مقالات

أيمن مدين يكتب: وثيقة كامبل وما تواجهه المنطقة من تحديات


إن الإمبراطوريات تتكون وتتسع ثم تستقر إلى حد ما ثم تنحل رويدا رويدا ثم تزول والتاريخ ملئ بمثل هذه التطورات وهو لا يتغير بالنسبة لكل نهضة ولكل أمة فهناك إمبراطوريات “روما – أثينا – الهند – الصين ” ومن قبلها ( بابل – أشور – الفراعنة ) فهل لديكم أسباب أو وسائل يمكن ان تحول دون سقوط الإستعمار الأوروبى وإنهياره أو حتى تؤخر مصيره ؟ وقد بلغ الأن الذروة وأصبحت أوروبا قارة قديمة إستنفدت مواردها وشاخت مصالحها بينما لا يزال العالم الأخر فى صرح شبابه يتطلع إلى المزيد من العلم والتنظيم والرفاهية هذه هى مهمتكم أيها السادة وعلى نجاحها يتوقف رخائنا وسيطرتنا .
بهذه الكلمات افتتح هنرى كامبل بنرمان رئيس وزراء بريطانيا المولع بالتاريخ والفلسفة مؤتمر لندن الذى دعا إليه حزب المحافظين البريطانى برئاسة أرثر بلفور سرا عام 1905 واستمرت مناقشاته حتى عام 1907 والذى ضم الدول الإستعمارية فى ذلك الوقت ( بريطانيا – هولندا – بلجيكا – إسبانيا – إيطاليا ) وشارك فيه أيضا سياسيين ومفكرين ومشاهير المؤرخين وعلماء الجغرافيا والإجتماع وباحثين فى الإقتصاد و صدر عنه وثيقة سرية سميت ” وثيقة كامبل ” نسبة إلى رئيس وزراء بريطانيا هنرى كامبل حيث توصلوا إلى نتائج مفادها ” إن البحر الابيض المتوسط هو الشريان الحيوى للإستعمار حيث أنه يعتبر الجسر الذى يصل الشرق بالغرب والممر الطبيعى للقارتان الإفريقية والأسيوية وملتقى طرق العالم والمشكلة أن هناك شعب واحد تجمعه وحده تاريخيه ويتحدث بلسان واحد ويدين بدين واحد يعيش على شواطئه الشرقية والجنوبية فى إشارة إلى ” الشعب العربى ” ولذلك تم إصدار توصيات هي
1 – إبقاء شعوب هذه المنطقة مفككة جاهلة ومتأخرة ومن هذا المنطلق تم تقسيم دول العالم بالنسبه إليهم إلى ثلاث فئات
الأولى : دول الحضارة الغربية المسيحية ( أوروبا – أمريكا الشمالية – استراليا ) وهى التى يجب دعمها ماديا وتقنيا لتصل إلى مستوى متقدم
الثانية : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ولكن لا يوجد تصادم حضارى معها ولا تشكل تهديدا عليهم ( أمريكا الجنوبية – كوريا – اليابان – وغيرها ) وهى الدول التى يجب إحتوائها ويمكن دعمها بالقدر الذى لا يشكل تهديدا لهم ويمكنهم من الاحتفاظ بتفوقهم
الثالثة : دول لا تقع ضمن الحضارة الغربية المسيحية ويوجد تصادم حضارى معها وتشكل تهديدا لتفوقهم ( الدول العربية الإسلامية ) وهى التى يجب حرمانها من الدعم أو اكتساب العلوم والمعرفه التقنية والحيلولة دون تقدمها فى هذا المجال عبر محاربة إمتلاكها العلوم التقنية .
2- محاربة أى توجه وحدوى بينها ولكى يتحقق ذلك دعا المؤتمر إلى إقامة دولة فى فلسطين تكون بمثابة حاجز بشرى قوى يفصل الجزء الإفريقى عن الجزء الأسيوى من هذه المنطقه بحيث يحول دون وحدة هذه الشعوب وهى دولة إسرائيل على أن يتم فصل عرب أسيا عن عرب أفريقيا ليس فقط ماديا عبر الدولة الإسرائيلية بل إقتصاديا وسياسيا وثقافيا بحيث يبقى العرب فى حالة من الضعف وهو ما يصب فى مصلحتهم ومصلحة الدولة المقامة ” إسرائيل ” أيضا .
3- تكوين و دعم الأقليات بحيث لا يستقيم النسيج الإجتماعى لهذه الدول ويظل مرهون بالمحيط الخارجى
4- العمل على إبقاء المنطقة العربية هشة ثقافيا والعمل على غزوها فكريا لمنع أى تقدم محتمل لهذه المنطقة الحضارية والتى تعد مهد للأديان والحضارة أو إحدى دولها على إعتبار أنها مهددة للنظام القيمى الغربى .
وهو ما حدث بالفعل حيث أدت الإتفاقية إلى الحد من نهضة العرب ومنعهم من التقدم وإمتلاك العلم والمعرفه عبر سياسات هذه الدول التى تمنع العرب من إمتلاك العلوم التقنية وإمكانية تطويرها ولعبت القوى الخارجية دورا فى تقسيم الحدود العربية واشعال النزاعات الحدودية بينها مثل ( مشكلة الصحراء المغربيه ) وبث الفرقه وإنماء العداء بين العرب حول الصراع العربى الإسرائيلى ” إنتقاد العرب لمصر بسبب إتفاقية كامب ديفيد ” وهو ما يشكل سبب للتوترات العربية المستمرة .
إن امعنا النظر سنجد أن كل ما جاء فى الوثيقة يتم تطبيقه بالحرف من سعى مستمر لتقسيم المنطقه ودعم الغرب لدولة إسرائيل والعمل على إبقائها متفوقة على المنطقة العربية عبر حرمان الدول العربية من الحصول على التكنولوجيا الحديثة أو حتى إبرام صفقات تسليح تمكن الدول العربية من إمتلاك الأسلحة المتطورة مثل ” طائرات إف 35 ” فعلى الرغم من مطالبة دول عربية مثل مصر والإمارات للولايات المتحدة بإبرام عقود إمتلاك تلك المقاتلة المتطورة كان الرد بالرفض .
أيضا رفض الغرب مطالب الدول العربية بإمتلاك مفاعلات نووية سلمية ما جعل مصر تلجأ لروسيا لتساعدها فى إنشاء محطات كهروذرية ” الضبعة ” ، وهو ما جعل السعودية أيضا تشترط مساعدة الغرب لها فى إمتلاك مفاعلا نووى سلمى وأمدادها بأحدث التكنولوجيا مقابل التطبيع مع الكيان المحتل ” إسرائيل ” ويعد أحد أسباب عدم الإتفاق حول التطبيع بينهما .
ولعل ما نشهده من دعم غربى للأكراد على الحدود السورية التركية والعراقيه التركية تطبيق عملى لما جاء بالوثيقة حول تكوين ودعم الأقليات حتى ان امريكا قد تخلت عن حليفها عضو الناتو تركيا ” الإسلامية ” بسبب هذا الأمر.
ومما لا شك فيه إن منطقتنا العربيه تتعرض منذ عقود لغزو ثقافى ومحاولات تهدف لهدم القيم الأخلاقية وتغيير الثقافة المجتمعية وزعزعة الرواسخ العقائدية لدول المنطقة العربية ولم تدخرهذه الدول جهدا بل تنفق المليارات فى هذا الغرض وما يحدث من محاولات لدمج الأديان ” الدين الإبراهيمى ” المزعوم ودعم أفكار الشذوذ الجنسى ” مجتمع الميم ” المحرمة فى كل الأديان السماوية حتى عند الوثنيين تحت ستار شعار الحرية المطلقة المطاطي ليس سوى تطبيق لما جاء بالوثيقة المشؤمة .
وعلينا جميعا الإلتفات لكل ما يحدث من مخططات ومحاولات مستمرة للهيمنة على المنطقة والعالم وضرورة نبذ الخلافات بين دول منطقتنا العربية والعمل على محاربة الجهل ونشر العلم ودعم البحث العلمى والعمل على حفظ النسيج المجتمعى عبر ترسيخ قيم العروبة وترسيخ المعتقدات وحل أى خلاف بين الدول الشقيقة تحت مظلة عربية والحيلولة دون تدخل أى قوى خارجية وقطع الطريق على الصهاينة ومنعهم من الإستمرار ببث الفرقة بيننا والعمل على حل القضية الفلسطينية مستغلين التغيرات الجذرية فى موازين القوى العالمية والتغيرات الجيوسياسية للوصول لحل الدولتين والضغط عبر الدبلوماسية تارة واوراق الضغط الاخرى تارة اخرى
وزيادة التعاون العربى والتكامل البينى وتوجيه الإستثمارات لداخل المنطقة والإستغلال الأمثل لمواردها من أجل رخاء الشعب العربى الذى يمتلك كل المقومات التى تمكنه من الصعود للقمة و إنها كل أثر سلبى تسببت به هذه المخططات للإضرار بها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى