مقالات

الإمام علي زين العابدين.. عنوان الإسلام المتسامح إيماناً وعدالة وعبادة

بقلم/ الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

إن سيرة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام) وتعاملهم مع الناس هي المثل الأعلى في كافة ميادين الحياة..فإنهم القدوة في حبهم وعطفهم ، وفي رأفتهم حتى بعدوهم ، وفي أخلاقهم وحسن معاشرتهم ، قد جعلهم الله تعالى الأسوة الحسنة حيث أمرنا جل جلاله باتباعهم والسير على هداهم فقال عز من قائل: ((لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كانوا يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)).

إذن فمن أراد الله والنجاة في يوم القيامة فعليه باتخاذ هؤلاء الأطهار (عليهم السلام) قدوة ومثلاً أعلى له في الحياة الدنيا وذلك لأنهم سفن النجاة التي من ركبها نجى ومن تخلف عنها غرق وهوى.

وقد كان الإمام علي السجاد (عليه السلام) في سلوكه وتعامله مع الآخرين نموذجاً في الأخلاق الإسلامية وكان (عليه السلام) محط إعجاب الناس وتعلقهم بالرسول (صلى الله عليه وآله) والرسالة.

الإمامَ على زينَ العابدين (عليه السلام) هو رابعُ أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، الذين أذهبَ اللهُ عنهم الرجسَ وطهّرهم تطهيرًا، فجده الهادي البشير محمد (صلى الله عليه وآله) حاملُ رسالةِ السماءِ من ربِ العزّةِ (جل وعلا) إلى العالمين؛ من أجل هدايةِ البشرِ لطريقِ الله (تعالى)، فكان أنموذجا فريدا من نوعه بسيرته العطرة المؤطّرة بتقواه وسمو أخلاقه، ونور معرفته بالله (جل وعلا)، فاستحقَّ قولَ الله (تعالى) فيه: “وإنّك لعلى خُلُقٍ عظيم”.
وأما جدّتُه فهي الصديقةُ الطاهرةُ بضعةُ الرسول (صلى الله عليه وآله) وروحه التي بين جنبيه والتي اختارها اللهُ (تعالى) حليلةً لأمير المؤمنين ووصي رب العالمين (عليه السلام) وأما الحسنان (عليهما السلام) فهما ريحانتا الرسول (صلى الله عليه وآله)، وأما أبوه فهو الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام) ، فإن من الطبيعي لهذه البيئة الرسالية التي احتضنت الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) أن تتركَ أثرَها في صقل شخصيته الفذّة، فوالده الإمامُ الحُسين أعظمُ مصلحٍ، نسجَ بدمه الطاهر منهجَ الإصلاح، وخط بتضحيتِه بالنفس والأهل طريقَ الحرية لبني الإنسان.
لقد شهدَ الأمامُ علي زين العابدين تلك الثورةَ الإصلاحيةَ، وأكملَ طريقَها برفقةِ عمته العقيلة الطاهرة المباركة الشريفة السيدة زينب (عليها السلام) بعد استشهاد أبيه، حيث شاهدَ تلك القسوةَ التي سادت قلوبَ القومِ، وهم يُروِعون قلوبَ أبناءِ وبناتِ الرسالةِ بأشدِ أنواع العذاب.
لقد رأى الإمامُ علي بن الحسين (عليه السلام) بعينه بشاعةَ فعلِ الطغاة من بني أُمية، برجالاتِ بني هاشمٍ النجباء وهم من حملَ نورَ الإيمانِ للعقول والقلوب، فلمْ يحفظوا فيهم أجرَ الرسالة الذي خطّه القرآنُ الكريم إذ قال لهم: “قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى” فلم يستمعوا؛ فقد صُمت آذانُهم وعُميت أبصارُهم؛ لأن قلوبَهم مُلأت بالحقدِ والبغضاء.

بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، أكمل الإمامُ زين العابدين، وسيدُ الساجدين (عليه السلام) دورَ أبيه الإصلاحي ولكن بأسلوبٍ جديدٍ غيرَ أسلوب الثورةِ والمواجهة.

فقد انتهت المعركة التي كانت بمنزلةِ صعقةٍ قويةٍ أعادت للأمة رشدَها بعد أن فقدته؛ لتيهان عقولها وتعلُّقها بملذاتِ الدنيا الفانية، والتي دعتِ القومَ إلى إرتكاب أبشعِ المجازرِ في حقِّ أهلِ البيت (عليهم السلام)، فانتهج الإمامُ (عليه السلام) منهجاً تربوياً إصلاحيا و بأسلوبٍ جديدٍ يتضمن العودةَ إلى إصلاح النفوس المريضة التي لم يدخلها نور الإيمان قط..
لقد شخّصَ الإمام الداءَ فبدأ بعلاج الأمة التي قبلتْ بفعل القوم بأبناءِ الرسالة، الأمة الضالة، ولابُدّ من العمل على هدايتها بروحِ الأبوّةِ الصادقة بعيدًا عن كُلِّ صورِ الانتقام والحقد؛ فالقومُ لا يحملون من الإسلام إلا اسمه، وهم غافلون عن أبسطِ معانيه، وقد تركّزتِ الضلالةُ فيهم وأعمت بصائرهم وملأت قلوبهم حقدًا على أُناسٍ حملوا نورَ الإيمانِ والهدايةِ للبشرِ كافة، وفعلوا ما فعلوا بهم من أبشعِ أنواعِ القتلِ والترويع فكيف لهؤلاء القوم أنْ يتوّلوا أمورَ المسلمين؟!
وهنا بدأ دورُ الإمام، فخط منهجه الإصلاحي للأمّة، من خلالِ أسلوب البكاء والحزن على أبيه، مُذكّرا الأمة بشنيعِ فعلتِها بسبطِ الرسول (صلى الله عليه وآله) كل حين، ومُبرزا دورَ الإمامِ الحسين (عليه السلام) وتضحياته في سبيلِ حفظِ الدين والعودةِ إلى الطريق المستقيم، بعد أنْ تاهتِ الأمّةُ في طريقِ الضلالةِ وحُبِ المال والسلطة، وانتهجتِ الفسادَ والظلمَ والجورَ مُتمثلًا بتوليةِ يزيد الفاسق أمر الأمّة، متناسيةً دورَ أهل بيت العصمة في هدايةِ الناس ونشرِ تعاليمِ الدين الحنيف.


كما اتبعَ الإمام (عليه السلام) أسلوبَ الدعاءِ والتضرعِ إلى اللهِ (تعالى) بالتوبةِ والاستغفارِ حيثُ إنّ استخدامَ الإمامِ لأسلوبِ الدعاءِ والتوسلِ لله (تعالى)، وذلك الانكسار لله (تعالى) يقتل فيهم روحَ التكبّر والطغيان، ويُحطِّمُ الأنا المريضة الموجودة بداخلِ نفوسِهم وخاصةً المُتكبرين منهم والذين عاثوا في الأرضِ فسادًا.
ولقد كانت للإمام ثفناتُ برزت في مواضعِ سجودِه حتى عُرِفَ بها حيثُ لُقِّبَ بـ(ذي الثفنات)، والثفنةُ هي الموضعُ الغليظُ من رُكبةِ البعير الذي يغلظُ عندما يبركُ عليه، فصارت مواضعُ السجودِ لدى الإمامِ كثفنةِ البعيرِ من كثرةِ سجودِه، حتى أصبحت له علامة دالة، ومن رآها تذكر مدى انحراف وضلال الضالين والمُضلين والمستكبرين على الله (تعالى) لمرض نفوسهم، وتكبرها عن الطاعة لله (سبحانه) والتذلل إليه والسجود له. وكانت عبادتُه وتقواه وزهدُه مثالًا يُقتدى به، حتى لُقِّبَ بزين العابدين وسيد الساجدين.

لقد كان أسلوبُ الإمام الإصلاحي ثورةً إصلاحيةً هادئةً، تُخاطبُ القلوبَ والعقولَ بالرغم من كونِه كانَ مُحاصرا بالتشديدِ والمُراقبةِ من قبلِ بني أُمية. وكانتِ الحوراءُ السيدة زينبُ (عليها السلام) صوتَه الإعلامي المؤثر في العودة إلى الله (تعالى)، وتأليب الأوضاعِ على الطغاة الفاسدين.
كما عَمِدَ الإمامُ علي (عليه السلام) إلى التمويهِ على السلطة الحاكمة، وتفنّن في طريقةِ الدعوةِ إلى الله (سبحانه وتعالى)، فمن ضمنِ ما كان يقومُ به الإمامُ (عليه السلام) هو شراء العبيدِ وتملكهم وتعليمهم أصولَ الدينِ وأحكامه، وتنوير عقولِهم بنورِ العلمِ والمعرفة بالأحكام الشرعية، وتقوية العقيدةِ بالله، ومن ثم عتقهم في سبيلِ الله (تعالى)؛ ليكونَ كلُ واحدٍ منهم شمعةً في طريقِ الله (تعالى)، ومنهجا يهتدي به من يهدي الله قلبه للإيمان.
كما أبدعَ الإمامُ عليُ بن الإمام الحسين (عليه السلام) في تحديدِ الحقوقِ التي على الإنسان تجاه ربِّه، ونفسِه، وغيره، فاختطَّ رسالةَ الحقوقِ المروية عنه، ونقشَ صحيفتَه التي عُرِفت باسم (الصحيفة السجادية) والتي عُرِفت فيما بعد بـ(زبور آلِ محمد)، فخطَّ فيها فصاحةَ الألفاظِ وبلاغةَ المعاني وعلوَ المضامين في التذلُّلِ لله (تعالى)، وأسلوبًا عجيبًا في طلبِ عفوِه، والتوسلِ له بألوانِ الدعاء والتضرع؛ ليبينَ للأمّةِ طريقَ العودةِ إلى اللهِ تعالى، فاقتلعَ من قلوبِهم ما نما من أشواكِ الضلالةِ وفرشَها بنورِ البصيرةِ، وزرعَ بذورَ العقيدةِ الحقّة، وسقاها بنورِ العلمِ والمعرفةِ.


لقد منحَ الإمامُ أدعيتَه بُعدا اجتماعيًا بالإضافةِ إلى بُعدِها العبادي، بُعداً يتلاءم مع مسارِ الحركةِ الإصلاحية التي قادها في ظروفٍ صعبةٍ، واستطاع أنْ يؤسسَ مدرسةً إلهيةً تُعلِّمُ الأمّةَ المفاهيمَ الإسلامية الأصيلة، بأسلوبٍ مُبتكرٍ في إيصالِ ما يُريدُه الله تعالى إلى القلوب الظمآى، فكانت أنموذجًا تربويًا فريدًا من نوعِه أسّسه الإمامُ (عليه السلام) مُستلهمًا ذلك من سيرةِ جدِّه المصطفى (صلى الله عليه وآله).


إنَّ منهجَ الإمامِ قد حفظَ للدينِ رونقَه وبهاءه، فصار للعبادةِ طابعٌ روحيٌ، يسمو بالنفسِ الإنسانيةِ، نحو الكمالِ الذي يُريدُه اللهُ (تعالى) لها.
فالأولى بنا -نحنُ مُحبي الإمامِ وشيعتِه ومواليه- أنْ ننتهجَ نهجَ الإمامِ الإصلاحي في إصلاحِ نفوسِنا وذوينا بالدعوةِ إلى الله (تعالى)، والتقرُّبِ إليه بالدعاء والتوسل لأنْ يُخلِّصَنا من شرورِ أنفسِنا الأمّارةِ بالسوء، وأنْ يوفقَنا لنيلِ مرضاةِ الله (تعالى) والسيرِ على نهجِه القويم، متمسكين بأهلِ بيت العصمةِ والدين محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الطيبين الطاهرين، والحمدُ لله ربِّ العالمين

عندما نلتقي بهذا الإمام، فإننا نجده يمثّل القمَّة في روحانيّته؛ في عبادته لله تعالى وذوبانه فيه وحبّه له، وعندما نقرأ أدعيته المتنوّعة، فإننا نجده يناجي الله سبحانه وتعالى، ليخطِّط للإنسان في مناجاته لربّه، كيف ينفتح إيمانه بربه على كلِّ معاني السمو والصفاء والخير، وكيف يريد للإنسان أن ينفتح في دعائه لله على كلِّ منهج الإسلام، فأنت عندما تقرأ أدعية الإمام زين العابدين (ع)، فإنك تشعر بأنه يتحدث مع الله تعالى ليعيش الإسلام كلّه في دعائه، في كلّ مفاهيمه وبرامجه الأخلاقية، وكل انطلاقته الروحية، حتى إنك تشعر عندما تدخل في أدعيته، بأنك تدخل مدرسة إسلامية ثقافية روحية عرفانية حركية، فتمتلئ في دعائك بالله، وتمتلئ في دعائك بالحياة كلّها في خطّ الإسلام.

وبذلك أعطانا الإمام زين العابدين (عليه السلام) منهجاً جديداً في أن نعيش مع الله تعالى كلَّ تطلعاتنا الثقافية الإسلامية، وكل انفتاحاتنا الروحية، حتى لا يبتعد الإنسان عن الحياة عندما ينطلق مع الله تعالى.

ثم عندما ندخل إلى عمق حياة هذا الإمام، فإننا نجد أنه عاش مع أبيه الحسين (عليه السلام) وكلّ الصفوة الطيبة من أهل بيته وأصحابه كلَّ عاشوراء، فقد عاش عاشوراء الرسالة في كلِّ ما طرحه الإمام الحسين (عليه السلام) من خطوط الرسالة في حركة الواقع الذي أراد أن يغيّره، وفي كل عناوين الرسالة في كل ما أراد الحسين (عليه السلام) أن يحمله، ليرتفع به إلى الله، وليؤكّد إنسانية الإنسان في مسألة العزّة والكرامة والحركة في خطّ التحدّي للظالمين. وعاش الإمام زين العابدين (عليه السلام) كربلاء في كلِّ فصول المأساة التي لا مأساة تتجاوزها؛ عاش مأساة الطّفل الرّضيع وهو يُذبح، والشّباب المجاهد وهو يسقط في ساحة الجهاد، والشيخ الكبير التسعيني وهو يُستشهد، وعاش المأساة في كلِّ مواقع النساء في حزنهنّ وصبرهن وشجاعتهن، وفي كلّ القيم، وكان مع مرضه يتابع ذلك كلّه، ويجمع ذلك كلّه في وعيه، من دون أن يسقط، ومن دون أن يتجاوز المأساة، ومن دون أن يعيش بعيداً عنها.

وهكذا كان الإمام (عليه السلام) في موقفه من الطغاة في الكوفة والشّام، في موقع القمة في شجاعة الموقف، وفي موقع التحدي. ولذلك، فإننا عندما ندرس زين العابدين (عليه السلام)، نرفض هذه الصورة التي يقدّمها الكثيرون من قرّاء العزاء، لنتصوّره ذليلاً منهاراً باكياً، لأننا عندما نقرأ موقفه من ابن زياد ويزيد، نجد قمّة الصمود والشجاعة والعزة والكرامة. مشكلتنا مع الكثيرين هي أنهم يريدون منّا أن تستنـزف دموعنا، لا أن تكبر عقولنا وينفتح وعينا على الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام).

وعاش المأساة بكلِّ أبعادها، ولكنَّها لم تمنعه، عندما رجع إلى المدينة، من أن يكون المدرسة التي التقى عندها الكثيرون من العلماء الذين قادوا الحركة الثقافية الإسلامية، فكانوا يأخذون من علمه، حتى ذكر بعض الذين كتبوا سيرته، أنه روى عنه الفقهاء من العلوم ما لا يُحصى كثرةً، وحُفظ عنه من المواعظ والأدعية وفضائل القرآن والحلال والحرام والمغازي والأيام ما هو مشهور بين العلماء. لم تمنعه ذكرياته عن المأساة العظيمة من أن يتحرك برسالته من خلال مسؤوليته في إمامته، فملأ الحياة الإسلامية علماً وروحاً وروحانيةً وحركةً، حتى اعتبره بعض الباحثين أستاذ المرحلة الثقافية الإسلامية في تلك المسألة.

كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) ينفتح في حياته كلّها على التوعية العامة للناس، من خلال موقع القدوة الأخلاقية الرائعة التي ترتفع وتسمو حتى تصل إلى مستوى القمة، فالمؤرخون يكتبون في تاريخه، أنَّ المدينة عندما انقلبت على يزيد وحاربت الأمويين، وكان من الأمويين في المدينة مروان بن الحكم؛ هذا الإنسان الحاقد على أهل البيت (عليه السلام)، والذي قال لوالي المدينة إنّ “عليك أن لا تسمح للحسين من الخروج إلاّ بعد أن يبايع، وإلّا فاضرب عنقه”، وكان لديه عائلة كبرى من أولاده وأحفاده وأحفاد أولاده يقدّرون بأربعمائة امرأة وطفل، وكان حائراً أين يضعهم بعد أن يهرب من المدينة تحت ضغط الجماهير، ولم يقبل أحد من وجهاء المدينة أن يجير بناته وأولاده، وجاء إلى عليّ بن الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو الثّاكل الذي قتل الأمويّون أباه وإخوانه وأعمامه وأهل بيته وأصحاب أبيه، جاء إليه يستجيره، وأهل البيت (عليه السلام) فوق الحقد وفوق المأساة، فقال (عليه السلام) له: «إبعث بعيالك إلى عيالي»، وقالت بعض بناته: «ما وجدنا من الإحسان والرعاية في بيت أبينا ما وجدناه في بيت علي بن الحسين»، ويقول الشاعر وهو يبيّن الفارق بين أهل البيت (عليه السلام) وبين غيرهم من هذه النماذج من الناس:

ملكنا فكان العفو منا سجيّةً فلمَّا ملكتم سال بالدم أبطح

وحللتم قتل الأسارى وطالما غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفح

فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
وفي قصَّةٍ أخرى، كان هناك بعض ولاة الأمويين في المدينة، وكان هذا الوالي يسيء إلى الإمام عليّ بن الإمام الحسين (عليه السلام) إساءةً بالغةً، ومرّت الأيام، وعُزل هذا الوالي، وأمر الخليفة أن يُعرض أمام الناس ليأخذوا الحرية في شتمه وضربه، وكان هذا الوالي المعزول يفكِّر في ما يجري عليه من الإمام علي بن الإمام الحسين وأهل بيته، لأنه أساء إليهم بما لم يسىء إلى أحد، وكان الإمام (عليه السلام) في عالم آخر، إذ جمع أهل بيته وقال لهم: «لا تعرضوا له بسوء وأعطوه طيِّب الكلام»، ومرّ عليه الإمام (عليه السلام) وأهل بيته، وتحدّثوا عنه بأطيب الكلام، وقالوا له: إذا كانت عندك ديون أو أمور أخرى، فنحن مستعدّون لذلك، وكان هذا الرجل يقول: «الله أعلم حيث يجعل رسالته»، لأنه لم يجد من هذا السموّ والصدر الواسع والخلق العظيم ما وجده عند أهل البيت(عليه السلام).

وفي قصّةٍ أخرى، أنه مرّ عليه بعض أقربائه فشتمه، وكان أصحاب الإمام (عليه السلام) معه، فلمّا ذهب هذا الرجل، قال الإمام (عليه السلام) لمن حوله: «اذهبوا بنا إلى فلان حتى تسمعوا منّي ردّي عليه»، فظنوا أنه يريد أن يواجهه بالعنف، قالوا: كنا نمشي مع الإمام (عليه السلام) وهو يقول: {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحبّ المحسنين}، وعندما وصل إلى داره، خرج الرجل متوثّباً للشر، فقال لـه الإمام زين العابدين (عليه السلام): «يا أخي، إنك كنت قد وقفت عليّ آنفاً فقلت وقلت، فإن كنت قلت ما فيّ فأستغفر الله منه، وإن كنت قلت ما ليس فيّ فغفر الله لك»، فاهتزَّ هذا الرجل وقال: لقد أخطأت معك، والله أعلم حيث يجعل رسالته.

كان (عليه السلام) يملأ الحياة علماً وروحانية وأخلاقاً، وكان يقول لبعض أصحابه عندما رآه وهو يبكي من خشية الله: جدَّك رسول الله وأمير المؤمنين، وجدتك السيدة الزهراء، وعمك الحسن وأبوك الحسين، فقال (عليه السلام) له: «دع عنك ذكر أبي وجدي، خلق الله الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيّداً قرشياً». كان يريد أن يركّز أنّ الإسلام لا يؤكد على النسب حتى في النسب العظيم، بل على العمل: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}، كما كان يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «إنّ وليّ محمد من أطاع الله وإن بعدت لحمته، وإنّ عدوّ محمد من عصى الله وإن قربت قرابته»، ثم تلا قوله تعالى: {إنّ أولى الناس بإبراهيم للذين اتّبعوه}. إنَّ الأئمة (عليه السلام) يؤكدون أن النسب لا يرفع صاحبه في مستوى القيمة، وإنما يرفعه إذا كان يحمل فضائل من انتسب إليه.

وكان الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) كوناً إنسانياً واسعاً، عاش الناس منه في وعي فتح عقولهم وقلوبهم، وإذا كان (عليه السلام) يبكي الإمام الحسين (عليه السلام)، فإنه كان يبكي لا جزعاً، لأنه الصّابر العظيم، بل لينبّه النّاس إلى مأساة عاشوراء، لتبقى ذكرى للذّاكرين، وعبرةً للمعتبرين، ووعياً لمن يريدُ الوعي. كان (عليه السلام) يخطط لتبقى عاشوراء في مدى الزمن، ولتختلط فيها الرسالة بالعاطفة، فتنطلق العاطفة لتعمّق الرسالة في وجدان الناس. وهكذا كان الإمام زين العابدين (عليه السلام) هو أوَّل من خطَّط لانطلاقة هذه الذكرى التي نعيش بركاتها في هذه الأيام.

وقد كان يتحدَّث مع النَّاس أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر، وكان يقول: «التّارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالنّابذ كتاب الله وراء ظهره». وكان (عليه السلام) يذكّر الناس بالخطِّ الإسلامي الأخلاقي: «إذا كان يوم القيامة، نادى منادٍ: ليقم أهل الفضل؟ فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقّاهم الملائكة فيقولون: ما فضلكم؟ فيقولون: كنا إذا جُهل علينا حلمنا، وإذا ظُلمنا صبرنا، وإذا أُسيء إلينا عفونا، فيقولون: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ثم ينادي منادٍ: ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقّاهم الملائكة، فيقولون: ما كان صبركم؟ فيقولون: صبّرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرنا عن معاصي الله، فيقولون لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين.

ثم ينادي منادٍ: ليقم جيران الله، فيقوم ناس من الناس وهم قليل، فيقال لهم انطلقوا إلى الجنة، فتتلقّاهم الملائكة، فيقال لهم: بم جاورتم الله في داره؟ فيقولون: كنا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتباذل في الله، فيقولون: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين”.

هذا هو درس الإمام زين العابدين (عليه السلام )، وكم له من دروسٍ لا بدَّ لنا أن نعيشها ونتعلّمها وننطلق في حياتنا لنحوِّلها إلى منهجٍ روحيّ أخلاقيّ، وسلام الله على زين العابدين، وعلى أبيه وعمه وجدّه وجدّته، وعلى رسول الله (ص الله عليه وسلم) ورحمة الله وبركاته”.

إن حياة الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين (عليهم السلام) وسيرته الطاهرة مليئة بمكارم الأخلاق وهي تشكل قسماً مهماً من بحر فضائله ومكارمه، فكان الإمام علي (عليه السلام) خير دليل وأسوة للإنسان الصالح، وأفضل نموذج لكل البشرية في طريق الخير والسعادة في الدنيا والآخرة.

يقول أحد الشعراء

من ذا يكافئ زهرة فواحة؟ أو من يثيب البلبل المترنما

ينبغي للإنسان بصورة عامة وللمسلم بصورة خاصة أن يكون كباقة الورد العطرة، وأن يخدم الإنسانية من دون أن يتوقع مكافأة الناس له، وأن يعمل خالصاً لله عزّ وجلّ، كما ورد في القرآن الكريم حكاية عن أهل البيت (عليهم السلام) حيث قالوا: ((إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً)).

وأن يحب الناس، وإذا ما أساء إليه شخص ما، فعليه بالعفو والإحسان، فإن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة الأطهار (عليهم السلام) كانوا كذلك، يغضون الطرف عن الذنب ويحسنون إلى المذنب.

وخلاصة القول على الإنسان أن يقابل الإساءة بالإحسان والشر بالخير، مما يعبر عنه في علم الأخلاق بـ (الملكات الإنسانية العالية) وهذه من مزايا مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).

إن المجرم في عالم اليوم إذا لم يلتزم بمنطق القوانين والمقررات، فإنهم سوف يجبرونه بالقوة من أجل المحافظة على حقوق الآخرين حتى لا يتجاوز حدوده ويتعدى على حقوق الآخرين.

أما في سيرة أهل البيت (عليهم السلام) الأخلاقية، فإن المجرم لا يُطرد ولاينفى، بل يجعل منه مؤمن صالح، حيث يسعون في هدايته بالحكمة والموعظة الحسنة ويستقبلونه بالوجه الطلق، مما يوجب هدايته إلى الطريق المستقيم والفطرة التي فطر الله الناس عليها.

فسياستهم (عليهم السلام) هي سياسة اللين واللاعنف والأخلاق الطيبة، أما سياسة العصا والسيف فإنها ليست من شيمهم، فلم يقوموا بالسيف إلا للدفاع عن النفس، فإن نبي الإسلام العظيم (صلى الله عليه وآله) وخليفته الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبتدئوا بحرب مطلقاً، بل كانوا دائماً وفي كل حروبهم في حالة الدفاع عن النفس وصد هجوم الكفار والمشركين، وحتى في تلك الحروب الدفاعية كانوا يجتنبون حد الإمكان عن القتل وإراقة الدماء.

نعم إنهم حملوا رسالة المحبة إلى العالم، وبينوا أن معالم دينهم قائمة على المحبة وكانوا يقابلون حتى أعدائهم بالمحبة والوئام.

وكان الإمام زين العابدين غصناً من أغصان هذه الشجرة النبوية العظيمة والمورقة دائماً والملقية بظلالها على رؤوس الخلق إلى أبد الآبدين.

وقد كانت أخلاقه الطيبة مدرسة للآجيال، وإليكم بعض النماذج من سلوكه الطاهر.

وفي هذا يحدثنا الإمام الصادق (عليه السلام) ويقول: «كان علي بن الحسين (عليه السلام) لا يسافر إلا مع رفقة لا يعرفونه ويشترط عليهم أن يكون من خدام الرفقة فيما يحتاجون إليه، فسافر مرة مع قوم فرآه رجل فعرفه، فقال لهم: أتدرون من هذا؟

فقالوا: لا.

قال: هذا علي بن الحسين (عليه السلام).

فوثبوا إليه فقبلوا يده ورجليه، وقالوا: يا ابن رسول الله أردت أن تصلينا نار جهنم لو بدرت إليك منا يد أو لسان أما كنا قد هلكنا إلى آخر الدهر، فما الذي يحملك على هذا.

فقال: إني كنت سافرت مرة مع قوم يعرفونني فأعطوني برسول الله (صلى الله عليه وآله) ما لا أستحق فإني أخاف أن تعطوني مثل ذلك فصار كتمان أمري أحب إلي»

هكذا أراد أن يخفي الإمام (عليه السلام) أمره تواضعاً فأبى الله إلا أن يظهره ويرفعه.

وأما مشيته (عليه السلام) فكانت السكينة والوقار فلا طيش ولا خفة ولاشموخ بالأنف، لأن الإنسان مهما بالغ في مشيته فسوف لن يخرق الأرض ولا يبلغ الجبال طولاً، قال أبو عبد الله الصادق (عليه السلام): «كان علي بن الحسين (صلوات الله عليه) يمشي مشية كأن على رأسه الطير لا يسبق يمينه شماله».

وفي تعامله مع من كان يؤذيه كان مصداقاً لقوله تعالى: ((ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)).

وقد كان هشام بن إسماعيل يؤذي علي بن الحسين (عليه السلام) في إمارته، فلما عزل أمر به الوليد أن يوقف للناس فقال: ما أخاف إلا من علي بن الحسين، وقد وقف عند دار مروان وكان علي بن الحسين (عليه السلام) قد تقدم إلى خاصته ألا يعرض له أحد منكم بكلمة، فلما مر ناداه هشام: الله أعلم حيث يجعل رسالاته.

وفي أحد الأيام مر الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) على بعض المجذومين وكان (عليه السلام) راكباً على حمار وهم يتغذون فدعوه إلى الغذاء فقال (عليه السلام): «إني صائم ولولا أني صائم لفعلت» فلما صار إلى منزله أمر بطعام فصنع وأمر أن يتنوقوا فيه ثم دعاهم فتغذوا عنده وتغذى معهم

سلوكه (عليه السلام) مع نفسه

إن الكثير من الناس يسير في حياته نحو الإفراط أو التفريط فتختل الموازين الاجتماعية والنفسية بذلك.

فهناك عابد جاهل، وآخر متعلم لا دين له..

وهناك غني بخيل، وفقير لا يملك شيئاً ولكنه كريم النفس..

مكانته الإمام علي زين العابدين (عليه السلام) الاجتماعية

وفي التاريخ: أنه حج هشام بن عبد الملك، فلم يقدر على الاستلام من الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه، وأطاف به أهل الشام، فبينما هو كذلك، إذ أقبل علي بن الحسين (عليه السلام)، وعليه إزار ورداء، من أحسن الناس وجها، وأطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة، كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف فإذا بلغ إلى موضع الحجر، تنحى الناس حتى يستلمه هيبة له، فقال: شامي من هذا يا أمير.

فقال: لا أعرفه لئلا يرغب فيه أهل الشام.

فقال الفرزدق ـ وكان حاضراً ـ: لكني أنا أعرفه.

فقال الشامي: من هو يا أبا فراس.

فأنشأ قصيدة:

يا ســـــائلي أين حل الجود والكـــرم عـــندي بيان إذا طلابـــــه قدمـــــوا
هـــــذا الذي تعرف البطحاء وطأتــه والبيت يعـرفه والحـــــل والحـــــرم
‏هذا ابن خـــــير عـــــباد الله كلــــهم هذا التقي النقي الطاهـــــر العــــــلم
هذا الذي أحمد المخـــــتار والــــــده صلى عليه إلهي ما جـــرى القـــــلم
‏لو يعلم الركن من قد جـــــاء يلثــمه لخر يلثم منه مـــا وطـــــي القـــــدم
هذا علي رســـــول الله والـــــــــــده أمست بنور هداه تهتدي الأمـــــــــم‏
هذا الذي عـــــمه الطيار جعـــــفـــر والمقتول حمزة ليث حــــبه قـــــسم‏
هذا ابن سيدة النســــوان فاطــــــمة وابن الوصي الذي فـــــي سيفه نقم‏
إذا رأته قريـــــش قـــــال قائـــــــلها إلى مكارم هذا ينتــــهي الكـــــــــرم‏
يكاد يمسكه عـــــرفان راحـــــــــــته ركن الحطيم إذا ما جاء يستـــــــــلم‏
وليس قولك من هــذا بضائــــــــــره العرب تعرف من أنـــــكرت والعـجم‏
ينمي إلى ذروة العز التي قصـــــرت عن نيلها عرب الإســلام والعـــــجم
يغضي حياء ويُغـــــضى من مهـابته فما يكلم إلا حــــــــــين يبتــــــــــسم‏
ينجاب نور الدجــــى عن نور غـرته كالشمس ينجاب عن إشراقها الظلم‏
بكفه خيزران ريـــــــحه عـــــــــــبق من كف أروع في عـــــرنينه شمــم‏
ما قال لا قط إلا فـــــي تشــــــــــهده لولا التشهد كانـــــت لاؤه نعـــــــــم‏
مشتقة من رســـــول الله نبعــــــــته طابت عناصره والخــــيم والشـــــيم‏
حمال أثقال أقوام إذا قـــــدحـــــــــوا حلو الشمائل تحلو عــنده نعــــــــــم‏
إن قال قال بما يهوى جميعــــــــــهم وإن تكلم يومــا زانـــــه الكــــــــــلم‏
هذا ابن فاطـــــمة إن كــــنت جاهـله بجده أنبــياء الله قـــــد ختــــــــــموا
الله فضـــــله قـــــدما وشرفـــــــــــه جرى بذاك له في لوحـه القــــــــــلم
‏من جده دان فضل الأنبـــــياء لــــــه وفضل أمته دانت لـــــها الأمــــــــم
عم البرية بالإحسان وانقـــشعــــــت عنها العماية والإملاق والظـــــــــلم‏
كلتا يديه غــــياث عـــــم نفعـــــهـما يستوكفان ولا يعـــــروهـــــما عــدم
‏سهل الخليفة لا تخشى بــــــــــوادره يزينه خصلتان الحــلم والكـــــــــرم
‏لا يخلف الوعـــــد ميـــــمونا نقـيبته رحب الفناء أريب حـــــين يعـــــترم
من معشر حبهم دين وبغــــضــــــهم كفر وقربهم منـــــجى ومعـــــــتصم‏
يستدفع السوء والبـــلوى بحــــــبهم
ويستزاد به الإحـــــسان والنعـــــــم
‏مقدم بعــد ذكـــــر الله ذكرهـــــــــــم في كـــــل فـــرض ومختوم به الكـلم
إن عـــــد أهــــل التقى كانوا أئمـتهم أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم
لا يستطيع جواد بعـــــد غـــــايــتـهم ولا يدانيهم قـــــوم وإن كرمــــــــوا
هم الغيوث إذا ما أزمة أزمـــــــــــت والأسد أسد الشرى والبأس محتـدم
يأبى لهم أن يحل الذم ساحتـــــــــهم ‏خيم كريم وأيد بالـــــندى هـــــــضـم
لا يقبض العسر بسطا من أكـــــفـهم سيان ذلك إن أثروا وإن عـــــــدموا
إن القبائل ليست فــي رقابهـــــــــــم لأولية هــــذا أو لــــــــــه نعــــــــــم
من يعـــــرف الله يعـــــرف أولـية ذا ‏فالدين من بيت هذا نالـــــه الأمـــــم
بيوتهم في قريش يستــضاء بــــــها في النائبات وعـــند الحلم إن حلمـوا
فجده من قريش فـــــي أرومـــــــتها محـــــمد وعـــــلي بعده عـــــــــــلم
‏بدر له شاهد والشعب من أحــــــــــد والخندقان ويوم الفتح قد عــــــلموا
وخيبر وحنين يشــــــهدان لـــــــــــه وفي قريظة يوم صـــــيلم قــــــــــتم
‏مواطن قد علت في كــــل نائــــــــبة على الصحابة لم أكتم كما كتــــــموا

‏فغضب هشام ومنع جائزته، وقال: ألا قلت فينا مثلها.

قال: هات جدا كجده، وأبا كأبيه، وأما كأمه، حتى أقول فيكم مثلها.

فحبسوه بعسفان بين مكة والمدينة، فبلغ ذلك علي بن الحسين (عليه السلام)، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، وقال: «أعذرنا يا أبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناك به».

فردها وقال: يا ابن رسول الله ما قلت الذي قلت، إلا غضبا لله ولرسوله، وما كنت لأرزأ عليه شيئا.

فردها إليه وقال: «بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأى الله مكانك وعلم نيتك» فقبلها.

فجعل الفرزدق يهجو هشاما وهو في الحبس، فكان مما هجاه به قوله:

أ يحبسني بين المدينة والــــتي إليها قلوب الناس تهوى منيبها

تقلب رأسا لم يكن رأس سيـــد

وعــــــينا له حولاء باد عيوبها

فأخبر هشام بذلك فأطلقه، وفي رواية أنه أخرجه إلى البصرة

هو الشاعر: إيليا أبو ماضي. وقال في قصيدته حول المحبة:

كن بلسماً إن صار دهـرك أرقـــــما وحلاوة إن صار غـــــيرك عــــلقما
إن الحياة حبـــتك كـــــل كنـــــوزها لا تبخلن عـــــلى الحياة ببعــض ما
أحسن وإن لم تجز حــــتى بالـــــثنا أي الجزاء الغيث يبــــغي إن هـما؟
من ذا يكافي زهرة فـــــوّاحــــــــة؟ أو من يثيب البلبل المتــــرنــــــما؟
لو لم تفح هذي وهذا مـــــا شـــدى عاشت مذممة وعـــــاش مذمـــــما
يا صاح خذ علم المحبة عـــــنــهما أني وجدت الحب عـــــلما قـــــــيماً
أيقظ شعورك بالمحبة إن غـــــــفى لولا شعور الناس كانوا كالــــــدمى
أحبب فيغدو الكوخ كوناً نــــــــــيّرا وأبغض فيمسي الكون سجناً مظلما

فضائله رضي الله تعالى عنه
ضرب الناس المثل في العلم و الحلم بزين العابدين علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه و كذلك في بره بوالديه و في عبادته رضي الله تعالى عنه

و يقول ابن عائشة : سمعت أهل المدينة يقولون ما فقدنا صدقة السر إلا بعد موت علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه

و قال محمد ابن إسحاق : كان الناس من اهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين معاشهم و مأكلهم فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كان يأتي ليلاً الى منازلهم فقد كان علي بن الحسين رضي الله تعالى عنه يحمل جراب الخبز على ظهره في الليل ليتصدق به

و عن حلمه رضي الله تعالى عنه ان الجارية سكبت له الماء ليتوضأ فسقط الابريق من يدها على وجهه فشجه و سال الدم فقالت : إن الله يقول “و الكاظمين الغيظ” فقال لها : قد كظمت غيظي
فقالت : و العافين عن الناس
فقال: عفا الله عنك
فقالت : و الله يحب المحسنين
فقال : أنت حرة لوجه الله

و في بر الوالدين فقد قيل له : “إنك أبر الناس بأمك و لسنا نراك تأكل معها في صفحة واحدة” فقال : “أخاف أن تسبق يدي إلى ما تسبق إليه عينها فأكون قد عققتها”

و عن إيمانه رضي الله تعالى عنه ان حريقا شب في بيته و هو ساجد يصلي فجعل من في البيت يصيحون : ” النار النار” فما رفع رضي الله تعالى عنه رأسه حتى اطفئ الحريق فقيل له : “أشعرت بالنار ؟” فقال : ألهتني عنها النار الكبرى

و عن حكمته رضي الله تعالى عنه فإن له الكثير من المقولات التي تنبض بالحكمة و منها “من قنع بما قسم له فهو أغنى الناس”
“الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين”

?سلام على الإمام زين العابدين علي السجاد بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب.. وعلى أبيه وجده والأئمة من ذريته.. عنوان الإسلام المتسامح.. إيمانا وعدالة.. سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.

بقلم إبن آل البيت
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون الشريف
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى