تقارير و تحقيقات

العنف في الأسرة المصرية.. الحلقة (3): بوصلة الإعلام بين الردع وتوسيع الانتشار

تحقيق:- مروة محي الدين- منار مدحت- فتحية أبو العينين- محمد عادل

هل كان الإعلام أحد “المشعللاتية” الذين وقفوا وراء تأجيج وتيرة العنف داخل الأسرة؟

اختتم الدكتور (علاء الغندور) -استشاري التحليل والتأهيل النفسي والعلاج النفسي السلوكي والمعرفي والمستشار الأسري – الحلقة الماضية من هذا التحقيق برؤية تقول أن لوسائل الإعلام دورًا تحريضيًا في إشعال فتيل العنف الذي يصل إلى القتل بين الزوجين، بل وحملها المسئولية في تقويم الأمر برمته حتى ما لم يكن لها يد فيه، وكان يرى بنسبة كبيرة أن المتلقي لرسائل يستقبل رسائلها مثل قطعة الإسفنج التي تمتص كل ما يلقى إليها!!! 

وفي ذات الإطار أشارت الدكتورة (فادية أبو شهبة) – أستاذ القانون الجنائي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية – بالبنان إلى الإعلام باعتباره مسئول أول عن انتشار هذه الحوادث فقالت: “أنا أضع تحت الإعلام مائة خط، فحينما كنا نجلس مع الجناة سواء كان الجاني رجلًا أو امرأة، ونسأله من أين تعلمت طريقة القتل تلك، أجد الإجابة المباشرة في قوله: (من التليفزيون فقد شاهدتها في الفيلم الفلاني)، وكذلك بالنسبة لباقي التفاصيل: (كيف حفرت وكيف نفذت تفاصيل الجريمة).”..

رؤاهم فرضت على فريق العمل البحث عن إجابة للتساؤل الثاني في هذه السلسلة: هل وقف النشر الإعلامي بأشكاله المختلفة وراء تكرار الجريمة وانتشارها؟ أم كان رادعًا للناس عن ارتكابها؟ 

١. إدانة بالتحريض غير المباشر: 

كانت البحوث العلمية للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية أول من أشار إلى التحريض والتحفيز الإعلامي للجريمة، ففي بحث بعنوان ” النساء مرتكبات جرائم القتل العمدي” عام 2003، كانت 30% من المبحوثات أي (42 مبحوثة) أقررن أنهن تعلمن الطريقة التي ارتكبن بها القتل من وسائل الإعلام”.

وفي دراسة أخرى بعنوان “ظاهرة العنف داخل الأسرة المصرية عام 2003″، “أقر 80% من المبحوثين – البالغ عددهم (120) مبحوث – أنهم تعلموا طريقة وأسلوب ارتكاب جرائمهم من مشاهدة أفلام العنف في التليفزيون أو السينما”. بيد أن تلك البحوث لم تدين التليفزيون والسينما بصفة عامة، إنما أدانت صورًا معينة من العروض السينمائية والتليفزيونية فادحة الضرر خاصة على الحدث، لذا كانت أهم التوصيات التي جاءت فيها: “تشديد الرقابة على الشاشة البيضاء والتليفزيون لتأثيرهما غير المباشر على السلوك الإنساني”.

وعلى نفس المنوال اتفق أساتذة علم النفس والدين والقانون على إدانة النشر الإعلامي لهذه الجرائم، بدءًا من الأخبار وحتى الدراما، فمن الوجهة النفسية للأثر الذي يحدثه نشر هذه الجرائم يقول (الغندور): ” كان يفترض بوسائل الإعلام ألا توسع نشر هذه الحوادث وإذا نشرتها تستضيف محلل نفسي يحلل أبعاد الحادث وما الذي دفع أحد الزوجين لقتل الآخر، وما دوافع ذلك، وما الإجراءات الوقائية التي يجب اتخاذها حتى لا تصل الزوجة لهذا المستوى، ولا يصل الزوج لدرجة فقدان أعصابه ويسيطر عليه الشيطان ويلغي عقله وتفكيره ودينه ويقتل، حتى نعلم المتلقين أنه إذا وضعتم في نفس الموقف لا ترتكبوا نفس الجريمة”. 

وانحاز الشيخ الدكتور (سالم عبد الجليل) -عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووكيل وزارة الأوقاف سابقًا- لفكرة أن النشر الإعلامي الخاطئ لهذه الحوادث عزز انتشارها، فقال: “دعيني أقول أن الإعلام زكى هذا الموضوع من ناحيتين: الأولى من ناحية إظهاره وانتشاره، خاصة في زمن تعدد الوسائل الإعلامية؛ والثانية نشر هذه الأشياء بتفاصيلها الدقيقة التي تجعل بعض من لديهم ميول إجرامية يتشجعون على فعل ذلك.

وتابع حديثه: “نحن اليوم ننشر هذه الجرائم بتفاصيلها دون أن ننشر طريقة الإعدام والموت البشعة التي تحدث للمجرم، ففي الإعلام نحن أمام سلبيتين: الأولى: هي كثرة ذيوع وانتشار الحادث، والثانية: أنه ربما يحكي تفاصيل بشكل درامي ويحكم صياغتها فيما أنه حينما يتكلم عن العقاب في سطر واحد وربما لا يذكره أصلا فيتناساه الناس، وقد كنت سعيدًا جدًا في الفترة الأخيرة حينما نشر الإعلام تفاصيل محاكمات في قضايا بشعة مثل قضية شاب المنصورة الذي أرسل رجلًا ليغتصب زوجته وحينما رفضت قتلها، واعتبرت هذا النشر شيء إيجابي”.

كذلك وجه الشيخ (عبد الجليل) أصابع الاتهام للمضمون البرامجي على شاشات التليفزيون بالتحريض المباشر، فقال: “حينها نرى أن برنامج يستضيف سيدة قتلت زوجها – وهذا رأيته بنفسي في مقطع قصير من برنامج لسيدة قتلت زوجها وهي تتحدث بمنتهى الجهل أو الخبل عن أنها لم ترمي زوجها في القمامة بعد القتل وإنما رمته في (خرابة) على اعتبار أنها حجارة والقبر أيضا حجارة، وكان إخراج الحوار وشكل الأسئلة والحديث يستعطف المتلقين مع هذه المجرمة التي هي في النهاية مجرمة، فهذه البرامج تأتي بهذه اللقاءات في أسلوب يستعطف المشاهد أو المستمع مع المجرم”.

٢. التواصل الاجتماعي: “من الحبة قبة”

“وتبقى هي أجمل انتصاراتي وأعظم اختياراتي”… منشور ملخص كتبه (م.أ.ع – 28 سنة) – على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك) – لخص فيه حياته السعيدة مع زوجته في يوليو الماضي، قبل يومين من مقتله على يد زوجته (ر. س – 25 سنة) أثناء مشاجرة بينهما تعدى فيها عليها بالضرب المبرح، وحينما هرع الجيران لإنقاذها عقب علو صراخها، تصدت لهم والدته بقولها: “محدش له دعوة واحد بيأدب مراته”، وأثناء ضربه لها طعنته بسكين مطبخ فأردته قتيلًا.

التفاصيل الدرامية التي كشفتها ملابسات الحادث، إضافة إلى ما كان قد نشره القتيل على حسابه الشخصي قبل يومين من مقتله، جعلت رواد مواقع التواصل الاجتماعي ينخرطون بشكل كامل في مناقشة الجريمة من كل جوانبها، إلى حد وصل إلى إطلاق حكم طالبوا به المحكمة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد لأن الفضاء المفتوح يسمح بتحليل الجريمة وتأويلها إلى أشكال مختلفة، فمن تدخل الأم في إشعال الموقف إلى معرفة الأهل تفاصيل حياة الزوجين، ومن الرفاهية المادية التي كان يعيشاها طرفي الحادث إلى الحسد والعين… استمر التحليل والتأويل دون ضابط.

ومع استمرار حوادث القتل بوتيرة متزايدة وفي أيام قليلة استمرت حالة الهياج على فيس بوك، بين أولئك الذين يرون المرأة تحولت إلى وحش كاسر، وأخريات يرون الرجل مجرم بطبعه، وفريق آخر يرى في مواقع التواصل الاجتماعي ذاتها الأفعى التي تسمم حياة البشر، وكثرت الهاشتاجات، والتريندات، والجدل الحماسي الذي تحول إلى تحريض وسب وقذف في بعض الأحيان. 

ومن حالة التعاطف ثم حالة الثورة إلى الهزل المرير، هكذا انفصل رواد مواقع التواصل عن واقع البشاعة الذي يغلف تلك الحوادث، فإذا بسيل من النكات تجتاح تلك المواقع وجميعها يدور حول قتل شريك الحياة، مثل ذلك الفيديو لفتاة محجبة تتدرب على ألعاب عنيفة في صالة للألعاب الرياضية مصحوبا بتعليق “داخلين على أيام سودة”، بل وحتى التناول الإعلامي لهذه الحوادث كان يبدأ تحركه من حركة مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا كثر الحديث عن هذه المواقع باعتبارها المحرض الأول على القتل، وهو ما أشار فيه (الغندور) بالبنان إلى وجود أطراف مستفيدة من حالة اشتعال المواقف داخل الأسر، فقال: “المستفيدون هم المطلقات وكارهي الرجال والمنفصلين وكارهي السيدات، ومجموعات السيدات والرجال على وسائل التواصل الاجتماعي، وهناك مذيعة تعمل في أحد البرامج خصيصًا على (خراب البيوت)، وكذلك اليوتيوب والتيك توك والناس العادية التي (تعمل من الحبة قبة) بالمبالغة والتضخيم”. 

وفي نفس الصدد رأى (عبد الجليل) أن وسائل التواصل الاجتماعي كانت سببًا من أسباب   نشر هذه الحوادث بشكل أوسع وأسرع، فقال: ” الآن أصبح الأمر لا يحتاج لصحفي متخصص لينشر، وإنما أي شخص يمكن أن يكتب أي شيء من المنزل على الفيس بوك وسيجد جمهور بالمئات والملايين، وهو ما جعل مثل هذه الأمور يتم معرفتها وتنشر بشكل أكبر”، وتابع حديثه مؤيدًا تلك الفكرة التي تقول أن وسائل التواصل الاجتماعي (تصنع من الحبة قبة) وعلل رؤيته قائلًا: “لأننا ليس لدينا توازن أو منطقية في معالجة الأمور وهذا ناتج عن الجهل بشكل عام، فأعطت وسائل التواصل مساحة عامة لمن لا يملك علم، ولكنه لا يعترف أنه لا يملك علم بل يتحدث في كل الأمور كأنه خبير، والقارئ أو المتلقي لا يميز ما إن كان المتحدث خبير أم سفيه، فهو (يقرأ وخلاص)”.

٣. الدراما… بوصلة تحتاج لإعادة ضبط:

وبينما كانت تلك أراء الدين وعلم النفس غيرت (أبوشهبة) بؤرة الاهتمام في نشر جرائم القتل بين الزوجين صوب الدراما، فقالت: “لم تساهم وسائل الإعلام وعلى رأسها الدراما في الردع، لأنها تمجد البطل مرتكب الجريمة، وحينما نشاهد الفيلم نتعاطف معه ونبدأ في التماس الأعذار لهم وتسمع أقوال مثل: (عندها الحق في تقطيعه)، فيتعاطف الجمهور مع الجاني على حساب المشكلة الرئيسية، إذا أنا أؤكد أن الإعلام له دور خطير – بإذاعة المسلسلات والأفلام التي تحتوي على عنف أو مخدرات أو جنس – في زيادة تلك الجرائم في المجتمع، فهو ينشر لي بالتفصيل كيفية تعاطي المخدرات ، وكيفية قتل المرأة لزوجها أو الرجل لزوجته”.

وأكملت حديثها مؤكدة على دور الدراما في تعليم تفاصيل عمليات القتل، من واقع ما قامت به من دراسات على جناة فعليين داخل السجون المصرية فتقول: “، وبالفعل رصدنا ذلك في دراسة صدرت عن المركز بعنوان “النساء مرتكبات جرائم القتل العمد“، إذ احتوت الاستبانة الخاصة بالمبحوثات سؤال: كيف تعلمتِ طريقة القتل؟، فتجد الإجابة بالتفصيل أنها شاهدتها في فيلم، ولما كانت (أمية) فقد نفذت ما شاهدته حرفيا فقتلت ثم حفرت إلى جانب المنزل ودفنت الجثة، إذا تعلمت الفكرة والأسلوب والطريقة من الدراما”.

الدراما هي الضيف الإجباري في كل منزل، يُنظَرُ إليها بعيون القانون الجنائي على أنها المسئول الأول عن زيادة الجريمة في المجتمع – على الرغم من رؤى الكثير من النقاد الذين يقولون أنهم يحاولون معالجة الجريمة لإيقاف وتيرة انتشارها – بل وزاد المنظور الديني الذي مثله (عبد الجليل) على ذلك كون الدراما قامت بدور تحريضي شجع أصحاب الميول الإجرامية على ارتكاب الجريمة، فقال: “حينما نتحدث عن الدراما التي يقول القائمين عليها (أننا نتناول ما يحدث في المجتمع)، فعن نفسي أنا لا أرى المجتمع بالشكل الذي يظهرونه في الأعمال الدرامية، وأنت  واحدة من الناس بالتأكيد تعيشين في بيئة ليست كما في الدراما، فلما تظهرون المجتمع لنا بمثل هذا الشكل على أن كل المجتمع المصري مجرمين وبلطجية؟… وأن (من يأخذ حقه بذراعه) هو من ينجح؟، وأنه حينما أقدر أقتل وأقطع الرقاب وأرتكب الموبقات؟”…

وتابع مؤكدًا على سلامة المجتمع المصري من كل هذه الكوارث: “المجتمع المصري ليس كذلك بل هو مجتمع مليء بالتسامح والحب والناس تعيش به، كون هناك بلطجي هنا أو هناك ليس معناه أن هذا كل المجتمع، وليس البلطجي هو من يصل ويكسب حب وإحترام الناس، فحب واحترام الناس يمكننا كسبه بأخلاقنا وقيمنا وأدبنا، فالإعلام يتحمل جزء كبير من المسئولية عن ذلك، كما أن الهدم أسهل من البناء: بمعنى من يقول أن التربية والتعليم مقصرين وشيوخ الأزهر مقصرين مهما بنينا ومهما فعلنا يمكن هدم كل ما نبنيه بحلقة واحدة من الدراما الغير منضبطة فكيف بأن يذاع في رمضان ٣-٤ مسلسلات كلها دم وإجرام، وكلها تصوير لشكل الجريمة التي تحدث في شكل درامي محبك قد تكون فيه تفاصيل لم تحدث أصلا من قبل، فهذا هدم للمجتمع وأخلاقه”.

ولم يترك الأمر معلقًا بل ختم حديثة بتقديم الحل الذي يجب أن يضطلع بتقديمه صناع الدراما، فأضاف: “لهذا نريد أن نعكس هذه المسألة نريد أن نقول أنه كان هناك بلطجي وأنه لم يجني شيئا ونال عقابه ونهايته كانت رادعة وليس العكس، لأننا اليوم نصور أعمال السفة والتفاهة أنها البطولة والشجاعة ….ووإلخ، وأصبح من يقوم بمثل هذه الأدوار له صيت ذائع جدا فضلا عن المال الذي يسمح له بإعادة مثل هذه الأعمال أكثر من مرة”.

ومن العلاج بدأ (الغندور) حديثه في توصيف مشكلة الأجهزة الإعلامية ودورها في تأجيج وتيرة العنف الأسري، فقال: ” أرى حل ذلك أن يصيغ المتخصصون من أفراد المجتمع أفكار إيجابية، ويرسلونها للمؤلفين ليحولونها إلى أشكال درامية مثل: المسلسلات، وفي كل حلقة من حلقات المسلسل توضع مجموعة من الأخطاء وتبين حلولها وتُعرض في نفس الحلقة، وليس كما يحدث الآن بأن أعرض تفاصيل عملية القتل في ٣٠ حلقة ثم أنصف المظلوم في آخر ١٠ دقائق من المسلسل”. 

ووفقًا لرؤية (الغندور) أن موطن الخلل في الإنتاج الدرامي، الإمعان في سرد تفاصيل الجريمة مقابل تلخيص الحلول، لذا فصل الحل بشكل موسع فقال: ” أريد أن نضع الموقف وطرق تقويمه في نفس الحلقة الدرامية، فيأتي الحل من واقع النسيج الدرامي، كما نبتعد عن سرد مشاهد وتفاصيل الجريمة، فأكتفي بالتنويه أنه تمت جريمة كذا واستُخدِمَ فيها أسلوب كذا، ونبين الأخطاء المسببة لوقوع الجريمة وطرق علاجها في نفس الخط الدرامي”.

٣. كيف للردع أن يحدث وسط زخم النشر؟؟

بالنظر إلى هذه الحالة من الشيوع الذي يظهره الإعلام لظاهرة العنف داخل الأسرة، بسبب الاستخدام غير الواعي لوسائل الإعلام (الخبرية والبرامجية والدرامية والإعلام الجديد)، يحق لنا وللجمهور أن نسأل عن كيفية تحقيق الردع في المجتمع؟ وما وسائل هذا الردع؟

وكانت الإجابة التي أجمع عليها ضيوف التحقيق جميعًا: أن الردع أمرًا سهل التحقيق لكنه لا يقف عند الأحكام القضائية وحدها، بل يتعداها إلى نشر هذه الأحكام بقوة بحيث تحقق ذلك الردع، فقال (عبد الجليل): “إن حل هذه المشكلة يقدمه القرآن حينما يأتي على ذكر جريمة، بأن يظهر العقاب الذي ينتظر فاعلها دون أن يظهر تفاصيلها، فنجده في جريمة الزنا مثلًا لا يقول إرووا ما حدث أو اجعلوهم يمثلوا الجريمة، وإنما يقول: ( وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)، لماذا يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين؟ حتى يبدأ من يشاهد هذا الموقف في مراجعة نفسه، فيقول: هل يمكن أن أضع نفسي في هذا الموقف المذل المخزي؟ … وعليه يرتدع عن هذا الفعل”.

وقد أشارت (أبو شهبة) لهذا الأمر بل وطالبت الأجهزة الإعلامية بهذا الواجب فقالت: “للحد من توسيع انتشار الجريمة بسبب النشر، أنه مثلما أنشر الجريمة أنشر العقاب، ليس لدينا حالة إعدام واحدة تمت في ميدان عام وتم نشرها وتصويرها، واهتمت بها الصحافة وحدث حولها الزخم الذي يحدث في أي موقف آخر كالمآتم مثلًا، وكان يجب أن يصوروا عقاب المجرم (القاتل والسارق ومتعاطي المخدرات) ليصبح عبرة لغيره ويحقق ما يعرف بالردع العام، بدلا من السجون المغلقة التي يتم فيها تنفيذ أحكام الإعدام دون أن يشعر أحد، فالصحافة حينما تعلن عن واقعة لما لا تتابع ما بعدها وماذا حدث فيها، وإحقاقًا للحق فقد بدأوا حاليًا في إذاعة بعض الأحكام على وسائل التواصل الاجتماعي غير أنه أمر غير كافي، إنما أريد التليفزيون الرسمي للدولة، فيحدد فقرة يومية لسجل الأحكام القضائية، كما أطالب بتنفيذ أحكام الإعدام في ميدان عام مثلما يحدث في المملكة العربية السعودية كل يوم جمعة بعد الصلاة وهذا هو “الردع العام”.

وتابعت شرح الأبعاد التفسيرية لعملية نشر الأحكام، التي تراها ضمانة لردع كل مجرم فقالت: “كيف للردع أن يحدث دون الإعلان عنه؟، إن لم أعلن عنه فلم أحقق الهدف من العقاب، فالهدف من العقاب شيئين: ردع عام وردع خاص:

الردع الخاص: هو أن المجرم يعرف أن له عقاب فلا يكرر فعله،

أما الردع العام: أنا يخاف المجتمع تكرار هذا الفعل،

لذا أقول أنه لن يتحقق الردع العام إلا بالنشر، فالنشر هنا وسيلة لتحقيق هدف العقوبة، وفي الإعدام خصوصًا يلزم الإعلان، أو في أي جريمة أخرى عقوبتها السجن المشدد أو المؤبد على الأقل ننشر الحكم و نذيعه في التليفزيون، فيكون في نشرة الأخبار الرئيسية جزء مخصص بالأحكام الصادرة في الجرائم خاصة تلك المثيرة للجدل…، هنا فقط يمكن أن تنتهي جرائم مثل الاغتصاب وهتك العرض والقتل بين الزوجين وتشريد الأسر، صحيح أنه يحدث بعض التحايل مثل حالة المرأة التي ضربت زوجها بسكين في ظهرة وقيل أنها تدافع عن نفسها، وقد يكون ذلك حقيقي لكن الدفاع لا يكون بسكين فهناك حدود للدفاع الشرعي عن النفس أيضًا”.

وعلى نفس المنوال نادى (عبد الجليل) الأجهزة الإعلامية بالتحرك لنشر العقوبات، مثلما شرح من واقع النص القرآني فقال: “أنادي الأجهزة الإعلامية بضرورة نشر النطق بالحكم في مثل هذه الجرائم ونشر صورة تطبيق العقوبات الرادعة لأولئك المجرمين، بحيث تجدهم أنفسهم يعترفون بأن جرمهم عظيم حين رؤية العقاب القاسي”، وشدد على ضرورة عكس الأسلوب الذي تنشر به تفاصيل الجرائم في العصر الحالي فقال: ” نريد أن يحدث العكس أن يتم نشر تفاصيل العقوبة والنطق بالحكم وعمل (سبوت-spot) كبير عليها، بينما في نشر الجريمة نكتفي بنشر أن هناك جريمة كذا ارتكبها فلان دون الخوض في التفاصيل”.

وقد اتفق (الغندور) من الوجهة النفسية على ضرورة نشر العقاب في الجرائم الزوجية البشعة فقال: “حينما تكون هناك جريمة بشعة مثل: امرأة في بيتها آمنه دخل عليها زوجها وقتلها هذه جريمة بشعة لابد من نشر العقاب فيها، فعلينا أن نفضح كل من سرق أو زنا أو أكل حقوق الناس بالباطل  فهذه الجرائم بشعه تضر الفرد والمجتمع”. غير أنه لم ير داعي لنشر العقاب في جرائم الصدفة فقال: “في حالة النزاعات الزوجية اليومية، التي تطورت لعنف أدى للقتل بسبب غضب أو مشاجرة هذا أرفض نشره لانه يختلف كثيرًا عن الجرائم التي يتوفر فيها ركن سبق الإصرار والترصد”.

القتل داخل الأسرة بين مجرم وجريمة يسفر عن ضحايا قد لا يمكن حصرهم، لذا فهو من أضر الجرائم على المجتمع، ومن هنا كان الارتباط بين عملية الردع ونشر العقاب، ومع أهمية النشر رأى (عبد الجليل) ضرورة أن يكون العقاب المنشور ناجزًا كما جاء في نص القرآن فقال: “أيضًا أرى ضرورة نشر أن القرآن الكريم وضع الحدود للعقاب على هذه الجرائم، ولو طبقت هذه الحدود أعتقد ستقلل جدا من هذه الجرائم، لكن ما يحدث اليوم أن المجرم يدخل السجن ثم يأتي محامي يحاول أن يصنع منه بريء، وربما جعل المجني عليه -المقتول- هو المجرم!!! وهذا التلاعب غير موجود في الشريعة والدين”.

ومن قلب هذا الحديث نفتح باب النقاش في الحلقة الرابعة من هذه السلسلة – بين المرأة المجرمة دائمًا ومحامي يحاول لي عنق الحقيقة، وخطاب ديني قد لا يجد موقعه – غدا على موقع “اليوم”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى