب الحكومة واستقرارها بتايوان ( جمهورية الصين ) استولت الصين الشعبيه على جزيرة ييجيانغشان على بعد 400 كيلو من تايبيه ما اجبر تايوان على التخلى عن جزر داتشين وتدخلت الولايات المتحدة عبر إسطولها لمساعدة تايوان على إجلاء العسكريين والمدنيين من جزر داتشين وكاد الأمر يصل للنزاع بين الصين الشعبيه والولايات المتحده . 

الأزمة الثانية : فى عام 1958 إندلع القتال مجددا حينما قصفت قوات ماو تسى تونج جزيرتى كيمنمين وماتسو لطرد القوات القومية منها خشيت الولايات المتحدة من سيطرة بكين على تايوان فأمر الرئيس الامريكي ايزنهاور قواته بتزويد حلفائهم فى تايوان بالامدادات . ما اضطر الصين الشعبيه فى وقف اطلاق النار وفشل محاولتها فى الإستيلاء على الجزر .

الأزمة الثالثة : فى عام 1995 عندما بدات الصين تجارب  إطلاق صواريخ فى المياه المحيطه بتايوان أحتجاجا على زيارة لى تين هوى رئيس تايوان إلى الجامعة التى تخرج منها فى الولايات المتحدة والذى كان يسعى لإعلان تايوان دولة مستقله ما جعل الصين تعيد إطلاق الصواريخ عام 1996 بينما كانت تايوان تنظم أول إنتخابات رئاسية . وهنا دفعت امريكا بحاملات الطائرات لاجبار الصين على التوقف 

وظلت قضية تايوان وإستقلالها محل خلاف بين كلا  جمهورية الصين الشعبية التى تعتبرها جزء منها ويجب إعادتها للوطن الام وبين الولايات المتحدة الأمريكية التى تعتبرها خنجر فى خاسرة المنافس الأول لها والخطر الاكبر على نظامها العالمى الصين الشعبيه .

  1. كوريا الجنوبية

تعود العلاقات بين الولايات المتحدة  الامريكية وكوريا الجنوبية الى عام 1950 حيث قاتلت امريكا إلى جانبها فى الحرب الكورية وساعدتها فى طور الإنشاء وفى عام 1953 إتفق البلدان على التحالف العسكرى ومنذ ذلك الحين يتم التعاون بين البلدين فى مواجهة أى تهديد ويوجد بكوريا الجنوبية ما يقارب 29 الف جندى امريكي وتجرى بينهما مناورات مشتركة كما تربطهما علاقات تجارية بالإضافة إلى التنسيق العسكرى . وقد شهدت العلاقات الصينية الكورية الجنوبية توترا عقب نشر منظومة ثاد الصاروخية الامريكية فى كوريا الجنوبية ومخاوف الصين من رادارات المنظومة القوية وفى العام 2017 تم احتواء الامر واتفق كلا من الصين وكوريا الجنوبية على تعزيز التعاون بين البلدين ولكن فى الاونة الأخيرة ومع تنامى قدرات كوريا الشمالية حليف الصين الاول بالمنطقة الصاروخيه تستشعر كوريا الجنوبية الخطر ما جعلها تزيد من التدريبات العسكرية مع الولايات المتحدة وهو ما يعد مصدر قلق لكوريا الشمالية والصين على حد سواء وقد تتدخل كوريا الجنوبية فى اى صراع قد ينشب بين امريكا والصين إن لم يكن عبر جيشها الوطنى ستستخدم الولايات المتحدة قواعدها على أراضيها .

  1. الفلبين 

ترتبط الولايات المتحدة والفلبين بعلاقات عميقة ويشكل الامريكيون الفلبينيون ثالث أكبر عرقية تنحدر من أسيا ويبلغ عددهم 3.9 مليون نسمة ويرى 90% من الفلبنيين الولايات المتحدة كواحده من الدول المفضلة لديهم . كما ترتبط البلدين بمعاهدة دفاع مشترك منذ العام 1951 ومرت العلاقات بين البلدين بمحطات عديدة وتعاون فى مختلف المجالات ففى العام 2014 تم إبرام إتفاق تعاون دفاعى معزز وفى العام 2022 أكد البلدين على أهمية التحالف الثنائى    وتعزيز العلاقات بينهما فى مختلف المجالات ونظمت البلدين مناورات بحرية وفى فبراير 2023 أعلنت الولايات المتحدة أنها ابرمت إتفاق مع الفلبين يسمح لجنودها بإستخدام 4 قواعد إضافيه خلال زيارة وزير الدفاع الامريكي لويد اوستن فى مسعى للتصدى للنفوذ الصينى 

هذا وقد أسست الولايات المتحدة تحالفات مع عدد من الدول فى محيط الصين كحلف اوكوس الذى يضم كلا من (الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة وإستراليا ) وتحالف كواد والذى يضم (الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة والهند واليابان ) كما اعلنت الولايات المتحدة عزمها إعادة فتح سفارتها بجزر سليمان لمواجهة نفوذ الصين المتزايد فى المحيط الهادئ . 

وعلى الجانب الاخر لم تقف الصين مكتوفة الأيدى بل بدأت فى التحرك لتعزيز قدراتها العسكرية حيث أعلنت زيادة ميزانيتها العسكرية بأكثر من 7% بقيمة ٢٢٥ مليار دولار كما تعمل على زيادة التدريبات والمناورات العسكرية لرفع قدرات قواتها والاستعداد القتالى 

وتحسبا لتوقيع عقوبات ضدها على غرار ما حدث مع روسيا عملت الصين على توثيق علاقاتها مع دول العالم بعيدا عن اوربا وامريكا الشمالية .كما شرعت فى زياده استثماراتها الزراعية والتكنولوجيه فى الخارج لضمان امنها الغذائى والصناعى .

ومصرفيا اتجهت الصين للاتفاق مع دول عديدة على التبادل التجارى بالعملة المحلية اليوان لتقليل الإعتماد على الدولار 

 كما سعت لإستخدام أنظمة صرف دولية غير الانظمة الامريكية . كما بدأت الصين فى تقليص ودائعها فى بنوك سويسرا خشية تجميد أموالها كما حدث مع روءيا وهو ما تسبب فى قلق للبنوك بسويسرا حيث تعد الصين من أكبر المودعين فى البنوك السويسرية .

ولا يمكن تجاهل كوريا الشمالية الحليف المقرب لجمهورية الصين الشعبيه . وعلاقة زعيمها كيم جونج اون المتوترة مع جارته الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية . والذى لا يكف عن تطوير وإطلاق الصواريخ الباليستيكية والتى تسبب صداع لكوريا الجنوبية والصين وأيضا اليابان. 

ويتضح من كل هذه التحركات من كلا البلدين أن هناك قناعة بأن الصدام بينهما اصبح مسألة وقت ومما لا شك فيه لن يكونا منفردان بل ستنخرط فى هذه الحرب عدد من الحلفاء الذين تم ذكرهم ما ينذر بإمكانية تحول هذا الصدام إلى حرب متعددة الاطراف ( حرب عالمية) . 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى