مقالات

محمد كامل العيادي يكتب: “عسكر آكاييف” ونهايته المحتومة !



لا صداقة تدوم ، ولا وفاء يستمر، فما تقوم به الدول العظمى هو فقط من أجل مصالح دولهم، ولا يعنيهم أي شيء آخر، ولا أي دولة أخرى، ولا الديمقراطيات التي ينادون بها، فما هي إلا رماد يُذر في أعين الشعوب، وتوجد أمثلة كثيرة بمن غدرت بهم ، رغم ولائهم العظيم لأمريكا، فأردتهم أرضاً ليخلو لمن يأتي من بعدهم وجه أمهم أمريكا ، ليكملوا مسيرة القابعين المتذللين، الذين استنفذوا كل ما لديهم من تنازلات، ومن هؤلاء القابعين رئيس العراق السابق “صدام حسين”، وشاه إيران ” محمد رضا بهلوي”، والرئيس الباكستاني ” برويز مشرف”، والرئيس الفلبيني ” فرديناند ماركوس” والرئيس الجورجي ” إدوارد شيفاردنادزه” ، وحاكم قرقيستان ” عسكر آكاييف”، وغيرهم الكثير.
وسنلقي الضوء على نموذج واحد مما ذكرنا، وهو “عسكر آكاييف” الذي نجح الأمريكان أن يحيدوه لصالحهم، ولقد ولد ” آكاييف” عام 1944م، في قرية يعمل أهلها في الزراعة، وأكمل مراحل تعليمه حتى وصل إلى المرحلة الجامعية، فسافر إلى جامعة ليننجراد والتي كانت تعتبر قبلة العلوم السوفيتية، والذي درس فيها علم الفيزياء حتى استطاع أن يحصل على درجة الدكتوراه، ليعود عام 1976م، إلى بلاده ليرتقي منصب رئاسة أكاديمية العلوم عام 1986م، في “قرغيزيا”، وقام الحزب الحاكم بتلميع صورته أمام الشعب، والعمل على ضم النخبويين للحزب.
ومع بدء لفظ الشيوعية أنفاسها الأخيرة في قرغيزيا عام 1989م، أُختير ” آكاييف” رئيساً للبلاد، عام 1990م، من قِبل البرلمان القرغيزي، رغم عدم إجادته السياسة ، ولكن تم اختيار شخص بنفس المواصفات لسهولة السيطرة عليه، وتحريكه من خلف الستار، وذلك لتحقيق ما يتطلعون إليه في تحقيق مصالحهم، وإقامة المشاريع وتحقيق طموحاتهم، فأصبح الطريق ممهداً لـ “آكاييف” في كسب مقعد الرئاسة في أول انتخابات شعبية بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991م، ونجح في إدخال مفاهيم إصلاحية جديدة ، مما جعل الغرب يرون فيه أمل الديمقراطية في قرغيزيا ، والتي ستتحول على يده إلى أكبر دولة ديمقراطية في آسيا.
قام ” آكاييف” بمشروعات ساعدت في الإصلاح الاقتصادي في البلاد، كما قام بدفع عجلة الخصخصة إلى الأمام، وقام بالاهتمام بالمزارع والعمل على منحهم حقوقاً ما كانوا يحلمون بها، فأصبح رجل الدولة بلا منازع، ولكن الشيوعيين بالمراوغة التي يجيدونها وقدرتهم على تغيير المصطلحات يفعلون ما بوسعهم لضمان بقائهم في السلطة، علماً أن “آكاييف” لا ينتمي وجداناً للحزب الشيوعي.
كان يميز ” آكاييف” إنصاته لمن يقوم بانتقاده من الصحفيين، بل كان يقوم بالاتصال به ويشكره على لفت انتباهه مع وعده بالتغيير، فساعدت هذه الحرية على نمو مؤسسات المجتمع المدني والتي بدأت تتلقى أموالاً من العديد من المؤسسات المالية سواء المنسوبة لأشخاص، أو مؤسسات دولية منسوبة للاتحاد الأوروبي، وأصبحت الأحزاب والحركات الاجتماعية ، والسياسية، على درجة لا بأس بها من الوعي ، وأصبح ” آكاييف” بين مطرقة الحاشية السياسية التي لديها الرغبة في توزيع القوى والثروة على أماكن تراها لا تستفيد منها، وسندان ما وقع تحت تأثيره باختيار بعض القادة في الأماكن الحساسة من أهله ، ومعارفه، وتحولت “قرغيزيا ” من نظام ديموقراطي إلى نظام دكتاتوري، ليتجه ” آكاييف” إلى الهاوية، ونجح في انتخابات عام 2000م، وهي الفترة الثانية له، مما جعل مراقبي المنظمات الدولية باتهامه بالتزوير، وأصبح ابنه، وابنتاه، وأخواه، وأختا زوجته، أعضاء في البرلمان، فأشعل هذا كله حماس المعارضة، فقام ” آكاييف” باعتقال زعيم المعارضة ” فليكس كولوف” بتهمة الاختلاس، حتى جاءت أحداث سبتمبر واستغلت الولايات المتحدة الأمريكية وجود قضايا فساد على “آكاييف” فطلبت منه إقامة قاعدة عسكرية أمريكية لديه مقابل التغاضي عن فساده ، فوافق ، وفي المقابل سمح لروسيا إقامة قاعدة مماثلة، وتمكنت المعارضة القرغيزية بطرد ” آكاييف” مع إعلانها عدم مساس المصالح الأمريكية والروسية.
هكذا تكون نهاية كل من ترك أماكن العمل الحساسة في الدولة لأهله ومعارفه حتى كادت أن تسقط، كما فعل ” آكاييف” الذي علق آماله على أن تقف معه أمريكا الحليف القوي ، لكن لا يعلم أن الحليف القوي لا يقف مع المستبد عندما يرى أن وجوده يؤثر على مصالحه، فالقوى الخارجية مهما عظمت لا تستطيع أن تضمن بقاء أي مستبد، فالضمان الوحيد لبقاء الحاكم هو شعبه ومدى رضاهم عنه، ومما لا شك فيه، أن التاريخ يدون غدر القوى العظمى بحلفائها، وبحثهم عن البديل الذي يراهنون عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى