مقالات

عماد نصير يكتب:     أخلاق “كول سنتر”

يكاد أغلبنا أن يتفق على انخفاض مؤشر الأخلاق والسلوك العام، لا سيما في محيط الأجيال الحديثة وأنها في انحدار مستمر، ولعل بعضنا يعزي ذلك إلى العديد من الاعتبارات، من بينها تدني الذوق العام فيما يسمى مجازاً  “فن” وما تحمله من معاني وقحه وأغاني “جنسية” وصور خادشة وتجاوز للأعراف والقيم المجتمعية والقانون، وبالتالي ينسحب ذلك على جمهورها وبالتبعية على العديد من الفئات الأخرى ذات التماس المباشر معها، والشارع والذوق العام يدفع الثمن.

اللافت في الأمر أن مختلف المؤسسات الجماهيرية او التي من شأنها تقديم خدمات لعملائها تستعين بتلك الفئة العمرية المقصودة، في الرد على العملاء فيما يسمى (كول سنتر)، فتجدهم وقد تبدلت ألسنتهم وهبطت عليهم المودة في الحديث وغشيتهم السكينة وتكاد ألسنتهم تقطر العسل، ولا ينقصهم إلا أن يقولو للعميل بأنهم يدعون له في صلاتهم.

هذا بالطبع سلوك جيد ومطلوب، لكن التساؤل هنا، لماذا يسعى الشخص ذاته جاهدا لإرضاء الناس في حديثه من خلال (كول سنتر) وبمجرد أن ينتهي عمله يخرج إلى الشارع وهو يحمل من الفجاجة والغلظة وسوء السلوك ما لا يخفى علينا سماعا ورؤية وسلوكا، وهنا وجب التساؤل.. ما سر التناقض ولا اقول النفاق أو المرض النفسي الذي بتنا عليه وبات عليه قطاع عريض منا، لماذا نتجاوز الحد في الاحترام وخفض جناح الأدب واللين والود في الحديث مع العملاء فقط؟، ولا ينسحب ذلك بالتبعية على الحديث والتعامل اليومي مع الناس في الشارع والمرافق العامة والتجمعات البشرية أيا كان نوعها، هل المطلوب من الدولة أن تمنح المواطن بدل إيجابية أو مكافأة إحترام والتزام أو دعم حسن سير وسلوك؟ ام تفرض خدمة إلزامية على الطلاب في العمل بخدمة العملاء او الـ “كول سنتر”.

من المفترض أننا نعيش في مجتمعات عربية وإسلامية، لها قيمها وعاداتها وسلوكها الذي تربينا عليها ونشأ على قواعده سلوكنا الفردي والجمعي، بالتالي فمن بديهيات الأمور أن يكون سلوك (كول سنتر) وأخلاق خدمة العملاء هي السائدة والمتعارف عليها في يوميات مجتمعاتنا، إلا أن العكس هو ما نعاني منه بشكل مستمر وبصورة يومية، ولا نعمم هنا، لكن السائد بات سيئاً للغاية ويستوجب وقفات وليس وقفة واحدة.

غياب الوعي بقيمة الذوق العام واحترام الغير مسؤولية عامة وليس جهات بعينها، إلا أن الأسرة يجب عليها أن تحمل العبء الأكبر في إصلاح ذلك الخلل، الذي لا تستقيم معه المجتمعات مطلقا، كما أن لدور العبادة واجب ودور أساسي في ذلك الحراك الذي لابد أن يعامل بمنزلة مشروع قومي أو توجه وطني مثله في القيمة مثل أي مشروع خدمي، وهنا لا ننسى دور المؤسسة التعليمية التي كانت حائط الصد الأول ضد أي خلل يفكر أن يدخل مجتمع أول عقدين من عمر أحدنا، وهي المرحلة الأخطر بكل تاكيد.

العديد من المجتمعات التي تصنف من دول العالم الأول أو دول الريادة، بها ما بها من السلوكيات التي تنهش في تكوينها وتركيبتها، ولسنا بصدد الحديث عن ذلك، إلا أن الأرقام والإحصاء الرسمي ابتداء من معدل الجريمة وحتى الأرقام التي تتحدث عن المشردين والأطفال مجهولة النسب، أرقاما تدعو للتأمل ولو قليلا في الخلل الذي ينذر بمزيد من الاضطراب القيمي مستقبلاً.

ليت المجتمعات جميعها تتعلم من التجربة اليابانية في تدريس مادة الأخلاق، وإن كان ذلك الأمر بالصعب فلا بأس أن نربي أبناءنا على أخلاق (كول سنتر)، وإن لم نكن عملاء لشركة استثمارية، فلنستثمر في أوطاننا ونكن عملاء له لا عليه.

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت .. فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

نلقاكم في قعدة عرب أخرى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى