تقارير و تحقيقات

صائد الطائرات في حرب أكتوبر لـ«اليوم»: فاجئنا العدو بسلاح جديد.. وأسقطنا أكبر مقاتلاته

اللواء مصطفى المصرى:

» الدفاع الجوى ردّ عن مصر هجمات إسرائيل.. وكبدناهم خسائر فادحة

» تحدينا الروس وأتقنا السلاح الجديد في وقت قياسي

» مذبحة بحر البقر سر انتفاضة قواتنا الجوية

أجرى الحوار- نجوى يوسف وأحمد سالم:

خمسون عامًا مضت على حرب مجيدة خلدها التاريخ.. معركة أظهرت قوة الشعب للعالم أجمع.. وملحمة خاضها أبطال تهافتوا على القتال دون نداء، مكبّرين وهم وقوف على جبهة القتال حاملين أرواحهم على أيديهم في سبيل أمن واستقرار الوطن واستعادة الأرض الغالية.

بطل هذا الحوار لُقب بـ«صائد الطائرات» خلال حرب أكتوبر المجيدة.. نكسة 1967 رغم مرارتها على المصريين، إلا أنها كانت دافع كبير لالتحاقه بالكلية الحربية، فلم يتردد لحظة في الانضمام إلى حماة الوطن.. تخرج من الحربية في فبراير 1969، وتخصص بدراسته في الدفاع الجوى التابع حينها لسلاح المدفعية، إنه اللواء مصطفى المصرى، أحد أبطال الدفاع الجوى والملقب بـ«صائد الطائرات» فى الملحمة التى دوّنها التاريخ ويحتفل بها المصريون فى كل عام.

ماذا بعد التحاقك بالدفاع الجوى؟

أثناء وجودى في إدارة شئون ضباط القوات المسلحة، كنت ضمن المختارين للتوجه إلى معهد الدفاع الجوى بالإسكندرية، من أجل التدريب على الرشاش الذي أنزله الفريق عبد المنعم رياض من طائرات «الميج 17»، لاستخدامه في عملية استهداف الطائرات الإسرائيلية التي كانت تطير على ارتفاع منخفض للغاية بواسطة عربات الدفاع الجوى.

في إبريل عام 1969، وبعد شهر ونصف من عملي على السلاح الجديد، جاء إلىّ خطاب يطلب مني التوجه إلى إدارة شئون ضباط القوات المسلحة ومعي ما يقرب من 10 ضباط، اُختير منا 5 أفراد للعمل على السلاح الجديد وتسلمت خطابا موجها لمعهد الدفاع الجوى، يُفيد بحصولي على فرقة «رشاش ثقيل»، ولأننا لم نسمع بهذا السلاح من قبل فسألت المسئول بشؤون الطلبة بأنه ليس هناك رشاش ثقيل داخل المعهد، فرد على قائلا: «نفذ الأوامر يا سيادة الضابط»، وبعد توجهي إلى معهد الدفاع الجوى مرة أخرى وجدت حراسة مشددة وكردون أمني وكنا ما يقرب من 13 فردا داخل المعهد.

مشاهد من العمليات العسكرية

ومن أهم الاختبارات التي خضتها في هذه الأيام داخل معهد الدفاع الجوى، أنه تم عرضي على عدد من الخبراء الروس وتناقشوا معي حول استخدامي للأسلحة وكيفية تعاملي مع المواقف الطارئة، وبعد إجابتي التي حازت على إعجابهم، كنت ضمن المختارين في ضباط الدفاع الجوى.

لماذا لجأ الرئيس عبدالناصر لسلاح جوي روسى؟

سلاح الدفاع الجوى في حرب أكتوبر، أعترف بأن الفضل فيه يرجع إلى الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، عندما ذهب إلى روسىا وطالبهم بالحصول على سلاح من أجل مواجهة الطيران المنخفض للعدو الإسرائيلي، وكان ذلك نتيجة لبداية استهداف المنشآت والمصانع المصرية المدنية في مصر، مثلما حدث في موقعة “بحر البقر”، و”مصنع أبو زعبل” وغيرها من الوقائع التي عبرت عن بطش جيش العدو وأثارت حفيظة وغضب المصريين.

روسىا وقتها استجابت لطلب الرئيس “عبدالناصر” ولكن التحدي كان كبيرا بعد قولهم بأن الجند المصري لن يستوعب هذا السلاح، لكنه تحداهم مؤكدًا: أن الضباط المصريين لديهم القدرة والإصرار على استيعاب أي سلاح جديد في سبيل استعادة أمن واستقرار مصر، وبالفعل تأكدت وعود الزعيم الراحل فكانت مدة التدريب التي وضعها الروس 6 أشهر، ونحن استوعبناه في أقل من 3 أشهر فقط بعد فترة وجيزة من التدريب.

السلاح الروسى الجديد.. هل نجح في صيد طائرات العدو؟

السلاح الروسى الجديد كان اختبارًا هامًا وتحديًا كبيرًا بالنسبة للدفاع الجوى، فبالإضافة إلى الوقت القصير الذي استغرقناه للتدرب على هذا السلاح، إلا أن بداية تجربته كانت دافعًا كبيرًا لنا حينما شهدت ضربة ناجحة ومفاجأة قام بها أحد زملائي ماجد أحمد على، توجه هذا المقاتل بالسلاح الجديد إلى جبهة القتال لحماية كتائب الصواريخ، واستطاع إسقاط طائرتين إسرائيليتين من طراز «سكاي هوك الأمريكية وميراج الفرنسية»، وهذا السلاح الروسى كنا نطلق عليه وقتها صاحب العيون الزائغة، بينما أطلقت عليه كتائب العدو الإسرائيلي كتائب الحية، فهذا الصاروخ يتميز بأنه يتبع حرارة الطائرة ويصيبها في المحركات بالمنتصف، فيقسمها نصفين ولا يستطيع الطيار الهروب بالكرسي المتحرك، لأن سرعة الصاروخ الكبيرة لا تعطى وقتا للطيار للتصرف.

حدثنا عن أول تجربة لك مع السلاح الجوى؟

سأتحدث في هذا المحور واصفًا لكم أهم يوم للسلاح الروسى الجديد في الدفاع الجوى، فبالتحديد في يوم 9 سبتمبر 1969، توجهنا إلى مكتب قائد قوات الدفاع الجوى لمقابلة اللواء محمد على فهمي، قائد القوات وقتها وأعطانا تعليمات بالتوجه إلى أحد الجبال في موقع «عجرود القديمة»، من أجل الدفاع عن إحدى الكتائب المقاتلة الموجودة هناك من هجوم الطيران الإسرائيلي، ومكثنا من يوم 9 حتى 18 سبتمبر عام 1969، لم يحدث أي شيء ولم تتعرض الكتائب لأي هجوم إسرائيلي، لكن في اليوم الأخير والموافق 18 سبتمبر، جاء هدف استطلاع إسرائيلي على مسافة عالية، تم الاشتباك معه، وبعدها انسحبت الكتيبة وبنينا «كتيبة هيكلية» مكانها، لأننا كنا نعلم أن إسرائيل ستستهدف المكان خلال ساعات قليلة.

وبالفعل في اليوم التالى جاءت هجمة جوية من قبل طائرات «سكاي هوك وميراج» الإسرائيلية، وكان أول اشتباك حقيقي لي وقتها حيث كنت مُكلفا بعملية إسقاط الطائرات الإسرائيلية التي ستطير على ارتفاع منخفض، وبالفعل تمكنت من اصطياد طائرتين وكان ذلك نجاحا كبيرا لى ولزملائى بالكتيبة، وكان وقتها إسقاط طائرة إسرائيلية أمرا عظيما والرئيس “عبدالناصر” كان قد خصص مكافأة 500 جنيهًا لأى ضابط دفاع جوى أو طيران يتمكن من إسقاط طائرة إسرائيلية.

جاءني ضابط أمن وأعطى لي أمر فوري بالتحرك معه هو ومجموعته، بناءً على تعليمات قائد قوات الدفاع الجوى، فذهبت ومعي توجيهُ إلى أحد المهابط الخاصة بطائرات الهليكوبتر، وتم تصعيد المجموعات القتالية أعلى الجبل، وذلك لحماية سرية رادار من هجمات الطيران الإسرائيلي، ووزعت القوة إلى 3 مجموعات قتالية كل واحدة قوامها 7 أفراد، وبعد ذلك رصدنا طائرتين إسرائيليتين قمت باستهدافهما وأسقطتهما بالفعل، وبذلك أسقطت 4 طائرات إسرائيلية خلال يومين، وكانت هذه خسائر فادحة للطيران الإٍسرائيلي، وقتها حصلت على مكافأة 2000 جنيه نظير إسقاطي أربع طائرات، وكان هذا المبلغ آنذاك ثروة تقدر بمبالغ في هذه الأيام، لدرجة أنه ساعدني وقتها في الزواج.

صف لنا أهم المعارك الجوية في حرب أكتوبر؟

منذ فترة 1969 حتى 1973 لم يعلم العالم بنوعية السلاح الذي كنا نحارب به أو مواصفاته سوى دولة روسيا التي أمدتنا بالأسلحة، وهذا ما ساهم في إنجاح هذا السلاح الذي تدربنا وتعودنا وفي حرب أكتوبر كنت نقيبًا وقائد كتيبة «ستيرلا حية»، وكنا قد طورنا الصاروخ قبل نصر أكتوبر استعدادا لمعركة التحرير وأدخلنا عليه تعديلات تلائم حربنا الشرسة مع إسرائيل.

وقبل حرب أكتوبر بفترة قصيرة تم تكليفى بعملية تأمين الفرقة 18 مشاة ميكانيكى بقيادة اللواء عزيز غالي، الذى حرر مدينة القنطرة شرق، فعملت على تأمين المعابر للفرقة حتى أقاموا رأس الكوبرى، ثم إحدى القواعد الجوىة المهمة، والتي كانت تحتوي على أهم لواء للمقاتلات وقتها، وعند اندلاع حرب أكتوبر لم يجرؤ العدو الإسرائيلى على مهاجمتنا، حتى أنه في اليوم التالى للحرب كانت هناك هجمة من قبل الطيران الإسرائيلي وأسقطنا لهم طائرتين، وكانوا يتركون يوما ويهجمون اليوم الذي بعده فهجموا يوم 9 أكتوبر 1973، وأسقطنا لهم طائرتين واستمرت الهجمات طيلة أيام الحرب، وقتها تمكنت كتيبتى من إسقاط 6 طائرات قبل يوم 14 أكتوبر، الذى شهد ملحمة الاشتباك الجوى بين الطيران المصرى والإٍسرائيلى والتى سميت فيما بعد بأطول معركة جوية في التاريخ، وانتهت الحرب وحصلت على وسام الجمهورية، وكنت ثانى صائد طائرات في قوات الدفاع الجوى المصرى فخر الأسلحة الحديثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى