تقرير

في ذكرى رحيلها..تعرف على أم كلثوم بعيون الأزهريين

تهل علينا اليوم ذكرى رحيل كوكب الشرق أم كلثوم، ورغم مرور الكثير من السنوات على رحيلها، إلا أن شمسها لا تغيب، وصوتها باقٍ، ونجمها ساطع، كما لو أنها لم ترحل.

وفي هذا الصدد يستعرض موقع وجريدة “اليوم” أحاديث الأزاهرة حول كوكب الشرق

لا يصعبُ على المطالع لسيرة السيدة أم كلثوم أن يجد الأثر الديني في تكوينها الأول، ولا يصعُب عليه كذلك أن يجد هذا الأثر في أحاديثها الإذاعية إلى آخر حياتها، ولا يصعُبُ عليه كذلك أن يجد أثرَ هذا الأثر فيما شدت به من قصائد دينية سارت بسيرتها الرُكبان، وتغنَّى بها الحدَثان؛ لا يعسُر على مستمِعٍ عرف أم كلثوم في أغانيها الأصيلة ومن بداياتها الأولى أن يجد هذا النفس الصوفي الرقيق، والمناجاة الصادقة؛ بل ربما سمعت غناءها مرتين لنفس ما تشدو به من كلمات فتستوقفك حقيقة واضحة لا يلزمُ منها التعميم، ولكنها حاضرة دون شك.

فالأسبقُ تاريخًا قد يكون أمتنُ إبداعًا من حيث الإبداع النغمي الطرَبي، ولكن المتأخر منها تاريخًا تجد فيه من روعة المناجاة ما لا تجده في الأول ومن أمثلة هذا في نظري قصيدة الأمير الذائعة “إلى عرفات الله”وهي في كلِّ ذلك تذكِّرك بحسّان شاعر الأوائل إذ يقول سجيةٌ تلك فيهم غيرُ محدثة إن الخلائق فاعلم شرُّها البدعُ، كان المرحوم الشيخ أحمد حسن الباقوري الحائز على العالِمية الأزهرية (عالمية التخصص) وأحد رجالات مصر المعروفين يرى فيما نعى به أم كلثوم أنها ربيبةُ شيوخ، وأن الذين تولَّوا تعليمها في البدايات كان كل واحدٍ منهم يحملُ لقب الشيخ وهو في هذا الصدد يذكر الشيخ أبو العلا..نرى أم كلثوم وقد غنَّت من ألحان أستاذها الشيخ أبو العلا “وحقك أنت المُنى والطلب”، وهي من أروع قصائد العلامة الشبراوي شيخ الجامع الأزهر.ولا يمكنُ إغفال دور السيد النبيل والأستاذ الجليل الشيخ مصطفى عبدالرازق في حياتها، والمعرُوف لا يُعرَّف؛ فقد احتضن الأستاذ الأكبر موهبتها وعرف قدرها، وأحسن استضافتها لما نزلت القاهرة، وإليه يرجع الفضل في اتصالها برجالات مصر أمثال المرحوم أحمد شوقي بك أمير الشعراء.

كان الشيخ مصطفى عبد الرازق يقول عن أم كلثوم “مزمارٌ من مزامير الله”على أن ذلك لم يكن مسلَكًا خاصًَّا بالشيخ مصطفى عبدالرازق فقط، بل تجد مثل العلامة الكبير الشيخ محمود أبو العيون سكرتير الأزهر العام والمعاهد الدينية وعضو جماعة كبار العلماء لا يتحرَّجُ من حضور إحدى حفلات السيدة عام ١٩٤٧م وهي في أوج شهرتها، والشيخ الجليل حينها من أعظم رجالات الأزهر بل من أعظم رجالات مصر كلها، حتى كان يُقارع كبار الساسة وتكتب إحدى الصحُف، عمامة الشيخ أبو العيون وطربوش النقراشي باشا. “أما أثره في دنيا الأزهريين فأشهرُ من أن يعرَّف ويُذكَر.

وكذلك نرى الشيخ عبد المنعم النمر المدرس بقسم التخصص بالأزهر آنذاك ووزير الأوقاف في مرحلة متأخرة، وصاحب مقررات التفسير التي تتلمذت عليها الأجيال في معاهدنا الأزهرية حتى جيلنا لا يتحرُّج كذلك من حضور بعض حفلات السيدة، بل إننا نجد أثر أم كلثوم عند المشايخ أكبر من هذا فالعلامة الفقيه الشامخ الشيخ محمد أبو زهرة في فتاويه وقد سئل عن الغناء: لا يتحرَّجُ في ذكر أغنيَّتي “سلو قلبي” و”نهج البُردة” كنموذجين للغناء اللذين يحسُن ويجدُر بالمرء سماعهما، وتجد مثل هذا عند المرحوم الشيخ محمد الغزالي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر.

أما العلامة الكبير الدكتور إبراهيم الخولي الأستاذ بكلية اللغة العربية فقد أقام محاضرة في كلية اللغة العربية عن (أبي العلاء) وحين أتى على ذكر اللغة العربية وعالمنا المعاصر قال :أم كلثوم رضي الله عنها.. أنا أترضَّى عليها، خدمت اللغة العربية بما لم تخدمه بها هيئاتٌ وكليات مجتمعة، ويكفي أنها وحَّدت العرب من المحيط إلى الخليج على لهجة عربية فصيحة واحدة، وأن حفظها للقرآن الكريم صقل لغتها وضبط مخارجها، فاسمع مثلاً لها حرف الميم، وانظر لها كيف تجوِّدُ الغناء، ولو أننا جمعنا كبار المختصِّين في الصوتيات ليُوجِدوا أم كلثوم ثانية لما استطاعوا إلى ذلك سبيلا”ونرى العلامة الكبير الأستاذ محمود شاكر، وإن لم يكن أزهريًا يحدِّث ولدهُ فهراً فيما يذكره في حياة أبيه، أن الأستاذ شاكر حدَّثه عن فرط إعجابه بأم كلثوم وكيف تلوِّنُ الغناء في كل مرة، وأنه عازمٌ على الكتابة عنها” ولكن الأستاذ شاكر لم يفعل للأسف الشديد.

ولا يقِف إجلال المشايخ لكوكب الشرق عند المصريين فقط فنجد الأستاذ الشيخ أحمد الوائلي وهو من علماء الشيعة في النجف، وأشهر خطبائهم في العصر الحديث، وقد حصل على الدكتوراة من جامعة القاهرة واتصل بمشايخ مصر أمثال: محمد أبو زهرة، وعلي الخفيف، ومحمد علي السايس، يعبِّرُ عن مكنون نفسه بشعرٍ بديع يقولُ فيه: يا نيلُ لو ظفَرَ الرشيدُ بليلة من ليلك المخمورِ بالأنخابِ الباعث الخيَّام في خطرَاتهِ نغمَاً على شبَّابة وربابِ والمستثيرُ على تشنُّجِ (سومةٍ) مُهجَاً سبَحنَ من الجوى بعُبابِ لسلا لياليهِ وعافَ بِساطهُ وجثا على رملٍ هُنا وتُرابِ وحبا إلى كأسٍ ولفَّ ذراعهُ خصرًا وبلَّل ثغرهُ برضابِ حتى إذا أهوى الخِمارُ برأسهِ وسجا وآذن وعيهُ بذها بِأرضى أمانيه وأرسلَ طبعهُوانفكَّ من خطأ به وصوابِ.

محمود عرفات

محرر ديسك، محرر في قسم الأخبار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى