مقالات

أمريكا والعمل على إنهاء الشرق الأوسط!

بقلم: محمد كامل العيادي

الشرق الأوسط منذ القِدم يتخذه الغرب وسيلةً للوصول لمطامعهم الاستعمارية، وقد وجدوا أن الاستعمار لم يكُن أبدًا بالطرق العسكرية، فهو غير مجدٍ؛ بل ويكلفهم الكثير والكثير من عتاد وأفراد من قواتهم بعدما يتعرضون للمواجهات المباشرة، فمنهم من يختار الهرب وآخرون يلوذون بالانتحار، وقد كانت حرب العراق خير دليلٍ على ذلك، فالعراقيون لقنوا المحتلين دروسًا في القتال، ولولا خيانات البعض ما استطاعت القوات الأمريكية التغلب على العراق وإسقاط رأس النظام فيها، فهم وصلوا إلى ما وصلوا إليه بعدما خططوا خططًا شيطانية، إذ أشعلوا نار الفتن الطائفية وأوقدوا الحروب الأهلية والمذهبية فيما بين العرب حتى الفوز بتلك الغنيمة التي يمتلؤ جرابها بالمصادر الطبيعية الكثيرة، كالغاز والذهبين الأسود والأصفر، وكل ما تحتاجه حياتهم من خيراتٍ موجودة بالشرق الأوسط.

هذا الطمع بانت عوالمه بعد أحداث 11 سبتمبر عام 2001م، ذلك الحدث الذي دُبر بليلٍ وعملَ على بعثرة كيان الشرق الأوسط، بدايةً من سقوط نظام صدام حسين عام 2003م لتفرض الولايات المتحدة الأمريكية استراتيجيتها في المنطقة وفق رؤيتها المناسبة لمصالحها ومصالح شعبها ومصالح الصهاينة في فلسطين المحتلة، مع تغافل مصالح شعوب الشرق الأوسط، وكيفية نظرة الأمريكان لهم ولمصالحهم وهم في عقيدتهم أن تلك الشعوب لا تستحق الحياة من الأساس، رغم ما يدعونّ في دعواتهم لحقوق الإنسان والعيش بحرية وعدالة اجتماعية.لا شك أن أمريكا لديها الخبرة في كيفة اتخاذ القرار السليم بعد تجربة كل الخيارات، وكذلك تقويم دور المؤسسات الأمنية والاستخباراتية ومراكز الفكر، مع تلاشي دائم لأي دور عسكري؛ فالولايات المتحدة الأمريكية تتبع الميكافيلية البراغماتية، حيث أن كل ما يعنيهم هو تحقيق أهدافهم مع عدم الاكتراث لأي اعتبارات إخلاقية، فالغاية من أجل مصالحهم تبرر الوسيلة، لذا جميعهم يعملون بجد من أجل الشرق الأوسط الجديد وإقامة دولة اليهود الكبرى عليه من النيل حتى الفرات، وبعد دراساتٍ مستفيضة وجدوا أنه لم ولن يحدث ذلك إلا بخلق العداوات الداخلية والعمل على التركيز على المذهبية والنعرات الطائفية بين كل الدول العربية، فضلًا عن التفكير فيما يشوه الإسلام والإسلاميين فدلهم شيطانهم إلى تكوين جماعة إرهابية بمسمى ووجهة إسلامية، وكانت تلك المصيبة هي داعش، تلك البذرة الخبيثة التي استطاعت خدمة مصالح اليهود في المنطقة بأعمالهم الإرهابية والغير أخلاقية، والتي بها وجدوا المظلة الشرعية لضرب الإسلام في مقتل ذلك الخصم الحقيقي العنيد الذي تهابه الولايات المتحدة الأمريكية وتعتبره مصدر الخطورة لها ولليهود وللغرب عن بكرة أبيه، ولو عاد هذا المارد القوي ما استطاع أحد مهما كانت قوته الوقوف أمامه.من أجل ذلك دأبت القوى الغربية على خلق بيئة سياسية غير مستقرة في المنطقة وإشغال أهلها بالحروب الداخلية التي تفعل ما لا تفعله المواجهات العسكرية للغرب، بالإضافة إلى ضياع الشباب في اتباع أحدث صيحات الموضة وآخر أغنيات المطربين، وهذا كفيل بأن يسلب العقل منهم ويغوص بهم في قذارات الإدمان لتخور قوى الأمة.

إن أمريكا والغرب يتجاهلون القوة العسكرية الإسرائيلية وتطوير السلاح لديها من طائرات ودبابات وحتى السلاح النووي دون أي رقيب يردعه عن ذلك، أما دول الشرق الأوسط فإنهم يضعون رقابة أمريكية عتيدة على مسألة التسليح، لتضمن أمريكا بسط سطوتها واستغلال العرب ونفطهم منخفض القيمة، بعدما تهوى بأسعاره بزيادة المعروض، ما يترتب عليه البيع بأسعارٍ منخفضة قد لا تساوي كامل التكلفة فيحدث جراء ذلك انخفاض الدخل وتتقلص حجم الموازنات ويظهر الركود الاقتصادي وعدم إقامة أي مشاريع تنموية جديدة مع تعطيل القديمة منها، وتُنهكّ الدول وشعوبها، فتنموا موارد الغرب وتقوى سواعدهم علي الأمة العربية.وعلى الرغم من الدعايات أن أمريكا ضد إيران وتفرض الحصار عليها لمراقبة أعمال التسليح النووي عندها، إلا أن الحقيقة أن إيران عصا امريكا التي تضرب بها المنطقة، بل الأدهى من ذلك أن إيران بأعمالها الإجرامية في منطقة الشرق الأوسط قد ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية في فرض سيطرتها على المنطقة وذلك باستخدام واشنطن سياسة العصا والجزرة مع طهران، مثل سياسة رفع الحصار الاقتصادي، وفي نفس الوقت تخنقها اقتصاديًا بأن تظل وصيةً عليها مقابل إعطاء إيران دورًا كبيرًا في المنطقة، بعدما استمالت الشعوب العربية بإقناعهم أن إيران عدوة أمريكا، مع أن في الحقيقة أن إيران لها دور وعمل دؤوب في تفتيت الشرق الأوسط بنشوب الفتن والحروب في لبنان واليمن، وكذلك العراق وسوريا التي تعمل على كسر وحدتها السياسية وتفتيت استقلالهما ومحوهما من على الخارطة. كان من الصعب على العالم العربي استيعاب أي فكرة تنم عن إنهاء العراق وليبيا، وأن يصبح صدام حسين صاحب القبضة الحديدية على العراق، وهوّ الذي هدد دولة الكيان الصهيوني أكثر من مرة، والزعيم الآخر معمر القذافي صاحب الكتاب الأخضر، في غياهب الماضي لكنه حدث وهذا مؤشرًا لنهاية الشرق الأوسط، والنهاية ما هي إلا لضمان أمن إسرائيل ووجودها منذ اتفاقية كامبل 1907م، فيما يشغل الغرب بصفة عامة والأمريكان بصفة خاصة الملاحة البحرية وكيفية الحفاظ على حرية الملاحة في الممرات الدولية والإقليمية أمام حركة التجارة العالمية، كذلك الطرق التي تؤدي إلى التحكم في التنظيمات الأصولية في إطار يخدم المصالح الأمريكية، والتي تحتضنها كما احتضنت طالبان وتنظيم القاعدة لخدمة مصالحها في محاربة الاتحاد السوفيتي، وعندما انكسرت شوكة الأخير تشيطنت واشنطن ودفعت للقضاء عليها، من باب حكمتهم المعروفة “تخلص من كلبك الذي تسمنه”.

أمريكا والغرب وطدت نظامًا فرضونه على منطقة الشرق الأوسط في اتفاقية سايكس بيكو عام 1916م، وترى شعوب المنطقة أنه من أسباب تعاسة الشرق الأوسط، فهل يفيق الشرق الأوسط؟.. أم سيبقى كذلك إلى يموت موتةً لا رجعة فيها؟.على الأمة إن كانت تريد البقاء أن تنبذ الخلافات البينية وتسعى لتقريب وجهات النظر فيما بينهم، والفحص بعمق في واقعهم الداخلي لإصلاح أمراضهم المزمن ، حتى يستطيعون فهم الصراع وإدراك التحدي الذي يواجهونه، فضلًا عن الاهتمام بالتعليم الذي هو أساس التقدم والتطور؛ فالشرق الأوسط يكفيه تخلف في جميع العلوم، وبات عليه النهوض والسير في درب العلم والتقدم، فالعالم يتقدم وهو يتأخر بسبب عدم الفهم والعلم، فالحقيقة الغائبة أنه بالعلم وحده تتقدم الأمم وتتفوق في الصناعة والتجارة والزراعة والعسكرية، وتعي جيدًا ما يُحاك لها وما يدور حولها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى