تقارير و تحقيقات

العنف في الأسرة المصرية.. الحلقة (5) سالم عبد الجليل لـ”اليوم”: ليس في الشريعة ضرب للتأديب.. والطلاق حل بديل عن العنف المفضي للقتل

أجرت الحوار:- مروة محي الدين

بعد التحقيق في قضية قتل الأزواج والزوجات على مدار ثلاث حلقات مضت من هذه السلسلة، نعود أدراجنا من حيث بدأنا في الحلقة الأولى إلى موضوع العنف الأسري العام، الذي يحمل بين طياته الكثير، إذ تحدثنا عن كثير من ملامحه وأسبابه وطرق علاجه في حوارنا مع الدكتورة (فادية أبو شهبة)، نعود لنفتح الحديث فيه مرة أخرى في هذه الحلقة لنعرف قول الدين في ملامح هذه الظاهرة في حوار مع فضيلة الشيخ الدكتور (سالم عبد الجليل) -عضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ووكيل وزارة الأوقاف سابقًا- بدأنا الحوار عما رفض توصيفه بالظاهرة..سألته عن حوادث العنف العام واختصصت منها حوادث القتل داخل نطاق الأسرة!!!

  •  فكان أول تعليق له عليها يختص بتوصيفها فقال: سمعت عن هذه الحوادث، وإذا أردنا أن نسميها نقول عنها جرائم بشعة، ففي مثل مجتمعاتنا المتدينة -حتى في غير المسلمين المجتمعات المسيحية تظهر التدين- لا ينبغي أن تظهر مثل هذه الجرائم، لما لا ينبغي أن تقع؟ لأننا المجتمعات الشرقية أهلها يكون عندهم قيم وأخلاق مهما كان حجم الضيق الذي يحدث داخل الأسرة من زوجتي أو من ابني أو بنتي، أنا أب لا ينبغي أن أتحول لوحش كاسر وأقتل أولادي، أنا زوج لا يجب أن أقتل زوجتي التي أعطاني إياها الله وأمرني بمعاملتها بالمعروف، أنا زوجة لا ينبغي أن أقتل زوجي الذي أمرني الله أن أطيعه بعد طاعتي لله وللنبي -صل الله عليه وسلم- وجعل جزاء هذه الطاعة دخول الجنة، أو أتعدى عليه بالسب والقذف والإهانة …إلخ.، أنا أب لا ينبغي أن أتحول من عاطفة الأبوة لوحش كاسر وأقتل ابني ، فهذه الجرائم نقول عليها جرائم مركبة، جرائم بشعة، جرائم غير إنسانية، جرائم يستحي الحيوان بفطرته أن يفعلها. 
  • إذا حضرتك تراها مخالفة للفطرة الإنسانية؟
  • بالطبع، كل الجرائم تسمى بمسماها، فشرب الخمر جريمة، و الزنا جريمة، و القتل في حد ذاته جريمة، جميعها جرائم غير مبررة إنما قد تقع من البشر، لكن هناك جرائم كما أنها ليست مبررة لا ينبغي لها أن تقع من البشر، فحينها نتكلم عن قتل الزوجة لزوجها أو قتل الزوج لزوجته أو الأب لابنه أو الابن لأمه هذه جرائم لا يمكن أن تحدث من بشر!، خاصة وأن لدينا أساليب للتأديب وهنا نخصص الحديث عن الزوجين، فإن لم تعجبني حياتي الزوجية يمكن اللجوء للطلاق، وهناك أساليب عدة غير أن يكون القتل  هو السبيل…
  • البعض يعلل وجود هذه الجرائم على ضغوط الحياة؟
  • هذا شيء غير متصور بالذات في حالة الأب والأم والابن والابنه، هل تعلمي يا بنيتي أن القرآن الكريم حينما تكلم عن الوصايا العشر في سورة الأنعام – التي هي مشتركة بين كل الأنبياء – (قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم) ها قد بدأ الحديث عن المحرمات فقال تعالى: (ألا تشركوا به شيئا) هذا محرم؛ وكان في تصورنا يفترض أن يقول بعدها – وأن تعقوا والديكم ويلحق بعقوق الوالدين عقوق الآباء للأبناء فكلاهما عقوق كوني لا أقوم بحق ابني هذا عقوق، فكان في تصوري البشري أن يقول سبحانه وتعالى -قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا وأن تعقوا والديكم- لكن الله لم يقل ذلك وإنما قال: ( وبالوالدين إحسانا)، وهنا كان تفكيري يقول: يا ربي سبحانك تتحدث عن المحرمات فتقول (وبالوالدين إحسانا)!!! فكان تفسير ذلك أنه من غير المتصور في المجتمع الإنساني أن يكون هناك عقوق، من الممكن أن يكون هناك تقصير في البر أو تقصير في الإحسان لكن لا يكون هناك عقوق، فلا يكون هناك إساءة أدب معهم، وبناء عليه نحن أمام جرائم لا ينبغي أن تحدث فطرةً مع ابن أو أخ أو أخت أو زوج أو زوجة …إلخ.

حل نهائي يمنع العنف:

القتل دائمًا منتج نهائي لمادة خام أوجدته فكرةً وسلوكًا، فدائمًا يكون العنف الأسري المادي والمعنوي حرضًا يخلق فكرة القتل في ذهن المتضرر، أو يوجده كنتيجة طبيعية لممارسة عنف مفرط ينهي إلى موت المجنى عليها أو دفاعها عن نفسها بأداة تؤدي إلى القتل، وهو ما أثار مسألة بدائل القتل في حالة العنف المفرط من واقع ماجاء في الشريعة الإسلامية، فكان السؤال لفضيلة الشيخ:   

  • كثير من جرائم قتل الزوجات لأزواجهن حدثت نتيجة لممارسة عنف شديد من الزوج تجاهها أولا، ما رأيك في ذلك؟
  • سأسأل سؤال هل هناك رجل تزوج زوجته ومنذ اليوم الأول ضربها ضرب مبرح فقتلته؟
  • لا
  • إذا نحن نتحدث عن ممارسة عنف متواصل لسنوات، فأين كانت أثناء تلك السنوات لما لم تشتكي.
  • الكثيرات منهن ذهبن لأهلهن فأعادوهن لأزواجهن بدعوى الحفاظ على الزوج والبيت والأولاد!!!
  • حسنًا تطلق أو تختلع.
  • كثيرات يخفن من الوصمة المجتمعية للمطلقة؟
  • الوصمة هذه كانت قديما أما الان فربما عدد المطلقات يتفوق على عدد المتزوجات، للأسف الطلاق أصبح ظاهرة في المجتمع، وصمة المطلقات هذه كانت قديما الآن أصبح هناك نوادي للمطلقات، وبالذات المرأة العاملة أصبح الطلاق بالنسبة لها أسهل من الزواج، فدعيني أؤكد أنه لا مبرر لهذه الجرائم…

لم يختتم كلامه فسرعان ما استطرد حديثه حول عدم وجود مبررات للسكوت حتى تقع الجريمة فقال:

  • فحتى مع وجود عوامل تساعد أكثر على وجود العنف المفضي للجريمة مثل: العنف المتبادل والعنف الموروث – أنني في منزل أهلى كنت أتعرض للضرب وأشاهده، لو أن كل امرأة من البداية لم تترك الأمور تتراكم وأخذت موقف سينتهي الأمر، فعلى سبيل المثال: (أنت ضربتني فلن أعيش معك، أنت ضربتني فأطلب الطلاق)، إنما أن تسكت على الضرب حتى يحدث القتل هذا مرفوض، فقد كان الهروب والطلاق حلول بديلة، واللجوء للقانون حل آخر، دون اللجوء لارتكاب جريمة فليس هناك مبرر للقتل، أما في حالة وجود مشاجرة انتهت بالقتل فهنا الله سيحاكم العباد وإذا أثبت المعنيين بالأمر ذلك فبالتأكيد العقوبة ستكون مخففة.

الحدود الشرعية للتأديب:

  • هل من خطاب لإيقاف وتيرة العنف المتزايد؟
  • هنا يمكن مخاطبة علماء الدين، بأن يخاطبوا الرجال بأنه ليس هناك ضرب أو عنف في الحياة الزوجية وأن أساس هذه الرابطة (وعاشروهن بالمعروف)، والرسول -صل الله عليه وسلم- قال: (خيركم خيركم لأهله)…، هنا قد تجد من يقول إن ربنا قال: (واضربوهن)، وعلى هذا الشخص يكون ردي: (أن الله ذكر المعاملة والمعاشرة بالمعروف في عشرات الآيات، وذكر الضرب في آية واحدة وفي حالة واحدة وفي صورة واحدة وهي ألا يترك أثر).

إذا علينا أن نقول ذلك ونعلمه، نعلم الناس أنه إذا ضرب رجل زوجته على يدها وترك علامة احمرار فقد أخطأ، وليس هناك في الشرع ضرب بالقلم أو ضرب بعصا لأنه ذلك شيء غير إنساني وغير آدمي وغير ديني ومخالف للفطرة بالمطلق وهذا ما ينبغي إذاعته، ويجب أن ننشر أن النبي -صل الله عليه وسلم- لم يضرب أحدًا قط إلا أن يكون مقاتلا في سبيل الله، فلم يضرب امرأة ولم يضرب غلام، تخيلي أن النبي -صل الله عليه وسلم- كان يخدمه غلام لعشر سنوات لم يعنفه يوما ولو بكلمة وهـذا خادم، فماذا عن الزوجة المكرمة المعززة، فكلمة زوجة في الإسلام أي المكملة لي، معذرة ولكن الرجل حين يلبس بدلته مثلا يجد لها أكمام يمين ويسار ولا يمكنه تحديد أيها أهم، وأي إنسان له يدان يمنى ويسرى لا يمكن الاستغناء عن أحدها كما له رجلين يمنى ويسرى لا يمكن أن يمشي على واحدة فقط، فهكذا المرأة والرجل في المجتمع لا يمكن لأحدهما أن يعيش بدون الآخر، يجب أن نعلم ذلك ونعلم أن أساس الحياة الزوجية هي المودة والرحمة وإلا فلا داعي لها، وهي ليست خادمة أوعاملة عندي هذا غير موجود في الشريعة.

  • فتحت في كلماتك الأخيرة موضوع “حدود التأديب” خاصة أنه في إحدى حوادث القتل الأخيرة ساهم هذا المفهوم في حدوث الجريمة؟
  • حدود التأديب للزوجة أو الولد أو غيره أن يكون ضربا لا يترك أثرًا، أتعلم أنك لو ضربت ابنك بخرطوم مثلا وترك علامة على جلده أصبحت آثم ولا أتحدث هنا عمن كسر رجله أو ذراعه، كذلك لدي قاعدة شرعية تقول: إذا ضرب الرجل زوجته فترك أثرا من حقها أن تقتص منه، فهذه الحدود وليس هناك تأديب بمثل هذه الوحشية التي نسمع بها أبدًا، وحتى هذا لا يجوز في ضرب التلميذ على يد أستاذه وقد رأينا محاكمة مدرسين لأنهم ضربوا تلاميذهم ضرب مبرح، وهذا يجب أن يشاع بين الزوجين ليس هناك شيء اسمه زوج يضرب زوجته، فإن ضربها على يدها مثلًا وترك علامة فهو آثم ويجب أن يحاكم وفيه قصاص.
  • كيف ينتهك العنف المفرط الميثاق الغليظ للحياة الزوجية؟ 
  • أولًا علينا أن نعرف أن الذي يرعى هذا الميثاق من فوق سبع سماوات هو الله سبحانه وتعالى، وأن الله في القرآن الكريم حينما تكلم عن خوف الشقاق والمشاكل بين الزوجين، وضع أربع إطارات:- 
  • الأول أن أعظها،
  • فإن لم تأت بالوعظ أهجرها – أعطيها ظهري وأهجر فراشها لتعلم أني غاضب منها،
  • فإن لم يأت الهجر بنتيجة، هنا جاء اضربوهن – الذي قال فيه النبي (صل الله عليه وسلم) أن يكون ضرب غير مبرح أي لا يترك أثر– وهذا الضرب له أثر وسبب وعلة وهو أن الضرب رمزية معناه أنه يخرج الموضوع من حجرة نومهم إلى الأهل فهو رمزية وليس تأديب، الذي يفهم أن الضرب تأديب خطأ، الضرب إشارة أو إضاءة ضوء أحمر أن الموضوع بيننا الذي كنا نعالجه في غرفة النوم بالوعظ والهجر والضربة الخفيفة بيدي على يدك أو بقلم جاف أو سواك على يدك تعني أنني سأخرج الموضوع لأهله وأهلك،
  • وهنا تأتي المرحلة الرابعة وهي في الآية الكريمة: (وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما)، فإن لم يجدي الإصلاح يكون الطلاق وليس هناك أكثر من ذلك هذا هو الإطار الذي وضعه الله،

ومن خلال هذا الإطار سيحدث شيئين: أولا: ستقل نسب الطلاق إذ أن الطلاق لا يأتي مباشرة فهناك مراحل الوعظ والهجر والضرب الخفيف والتحاكم قبله، ثانيا: نسب العنف ستقل جدا أو ستتلاشى بمعنى أدق، فلن يكون هناك عنف لأن حتى الضرب نفسه لن يكون عنفًا.

  • للتوضيح: هل الضرب الخفيف إنذار أن الزوج من ينقله للأهل أم من أجل أن تشكو الزوجة لأهلها فيحدث التدخل؟
  • لا يا فندم هذه الضربة لم تؤثر في شيء لتشتكي، لنتخيل موقف زوج وكز زوجته بضربة خفيفة على يدها لم تترك علامة، هنا لا يمكن أن تشتكي لأن الرد عليها سيكون أنه يدللها، وإنما هذه رسالة من الزوج لها أنه سيشكوها لأهلها ويدخلهم في الأمر، لأن المقصود هنا الإنذار وليس الإيلام، والمتوقع من أي امرأة عاقلة أن يكون ردها الاعتذار ولملمة الموقف، بينما لو أرادت تطوير الموضوع يكون جمع حكم من أهله وحكم من أهلها، ويكون الاحتكام والتفاهم بشكل ودي لين، وإذا حدث الطلاق يكون أيضا بشيء من الرفق والأدب، لأن القاعدة هنا (فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)، بمعنى إن كان للمرأة خمسة قروش في ذمة الرجل لا يعطيهم لها اثنان بل يقول لها خذيهم ستة، فيسير المجتمع بود حتى لو نحن اثنان مطلقين وتقابلنا في الشارع يلقي كلا منا التحية للآخر، وإن كان بيننا أولاد يسعى كل منا لتربيتهم وإصلاحهم ويتحدث كل منا عن الأخر أمام الأولاد بالمعروف، فلا يكون الأولاد مادة ضغط وخلاف.
  • لكن المجتمع المصري كله يرى أن تدخل الأهل يشعل الموقف أكثر؟
  • يا فندم القرآن قال (حكمًا)، أي أدخلوا شخص واحد فقط يكون حكيم، وليس ما يحدث اليوم بأن نحكي للعالم كله، وقد نجدهم اليوم يحكون أمورهم الشخصية لزملائهم في العمل قبل أهلهم، فالتحاكم للأهل هنا من أبواب سد الطريق على الطلاق وإصلاح الأسرة لأن الله سبحانه وتعالى قال: ( إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما).
  • هل يمكن أن يكون هذا الحكم طبيب أو مرشد نفسي يصلح بينهما بعلمه؟
  • هذا شيء رائع لو حدث، وهذا الإصلاح عين ما نشده القرآن، لكن الحكم من الأفضل أن يكون من أهلهم ليكون حريصا عليهما، وقد حدث في إحدى المشكلات التي جاءتنا أن آفسد المرشد النفسي على المرأة زواجها حينما حرضها على الطلاق ليتزوجها هو. فالأهل هم الضمانة لصالح الزوجين، وأنا مع الإرشاد النفسي في إطار النصائح العامة بعيدا عن الخوض في التفاصيل التي قد تسبب مشكلات.

الإصلاح وتحجيم العنف في الشرع الحنيف:

  • كيف نحجم ظاهرة العنف في الأسرة بصفة عامة والقتل بصفة خاصة؟
  • أتفق معك أن العنف أصبح ظاهرة موجودة في كل بيت، لكن القتل موضوع وليس ظاهرة، والعنف متكرر جدا ومنتشر ولا يقتصر على الضرب فقط بل هناك العنف اللفظي، فالصوت العالي شيء كرية ومخيف ويُصَنَّف عنفًا، سواء من الرجل للمرأة أو من الأباء للأبناء أو من الأبناء للأباء، وهو شيء كثيرًا ما رأيته في الأسر المصرية،  وأيضًا هو درجة سيئة من العنف،

ولكي نحد منها يجب أن نعود لنتعلم أن هناك الصبر والسماحة وأن مهما بلغ سلوك الأبوين والعكس يجب أن نتحمل ويكون هناك الصبر لله سبحانه وتعالي و العفو، 

المرأة يجب أن تفهم أنها حينما تعامل زوجها بالحسنى يكافئها الله سبحانه وتعالي وليس البشر، وفي الحديث الصحيح 🙁 إذا صلت المرأة خمسها –الفرائض الخمس بدون سنن – وصامت شهرها وأدت زكاة مالها وحصنت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها ادخلي من أي أبواب الجنة شئت)، حسنا فلننشر هذا وننشر أنها تتحمل لله حتى وإن كان الرجل لا يستحق،

وننشر أيضًا بين الناس (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)، لو الرجل لم يتحمل مسئولياته وأضاع زوجته وأولاده، ولم يأت يوم القيامة بذنب غير هذا فهو كفيل بإدخاله نار جهنم، ننشر (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، إذا نشرنا ذلك بين الناس ستهدأ الأمور كثيرا. 

  • ألا ترى أن نشر هذه الثقافة في المجتمع يحتاج لكثير من الوقت كما أنه تأخر بعض الشيء؟
  • عن مسألة التأخير أقول لا لم تتأخر لأن المواد التعليمية والتثقيفية لا تجد من يسمعها، فمن واقع تجربتي الشخصية: أنا لدي قناة لا أهدف منها إلا التعليم والتثقيف، ومن خلالها يمكن أن تجدي أن مشاهدي الفيديوهات التعليمية والتثقيفية لا يتعدوا المئات، في حين أن الفيديوهات ذات المحتوى التافة تحصد مشاهدات بالملايين؛ فالإشكالية ليست في السكوت إنما في عدم إقبال الناس على سماعنا حتى في الوعظ، فالناس تبحث عمن يقول لهم إن قلتم (كذا) تأخذ ثواب (كذا)، وإن فعلت (كذا) يحميك من (كذا)، إنما أن تقول لهم: ( إعمل لأجل الله وسامح لأجل الله و أدي ما عليك لأجل الله سبحانه وتعالى، لا ترتشي لأن ذلك حرام، ولا تأكل الربا، ولا تفعل ذلك لأنه خطأ) لن تجدي من يسمعك، لأن الناس تريد أن تسمع أنك يمكن تفعل أي شيء حتى لو زنيت أو شربت الخمر ثم تدخل الجنة بقول (لا إله إلا الله)، بينما تجدهم عن عمد يعزفون عن سماع الأسلوب الذي فيه تعليم ومبادئ وحلال وحرام، فالمشكلة ليست فينا بل في الناس التي ترفض سماع أي شيء فيه تكليف، هم يريدون الهروب من مسئولية التكليف كأن نقول لفتاة لا يهم الحجاب ولا الصلاة فالله غفور رحيم.
  • ألا يوجد طريقة لتوسيع انتشار المحتوى التثقيفي والتعليمي بين الناس بدلا من المحتوى التافة؟
  • أعتقد الإعلام المرئي هو من يجب عليه الاضطلاع بهذا الدور، لأن الناس في كل الأحوال تسمعه، فيمكن أن نضع المواد التثقيفية بين المواد المرئية الأعلى مشاهدة ما يوسع انتشارها أكثر، لأن الجمهور -في هذه الحالة- سيكون مجبر على مشاهدتها، حتى القنوات الدينية مشاهداتها أقل من مشاهدات القنوات العامة، ودائما ما كانوا يقولون لنا أن البرنامج الديني في القنوات العامة التي عليها برامج ومسلسلات وأخبار تكون مشاهداته أعلى من ذلك الموجود على قناة دينية متخصصة، لذلك كنا نتعمد عمل برامجنا على قناة عامة مثل برنامج (المسلمون يتسائلون) على قناة المحور -الذي حقق مشاهدات جيدة- لأن المشاهد قبله يشاهد شيئا يستهويه وبعده يشاهد شيء يستهويه فكان يشاهد البرنامج الديني معهم، إنما أن يذهب المشاهد للقناة الدينية برغبته هذا غالبا لا يحدث، ونحن في النهاية نؤدي ما علينا والله المستعان وما يهمني أن يؤدي كل منا دوره لنقابل الله يوم القيامة وقد أدى كل منا دوره دون تقصير، 

كذلك من المهم أن تقوم المدرسة بدورها في تربية الأطفال على عدم نهج السلوك العنيف، أقول (تربي) وليس (تقول)  فالتربية أهم وتتمثل في: معاملة الأستاذ لتلاميذه، ومعالجة العنف بين التلاميذ وبعضهم، وحتى في أسئلة الامتحان فأنا أستاذ جامعي ليس من مهام وظيفتي تعنيف الطالب من خلال أسئلتي ولا تعنيف الطالب أثناء وجوده في محاضرتي… كل هذه صور للعنف، فالحل دائما يكون في التعليم ثم التعليم ثم التعليم ويكون معه المنبر الذي هو صورة للترغيب والترهيب حتى يكون هناك نوع من الانسجام والتوازن.

انتهى الحوار مع فضيلة الشيخ الدكتور (سالم عبد الجليل)، لكنه لم يختم حديثه الذي امتلأ بأحكام الرفق في الحياة الزوجية دون أن يقدم نصيحة للناس كافة في كل الأسر فقال: “خذوا أعمالكم رسالة تبغون بها وجه الله سبحانه وتعالى، والتقرب إليه فلكل شاب أو فتاة أو امرأة يقبل على الزواج نقول: (خذها قربى لله سبحانه وتعالى)، ولا داعي أن أدخل الزواج كأنه شركه أبحث عما سأكسبه أو أخسره منها، فحينما ندخل الزواج لله سبحانه وتعالى يكون الصبر لله والشكر لله والخدمة لله -خدمة الزوج لزوجته والزوجة لزوجها- إن كان أمامي هذا الهدف سينصلح حال الدنيا”.

هكذا ختم فضيلة الشيخ حديثه، لكن حديثنا عن (العنف الأسري) على موقع “اليوم” يأتي ختامه في الحلقة القادمة من سلسلة (العنف في الأسرة المصرية 2020)، إذ نختمها برؤية علم النفس حول الموضوع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى