تقارير و تحقيقات

العنف داخل الأسرة المصرية.. حلقة (2): جمعية قتل الأزواج والزوجات “العداد بيعد”

تحقيق: مروة محي الدين- منار مدحت- فتحية أبو العينين- محمد عادل

في الحلقة الماضية من السلسلة اختتمت الدكتورة (فادية أبو شهبة) – أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – حديثها المركز بتصنيف مهم للجرائم التي تحدث بين الأزواج فقالت: ” أكثر جرائم الزوجة ضد الزوج هي (الزنا)، سواء عن طريق الإنترنت أو بمقابلة شخص بالخارج أو زنا فعلي، وغالبًا يكون ذلك بسببه إما بهجره أو سفره أو إنه عرفها على صديق له، ثم الجريمة الثانية عند السيدات هي (القتل)، لكن أكثر جرائم الزوج على زوجته (الضرب) بداية من ضرب الجرح، ثم ضرب العاهة، ثم القتل على الترتيب.”. 

ما أعاد إلى الذهن تلك الصور لأناس يتحاكون عن تلك الجريمة التي قطعت فيها زوجة زوجها إربا عام 1985، فقد كان هذا الحادث محور المجالس وكانت (س.ح -37 عامًا) البطلة الرئيسية في تلك الأحاديث، فهي نادرة الموسم إذ لم يكن قتل الزوجة لزوجها من الجرائم التي يسهل أن يتصورها عقل، لذا حازت قضية “المرأة التي قتلت زوجها وقطعته بالساطور” اهتمام الصحف ووسائل الإعلام وانتقل الاهتمام منهم إلى الرأي العام.

بشاعة الجريمة و استنكار الرأي العام بكل طبقاته لها وازدراء سيرة المجرمة لم يغلق باب هذا النوع من الجرائم إلى غير رجعة، بل استمرت وتيرة العنف بين الزوجين بصفة عامة والقتل بصفة خاصة في التزايد والتكرار عامًا بعد عام، ففي أحد الدراسات التي قام بها المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بعنوان “ظاهرة العنف داخل الأسرة المصرية – التقرير الأول 2003” ، تم حصر جرائم القتل داخل الأسرة في الفترة من عام 1986 -1998، ما اتضح منه سير القتل داخل الأسرة بوتيرة متزايدة في فترة الثمانينات حتى وصل أعلى معدلاته عام 1988 الذي بلغ تعداد جرائم القتل داخل الأسرة فيه (164) جريمة بنسبة 18.8% من إجمالي جرائم القتل في هذا العام، ثم انخفضت عام 1989 فبلغت (116) جريمة فقط بنسبة 16.7% من إجمالي جرائم القتل في هذا العام وهو أدنى مستوى للجريمة على طول الفترة التي تناولتها الدراسة، لتعود إلى التزايد مع بداية التسعينيات فتصل أعلى معدل لها – على طول مدة الدراسة – بلغ (186) جريمة عام 1995 بنسبة 22.1% من إجمالي جرائم القتل التي حدثت في هذا العام، لتعاود الا نخفاض بمنحنى متذبذب في النصف الثاني من التسعينيات.

وفي دراسة أكثر تصنيفًا قام بها المركز ذاته بعنوان “الأبعاد الجنائية والاجتماعية للجرائم التي تقع بين الأزواج- 2019“، توصلت الدراسة إلى أنه خلال الفترة من 2007-2016 – التي مثلت إجمالي فترة الدراسة- بلغ إجمالي الجرائم التي وقعت بين الزوجين (967) جريمة، من إجمالي الجنايات الأسرية البالغ عددها (3544) جناية، وقد بلغت نسبة جنايات القتل العمد 75.9% بواقع (735) جناية من مجمل الجرائم التي وقعت بين الزوجين في تلك الفترة، يضاف إليها جنايات الضرب المحدث لعاهة والضرب المفضي للموت التي بلغت (167) جناية بنسبة 17.3% من إجمالي الجنايات التي حدثت بين الزوجين في تلك الفترة. 

 وبشيء من التفصيل تزايدت الجرائم بين الزوجين بشكل تدريجي من عام لعام، فمن (56) جريمة عام 2007 بنسبة 5.7% من إجمالي الجرائم التي وقعت بين الزوجين خلال السنوات العشر للدراسة ( 2007-2016)، حتى وصلت (98) جريمة بنسبة 10.1% عام 2010، لتخفض إلى (74) جريمة بنسبة 7.7% في 2011، ثم تواصل الزيادة التدريجية حتى تصل أعلى مستوياتها في 2016 بمعدل (150) جريمة مثلت نسبة 15.5% من الجرائم التي وقعت بين الزوجين خلال فترة الدراسة أي ما يقارب ثلاث أضعاف نسبتها عام 2007، وقد حصلنا على تصنيف نوعي لأنماط هذه الجرائم على مدار سنوات الدراسة نجد تفصيله في الرسم البياني التالي.

وعلى الرغم من عدم تمكن فريق العمل من الوصول لإحصائيات الجريمة في بعض السنوات التي تخللت بحثنا وراء ظاهرة القتل في الأسرة المصرية مثل الفترة من (1999-2006) والفترة من (2017-2020(، كشف الحصر الذي قام به أعضاء الفريق لشهري (يوليو – أغسطس)، مما نشر على المواقع الإخبارية والصحف عن عام مذهل (2021) ليس في روعته ولكن في ترويعه، أن تنم آمن في بيتك معافًا في بدنك، وحينما تستيقظ لتستقبل الدنيا بإحساس أنها حيزت لك تجد حصاد عداد القتل بين الزوجين بلغ (47) حادثة قتل في هذين الشهرين من العام فقط – في إحصاء غير رسمي انفرد به فريق عمل “اليوم”، فإما زوجة تقتل زوجها أو زوج يقتل زوجته، وباقي الإحصاءات قد تبدو أبشع.

فمعظم حوادث القتل في السنوات الأخيرة استخدمت فيها أساليب شديدة القسوة، وفي بعض الأحيان تم التمثيل بجثة المجني عليه أو عليها، وعلى سبيل المثال: في (21 أغسطس) الماضي في كفر الشيخ، كان كل من يسمع بذهاب “أحمد. ر. د-29 عامًا” وزوجته “أنغام. ع. أ – 18 عام” وطفليهما لشاطئ الزهراء بمصيف بلطيم، أنهم يقضون وقتهم في التنزة والترفية عساهم ينهون الخلافات المستمرة بينهم،  وقد كان الأمر كذلك بالنسبة “لأحمد” الذي اختار المكان ليكون فعليًا نهاية للمشكلات بينه وبين زوجته نهائيا، عبر خنقها -أمام طفليهما- بعيدًا عن محل سكنهما، ولم يكتفي بذلك بل شق بطنها وأخرج أحشائها، لينتقم منها بعد أن قالت له أثناء مشادة بينهما “اللي في بطني مش ابنك” – وفقًا لما جاء في اعترافه.

وفي (24 يوليو) الماضي بمركز فرشوط بمحافظة قنا، تجردت (امرأة-26 عامًا) ليس فقط من الوفاء والإخلاص، ولكن حتى من عاطفة الأمومة فقدمت السم – الذي كان أعطاه لها عشيقها (سائق تاكسي 26 عامًا) – بيديها لزوجها (رأفت جلال – 32عامًا) وأطفالها (أميرة 8 سنوات – وأمير 7سنوات – وآدم 9سنوات) في عصائر، قدمتها لهم بترتيب مع العشيق لتتخلص من كافة مسئولياتها، وتبدأ حياة جديدة مع عشيقها، لكن إرادة الله حالت دون إتمام مرادها فنجى الزوج، فيما نجحت في التخلص من الأبناء.

وغيرها الكثير من الحوادث التي لا يسع التحقيق ذكرها جميعًا، حوادث كفيلة أن تقض مضجعك أو هكذا فعلت في الواقع فلم يعد البعض آمنًا في بيته كما كان يعتقد.

بيد أن الأرقام الكثيرة وحالة الخوف التي يمكن أن تنجم عنها كانت أمرًا مرفوضا من علماء الدين وأساتذة علم النفس، فيقول الشيخ الدكتور (سالم عبد الجليل) – عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووكيل وزارة الأوقاف سابقًا – عن انتشار هذه الحوادث: “أود تصحيح شيء وهو إطلاق مصطلح (ظاهرة) على هذه الحوادث، فلا يمكن أن أطلق على أي حادثة أنها ظاهرة إلا إذا كانت تحدث بشكل كثيف جدا وبنسب محسوبة تعادل رقم من حجم المجتمع، بمعنى أننا في مجتمع حجمه يبلغ ١٠٠ مليون نسمة يقع فيه فعل من ٥٠ مليون هنا نقول أننا أمام ظاهرة مثل ظاهرة استخدام الإنترنت أو ظاهرة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي – السوشيال ميديا – (الواتس آب والماسنجر والفيس بوك …إلخ)، يمكننا أن نقول على هذه الأشياء أن استخدامها أصبح ظاهرة، كذلك استخدام الموبايل أصبح ظاهرة، لكن حينما نتكلم عن حوادث القتل داخل الأسرة حتى وإن كان لدينا ١٠ حوادث في أسبوع بمعدل قد يصل أحيانًا إلى حادثتين يوميا فنحن نتكلم عن حوادث ليست بالقليلة إذا نظرنا إلى حجم الجريمة التي حدثت، لكنها لا تمثل أي نسبة من تعداد السكان وعليه نحن لسنا أمام ظاهرة، حتى يعي الناس الموضوع؛ إنما نسميها جرائم بشعة ما كنا ننتظر أن تحدث في أي مجتمع إنساني، فضلا عن كونه مجتمع شرقي عربي فضلا عن كونه مجتمع متدين -حتى في غير المسلمين المجتمعات المسيحية تظهر التدين.”.

وسار على نفس المنوال الدكتور (علاء الغندور) – استشاري التحليل والتأهيل النفسي والعلاج النفسي السلوكي والمعرفي والمستشار الأسري – الذي يرى أن هذه الجرائم ليست بحجم الانتشار الذي تصورة وسائل الإعلام فيقول: ” إحنا ١٠٠ مليون حينما يفعل ذلك ألف فهي نسبة لا تذكر، نسبة لا تتعدى واحد في الألف”. 

فيما أطلقت عليها الدكتورة (فادية أبو شهبة) في حديثها “لليوم” أنها ظاهرة اعتمادا على التكرار والتوالي وقالت: ” تطالعنا الصحف و الواقع فعلا في المحاضر اليومية في أقسام الشرطة بحوادث يومية..، وقد قمنا بعمل العديد من الدراسات عن الموضوع ده. وبشكل شخصي عملت دراسة وشرفت بالإشراف عليها عن “ظاهرة العنف داخل الأسرة المصرية”، وأخرى عن “النساء مرتكبات جرائم القتل العمد” وتبين لي أن 90% تقريبا من المجني عليهم كانوا أزواج، وللأسف كن يستخدمن أساليب عنيفة في القتل. وأخر دراسة قمت بعملها عن الجرائم التي تقع بين الزوجين، وفيها دخلنا جميع السجون وجلسنا مع الجناة سواء الزوج أو الزوجة، وعرفنا نوعية الجرائم التي يرتكبها كل طرف ضد الطرف الآخر”.

وحتى مع اختلاف الخبراء على مسمى هذه الجرائم لم يختلف منهم أحد على بشاعتها، لذا كان سؤالنا الأول الذي نكتفي في هذه الحلقة من التحقيق بالإجابة عليه حول: العوامل التي أدت لتزايد وانتشار هذه الجرائم؟

من واقع خبرتها وبحوثها التي طبقت على بعض مرتكبي هذه الجرائم قالت (أبو شهبة) بمنتهى الثقة: ” العوامل والأسباب والتغيرات التي طرأت على المجتمع المصري، فكثرت جرائم العنف بين الزوجين داخل الأسرة المصرية، بحيث أصبحت تمثل ظاهرة ملموسة مستمرة الارتفاع والتزايد، ثبت من كل الدراسات التي قمنا بها أن أهمها: 1) البعد عن القيم الدينية والخلقية في الأسرة المصرية، فبعد أن كانت تسقي أبناءها وأحفادها وكل أعضائها القيم المعنوية أكثر من القيم المادية الآن يحدث العكس، 2) وهو ما يقودنا للسبب الثاني وهو طغيان المادة حتى أصبحت هي المتحكم الأول في أخلاقيات وسلوكيات أفراد الأسرة من آباء وأمهات وأبناء، الجميع يبحث عن المادة وكيف يحصل عليها بغض النظر عما تدعو إليه شريعتنا الإسلامية الجميلة أو العقيدة المسيحية – لغير المسلمين – التي تدعو للسلام ونبذ العنف، كلتا الديانتان تدعو إلى الهدوء، ويعتبرون رابطة الزواج ميثاق غليظ“.

ومن حديث الدكتورة كانت الرؤية الدينية (لعبد الجليل) بأن فقدان تقدير ميثاق الزوجية الغليظ يمثل نواة ما حدث في المجتمع فقال: “لم يعد هناك تقدير لهذا الميثاق، التقدير وهو المسألة المهمة لم يعد موجود، كذلك نحن لم نعد نتعلم فقة الزواج، الواجب علينا تعلمه مثلما نتعلم فقة الصلاة، وعليه مثلما لا يجوز أن أبدأ الصلاة دون أن أعلم كيفية أدائها، وما الحلال والحرام وما الواجب والمندوب و ما الفرض وما السنة، يجب أن نتعلم ذلك في الزواج فيعرف الرجل ما له وما عليه والمرأة تتعلم ما لها وما عليها ونطالب بتلك الحقوق، ونتعامل بالمعروف والإحسان فيحدث السكن والمودة والرحمة، قال تعالى: (ومن آيته أن جعل لكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة)، لم يقل أنه جعل بينكم عقوبات متبادلة وعنف متبادل، ولم يقل القتل والضرب وهذا ما يجب إشاعته ونشره بين الناس”.

وفيما انحاز الدين والقانون الجنائي لأفكار التدين والأخلاق، كان الرأي النفسي من (الغندور) يبدو صادمًا حينما قال: ” هذه الظاهرة نتاج طبيعي لأحداث مؤسفة كثيرة،وخلل منظومي في التربية والتعليم والميديا والشارع”، وهنا كان التساؤل كيف لهذا العنف البشع أن يكون شيئا طبيعيًا؟، فاستطرد قائلًا: “بالطبع نتاج طبيعي فاليوم الأم لا تعرف كيف تربي ولم تؤهل للتربية، وبالمثل المدرس في المدرسة لا يعرف كيف يربي ولم يؤهل للتربية، وكذلك الميديا التي تركز على إظهار بطولة المجرم والجريمة و إظهار المخدرات وجمالها ومتعتها ونشوتها، وكأنها تدعو المتلقي للمخدرات كذلك تدعو للتحرش والخيانة؛ وعليه النتيجة الطبيعية لذلك هي ظهور حالات ضغط عصبي أو عدم الرضا بالواقع، يضاف إلى ذلك (المشعللاتية)..!!!”

 وجود طرف مثير أو محرض على حدوث العنف تحت مسمى (المشعللاتية) كان وجهًا لاختلاف (الغندور) مع أساتذة الدين والقانون لذا سألنا: من هم المشعللاتية؟، فكان رده السريع الجاهز: “المشعللاتية إما (أم الزوج) أو (أم الزوجة) أو الإخوة أو الأصدقاء والصديقات أو حتى زملاء العمل”. 

وفي ذات الإطار الذي يقر بوجود طرف ثالث محرض على ازدياد العنف بين الزوجين، انحاز الدكتور (الغندور) لفكرة أن وسائل الإعلام تحمل لها دورًا تحريضيًا في إشعال فتيل العنف الذي يصل إلى القتل بين الزوجين، بل وحملها المسئولية في تقويم الأمر برمته حتى مالم يكن لها يد فيه، وكان يرى بنسبة كبيرة أن المتلقي لرسائل يستقبل رسائلها مثل قطعة الإسفنج التي تمتص كل ما يلقى إليها!!!

لينقلنا برؤيته تلك إلى سؤالنا الثاني: هل وقف النشر الإعلامي بأشكاله المختلفة وراء تكرار الجريمة وانتشارها أم كان رادعًا للناس عن ارتكابها؟، سؤال نجيب عليه بشكل سردي من الوقائع والبيانات وشهادات الخبراء في الحلقة القادمة من التحقيق على موقع “اليوم الإخباري”.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى