مقالات

محمد كامل العيادي يكتب: تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية طعنة في القضاء السوداني

تسليم الرئيس السوداني السابق عمر البشير ورفقائه وزير الدفاع السابق عبدالرحيم محمد حسين وأحمد هارون، والي شمال كردفان، المطلوبين في ملف «دارفور» إلى المحكمة الجنائية الدولية سقطة مدوية ومؤلمة وبداية تنازلات لا يعلمها إلا الله، أمر يجعلنا نتساءل أهي رغبة إمالة الدول العظمى للسودان لانتشاله من الهاوية الاقتصادية؟، وإذا ما كان كذلك فلما لم يتم تسليم رفقاء البشير الذين هم حتى الآن في سدة الحكم؟.. هل المحكمة الجنائية تكيل بمكيالٍ واحد أم تكيل بمكيالين؟.. وماذا عن الجرائم التي ارتكبتها إيران في سوريا والعراق ولبنان واليمن؟.. وماذا عن الجرائم الأمريكية في العراق وغيرها من بلاد العالم؟.

لم يكُن «البشير» هو الرجل الصالح الذي يُدافع عنه قلمي، ولكني أنشد الاستقلالية للبلاد العربية والعدل الدولي أمام القضايا والأشخاص والدول والنظر بعين العدل وليس غيرها؛ فمن المفترض ألا تكون هناك مكانةً لدولة على غيرها، وألا يعلو شخص كونه من دولة عظمى على آخر لم يفعل شيء سوى أنه يقطن في الدول النامية «المتخلفة» بحسب وجهات نظر أولئك العظام أهل الديمقراطية.

لا شك أن البشير ورفاقه دون استثناء قد تركوا السودان مغمورًا في التخلف، وتسببوا في تأخر الدولة عن الركب العالمي في العلم والتكنولوجيا والحضارة والبناء، فقد جعلوا أبناء بلدهم يتجرعون الفقر ويهاجرون بلادهم للبحث عن عيشة كريمة لهم ولأسرهم، إن أولئك الرهط هم من أدخلوا البلد في فتنةٍ عظيمة بين الجنوب والشمال، على أثره نشبت الحرب الأهلية الطويلة بين الجنوب المسيحي وبين الشمال المسلم، وفي سبيل ذلك استخدموا القمع الوحشي في فض انتفاضة دارفور، ما أسفر عن مقتل نحو 300 ألف إنسان، ليُعاني السودان ويمر بسنواتٍ عجاف جعلت أهله يرفعون آياديهم إلى السماء تضرعًا لله أن يخلصهم من هذا البلاء الذي أصابهم، وأن يُخلصهم من «الرهط»، حتى أشرقت الثورة يوم 19 ديسمبر 2018م؛ بعدما فاض الكيل بشعب السودان وضاق بما يُعانيه من جباية وغلاء أسعار وتدهور أحوال المعيشة، ليأتي «برهان» الذراع الأيمن للبشير ويكون على رأس الثورة، وهو الذي كان من ضمن رفاق «البشير» هوّ و«حميدتي»، وتمر الأيام ويأتي طلب تسليم «البشير» للمحكمة الجنائية الدولية، ومن المنطق أن يُسلمّ هوّ ورفاقه الذين عاونوه، لكن هذا لم يحدث ، لبعث ويُثير علامات استفهام كثيرة.

نعم «البشير» ومن معه ارتكبوا جرائم لا بُد من معاقبتهم جميعًا عليها، لكن ليس لأي جهة سلطة سلطانًا عليهم سوى قضاء بلدهم، فيجب أن يُحاكم الجميع في بلده السودان وليس خارجها، وإن كان هناك بُد من تسليمهم للمحاكمة الجنائية الدولية فعلى من يريدون ذلك استدعاء كل مجرم استهان بشعبه وارتكب مجازر ضد الإنسانية؛ فلماذا لا يُقدم مجرمي العالم لمذل هذه المحاكمات؟، ولماذا لا يُقدم أمثال «بوش» للمحاكمة جراء ما تسببه في قتل مليوني عراقي؟ فضلا عن المرضى الذين خلفتهم الحرب باستخدام أسلحة مُحرمة دوليًا، وكذلك «بوتين» الذي استخدم الأسلحة المُحرمة في سوريا، مثل القنابل العنقودية والأسلحة الكيميائية، والتي وقف مجلس الأمن حينها ضد قرار الإدانة، أهكذا يكون الموقف عندما يتعلق الأمر بالعرب؟.. كذلك ما يحدث في فلسطين من قادة إسرائيل المُدانين في مجلس حقوق الإنسان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وهم بعيدون تمامًا عن أية مساءلة، يعيثون في الأرض فسادًا ولا يزالون يرتكبون جرائمهم على مرأى ومسمع العالم و«الجنائية الدولية» التي تظل عاجزة عن إعطاء كل ذي حقٍ حقه، وعدم إعطاء الفرصة لأحدٍ أن يفلت من العقاب مهما كانت تبعيته لأي دولة، فلا يلاقي أي قرار للجنائية الدولية أي اعتراض كما هو الآن في السودان والعالم العربي، أو حتى يعتبرونه إهانةً كبيرةً للسودان رغم معرفتهم بظُلم «البشير»، لكنهم يرون أنه مهما كان ظالمًا فمحاسبته من قضاء بلده ومحاكمته أمامهم عزةً واستقلالية تامة للدولة وجميع سلطاتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى