مقالات

في ذكرى استشهاده.. الإمام الحسن عليه السلام نشأ في أحضان جده رسول الله وغذّاه برسالته وأخلاقه

كتب- عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

في ذكرى استشهاد سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم حليم وكريم آل البيت الإمام الحسن بن أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عليهما السلام، نقول إن شهر رمضان الكريم، شهر تجلي الكتاب والعترة.. حيث أنزل فيه القرآن الكريم، وصادف اكتمال البدر فيه، اكتمال البركات، بميلاد الحسن الزكي المجتبى (عليه السلام)..

لقد نشأ الإمام الحسن عليه السلام (أبو محمد الحسن بن عليّ عليه السلام) في أحضان جدّه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وغذاه برسالته وتعاليم الإسلام وأخلاقه ويسره وسماحته، وظلّ معه وفي رعايته إلى أن اختاره الله إليه، حتّى أصبح مفطوراً على أخلاقه وآدابه وتعاليمه.

وفي الرواية: أتت فاطمة بابنيها الحسن والحسين إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في شكواه، التي توفي فيها فقالت: “يا رسول الله، هذان ابناك ورّثهما شيئاً” فقال: “أمّا الحسن فإنّ له هديي وسؤددي، وأمّا الحسين فإنّ له جودي وشجاعتي

وجاء عن أنس بن مالك، أنّه قال: دخل الحسن على النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم فأردت أن أميطه عنه, فقال: “ويحك يا أنس! دع ابني وثمرة فؤادي, فإنّ من آذى هذا آذاني, ومن آذاني فقد آذى الله”.

وكان الرسول صلى الله عليه واله وسلم يُقبِّل الإمام الحسن عليه السلام في فمه، ويُقبِّل الإمام الحسين عليه السلام في نحره, وكأنّه يريد إثارة قضيّة مهمّة ترتبط بسبب استشهادهما عليه السلام وإعلاماً منه عن تعاطفه معهما, وتأييده لهما في مواقفهما وقضاياهما.

لقد كان الإمام الحسن عليه السلام أحبّ الناس إلى النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم , بل لقد بلغ من حبّه له ولأخيه، أنّه كان يقطع خطبته في المسجد، وينزل عن المنبر ليحضنهما.
والكلّ يعلم أنّ الرسول صلى الله عليه واله وسلم لم ينطلق في مواقفه من منطلق الأهواء الشخصيّة, والنزعات والعواطف الذاتيّة, وإنّما كان ينبّه الأمّة إلى عظمة هذين الإمامين ومقامهما الرفيع.

وقد ورد عن النبيّّ صلى الله عليه واله وسلم في حقّه وحقّ أخيه الحسين عليه السلام الكثير من الروايات، التي تنصّ على فضلهما ومكانتهما وإمامتهما, ولهما معه صلى الله عليه واله وسلم الكثير من المواقف المشهودة والمعروفة، التي رواها الرواة والمؤرّخون، ممّا لا يسع المجال لذكرها وتعدادها.

الإمام الحسن بن علي الإبن الأول للإمام علي (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، والسبط الأكبر للنبي صلی الله عليه وآله وسلم، وذكرت الأخبار أنَّ النبي صلی الله عليه وآله وسلم سمّاه حسناً، وكان يحبّه كثيراً. عاش سبع سنين مع النبي صلی الله عليه وآله وسلم، وشارك في بيعة الرضوان، وحضر مع أهل البيت في المباهلة مع نصارى نجران.

والإمام السبط الحسن بن عليّ بن أبي طالب من أهل البيت (عليهم السلام)، تلك المدرسة المضيئة والنجوم المتألقة في سماء الإسلام العظيم فهم القدوة الشامخة التي اقتدت برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نهلوا من علمه ونشأوا في بيته وساروا على نهجه يدعون إلى كتاب الله تعالى والاعتصام بسنّة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، ويضربون في سلوكهم الأمثال السامية للأُمّة يدعون إلى الحقِّ ولا يحيدون عنه قيد أنملة، إنهّم كما يوضح لنا الحديث الشريف قرناء القرآن الكريم لا يفترقون عنه: «إنّي تارِكٌ فيكم الثَّقَلَينِ ما إن تَمسّكتُم بهما لن تَضِلُّوا: كتابَ اللَّهِ وعِترَتي أهلَ بَيتي، وإنَّهما لن يَفتَرِقا حتى يَرِدا عليَّ الحوضَ»، لأنّهم المصداق الأمثل لكلِّ ما حمل القرآن من مفاهيم وقيم ولذا نزل فيهم القرآن آية التطهير

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه وفي أخيه أحاديث كثيرة منها.
1- الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة.
2- من أحب الحسن والحسين فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني.
3- إبناي هذان إمامان قاما أو قعدا.
4- الحسن والحسين ريحانتاي في الدنيا وفي الآخرة.
إلى غير ذلك من الأحاديث النبوية الشريفة، المتواترة التي نقلها حملة الأحاديث من جهابذة العلماء وأكابر الحفاظ في سننهم وصحاحهم ومسانيدهم مسندة ومرسلة إرسال المسلمات. ويكفيهما فخرا أنهما طاهران مطهران بحكم آية التطهير التي نزلت في جدهما رسول الله، وأبيهما أمير المؤمنين، وأمهما فاطمة الزهراء، وفيهما، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين. يمتاز الإمام الحسن عليه السلام: بمناقب، وفضائل، وصفات، ومزايا انحصرت فيه، وما اجتمعت في غيره إلا في أخيه الإمام الحسين وأهل بيته، وخص به من المآثر والمكارم التي فاق بها على الأوائل والأواخر، لا يقوم بوصفها البنان، ولا ينهض بذكرها اللسان، لأنه أرفع مكانا ومحلا، وأوفى شرفا ونبلا، وأزكى فرعا، وأعلى أصلا.

نشأ الإمام الحسن عليه السلام في أجواء خاصة تملؤها المحبة والحنان والرعاية الفائقة من لدن جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

ناهيك عن الاهتمام الكبير الذي بذله أمير المؤمنين علي بن ابي طالب وفاطمة الزهراء عليهما السلام في تنشئته ورعايته.
وهذا كله من سابق لطف الله وحكمته في اصطفاء أوليائه وحججه على خلقه.

إلا أن الناظر إلى هذه الأجواء الخاصة يرى بوضوح العلاقة التي ربطت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإمام الحسن عليه السلام ابتداءً من ولادته فقد تلقاه صلى الله عليه وآله وسلم بيده المباركتين وسماه وأذّن باذنه اليمنى وأقام باذنه اليسرى.(مسند أحمد بن حنبل: ج6، ص391)
وحلق رأسه وتصدق بوزنه.(ترجمة الإمام الحسن من طبقات ابن سعد: ص30)

وعق عنه بكبشين أملحين.(سنن أبي داود: ح2841؛ والدولابي في الذريعة: برقم 98)

فما أن ترعرع الإمام الحسن وأخذت قدماه تدبان على الأرض حتى وجد من صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحب الذي لم يلقاه مولود من قبل فكان يلاعبه ويعلن عن حبه ومنزلته للأمة.

فعن ابن عباس قال: إن النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم كان حاملاً الحسن بن علي على عاتقه، فقال رجل: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال النبي صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم: ((ونعم الراكب هو)).(سنن الترمذي: ج5، ص661، برقم 3784)

وأخرج ابن سعد في طبقاته قائلاً: جاء الحسن يشتد فوقع في حجره صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم ثم أدخل يده في لحيته، ثم جعل رسول الله صلى الله عليه ــ وآله ــ وسلم يكفح (يفتح) فمه فيدخل فاه في فيه، ثم يقول: ((اللهم إني أحبه فأحبه، وأحبب من يحبه)). (مسند أحمد بن حنبل: ج2، ص533، عن حماد الخياط)

عرف الإمام الحسن عليه السلام بجوده وكرمه، وسماحته وسخائه، كما اشتهر بحلمه وصبره، وكذلك بفصاحته وبلاغته، ظاهر ذلك في محاوراته مع أعدائه، وكذلك بزهده، وورعه، وعبادته وحلمه عليه السلام كانت سيرته عليه السلام سيرة جده وأبيه عليهما السلام في الصفح عن المسئ، والعفو عند المقدرة، والتواضع، إلى غير ذلك من المزايا الحميدة، والصفات الكريمة. وما أحوج الأمة إلى تبني هذه السيرة والسير في هذا الطريق، ليعود لها ماضيها المجيد، وعزها التليد.

حياته مع أبيه: لازم أباه أمير المؤمنين عليه السلام طيلة حياته، وشهد معه حروبه الثلاث: الجمل، صفين، النهروان.

كنيته: أبو محمد كناه بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبو القاسم.

ألقابه: التقي، والزكي، والسبط، والسيد، والأمين، والحجة، والأثير، والمجتبى، والزاهد، والبر

نقش خاتمه: العزة لله وحده.

أشهر زوجاته: خولة بنت منظور الفزارية، أم إسحاق بنت طلحة بن عبيد الله التميمي، أم بشر بنت أبي مسعود الأنصاري، جعدة بنت الأشعث، هند بنت عبد الرحمن بن أبي بكر.

أولادهُ: زيد، الحسن، عمرو، القاسم، عبد الله، عبد الرحمن، الحسين، طلحة. بناته: أم الحسن، أم الحسين، فاطمة، أم عبد الله، أم سلمة، رقية. بيعته: بويع بالخلافة في الحادي والعشرين من شهر رمضان سنة 40 للهجرة. وسيأتي تفصيل ذلك فيما بعد.

خُلّص أصحابه: سفيان بن أبي ليلى الجهداني، حذيفة بن أسيد الغفاري، أبو زرين الأسدي. بوابه: سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. كاتبه: عبد الله بن أبي رافع. صلحه: هادن معاوية في النصف من جادي الأولى سنة 41 للهجرة بعد ما تبين الوهن في أصحابه، عاش مظلوما، ومات مسموما، وقبض بالمدينة

كان الإمام الحسن (عليه السلام) خليفة للمسلمين حوالي ستة إلى ثمانية أشهر، بداية من 21 رمضان سنة 40 هـ، ثم تم تسليم الحكم إلى معاوية في 25 ربيع الأول أو ربيع الآخر أو جمادى الأولى سنة 41 هـ. واعتبر المسلمين استنادا إلى حديث رووا عن النبي (صلى الله عليه وسلم)- أن الحسن آخر الخلفاء الراشدين، كما أن خلافته بدأت مع بيعة أهل العراق والبلاد المجاورة لها، وقد رفض أهل الشام بقيادة معاوية هذه الخلافة، فأعدّ معاوية جيشا للحرب، وتوجه به من الشام إلى العراق، وانتهت الحرب بالصلح وتسليم الحكم إلى معاوية، وقد صار به معاوية أول حاكم أموي

وورد في كتاب الإرشاد أن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام خطب في الناس صباح يوم الجمعة 21 رمضان، وذكر لهم فضائل ومناقب أبيه مؤكدا على قرابته من الرسول (صلى الله عليه وسلم)، مستدلا بآيات من القرآن نزلت في حق أهل البيت (عليهما السلام)، ثم قام من بعده عبد الله بن عباس، ووجه كلامه إلى الناس أن يبايعوا ابن نبيهم ووصي إمامهم، فبادر الناس إلى مبايعته، وذكر أن عدد المبايعين بلغ أربعين ألف شخص، وكان أول من بايع الإمام الحسن هو قائد جيش الإمام علي (عليه السلام) قيس بن سعد بن عبادة.

ذكرت المصادر التاريخية أنَّ الإمام الحسن (عليه السلام) ذكر شروطا لمبايعته فقد قال: (تبايعون لي على السمع والطاعة، وتحاربون من حاربت، وتسالمون من سالمت)، وعندما سمع الناس هذا الكلام من الإمام الحسن ذهبوا إلی الإمام الحسين (عليه السلام)، وطلبوا منه أن يبايعوه، فرفض ذلك، وأجابهم: (معاذ الله أن أبايعكم ما كان الحسن حيا)، فرجعوا، وبايعوا الحسن

وذكر المؤرخون أنَّ قيس بن سعد لما أراد مبايعة الإمام الحسن (عليه السلام) اشترط أنه يبايعه على كتاب الله وسنة نبيه، وأضاف أنه يُحارب أيضا من أحل دماء المسلمين، فلم يرض الإمام الحسن(عليه السلام) بالشرط الأخير، واعتبره داخلا ضمن كتاب الله وسنة نبيه، وبناء على هذا، اعتبر البعض أن الإمامَ الحسن (عليه السلام) كان رجلا مسالما يبتعد عن الحرب، وسيرته وسلوكه تخالف سيرة أبيه وأخيه.

في كثير من الأحيان يستوجب الأمر تنازلاً منَ المرءِ، فيما ليس بواجبٍ ديانة ، مطاوعةً منه لشعبه، مع سِعَةِ صدْرٍ وحُسْنِ ظَن ، فيرى ثمرةَ إصلاحِه في الدنيا قبل الآخرة، ومن أعظم ثمرات الإصلاح السؤدد بحقٍّ ،

وقد جَعَلَ النبي صلى الله عليه وسلم من فضائل الحسنِ بن علي رضي الله عنهما إصلاحَه بين أهل العراق وأهل الشَّام، ومَدَحَه على ذلك وأثنى عليه مما يدلُّ على أن الإصلاحَ بينهما مما يحبه ويرضى عنه ويحمدُه اللهُ ورسولُه ـ صلى الله عليه وسلم ، مع أنَّ الحسنَ رضي الله عنه نَزَلَ عن الأمر وسلَّمه إلى معاويةَ بنِ أبي سفيان رضي الله عنه عام 41 ﻫ ، فَسُمِّيَ عام الجماعة لاجتماعِ الناسِ على معاوية ـ رضي الله عنه ، واجتماعِ كلمةِ المسلمين، وزوالِ الفتنةِ بينهم

فكان إصلاحُ الحسنِ بنِ عليٍّ رضي الله عنهما بالتنازل عن الأمرِ ومصالحةِ غيره ـ وما دون شأنِ الوِلاية والحكم أَهْوَن وأيسَر ـ فنالَ بتنازُله هذا سيادَة إلى سيادَتِه التي كان عليها .

وروى البخاري عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ اسْتَقْبَلَ وَاللَّهِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ مُعَاوِيَةَ بِكَتَائِبَ أَمْثَالِ الْجِبَالِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ إِنِّى لأَرَى كَتَائِبَ لاَ تُوَلِّى حَتَّى تَقْتُلَ أَقْرَانَهَا . فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ – وَكَانَ وَاللَّهِ خَيْرَ الرَّجُلَيْنِ – أَىْ عَمْرُو إِنْ قَتَلَ هَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ وَهَؤُلاَءِ هَؤُلاَءِ مَنْ لِى بِأُمُورِ النَّاسِ مَنْ لِى بِنِسَائِهِمْ ، مَنْ لِى بِضَيْعَتِهِمْ فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ مِنْ بَنِى عَبْدِ شَمْسٍ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ ، فَقَالَ اذْهَبَا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فَاعْرِضَا عَلَيْهِ ، وَقُولاَ لَهُ ، وَاطْلُبَا إِلَيْهِ . فَأَتَيَاهُ ، فَدَخَلاَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمَا ، وَقَالاَ لَهُ ، فَطَلَبَا إِلَيْهِ ، فَقَالَ لَهُمَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ إِنَّا بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، قَدْ أَصَبْنَا مِنْ هَذَا الْمَالِ ، وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ قَدْ عَاثَتْ فِى دِمَائِهَا . قَالاَ فَإِنَّهُ يَعْرِضُ عَلَيْكَ كَذَا وَكَذَا وَيَطْلُبُ إِلَيْكَ وَيَسْأَلُكَ . قَالَ فَمَنْ لِى بِهَذَا قَالاَ نَحْنُ لَكَ بِهِ . فَمَا سَأَلَهُمَا شَيْئاً إِلاَّ قَالاَ نَحْنُ لَكَ بِهِ . فَصَالَحَهُ ، فَقَالَ الْحَسَنُ (وهو البصري) وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ يَقُولُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِىٍّ إِلَى جَنْبِهِ ، وَهْوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى وَيَقُولُ « إِنَّ ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ » . قَالَ لِى عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَنَا سَمَاعُ الْحَسَنِ مِنْ أَبِى بَكْرَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ .

ألا تلاحظ معي أن النَّبي صلى الله عليه وسلم ذكر سِيادة الحَسنِ رضي الله عنه وهو لا يَزَالُ طِفْلاً صغيرًا يلعبُ ،
وكذلك إشارة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِعِلَّةِ السيادة وهي الإصلاحُ بين الطَّائفتين العظيمتين؛ فَعُلِمَ منه أن إصلاحَ ذاتِ بَيْنِ المسلمين سببٌ في السؤددِ والرِّفعةِ، وأنه من الأعمال التي يحبُّها اللهُ ورسولُه صلى الله عليه وسلم ، وأنَّ فيه الخيرَ كلَّ الخيرِ، كما قال الله جلَّ وعلا: ﴿وَالصُّلْحُ خَيْرٌ﴾ (النساء: 128)

قال الحافظ ابنُ حجر في «الفتح» قال المهلَّبُ: الحديثُ دالٌّ على أنَّ السِّيادةَ إنَّما يستحقُّها من يَنْتَفِعُ به النَّاسُ، لكونِه علَّق السِّيادةَ بالإصلاحِ» اهـ

وأي منفعةٍ أرجى للمسلمين من حَقنِ دمائِهم، وتأمينِ رَوعَاتِهم، والحفاظِ على ضرورياتِ معاشِهم، ومَنْ حقق لهم ذلك ولو بالتَّنازل عن الأمر كان سَيِّدًا عند الخلْقِ، وأحبهم عند الخالِقِ،

كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ” أَحَبّ الناسِ إلى اللهِ تَعَالَى أَنفَعُهُم للنَّاسِ وأَحَبُّ الأَعمَالِ إلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ سُرُورٌ يُدخِلُهُ عَلَى مُسلِمٍ أو يَكشِفُ عَنهُ كُربَةً أو يَقضِي عَنهُ دَيناً أو تَطرُد عَنهُ جُوعاً وَلَأَن أَمشِي مَعَ أَخٍ فِي حَاجَةِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَنْ أَعْتَكِفَ في هَذَا المَسْجِدِ ، ( يعني مسجد المدينة ) شَهْراً ومَن كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللهُ عَوْرَتَهُ وَمَن كَظَمَ غَيْظَهُ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ مَلَأَ اللهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ في حَاجَةِ حَتَّى تَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الْأَقْدَامُ ( وَإِنَّ سُوءَ الخُلُقِ يُفْسِدُ العَمَلَ كَمَا يُفْسِدُ الخَلُّ العَسَلَ ) ” .حسنه الألباني وقال في “السلسلة الصحيحة” أخرجه الطبراني في ” المعجم الكبير ” و ابن عساكر في ” التاريخ.

لذا يؤمن المسلمين بأن النبي محمد قد بشر وتنبأ بأن الحسن سيصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين قبل حصول هذا الأمر بسنوات بعيدة،

فقد ورد في ذلك حديث نبوي رواه البخاري في صحيحه عن الحسن البصري قال: «وَلَقَدْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، قَالَ: بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ، جَاءَ الحَسَنُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ».»

وجاء الحديث لدى أحمد بن حنبل في مسنده عن الحسن البصري قال: «سَمِعْتُ أَبَا بَكْرَةَ، وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: عَنْ أَبِي بَكَرَةَ، رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَحَسَنٌ مَعَهُ، وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً، وَعَلَيْهِ مَرَّةً، وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».»

فتشير المصادر إلى أن حديث الرسول هذا هو ما دفع الحسن إلى الإقدام على الصلح، وأن هذه النبوءة قد كانت هي الموجهة للحسن في اتجاهاته وتصرفاته ومنهج حياته، وأنها حلت في قرارة نفسه، واعتبرها كوصية من الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكانت شروط الصلح

تنص المصادر على نفس أسباب الصلح، وقد ذكر ابن حجر الهيتمي صورة كتاب الصلح بين الحسن ومعاوية على النحو الآتي: بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ الْحسن بن عَليّ رَضِي الله عَنْهُمَا مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان صَالحه على:

أَن يسلم إِلَيْهِ ولَايَة الْمُسلمين على أَن يعْمل فيهم بِكِتَاب الله تَعَالَى وَسنة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسيرة الْخُلَفَاء الرَّاشِدين المهديين.

وَلَيْسَ لمعاوية بن أبي سُفْيَان أَن يعْهَد إِلَى أحد من بعده عهدا بل يكون الْأَمر من بعده شُورَى بَين الْمُسلمين.
وعَلى أَن النَّاس آمنون حَيْثُ كَانُوا من أَرض الله تَعَالَى فِي شامهم وعراقهم وحجازهم ويمنهم.

وعَلى أَن أَصْحَاب عَليّ وشيعته آمنون على أنفسهم وَأَمْوَالهمْ وَنِسَائِهِمْ وَأَوْلَادهمْ حَيْثُ كَانُوا.

وعَلى مُعَاوِيَة بن ابي سُفْيَان بذلك عهد الله وميثاقه وَأَن لَا يَبْتَغِي لِلْحسنِ بن عَليّ وَلَا لِأَخِيهِ الْحُسَيْن وَلَا لأحد من أهل بَيت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غائلة سرا وَلَا جَهرا وَلَا يخيف أحدا مِنْهُم فِي أفق من الْآفَاق.

أشهد عَلَيْهِ فلَان وَفُلَان بن فلَان وَكفى بِاللَّه شَهِيدًا.

دوافع الصلح

نظرة أهل السنة والجماعة

تنقل العديد من مصادر أهل السنة والجماعة عددًا من أقوال الحسن بن علي التي أشار فيها إلى الأسباب التي هيأته وجعلته يعقد الصلح مع معاوية. وقد جمع عدد من العلماء والباحثين القدامى والمعاصرين هذه الأقوال وجعلوها على شكل نقاط لبيان المسألة:

الرغبة فيما عند الله وإرادة صلاح الأمة ووحدتها: يقول «نفير الحضرمي»: «قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: إِنَّ النَّاسَ يَزْعُمُونَ أَنَّكَ تُرِيدُ الْخِلَافَةَ؟ فَقَالَ: كَانَتْ جَمَاجِمُ الْعَرَبِ بِيَدِي، يُسَالِمُونَ مَنْ سَالَمْتُ وَيُحَارِبُونَ مَنْ حَارَبْتُ، فَتَرَكْتُهَا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ.» وقال في خطبته التي تنازل فيها لمعاوية: «وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا كَانَ حَقًّا لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ صَلَاحِ هَذِهِ الْأُمَّةِ.» ويقول في أحد خطبه حول وحدة الأمة: «أيها الناس، إني قد أصبحت غير محتمل على مسلم ضغينة، وإني ناظر لكم كنظري لنفسي، وأرى رأيًا فلا تردوا عليَّ رأيي، إن الذين تكرهون من الجماعة أفضل مما تحبون من الفرقة.»

دعوة الرسول له: تنص المصادر على أن قول النبي عن الحسن: «ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ.» قد كان هو الدافع الرئيسي لتوجه الحسن إلى الصلح، وأن هذا الحديث قد دفعه إلى التخطيط والاستعداد النفسي للصلح والتغلب على العوائق التي كانت في الطريق باعتبار هذا الحديث وصية من جده الرسول.

حقن دماء المسلمين: يقول الحسن: «خشيت أن يجئ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُونَ أَلْفًا، أَوْ ثَمَانُونَ أَلْفًا، أو أكثر أو أقل، تَنْضَحُ أَوْدَاجُهُمْ دَمًا، كُلُّهُمْ يَسْتَعْدِي اللَّهَ فِيمَ هُرِيقَ دَمُهُ.» وقال وهو يخطب الناس بالمدائن: «ألا إن أمر الله واقع إذ ليس له دافع وإن كره الناس، إني ما أحببت أن ألي من أمة محمد مثقال حبة من خردل يهراق فيه محجمة من دم، قد علمت ما ينفعني مما يضرني فالحقوا بطيتكم.» وقال في خطبته التي تنازل فيها لمعاوية: «وَإِنَّ هَذَا الْأَمْرَ الَّذِي اخْتَلَفْتُ فِيهِ أَنَا وَمُعَاوِيَةُ إِمَّا كَانَ حَقًّا لِي تَرَكْتُهُ لِمُعَاوِيَةَ إِرَادَةَ صَلَاحِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَحَقْنِ دِمَائِهِمْ.»

اضطراب جيش أهل العراق والكوفة: يقول ابن الأثير الجزري في كتابه الكامل في التاريخ: «قِيلَ لِلْحَسَنِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ فَقَالَ: كَرِهْتُ الدُّنْيَا وَرَأَيْتُ أَهْلَ الْكُوفَةِ قَوْمًا لَا يَثِقُ بِهِمْ أَحَدٌ أَبَدًا إِلَّا غُلِبَ، لَيْسَ أَحَدٌ مِنْهُمْ يُوَافِقُ آخَرَ فِي رَأْيٍ وَلَا هَوًى، مُخْتَلِفِينَ لَا نِيَّةَ لَهُمْ فِي خَيْرٍ وَلَا شَرٍّ، لَقَدْ لَقِيَ أَبِي مِنْهُمْ أُمُورًا عِظَامًا، فَلَيْتَ شِعْرِي لِمَنْ يَصْلُحُونَ بَعْدِي، وَهِيَ أَسْرَعُ الْبِلَادِ خَرَابًا!»

أسباب أخرى: يقول أبو بكر بن العربي: «وَعَمِلَ الْحَسَنُ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – بِمُقْتَضَى حَالِهِ، فَإِنَّهُ صَالَحَ حِينَ اسْتَشْرَى الْأَمْرُ عَلَيْهِ، وَكَانَ ذَلِكَ بِأَسْبَابٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَمَقَادِيرَ أَزَلِيَّةٍ، وَمَوَاعِيدَ مِنْ الصَّادِقِ صَادِقَةٍ، وَمِنْهَا مَا رَأَى مِنْ تَشَتُّتِ آرَاءِ مَنْ مَعَهُ، وَمِنْهَا أَنَّهُ طُعِنَ حِينَ خَرَجَ إلَى مُعَاوِيَةَ فَسَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ وَدَاوَى جُرْحَهُ حَتَّى بَرِئَ؛ فَعَلِمَ أَنَّ عِنْدَهُ مَنْ يُنَافِقُ عَلَيْهِ وَلَا يَأْمَنُهُ عَلَى نَفْسِهِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ رَأَى الْخَوَارِجَ أَحَاطُوا بِأَطْرَافِهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ إنْ اشْتَغَلَ بِحَرْبِ مُعَاوِيَةَ اسْتَوْلَى الْخَوَارِجُ عَلَى الْبِلَادِ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِالْخَوَارِجِ اسْتَوْلَى عَلَيْهَا مُعَاوِيَةُ.»

نظرة الشيعة

تنص المصادر الشيعية على أن هناك مبررات وغايات دفعت الحسن إلى الصلح، منها:

حفظ حياة الحسن وشيعته: يقول أبو سعيد عقيصا: «قلت للحسن بن علي بن أبي طالب يا بن رسول الله لم داهنت معاوية وصالحته وقد علمت أن الحق لك دونه وأن معاوية ضال باغ؟ فقال: يا أبا سعيد علة مصالحتي لمعاوية علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله لبني ضمرة وبني أشجع، ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية… ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل.» وينقل ابن أبي الفتح الإربلي أن بعض الشيعة قد لاموا الحسن على بيعته فرد عليهم قائلًا: «ويحكم ما تدرون ما عملت والله الذي عملت خير لشيعتي مما طلعت عليه الشمس أو غربت.» ويقول محمد باقر المجلسي: «وقد أجاب عليه السلام حجر بن عدي الكندي لما قال له: سودت وجوه المؤمنين فقال عليه السلام: ما كل أحد يحب ما تحب ولا رأيه كرأيك، وإنما فعلت ما فعلت إبقاء عليكم.»

تخاذل الناس عن مساعدته: ينقل محمد باقر المجلسي أن الحسن قال في أحد خطبه: «لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني لأعطتهم السماء قطرها، والأرض بركتها…» وأنه قال أيضًا: «لو وجدت أعوانًا ما سلمت له الأمر، لأنه محرم على بني أمية…»

وينقل المجلسي كذلك أن جواب الحسن على أحد المعترضين على الصلح، يقول: «والله ما سلمت الأمر إليه إلا أني لم أجد أنصارا، ولو وجدت أنصارا لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم الله بيني وبينه، ولكني عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم ما كان فاسدا، إنهم لا وفاء لهم ولا ذمة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون ويقولون لنا: إن قلوبهم معنا، وإن سيوفهم لمشهورة علينا.»
صلاح الأمة وقطع الفتنة ومنع إراقة دماء الشيعة: ينقل محمد باقر المجلسي قول الحسن في أحد خطبه: «إن معاوية نازعني حقًا هو لي دونه، فنظرت لصلاح الأمة، وقطع الفتنة، وقد كنتم بايعتموني على أن تسالموا من سالمت، وتحاربوا من حاربت، فرأيت أن أسالم معاوية وأضع الحرب بيني وبينه، وقد بايعته، ورأيت أن حقن الدماء خير من سفكها ولم أرد بذلك إلا صلاحكم وبقاءكم، ﴿وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين﴾.

تنص بعض المصادر أن الروايات التي نقلت شرط الحسن بالمسالمة تفيد بابتدائه في التمهيد للصلح مع معاوية بن أبي سفيان فور استخلافه، وذلك تحقيقًا لنبوءة النبي. فتشير الروايات على أن الحسن قد قام فور استخلافه بوضع شرط لقبوله مبايعة أهل العراق له وهو أن يقوموا بمسالمة من يسالم ويحاربون من يحارب، فعن ميمون بن مهران، قال: «إن الحسن بن علي بن أبي طالب بايع أهل العراق بعد علي على بيعتين. بايعهم على الإمرة. وبايعهم على أن يدخلوا فيما دخل فيه. ويرضوا بما رضي به.» ويقول خالد بن مضرب، قال: «سمعت الحسن بن علي يقول: والله لا أبايعكم إلا على ما أقول لكم. قالوا: ما هو؟ قال: تسالمون من سالمت وتحاربون من حاربت.»

وقد نقل ابن سعد في طبقاته رواية تذكر أن معاوية بن أبي سفيان بعث إلى الحسن بعد وفاة علي فأصلح الذي بينهما سرًا. يقول عمرو بن دينار: «أن معاوية كان يعلم أن الحسن كان أكره الناس للفتنة. فلما توفي علي بعث إلى الحسن فأصلح الذي بينه وبينه سرًا وأعطاه معاوية عهدا إن حدث به حدث والحسن حي ليسمينه وليجعلن هذا الأمر إليه.»

بعد أن كشف الحسن عن نيته في الصلح مع معاوية وقعت محاولة لاغتياله، وتنص المصادر أن هذه المحاولة قد جرت بعد استخلافه بقليل، وهو ما أشارت إليه أكثر من رواية، فقد أخرج ابن سعد في طبقاته من طريق أبي جميلة الطهوي، قال: «أن الحسن بن علي لما استخلف حين قتل علي. فبينما هو يصلي إذ وثب عليه رجل فطعنه بخنجر.

وزعم حصين أنه بلغه أن الذي طعنه رجل من بني أسد- وحسن ساجد، قال حصين: وعمي أدرك ذاك. قال: فيزعمون أن الطعنة وقعت في وركه فمرض منها أشهرًا ثم برئ.

فقعد على المنبر فقال: «يا أهل العراق اتقوا الله فينا فإنا أمراؤكم وضيفانكم أهل البيت الذين قال الله: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ قال: فما زال يقول ذاك حتى ما يرى أحد من أهل المسجد إلا وهو يخن بكاء.»

اختُلِف في زمن وفاة الإمام الحسن عليه السلام ، وأكثر الآراء أنه توفي سنة 49 هـ وهو قول الواقدي وخليفة بن خياط، وقيل سنة 50 هـ وهو قول المدائني وابن الكلبي والزبير بن بكار، وقيل 51 هـ وهو قول محمد بن إسماعيل البخاري ورجََّحه خالد الغيث. ومات وهو ابن سبع وأربعين سنة، أو ثمان وأربعين سنة،

ورُوى أنه قبل مماته رأى رؤيا كأنّ بين عينيه مكتوبٌ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ، ففسرها سعيد بن المسيب أن أجله قد اقترب ، قال أبو نعيم الأصبهاني: «لما اشتد بالحسن بن علي الوجع جزع، فدخل عليه رجل فقال له: يا أبا محمد، ما هذا الجزع؟ ما هو إلا أن تفارق روحك جسدك، فتقدم على أبويك علي وفاطمة، وعلى جديك النبي ﷺ وخديجة، وعلى أعمامك حمزة وجعفر، وعلى أخوالك القاسم الطيب ومطهر وإبراهيم، وعلى خالاتك رقية وأم كلثوم وزينب، قال: فسُرّيَ عنه.

وفي رواية : أن القائل له ذلك الحسين ، وأن الحسن قال له: يا أخي إني أدخل في أمر من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقا من خلق الله لم أر مثله قط. قال: فبكى الحسين رضي الله عنهما».

أوصى الحسنُ أخاه أن يدفنه في حجرة عائشة مع النبي ، وقال: «ادفني عند أبي ، – يعني النبي – إلا أن تخافوا الدماء، فادفني في مقابر المسلمين»،

ونقل ابن عبد البر أنهم لما التمسوا من عائشة أن يدفن الحسن في حجرتها، قالت: «نعم وكرامة»، ولكن منعهم مروان بن الحكم ، وراسل معاوية بالخبر ، واستعان بوالي المدينة المنورة يومئذٍ سعيد بن العاص ، وقال: «لا ندعه يدفن مع رسول الله ، أيدفن عثمان بالبقيع ، ويدفن الحسن بن علي في الحجرة »، فتنازع الحسين ومروان ، وكادا يتقاتلا ، فلما خاف الناس وقوع الفتنة أشار سعد بن أبي وقاص ، وأبو هريرة، وجابر ، وابن عمر على الحسين أن لا يقاتل ، وقال له أبو هريرة: «أنشدك الله ووصية أخيك ، فإن القوم لن يدعوك حتى يكون بينكم دماء »، فدفنوه بالبقيع عند قبر فاطمة بنت أسد . واجتمع الناس لجنازته حتى ما كان البقيع يسع أحدًا من الزحام. وقدم الحسين والي المدينة المنورة سعيد بن العاص للصلاة على الحسن ،

روى سفيان الثوري عن سالم بن أبي حفصة عن أبي حازم أنه قال: «إني لشاهد يوم مات الحسن ، فرأيت الحسين يقول لسعيد بن العاص ، ويطعن في عنقه : تقدم ، فلولا أنها سنة ما قُدِمت.».

أمّا عن سبب وفاته، فالمشهور عند السنة والشيعة أنه قُتل مسمومًا، قال قتادة بن دعامة: «قال الحسن للحسين: قد سقيت السم غير مرة، ولم أسق مثل هذه، إني لأضع كبدي. فقال: من فعله؟ فأبى أن يخبره.»،
وقال ابن حجر العسقلاني: «يقال إنه مات مسمومًا.»

وتروي بعض الروايات عندما أراد معاوية أن يأخذ البيعة لولده يزيد أرسل إلى جعدة بنت الأشعث زوجة الإمام الحسن (عليه السلام) مئة ألف درهم، لتدسّ إليه السم، فنفّذت الأمر، واستشهد على أثر ذلك السم، وهناك بعض الروايات الأخرى تنفيها.

واستنادا إلى بعض الأخبار أن الإمام الحسن (عليه السلام) أوصى أن يُدفن عند قبر النبي (صلى الله عليه وسلم)، لكن مروان بن الحكم وعدد من بني أمية منعوا ذلك، فدُفن في مقبرة البقيع.

كان الإمام الحسن أشبه الناس بالنبي، أكثر من مشابهته لأبيه، جاء في صحيح البخاري: «عن عقبة بن الحارث قال: رأيت أبا بكر رضي الله عنه وحمل الحسن وهو يقول:بأبي شبيه بالنبي، ليس شبيه بعلي، وعلي يضحك»، وعن علي قال: «كان الحسن أشبه الناس برسول الله ﷺ من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك.»

وتذكر المصادر أن الحسن كان وسيمًا جميلًا يُخضب بالسواد، يضرب شعره منكبيه، أبيض مشربًا بحمرة، أدعج العينين، سهل الخدين، دقيق المسربة، كث اللحية ذا وفرة، عظيم الكراديس، بعيد ما بين المنكبين، ربعة ليس بطويل ولا قصير، جعد الشعر، حسن البدن، يختتم في يساره.

عبادته

«رأيت الحسن والحسين صليا مع الإمام العصر، ثم أتيا الحجر، فاستلماه، ثم طافا أسبوعًا، وصليا ركعتين، فقال الناس: هذان ابنا بنت رسول ﷺ، فحطمهما الناس حتى لم يستطيعا أن يمضيا ومعهم رجل من الركانات، فأخذ الحسين بيد الركاني، ورد الناس عن الحسن »
— أبو سعيد الخدري

كان مما يُلاحظ على الحسن كثرة عبادته، فكان الحسن إذا صلى الغداة في المسجد النبوي يجلس في مصلاه يذكر الله حتى ترتفع الشمس، ويجلس إليه من يجلس من سادات الناس يتحدثون عنده، ثم يقوم فيدخل على أمهات المؤمنين فيسلم عليهن، ثم ينصرف إلى منزله. وكان إذا توضأ تغير لونه فقيل له ذلك فقال: «حقٌ لمن أراد أن يدخل على ذي العرش أن يتغير لونه» وكان كثير الحج ورُوى أنه حجَّ خمس وعشرين مرة ماشيًا على رجليه، وكان يقول: «إني لأستحي من ربي أن ألقاه ولم أمش إلى بيته» وكان إذا أوى إلى فراشه قرأ سورة الكهف، وكان يُعرف عنه الزهد فيقول:
لَكَسْرةٌ من خسيسِ الخبزِ تُشبعُني وشَربةٌ من قراحٍ المَاء تكفيني
وطرةٌ من دقيق الثوب تسترني حيًا وإنْ متّ تكفيني لتكفيني

ويقول:
يَا أَهْلَ لَذَّاتِ دُنْيَا لَا بَقَاءَ لَهَا إِنَّ اغْتِرَارًا بِظِلٍّ زَائِلٍ حُمْقُ

تواضعه

ورد أن الإمام الحسن (عليه السلام) مر على فقراء يأكلون فتيتاً من الخبز، فعندما رأوه دعوه ليأكل معهم، فنزل الإمام من فرسه، وجلس يأكل معهم حتى شبع، ثم دعاهم إلى بيته، فأطعمهم، وكساهم، وفي خبر آخر ورد أن أحد خدمه صدر منه ما يستحق العقوبة عليه، فقال للإمام الحسن: «وَالْعافِينَ عَنِ النَّاسِ»، فقال الإمام عفوت عنك، ثم قال: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ‌، فقال الإمام: أنت حرّ لوجه الله، وأعطاه ضعف ما كان يعطيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى