عرب وعالم

محمد الضيف… الشبح صاحب الصفعات المدوية

“اليوم ينفجر غضب الأقصى، غضب شعبنا وأمتنا. يا مجاهدينا، اليوم هو يومكم لتجعلوا هذا المجرم يفهم أن زمنه قد انتهى”… كانت تلك الكلمات هي إشارة البدء التي أطلقها “محمد الضيف” وكنيته “أبو خالد”، لينطلق طوفان من جنود المقاومة من غزة يهاجمون المناطق المحيطة بها و المستوطنات والمعسكرات والحواجز، فيشتبكون ويواجهون العدو ويلحقون به الخسائر و يحرزون التقدم تلو التقدم ويحررون المناطق ويعتقلون الأسرى، وكأنه بكلماته فجر بركانًا يبتلع كل ما أمامه، فمن هو ذلك الرجل الذي يملك تلك القوة القاهرة؟

هو “محمد دياب إبراهيم المصري” قائد أركان كتائب عز الدين القسام- الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية حماس- وأحد مؤسسيها، وأحد منشئي ترسانتها العسكرية، ولد عام ١٩٦٥ في خان يونس بغزة، تعود أصوله إلى قرية “كوكبة” المجاورة لعسقلان.

التحق بقسم الأحياء بكلية العلوم بالجامعة الإسلامية في غزة، وتخرج فيها عام ١٩٨٨، و انضم للكتلة الإسلامية- التي كانت الإطار الطلابي لحركة حماس- إبان دراسته، وكان مسؤول اللجنة الفنية فيها. نشط في العمل الطلابي و التطوعي والإغاثي في غزة وكان عضوًا بارزًا في الحركة الطلابية.

انضمامه القسام وقيادتها:

اعتقله الاحتلال خلال حملة الاعتقالات التي شنها على حماس بعد تخرجه بعام واحد، وكان من ضمن المعتقلين معه مؤسس الحركة الشيخ “أحمد ياسين”، واستمر اعتقاله لعام وأربعة شهور دون محاكمة، ووجهت إليه سلطات الاحتلال تهمة العمل في الجهاز العسكري لحركة حماس الذي أسسه “صلاح شحاده”. وخلال اعتقاله أسس مع “صلاح شحادة و زكريا الشوربجي” مجموعة عمل لأسر جنود الاحتلال، وحرص خلال الاتفاق على تأسيسها أن يفصلها عن كل التنظيمات حتى لا يصل إليها الاحتلال.

تسلم قيادة فرع غزة في كتائب “عز الدين القسام” عقب اغتيال القائد الشهيد “عماد عقل” عام ١٩٩٣، وتحمل جزءًا كبيرًا من مسؤوليات الجناح العسكري، إبان اعتقال مؤسسه الأول “صلاح شحاده”.

أثار حقد سلطات الاحتلال بسبب عملياته الموجعة التي كبدتها خسائر بشرية ومادية كبيرة، فأضحى جزءًا من صفقة عقدتها مع السلطة الفلسطينية، تقضي باعتقال الأخيرة له مقابل أن يمنحها الاحتلال السيطرة الأمنية على ثلاث قرى في القدس، وبالفعل اعتقلته السلطة الفلسطينية في مايو عام ٢٠٠٠- بعد ضغط من رئيس حكومة الاحتلال آنذاك “إيهود باراك”- ونجح في الهروب مع اندلاع الانتفاضة الثانية، ليختفي أثره ولا يعرف مكانه حتى الآن.

كان رفيقًا للمهندس “يحيى عياش”- الذي كان قائدًا لكتائب القسام في الضفة، وعقب اغتياله عام ١٩٩٦، أدار عمليات “الثأر المقدس” للمهندس في مارس من نفس العام، بمعاونة وتنفيذ “حسن سلامة”- الذي يقضي في سجون الاحتلال أحكامًا وصلت ٤٨ مؤبدًا بسبب مسؤوليته عن هذه العمليات، و كانت معظمها عمليات استشهادية في القدس وعسقلان وتل أبيب، وأسفرت عن مقتل ٦٠ إسرائيليًا و إصابة ٢١٠ آخرين. 

كان صاحب مبادرة تصنيع الصواريخ في حماس- حسب ما نشر إعلام الاحتلال- وكلف “عدنان الغول” بتنفيذها، وأجروا تجارب أول صواريخ المقاومة عام ٢٠٠١، حيث حاول الاحتلال اغتيالهما بعد ذلك.

حاز لقب (الضيف) لأنه لا يستقر في مكان فترة كبيرة، بل يتنقل من مكان لآخر يحل فيه ضيفًا لمدة قصيرة ثم ينتقل لغيره، بسبب الدواعي الأمنية، وقيل أنه حل ضيفًا على الصفة الغربية لبعض الوقت فحمل لقب (الضيف).

القط ذو التسعة أرواح:

بعد أن كان المطلوب رقم٢ للاحتلال أضحى المطلوب رقم١ عقب استشهاد “عياش”، ونجا من تسع محاولات اغتيال إسرائيلية، آخرها في عام ٢٠٢١، وأسفرت أحدها عام ٢٠١٤ عن استشهاد زوجته وابنه الرضيع “علي”، لذا لقبه أمن الاحتلال بلقب “القط ذو التسعة أرواح”، ويصفونه أحيانًا “بالحرباء”، حيث لا يوجد سوى ثلاث صور للضيف: واحدة في العشرينات من عمره وأخرى له ملثم والثالثة لظله- وهي التي تظهر في الأحاديث التي يعلن فيها عن أحداث مهمة، ولأنه لا يظهر في لقاءات أو أماكن عامة، ونادرًا ما يلقي أحاديث، يتحدث عنه إعلام الاحتلال بأنه “الشبح”.

يقول الاحتلال ليبرر فشل اغتياله أنه هدف يتمتع بقدرة بقاء غير عادية، ويحيط به الغموض، حتى وصفه “رونان بروجمان”- كبير المحللين العسكريين في صحيفة “يديعوت أحرونوت”: بأنه “طائر العنقاء الفلسطيني”، لأنه- في رؤيته- ينهض مجددًا من بين النار والرماد لينفض الغبار عن ثيابه ويواصل الطريق. وتدعي مخابرات الاحتلال أن محاولات الاغتيال أفقدته إحدى عينيه وقدميه وإحدى يديه.

عاد يظهر بعد اختفاء مع تزايد اعتداءات الاحتلال على حي الشيخ جراح عام ٢٠٢١، حيث أطلق “الضيف” تحذيرًا للاحتلال قال فيه: إذا لم يتوقف العدوان على حي الشيخ جراح، فإن المقاومة لن تقف مكتوفة الأيدي، وسيتكبد العدو أثمانًا باهظة. ومع تجاهل الاحتلال التصريح أطلق “الضيف” معركة “سيف القدس”، التي أعاد فيها اسم رفيق دربه “يحيى عياش” للأفق حينما أطلق الصاروخ “عياش-٢٥٠” ليضرب مطار “رامون” جنوب فلسطين.

وفي معركة “طوفان الأقصى” التي أطلقها “الضيف” بكلمة قصيرة، تميزت تكتيكات الحرب لديه بالسرية التامة، وممارسة أعلى درجات الخداع الاستراتيجي، وفاجأ العدو باستخدام أسلحة نوعية جديدة هزمته أمام كتائب المقاومة منذ اللحظات الأولى للمعركة. 

ولما لم يستطع الاحتلال رد اعتبار جيشه الذي بعثرته المقاومة، بعد أن أسقطت منه ١٢٠٠ قتيل و٢٨٠٠ مصاب، لجأ لسلاحه الاحترافي وهو قصف المنازل وقتل المدنيين والنساء والأطفال. لتظهر مصادر فلسطينية في القطاع  تقول لوكالة(رويترز) للأنباء: إن أحد المنازل التي قصفتها الغارات الجوية الإسرائيلية في غزة يعود لوالد “الضيف” ما أدى لاستشهاد شقيقه واثنين آخرين من أفراد أسرته.

ومع كل ذلك بقيت عمليات المقاومة مستمرة أمام جيش الاحتلال، وتحرز مزيدًا من التقدم، وفق خطط محكمة وتدريب متقن، وحاضنة شعبية تقول إن وراء كل ذلك قيادة من طراز رفيع، ومع سجال الحرب وكرها وفرها، وعلى الرغم من الألم، يتردد ذلك الهتاف باسم الرجل الغامض الذي فرض نفسه قائدًا للمعركة وبطلًا لها “محمد الضيف”…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى