تقارير و تحقيقات

في ذكرى ميلاده.. “الحصري” أول من قام بتسجيل مصحف مرتل للإذاعة المصرية

ولد الشيخ الحصري في اليوم الثامن عشر من سبتمبر عام 1961م، وكانت إذاعة القاهرة في تمام الساعة السادسة من صباح يوم الإثنين الموافق الثامن من ربيع الآخر عام 1381 هجرية، على موعد مع القدر؛ حيث أذاعت لأول مرة المصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت صاحب الفضيلة القارئ الشيخ محمود خليل الحصري، رحمه الله، والذي كان أول من قام بتسجيل المصحف المرتل للإذاعة المصرية.

كان حدثًا جليلًا بكل معنى الكلمة؛ إذ لم يكن للناس وقتها عهد بتلك الطريقة المرسلة في قراءة القرآن، والتي لا تعتمد على التلحين والتطريب والأداء النغمي، فاستحسنوها من الشيخ، لا سيما وأن حظه كان موفورًا من دقة الأحكام ومراعاة المخارج وتحقيق الحروف، مع البراعة الفائقة في الأداء الصوتي المنغم، والإجادة التامة في تطويع وتوجيه المقام الصوتي “النهاوند”، والذي يحبه عموم المصريين، حيث كان صوته الدسم الفخم القوي سمة مميزة له، مما أهَّله للجمع بين الحُسنيين؛ حسن الصوت، وحسن الأداء.

والطريف أن ذلك الحدث المجيد بحق كان وليد اليوم التالي الذي أكمل فيه الشيخ الحصري عامه الرابع والأربعين؛ حيث إن فضيلته من مواليد السابع عشر من سبتمبر عام 1917م، وكانت أمس ذكرى مولده المئوية.

وقد سبق تلك الحادثة العظيمة بُعد نظر الشيخ الحصري الذي أبدى قلقه من حملات التنصير والتبشير في إفريقيا، فاقترح تسجيل القرآن الكريم مرتلًا على اسطوانات أو شرائط كاسيت، وإرسالها إلى دول القارة حديثة العهد بالإسلام، فوافقت الحكومة المصرية، ورأت تسجيل المصحف المرتل عن طريق لجنة متخصصة.

قامت اللجنة بمخاطبة قراء مصر لتقديم عروضهم المادية مقابل تسجيل المصحف المرتل، وذلك في مظروف خاص يعرض فيه القارئ تسجيل المصحف مقابل مبلغ من المال، فترى اللجنة العرض المناسب وتبدأ التفاوض وخلافه.. إلا أن اللجنة فوجئت مفاجأة كبيرة، كما يقول الأستاذ عبد الخالق عبد الوهاب، أول مدير لإذاعة القرآن الكريم، وقد سمعته بنفسي، حيث وصلها مظروف كُتب فيه:

“لا أتقاضى أجرًا على تسجيل المصحف المرتل”.

وكان هذا المظروف الوحيد الذي وصلها بهذه الصيغة التي خطها بيده صاحب الفضيلة الشيخ محمود خليل الحصري.

وكان نجاح التجربة باهرًا، وعليه تم منح الشيخ الحصري وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1967م من قبل الرئيس عبد الناصر، تكريمًا له لتسجيله المصحف المرتل، كذلك نال فضيلته تقدير الملوك والرؤساء في العالم العربي والإسلامي.

ولا ننسى هنا دور الدكتور لبيب السعيد، ابن المنصورة، الذي كان يشغل منصب المراقب العام بمصلحة الاستيراد، ومنتدبًا للتدريس بكلية التجارة في جامعة عين شمس.. وهذا ما يثير الإعجاب؛ حيث نهض لهذا العمل رجل من خارج مؤسسة الأزهر، أو العمل الدعوي العام!

ولم يسجَّل المصحف المرتل لحساب أي شركة من شركات القطاع الخاص، أو لحساب الشيخ، ولكن لحساب المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، على أن يتولى المجلس توزيعه على إذاعات العالم الإسلامي، ولم يكن الشيخ الحصري يسعى إلى العائد المادي قدر سعيه لنيل رضا الله عز وجل، وكان يقول: “إن النجاح الذي تحقق لم أكن أتوقعه، وهذا فضل من ربي عليّ كبير”.

ثم جاء دور الأربعة الكبار الآخرين لتسجيل المصحف المرتل عبر أثير الإذاعة المصرية، وكانوا بحسب ترتيب التسجيل: أصحاب الفضيلة المشايخ مصطفى إسماعيل، ومحمد صديق المنشاوي، وعبد الباسط عبد الصمد، ثم محمود علي البنا الذي أكمل الخماسية عام 1967م بناءً على رغبة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الذي كان معجبًا أيما إعجاب بترتيل الشيخ البنا، وذلك بعدما قرأ في مأتم والد الرئيس مجودًا، فطلب منه الرئيس جمال أن يقرأ مرتلًا، ففعل، وكانت هذه نقطة انطلاق مصحف الشيخ البنا المرتل المميز الجميل.

وما يزال إلى الآن يتم تقديم فقرات المصحف المرتل الآن عبر أثير إذاعة القرآن الكريم بنفس ذلك الترتيب؛ الحصري، مصطفى إسماعيل، المنشاوي، عبد الباسط، البنا.

وهذه الكوكبة الخماسية قال عنها الشيخ الشعراوي، رحمه الله:

“إنهم يركبون مركبًا، ويبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن تتوقف هذه المركب عن الإبحار حتى يرث الله سبحانه وتعالى الأرض ومن عليها”.

ويعد الحصري صاحب أول مرتل للقرآن الكريم في مصر، وصاحب أول “جمع صوتي” لكتاب الله في التاريخ.

محمود عرفات

محرر ديسك، محرر في قسم الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى