تقارير و تحقيقاتعرب وعالم

ماذا يجني بايدن من دعم إسرائيل؟

“لو لم تكن هناك إسرائيل في الوجود لعملنا على إقامتها وسنستمر في الوقوف بجانبها”… هكذا خلع الرئيس الأمريكي “جو بايدن” ثوب الشعارات الإنسانية البراقة- التي رفعها يوم الحرب الروسية على أوكرانيا- من حق الشعوب في الحرية والاستقلال وتقرير المصير والحفاظ على سيادتها وأراضيها، ليعطي اليوم الاحتلال الصهيوني جواز دهسها تحت جرافات مشروعاته الاستيطانية، أو ردمها تحت ركام قصفات طيرانه.

لكن هل توقف سعي “بايدن” عند إيجاد من العدم ودعم معنوي؟

الإجابة جاءت من واقع تصريحاته خلال زيارته للاحتلال فقد فقال: سوف أحث الكونجرس على زيادة الإمدادات والمساعدات لدعم القبة الحديدية ودولة إسرائيل عموما، وعاد يوكد على الدعم اللامحدود لها وأنه سيقف إلى جوارها في هذه الأيام المظلمة. كما نقلت وكالة رويترز للأنباء خبر اعتزام “بايدن” إرسال دعم إضافي لإسرائيل قدره ١٤ مليار دولار… إذًا فسيدعمها بكل ما يملك!

وقد اتخذ تلك الخطوة منذ بداية المعركة مع توالي هزائم طفلته المدللة، بإرسال عمالقة البحار “جيرالد فورد وأيدنهاور”. كما سارع لإرسال معدات عسكرية ضخمة منذ بداية طوفان الأقصى، ومازال الإمداد مستمرا حيث قال مسؤول بالبنتاجون اليوم- الخميس: سلمنا شحنات إضافية من المساعدات الأمنية لإسرائيل خلال الأيام الثلاثة الماضية. ونقلت صحيفة “بوليتيكو” عن مصادر- وفقًا لشبكة الجزيرة: أن البنتاجون كلف فريقا بإجراء مسح لمخزونات الذخيرة والأسلحة الدقيقة لتزويد إسرائيل بها، و أضفى المصداقية على ذلك الخبر أن موقع “أكسيوس” نقل عن مسؤولين إسرائيليين أن البنتاجون يخطط لإرسال عشرات آلاف القذائف المدفعية التي كانت مخصصة لأوكرانيا إلى إسرائيل.

وضربت الخارجية الأمريكية بموجات الغضب داخلها ضد الدعم الأمريكي للاحتلال عرض الحائط حين أكدت اليوم- الخميس- أنها تتفهم اعتراض موظفيها على أفعالها لكنها من البداية أكدت على الدعم اللامحدود لإسرائيل.

كما داوم “بايدن” على ترديد عبارات تثبت الحق الإسرائيلي وحده وتحكي مآسي لم تقع لمواطني الاحتلال، فقال خلال لقاءه مع “نتنياهو” موجها حديثه لهم: إسرائيل كانت ضحية ولو أتيحت فرصة لتخفيف المعاناة فلابد أن يكون ذلك. ووجه حديثه لرئيس حكومة الاحتلال، باعتباره ممثلا عن شعبه بما في ذلك أسر الأسرى لدى حماس، بذات العطف المبني على مزاعم لم يتم إثباتها: أعرف أنكم تتألمون وتشتاقون لرائحة أحبائكم لكنكم لم تخسروهم للأبد. وأصبغ بعض صفات البطولة المبنية على المزاعم فقال: هناك من أراد أن يكسر إرادتكم لكنه لم ينجح، وقد رأينا كيف تم الاعتناء بالضحايا ونحيي جنود الاحتياط الذين تركوا أحباءهم ودراستهم للدفاع عن إسرائيل.

ولاستكمال أركان الرواية والحفاظ على تعاطف العالم، استكمل شيطنة المقاومة أمام تبرئة الاحتلال فقال: ما حدث في إسرائيل يشكل 15 ضعفا لما حدث في 11 سبتمبر. وفي نفس الإطار قال: الإرهابيون يعيشون في الظلام لكن إسرائيل ليست كذلك.

وصعد بصورة نجمه الذي صنع فقال: إسرائيل دولة يهودية لكنها دولة ديمقراطية أيضا، إنها معجزة تخطت الخسائر والألم وتستمر الدروس التي نتعلمها لأجيال لاحقة.

ليختتم خطابه بالتأكيد على رسالته التي جاء من أجلها قائلًا:الولايات المتحدة ستبقى إلى جانب إسرائيل في هذه الأيام المظلمة، ليكمل أركان صورة صنعها بيده لإضفاء تلك الشرعية على كل قول وفعل لصنعته التي قال إنه كان سيصنعها إن لم تكن موجودة.

الحرب البرية

مع تصاعد موجات التهديد من الاحتلال باقتحام بري يقضي على الأخضر واليابس في قطاع غزة ليقضي على المقاومة، كان “بايدن” حاضرًا بذلك التأييد الأعمى، فتحدث عما أبلغته به إسرائيل من أن الهجوم لا مفر منه، وانطلق يبرره فقال: نعم سيدفع فيه أثمان باهظة لكنه أمر لا بديل عنه.

وحينما قال مجلس الحرب الإسرائيلي: أنه أبلغ “بايدن” بعدم وجود خطة لما بعد الحرب وأن التركيز على الهجوم المضاد.. وأوضح له: أن عدم تحقيق نصر حاسم سيضر بمكانة إسرائيل وخططها الاستراتيجية.

كان الأخير مثل أب يخشى على طفلته المدللة ولا ينسى نصحها وقت الخطر، فقال خلال زيارته تل أبيب موجهًا حديثه “لنتنياهو”: ينبغي أن يكون هناك وضوح بشأن الأهداف المتوخاة والسبل الكفيلة بتحقيقها. وأوصاها بعد عودته أن تحسب خطواتها جيدا ولا تنجرف وراء الغضب حتى لا تخسر.

لكنه أعلن أنه لن يدخل الحرب مباشرة إلى جانب الاحتلال فقال: لم نبلغ إسرائيل بأننا سندخل الحرب في حالة انضمام حزب الله للصراع. ولم يعط لذلك سببًا إلا أن الرأي العام الأمريكي الذي لم يستفق بعد من أفغانستان والفالوجا وغيرها قد يفسر بعضًا من هذا التصريح.

صك البراءة

وبإطلاق يد إسرائيل بلاحدود، أطلقت العنان لجرائم الحرب والإبادة حتى كانت جريمة المستشفى المعمداني، التي فجرت الغضب الشعبي في العالم أجمع. فما كان من الرئيس الأمريكي إلا ترويج المزاعم المنسوجة حول الجريمة فقال: العالم أجمع حزن على الأرواح التي أزهقت أمس في المستشفى بغزة، ثم راح يبرئ المجرم بادعاء ثبت كذبه فقال موجها حديثه “لنتنياهو”: أعلم أنكم بعيدون عن قصف المستشفى حيث تقع المسؤولية على الطرف الآخر. وكرر مزاعمه فقال: ما كنا لنقول إن إسرائيل ليست مسؤولة عن انفجار المستشفى لولا ثقتنا بوزارة الدفاع الإسرائيلية.

لكن ثقته خانها ذلك المنشور الذي نشره جيش الاحتلال على صفحته على فيس بوك عقب قصف المستشفى بدقائق، وقال فيه: “نظرا لقلة الأدوات الطبية ونقص الكادر الطبي تقرر قصف مستشفى المعمداني في غزة ومنحهم الموت الرحيم”. في إعلان واضح للتشفي في المأساة، ومع استمرار طوفان الغضب العالمي لجأ “بايدن” لمناورة كلامية قال فيها: لا أقول إن حماس هي التي تعمدت قصف المستشفى. 

ومع صك البراءة الذي لا يكدره حدث، تمادى الاحتلال فتفاقم الوضع الإنساني في غزة، وعليه لم يجد “بايدن” مفرًا من الحديث حول قضية إدخال المساعدات الإنسانية فتحدث عن طلبه من حكومة الاحتلال بالعمل على إيصال المساعدات إلى المدنيين في غزة، ولقد وافقت على إدخالها، كما أننا سنقدم 100 مليون دولار مساعدات لغزة وللضفة الغربية.

كما قال: إن الشعب الفلسطيني يعاني بشدة، وعرج على حل الدولتين باعتباره حل جذري للصراع- ذلك الحل الذي لم تتخذ أدنى خطوة لتنفيذه منذ ما يربو على ٧٠ عاما.

وعلى نفس المنوال بدأت خارجيته بإعطاء صك البراءة لمجرمي الحرب حتى على الجرائم التي لم يتم ارتكابها بعد، فقالت: من المهم أن تقوم إسرائيل بمراعاة المدنيين في غزة ومحاولة تجنب استهدافهم خلال عملياتها، ونتوقع من إسرائيل الالتزام بالقانون الدولي وهي تدافع عن نفسها

ثم وضعت ذلك الستار الأبيض على عملية التهجير القسري المزمعة لسكان قطاع غزة فقالت: نعمل على إنشاء مناطق آمنة يلجأ إليها المدنيون في غزة تجنبا للأعمال العسكرية الإسرائيلية

وقبل أن يحضر السؤال حول أسباب الاهتمام بالأوضاع الإنسانية للفلسطينيين على الرغم من الدعم اللامحدود لقاتليهم كان “أكسيوس” يجيب نقلًا عن مسؤولين أمريكيين وإسرائيليين: إن بايدن دعا إسرائيل لمعالجة الوضع الإنساني بغزة، كي تحافظ على الدعم الدولي. وأكد الموقع عن ذات المصادر: إن بايدن خلال اللقاء كان قلقًا من انضمام حزب الله للحرب.

إذًا لم تكن قضية الأبرياء في غزة إلا بغرض الحفاظ على تعاطف عالمي صنعته الولايات المتحدة ليستمر تبرير الضوء الأخضر الذي منحته للاحتلال.

لما كل هذا الدعم؟

لم تكن حالة التبني الكامل التي تقمصها “بايدن” نحو الاحتلال غير مبرره، وقد تباري المحللين في الحديث عن المصالح الأمريكية التي يحميها الوجود الصهيوني في المنطقة العربية، وصرخ الرأي العام المناهض للعدوان على غزة والجرائم فيها بمناهضة تلك الصورة من الدعم، فخرج “بايدن” في كلمته اليوم ليبرر ذلك الدعم بعد دقائق اقتراحه حزمة مساعدات كبيرة إضافية للاحتلال، فقال: نحن في لحظة فارقة ستحدد المستقبل لعقود قادمة، حيث يؤمن دعم إسرائيل مستقبل أكثر ازدهارا لأبناءنا والأجيال القادمة، لذا علينا أن نتأكد أن الجهات المعادية ستعلم أن إسرائيل أقوى من أي وقت مضى، وسندعم إسرائيل مهما كان الثمن، لأن نجاح إسرائيل وأوكرانيا ضرورة للأمن القومي الأمريكي.

لكن الناظر لحال الولايات المتحدة التي ينخر عظمها التضخم، حتى كان الكونجرس قد رفض في وقت قريب المساعدات الإضافية لأوكرانيا، يعلم أن الأمن القومي الأمريكي والمستقبل ستار واسع، لا يستر الأغراض الحقيقية لبايدن، الذي يعلم جيدا أن ما من وسيلة لحسم المعركة الانتخابية القادمة وبقاء بايدن في السلطة سوى الدعم الكامل للاحتلال. حيث كانت الصفعة التي أعطتها حماس للاحتلال صفعة على وجهه شخصيا، لاسيما مع الهجوم الذي شنه عليه “دونالد ترامب” في الساعات الأولى للهجوم الذي وصفه “بالعار” قائلًا: ساعدت دولارات دافعي الضرائب الأمريكية في تمويل هذه الهجمات، التي تقول العديد من التقارير إنها جاءت من إدارة بايدن. فيما قال “فيفيك راماسوامي”- المرشح الجمهوري الثاني: إن أموال دافعي الضرائب لدينا تمول إيران وحماس وحزب الله، وذلك سينتهي في اليوم الأول من إدارتي”- في إشارة لصفقة تبادل الأسرى مع إيران خلال الشهور الماضية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى