تقارير و تحقيقاتعرب وعالم

طوفان الأقصى 39.. استهداف الشفاء جريمة حرب لا تسقط بالتقادم

الأوضاع الإنسانية في غزة

الوضع الإنساني في غزة في اليوم 39 لا يحتاج لمقدمات، حيث تبدأ القصة بجريمة الحرب مكتملة الأركان التي قام بها الاحتلال في مجمع الشفاء الطبي، حيث ينص القانون الدولي والمادة (١٣) من اتفاقية جنيف على حماية المستشفيات والمؤسسات العلاجية وعدم المساس بها، أو اقتحامها، لكن الاحتلال ضرب عرض الحائط بهذا القانون وقال بأفعاله: فلتذهب كل القوانين للجحيم.

جاء ذلك في حصاره المستشفى منذ عدة أيام، واليوم شدد حصار المستشفى حتى أضحت دباباته وآليات ملاصقة لسور المجمع، وقصف قسم العناية المركزة بعد قصف قسم الولادة منذ أيام، الذي يضم ٦٥٠ جريحًا ومريضًا، ومثلهم من الأطباء والطواقم الطبية وطواقم العمل، و من ٥-٧ آلاف نازح. وروج لأكذوبة استخدام حركة حماس والجهاد المستشفى مقرًا عملياتيًا، لتبرير حصاره واستهدافه للموجودين فيه. 

ومع الساعات الأولى لمساء الليلة كان البنتاجون والبيت الأبيض يقفزان على نصوص القانون الدولي ويعطون الضوء الأخضر للاحتلال لفعل ما يريد، في تصريح جاء فيه: “إن حماس والجهاد تستخدمان المستشفيات في غزة بما فيها مجمع الشفاء لاحتجاز الرهائن، وأجهزتنا الاستخبارية خلصت إلى أن حماس والجهاد تديران مركز قيادة وسيطرة من مجمع الشفاء في غزة”. 

وهو ما أثار تخوفات العاملين بالمستشفى من اقتحام قوات الاحتلال للمستشفى، وبعد ساعات تحدثوا إلى مدير المستشفى ليبلغوه بنيتهم اقتحام المستشفى، وعقب المحادثة أطلقت إدارة المستشفى عدة نداءات استغاثة وأبلغت الصليب الأحمر ونادت المنظمات الحقوقية، ليتحرك أحدهم لإنقاذ من بالمستشفى، لكن أي من تلك المنظمات لم تتحرك، وكأنها أعطت نفسها إجازة من الدفاع عن حقوق الإنسان حتى ينهي الاحتلال مهمته، وقد أكد على ذلك مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي بغزة، “إسماعيل الثوابتة” واتهم تلك المنظمات برفض الاستجابة والتماهي مع أهداف الاحتلال وتتحمل جزء من المسؤولية عما يجري.

لتكون الجريمة الكبرى بعد ساعات من تصريحات الاحتلال والراعي الرسمي له، حيث اقتحمت قوات الاحتلال القسم الغربي من مجمع الشفاء الطبي بمدينة غزة، وفجر أبواب الأقسام وجدران في المنطقة التي اقتحمها. وأعلن في تحد سافر لكل قانون ومنظمة حقوقية: أنهم يدخلون مستشفى الشفاء بمهمة، وربما نصل إلى مكان نهزم فيه حماس ونطلق سراح الرهائن.

وما إن نفذ الاحتلال ما يريد ودخل المستشفى وأطلق النار فيها، حتى راح البيت الأبيض يبرر أفعاله ويتنصل من فكرة دعم اقتحام المستشفى، فصرح لوكالة “رويترز” للأنباء قائلًا: “لا ندعم قصف المستشفيات من الجو ولا نريد رؤية قتال داخل أي مستشفى”.

وقد دخل الاحتلال قسم الطوارئ بالمستشفى ومبنى الجراحات ودخل القبو بعد ذلك ليقوم بتفتيشه، كذلك طلب الاحتلال بعد اقتحام المجمع من الدكتور “منير البرش”- مدير الصحة بغزة- وطلبوا منه النزول لهم لكنه رفض قائلًا: أنا أعمل طبيبا وأقوم بأداء واجبي في مجمع الشفاء ولا أتعاون مع الاحتلال. وقال مدير عام المستشفيات في غزة: إن الاحتلال أطلق النار على من خرجوا من الممر الذي حدده ممرًا آمنًا لخروج المدنيين من المستشفى.

ولم يكن الاقتحام إلا إكمالا لمسلسل جرائم الاحتلال اليومية التي قتلت ١١٥٠٠ شهيد، وخلفت ٢٩ ألف مصاب، وفي مجمع الشفاء نفسه قتلت قوات الاحتلال ٤٠ جريحًا فيها جراء استمرار القصف والحصار ونفاد الوقود، الذي تعمدت قوات الاحتلال عدم إمداد المستشفى به، وبينما يحتاج المستشفى ١٠ آلاف لتر سولار في اليوم رض الاحتلال إمداد المستشفى بنحو ٣٠٠ لتر، وكأنه يريد ذر رماد العيون لتخفيف وطأة الهجوم الشعبي العالمي عليه بفتات لا يكفي المستشفى لساعة واحدة، ولم تقف الجرائم عن الأحياء وتجويعهم وقتلهم بل تعدتها للشهداء، حيث منعت سلطات الاحتلال بالاستهداف والقصف والقنص دفن جثث الموتى بالمستشفى حتى نهشت الكلاب بعضها، وبدأ تحلل البعض الآخر في مكانه، حتى تمكن بعض العاملين بالمستشفى صباح الأمس من دفن ١٧٠ جثة في مقابر جماعية في المستشفى، فيما وصفه مسؤولين فلسطينيين في غزة: بأنه “عار على المجتمع الدولي.” لاسيما أن الاحتلال دخل المستشفى وخرج منها دون أن يحصل على دليل على وجود المقاومة فيا.

آلام النزوح

مع اضطرار مئات الآلاف من سكان مدينة غزة وشمال القطاع إلى الجنوب، وسط قصف جوي وحشي على جميع مناطق القطاع، لم تكن ثمة منازل تستوعب تلك الأعداد ما دفع النازحين لنصب خيام خيام، وعاشوا فيها حياة غير آمنة وليست مستقرة ولا تضمن الراحة لكنهم رضوا بها مؤقتًا، ليأتي ذلك المنخفض الجوي الذي ضرب غزة ومن المتوقع استمراره حتى منتصف اليوم، فيزيد آلام النزوح بالبرودة ومياة الأمطار التي أغرقت الخيام والرياح التي اقتلعت بعضها منها، ومن المتوقع حدوث منخفض جوي آخر أكثر فعالية وبرودة ما بين بداية ومنتصف الأسبوع المُقبل.

وعلى الرغم من محاولات الأهالي تجميع بعض مياة الأمطار في الأواني لاستخدامها مياة للشرب مع انقطاع كل إمدادات المياة الصالحة للشرب، أغرقت الأمطار خيام نازحين جنوب قطاع غزة، وأغرقت أمتعتهم وفراشهم في مستشفيات ومدارس مناطق جنوب قطاع غزة. حيث أن الخيام مصنوعة من النايلون والألواح الخشبية الرقيقة وأكياس الدقيق والأقمشة، لذا لا تتحمل التقلبات الجوية العنيفة التي تستعد المنطقة لاستقبالها.

ودمرت قوات الاحتلال مراكب صيد فاشتعلت النيران في أخرى جرّاء قصف إسرائيلي على ميناء خانيونس.

مسير المقاومة

قصفت كتائب القسام “تل أبيب” برشقة صاروخية رداً على المجازر الصهيونية بحق المدنيين، ودوت صافرات الإنذار في “تل أبيب” و”العين الثالثة” وعدد كبير من المستوطنات وسط فلسطين المحتلة، وأسفرت الضربة عن إصابة ٣ مستوطنين أحدهم إصابته خطيرة وخلفت دمار في مركبة مستوطنين داخل “تل أبيب”. وقصفت سرايا القدس حشودات للاحتلال في أحراش “كيسوفيم”، وموقع “كرم أبو سالم”، و مستوطنة “العين الثالثة”، ومجمع “مفتاحيم”، وموقع “مارس” العسكري.

واستمرت الاشتباكات الضارية بين المقاومة وجيش الاحتلال على كل محاور محاولات تقدم الاحتلال في مدينة غزة. فدارت الاشتباكات عنيفة بين المقاومة وجيش الاحتلال قرب جامعة القدس المفتوحة غرب شارع النصر في غزة، وقرب مفترق حميد غرب حي النصر في مدينة غزة، وقرب مفترق المالية جنوب مدينة غزة، وقصق الاحتلال المكان بشكل جنوني.

واستهدفت القسام عدة آليات وتحشدات للعدو على محاور مختلفة في غزة، منها استهداف ٣ آليات صهيونيةً وناقلة جند “النمر” غرب مدينة غزة ودبابة شمال غرب مدينة غزة بقذائف “الياسين١٠٥”، و دبابتين صهيونيتين جنوب غرب مدينة غزة بقذائف”الياسين١٠٥”، كما استهدفت تجمعاً لقوات العدو في محور جنوب مدينة غزة بمنظومة الصواريخ “رجوم” من عيار ١١٤ملم، وقوة صهيونية خاصة متحصنة في مبنى بقذيفة “TBG” جنوب غرب مدينة غزة، ودكت قوات العدو المتوغلة شرق جحر الديك بمنظومة الصواريخ “رجوم” عيار ١١٤ملم، و تجمعاً للجنود الصهاينة في بيت حانون بقذائف الهاون من العيار الثقيل.

وقد بلغ إجمالي خسائر العدو التي أعلنتها المقاومة منذ صباح الأمس ٩ جنود صهاينة أجهزت عليهم قوات القسام من المسافة صفر، ودمرت ٢٢ آلية صهيونية كلياً أو جزئياً في كافة محاور التوغل في قطاع غزة. وبذلك يرتفع مجموع الآليات التي أعلنت القسام عن استهدافها أو تدميرها كلياً أو جزئياً إلى أكثر من ٢٠٠ آلية لجيش الاحتلال، منذ بدء العملية البرية وحتى هذه اللحظة فقط.

وقصفت سرايا القدس بصواريخ “بدر١” التحشدات العسكرية المتوغلة في “نتساريم”، والأخرى في محيط عمارة بكرون، واستهدفت تجمّعات العدو المتوغلة في منطقة جحر الديك بعدد من قذائف الهاون، وفي محور جنوب غرب غزة بقذائف الهاون.وكشفت أن مقاتليها خاضوا اشتباكات ضارية مع قوات الاحتلال المتوغلة في محور جنوب غرب غزة، وفي منطقة السلاطين غرب بيت لاهيا شمال القطاع. واستهدفت كتائب أبو علي مصطفى حشودات جيش الاحتلال شرق رفح بقذائف الهاون من العيار الثقيل.

وتصاعدت الهجمات ضد المستوطنين وجيش الاحتلال في الضفة الغربية منذ أمس، حيث تم تنفيذ محاولة دهس، ومحاولة طعن على مفرق بيت عينون شمال الخليل، وكذلك أكثر من ١٥ هجوماً بالحجارة، ما أدى لتضرر عدة حافلات ومركبات، ونفذ شبان مجموعة عمليات نوعية فصوبوا الليزر نحو سائقي مركبات المستوطنين على ٦ طرق استيطانية.

ونفذ الاحتلال- إبان ارتكاب قواته جريمة حرب في مستشفى الشفاء بغزة- عدة اقتحامات في مناطق متفرقة من الضفة الغربية من جنين التي اندلعت فيها الاشتباكات بين المقاومة وقوات الاحتلال، ونابلس التي نفذ فيها اعتقالات كثيرة، والخليل التي ركز الاحتلال فيها على اعتقال الفتيات، ومخيم الدهيشة ببيت لحم، ومخيم شعفاط بالقدس وغيرها.

كما أعلن “عبد الملك الحوثي”- قائد حركة أنصار الله: سنظفر بسفن العدو الإسرائيلي في البحر الأحمر وسننكل بهم، وليعلم كل العالم هذا الأمر، رغم أن الإسرائيليين يخافون من رفع العلم الإسرائيلي على السفن.

الأسرى

استمر الاحتلال في تنفيذ سياسة الاغتيالات داخل سجونه، حيث قتل الشهيد الخامس في السجن منذ  ٧أكتوبر، وهو الشهيد الشاب “عبد الرحمن مرعي”، وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير: إن ما تعرض له الشهيد  “عبد الرحمن مرعي” في سجن “مجدو” جريمة اغتيال جديدة مع سبق إصرار، فلم يكتف الاحتلال باغتياله بل رفض الكشف عن هويته منذ يوم أمس.

وعلى الرغم التصريحات التي خرجت من مظاهر صهيونية باقتراب تنفيذ صفقة تبادل أسرى جزئية يفرج بموجبها عن النساء والأطفال الفلسطينيين في سجون الاحتلال مقابل الإفراج عن أسرى الاحتلال لدى المقاومة، واصل الاحتلال حملة اعتقالات في الخليل تركزت في صفوف طالبات جامعات الخليل، حيث أشارت مصادر محلية إلى أن قوات الاحتلال اعتقلت ١٥ طالبة من طالبات جامعات الخليل- حتى الانتهاء من كتابة هذا التقرير – كما اعتقلت أحد أساتذة الجامعة في نابلس.

وفي تل أبيب استمرت عائلات الأسرى الإسرائيليين وكذلك عائلات قتلى المعارك في غزة، في تظاهرات واعتصامات  ضد نهج الحكومة وإدارتها للموقف، حيث خرجت تظاهرة حاشدة للمستوطنين قرب مخيم لعائلات الجنود القتلى أمام الكنيست، وطالب المتظاهرون “نتنياهو” بالاستقالة، مع رفع لافتات كتب عليها: “ارحلوا الآن”، “بيبي مذنب”، “استقالة”.

وهكذا تستمر جرائم الاحتلال في تطبيق عملي لمبدأ “من أمن العقاب أساء الأدب”، وقد أمنته الولايات المتحدة وحلفائها على أفعاله، التي أعطته قيها ضوءًا أخضر دون خطوط حمراء- مع بداية الحرب البرية، فلما لا يسيء الأدب ويرتكب أبشع الجرائم، طالما وجدت المبررات سهله جاهزة للتكرار والتصديق. فتارة يكون المبرر المقاومة التي تتخذ من المدنيين دروعًا بشرية، وأخرى حماس تتخذ المستشفيات مركزا لعملياتها، وثالثة صاروخ من المقاومة سقط خطأً على المستشفى وليس قصفًا إسرائيليا… هكذا تمنح الولايات المتحدة صك الغفران على ما يرتكب الاحتلال من جرائم، فيكون من البديهي أن يرتكب جرائم الحرب على اختلافها، ويزيد من دموية الفعل دون خط أحمر يوقفها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى