تقارير و تحقيقاتعرب وعالم

٢٠٢٣.. عام الأرض التي يدفع مهرها الدم

بينما يستعد العالم للاحتفال بعام ميلادي جديد، يعيش قطاع غزة في اليوم ٨٦ للحرب بين ظلمة ليلة حالكة السواد بسبب انقطاع التيار الكهربائي عن القطاع، والخراب والدمار والقصف والضحايا الذين دخلوا المستشفيات بالعشرات، والشهداء الذين تمكن رجال الدفاع المدني من انتشالهم من تحت الأنقاض، والمفقودين الذي لم يتمكن الدفاع من إخراجهم… ليجمل مشهدا تعيشه غزة منذ قرابة ثلاثة شهور في عام من العدوان الذي لا ينقطع.

ويمكن إجمال أهم أحداث العام في فلسطين في أن ٢٠٢٣ كان عاما مليئا بالأحداث أهمها:

١. المجازر والإبادة الجماعية

اختتم طيران الاحتلال العام بشن غارات وحشية على قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد ٢٠٠ شخص وإصابة المئات جلهم من النساء والأطفال، حيث يمضي كل يوم في غزة لينفذ الاحتلال بين ١٥- ٢٠ مجزرة يوميا منذ ٧ أكتوبر، وقال الإحصاء الفلسطيني: إن عدد الشهداء هذا العام هو الأكبر في فلسطين منذ نكبة ١٩٤٨.

وقال المكتب الإعلامي الحكومي في غزة: إن عدد الشهداء وصل (٢١٨٢٢) شهيداً منهم (٩١٠٠) طفل و(٦٥٠٠) امرأة منذ بدء عدوان الاحتلال على قطاع غزة حتى نهاية العام. وفي يوم الوفاء للصحفي الفلسطيني الذي تزامن مع أخر أيام العام: بلغ عدد شهداء الصحفيين في غزة منذ بداية العدوان ١٠٦ صحفي وصحفية، بالإضافة إلى قرابة ٥٣ ألف مصاب.

٢. المقاومة

كان ٢٠٢٣ عاما مليئا يالحراك العسكري المقاوم، حيث بدأ بتأسيس كتيبة الرد السريع (طولكرم)، التي قادت عمليات المقاومة والاشتباك ضد قوات الاحتلال في مدينة طولكرم ومخيمها، ثم قمة “حوارة”- وهي عمليات نوعية ضد الاحتلال قادها شباب مقاومون مستقلون وكان لها صداها الواضح على الاحتلال وأمنه الداخلي.

وفي غزة قادت سرايا القدس- الجناح العسكري للجهاد الإسلامي- معركة “ثأر الأحرار”- مايو ٢٠٢٣- ضد الاحتلال برشقات صاروخية وضربات مكثفة على الداخل المحتل، ردا على قصف للاحتلال استهدف منازل قيادات مهمة في حركة الجهاد، وأدت لاغتيالهم، وقد شاركت عدة فصائل للمقاومة مع السرايا في تلك المعركة، بينما غابت كتائب القسام عن المشهد بشكل أثار التساؤلات، لتنجلي الصورة في أكتوبر بعد إزاحة الستار عن معركة “طوفان الأقصى”.

صباح يوم السابع من أكتوبر خرج “محمد الضيف”- قائد أركان كتائب القسام- في كلمة مسجلة ليعلن إطلاق معركة “طوفان الأقصى” المستمرة حتى الآن، حيث هاجمت القسام بالشراكة مع كل فصائل المقاومة مستوطنات ومعسكرات غلاف غزة، وتمكنت من أسر قرابة ٢٥٠ أسير بين عسكريين ومدنيين من الاحتلال، واستمرت في رشق عمق الداخل المحتل وتعطيل نظام القبة الحديدية، لتبدأ بعدها في مواجهات على الأرض مع العدو تستمر حتى الآن وتحقق منها نتائج محسوبة على الأرض حسب بياناتها، فقد أعلن مركز “معطى”: أن كتائب القسام أعلنت ٨٧٤ إعلانا عن عمليات نفذتها على محاور توغل الاحتلال في قطاع غزة، منذ ٢٦ وحتى ٣٠ ديسمبر.

كما انتفضت جنين وطولكرم والضفة الغربية جميعها مساندة لغزة، بين الخراك السلمي بالتظاهر والإضراب، والحراك المسلح عبر العمليات النوعية والاشتباكات مع الاحتلال.

ومع أخر أيام العام أسقطت كتائب القسام طائرة استطلاع إسرائيلية من طراز (Skylark-2) كانت في مهمة استخباراتية في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وقال ممثل عنها في إعلان الحدث: أنها “إهداء لأرواح كل شهداء شعبنا”..

ومع اللحظات الأولى للعام ٢٠٢٤ أطلقت القسام رشقة صاروخية من ٢٠ صاروخا على تل أبيب ومحيطها، وذلك بعد إعلان المتحدث باسم جيش الاحتلال “دانيال هاجاري”أنهم تمكنوا من القضاء على معظم القدرات العسكرية للمقاومة في غزة، وكذلك تحجيم قدرتها الصاروخية.

وذلك خلاف ما أعلنته باقي فصائل المقاومة، حيث بثت سرايا القدس مقاطع لرشقها معسكرات وتحشدات العدو بقذائف الهاون، فيما أعلن “أبو أسامة”- القيادي بكتائب المجاهدين بغزة: أن قواتهم اغتنمت من الاحتلال أسلحة متنوعة، منها: رشاش “ماغ” وبندقية M16، وعدد من صناديق الدخيرة وصواريخ “لاو”، وليعلم العدو أن أسْلِحَتَهُ سيقتل بها، فصواريخه وقذائفه التي لم تنفجر تحولت إلى عبوات تحصد أرواح جنوده، ولا يشفي صدور مقاتلينا إلا قتل جنودكم بأسلحتهم.

حيث اتخذت كل فصائل المقاومة نهج إعادة تصنيع قذائف الاحتلال غير المنفجرة سبيلا لتعزيز ترسانتها العسكرية، وهو ما شكل ضربة للاحتلال بيده وبقذائفه.

٣. الإفراج عن الأسرى

بدأ العام بالإفراج عن الأسير “كريم يونس”- الذي خرج بعد ٤٠ عاما من الأسر، وتبعه استشهاد “خضر عدنان” في سجون تشديد ظروف الاعتقال والإهمال الطبي، ثم استشهاد عدة أسرى في سجون الاحتلال عقب انطلاق معركة “طوفان الأقصى” بسبب حملة القمع التي التي شنتها سلطات السجون عقب المعركة، وكان من بينهم الأسرى الذين قتلوهم فور اعتقالهم ضمن حملة اعتقالات واسعة يشنها الاحتلال على الضفة الغربية منذ أكتوبر، وكانت أهم أخبار الأسرى ممثلة في إطلاق سراح ٢١٠ أسير قاصر وأسيرة في صفقة تبادل عقدتها المقاومة مع الاحتلال في نهاية نوفمبر.

٤. المسجد الأقصى بين الحصار والاقتحامات

نفذ مستوطنون لدي الاحتلال عدة اقتحامات للمسجد الأقصى، تعدوا فيها على المصلين والمرابطين فيه، حتى بلغ عدد المستوطنين- الذين اقتحموا المسجد الأقصى خلال عام ٢٠٢٣- نحو ٤٨٢٢٣ مستوطن، كما تعدوا على الشباب والفتيات في شوارع القدس والضفة الغربية، ما كان سببا قويا في اندلاع معركة “طوفان الأقصى”.

وباندلاع الطوفان أحكم الاحتلال الحصار على المسجد المقدس، ومنعوا المصلين مم الوصول إليه، وتعدوا على الشباب الزاحفين إليه الراغبين في الصلاة فيه.

٥. الفشل الأمني

بداية الفشل الأمني الصهيوني كانت في معركة “طوفان الأقصى”، حيث كانت استخبارات العدو تؤكد تحييد حركة حماس عن القتال، ولجوئها للحلول السلمية واحتمال قبولها لما يملى عليها، ليستيقظ العدو على تلك الصفعة التي أفقدته توازنه عدة أسابيع، ومازال يتجرع الخسائر.

وكان الاجتياح البري هو الفشل الأمني الثاني، حيث دخل الاحتلال غزة بأهداف لم يتمكن حتى من الاقتراب منها طوال ٨٦ يوما، ليحاول تعويض خسائره بقتل وإبادة مزيد من المدنيين والأطفال والاستقواء عليهم.

وفي أخر أيام العام نشرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية خبرا عن فشل أمني جديد، حيث انتحل مدني صهيوني صفة مقاتل في وحدة “اليمام” وعضو في جهاز “الشاباك” ودخل إلى غزة، قبل أن يسرق أسلحة وطائرة دون طيار وجهاز اتصال من الجيش ويلتقط صوراً مع شخصية “بارزة”، ويمضي عائدا دون أن يكتشف الاحتلال العملية في وقتها.

٦. التضامن والتظاهر

مع غروب شمس آخر أيام العام، انطلقت دعوات للتظاهر أمام السفارات الأمريكية في كل أنحاء العالم، للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، كما انسحبت الدعوات على الضفة الغربية والقظس فخرجت دعوات شبابية للخروج بمسيرات حاشدة الساعة ١١ من الليل إسناداً لأهالي قطاع غزة وتجديد البيعة للمقاومة الفلسطينية.

وقد لبت الجماهير تلك النداءات فخرجت مسيرة حاشدة في رام الله، وخرج أهالي مدينة ومخيم جنين يخرجون في مسيرة دعما ونصرة للمقاومة وإسنادا لقطاع غزة.

وعلى المستوى العربي خرجت تظاهرة في مدينة طنجة المغربية تضامنا مع قطاع غزة، كما خرجت أخرى قرب السفارة الأمريكية في عمّان، تنديداً بعدوان الاحتلال على غزة والدعم الأمريكي له، وفي بيروت انطلقت مسيرة حاشدة تطالب بوقف إطلاق النار ووقف الدعم الأمريكي للمجازر في قطاع غزة. وخلال اليوم كان التحرك اليمني بمهاجمة السفن المتجهة للاحتلال الأقوى وسط كل الحراكات العربية.

وعلى المستوى العالمي استمرت التظاهرات في المدن والعواصم على مدار اليوم، وليلا خرجت تظاهرة ضخمة بالعاصمة السويدية ورفعت الجماهير صوتها بالهتاف “أوقفوا إطلاق النار بغزة” تزامنا مع العد التنازلي للعالم لاستقبال العام الجديد، ورفع العلم الفلسطيني خلال الاحتفال برأس السنة في العاصمة الفنلندية “هلسنكي”.

المجازر والمقاومة والتحرير والحصار والفشل والتضامن… جميعها أحداث ملئت أجندة فلسطين طوال عام ٢٠٢٣، قد يكون معظمها شديد الألم والقهر، لكن عنونها الكبير: أن فلسطين قضية حية لم يطويها النسيان، لأن لها شعب لن ينازل عن تحرير كل شبر فيها، مهما تكلف من أثمان، “فالأرض يدفع مهرها دم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى