مقالات

في ذكرى استشهاده.. الإمام إدريس مؤسس دولة الأدارسة في قلب كل مغربي وكل مسلم ما تعاقبت الأيام والليالي

قلم وصوت ومحام آل البيت
الكاتب المصري والمؤرخ الإسلامي
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد

في ذكرى استشهاد جدنا الإمام إدريس الأول مؤسس دولة الأدارسة بالمغرب حفيد سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين نبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا وقدوتنا واسوتنا وجدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم

والأدارِسة هي سلالة حكمت المغرب، أسّسها إدريس بن عبد الله الملقب بإدريس الأول (788-793م) بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء بنت الرسول محمد بن عبد الله، نجا بنفسه من المذبحة الرهيبة التي ارتكبها الجيش العباسي في موقعة فخ في مكة المكرمة، والتي أقامها العباسيون لأهل البيت سنة 786م وتوفى كثير من آل البيت فيها. فر إلى وليلي بالمغرب. تمت مبايعته قائدا وأميرا وإماما من طرف قبائل البربر في المنطقة. وسع حدود مملكته حتى بلغ تلمسان (789م). ثم بدأ في بناء فاس.
قام الخليفة العباسي هارون الرشيد بتدبير اغتياله سنة 793م. لادريس الأول (مولاي إدريس في المغرب) مكانة كبيرة بين المغاربة. ويعتبر ضريحه بالقرب من وليلي بزرهون ( أو مولاي إدريس زرهون اليوم) مزارا مشهورا.

لم يتمكن الإمام إدريس من تأسيس تلك الدولة التي خلَدت اسمَه في كتاب التاريخ، إلا بعد أن مرَّ برحلة هروبٍ دراماتيكية، كان يمكن أن يفقد فيها رأسَه في أية مرحلةٍ، لولا أن قيِضَ له رفيقٌ استثنائي في تلك الرحلة، هو خادمه الأمين راشد، والذي رافقه في تلك الرحلة، وخاض معه أهوالَها، وحفظ دولة مولاه إدريس في أوقاتٍ عصيبة.

شهد يوم التروية 8 ذي الحجة من عام 169هـ موقعة مأساوية غير متكافئة، دارت رحاها في منطقة فخّ قرب مكة المكرمة، بين قوات الدولة العباسية المتفوقة عددًا وعدة وبطشًا، وقوات أحد ثوار آل البيت وهو الحسين بن علي بن الحسن المثلث بن الإمام الحسن المثنى بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، والذي خرج ثأرًا لمظالم ومقاتل آل البيت في عهد أولاد عمومتهم العباسيين، الذين استأثروا بالثروة والسلطة، وبطشوا بخصومهم بلا هوادة.

لم يحمِل الحسين الثائر بن علي المذكور فحسب إسم عم أجداده الحسين بن علي رضي الله عنهما، شهيد كربلاء عام 61هـ، إنما حمل مصيره أيضًا، فكانت وقعة فخ بمثابة كربلاء جديدة لآل البيت وأنصارهم، استُشهد خلالها أكثر من مائة منهم، على رأسهم الحسين قائد الثورة، على مرأى ومسمع من آلاف الحجاج الذين تعمَّد الحسين الثورة في موسم حجهم، لعلّه يجد لدعوته أنصارًا كثر.

نجح بعض الثوار المنهزمين في الفرار من ساحة المقتلة، والاندساس بين قوافل الحجاج، فكانوا أكثر حظًا من آخرين اعتُقلوا، ونفذت فيهم السلطات العباسية حكم الإعدام. كان إدريس بن عبد الله أبرز هؤلاء الذين نجوا بصعوبة وفرُّوا من الحجاز في ذلك الوقت العصيب، مندسًّا في قوافل حجاج مصر والمغرب القافلة إلى بلادها. وكان يصحبه ويرعى شؤونه مولاه راشد، الذي أظهر ذكاء كبيرا في تلك الأوقات التي ترنح فيها مصيرهما على حافة الحياة والموت.

قام ابنه إدريس الثاني (793-828م) والذي تولى الإمامة منذ 804م، بجلب العديد من الحرفيين من الأندلس والقيروان، فبنى فاس وجعلها عاصمة الدولة، كما دعم وطائد الدولة. قام ابنه محمد بن إدريس الثاني (828-836م) عام 836م بتقسيم المملكة بين إخوته الثمانية (أو أكثر). كان لهذه الحركة تأثير سلبي على وحدة البلاد. بدأ بعدها مرحلة الحروب الداخلية بين الإخوة. منذ 932م وقع الأدارسة تحت سلطة الأمويين حكام الأندلس والذين قاموا لمرات عدة بشن حملات في المغرب لإبعاد الأدارسة عن السلطة.

بعد معارك ومفاوضات شاقة تمكنت جيوش الأمويين من القبض على آخر الأدارسة (الحسن الحجام) والذي استطاع لبعض الوقت من أن يستولي على منطقة الريف وشمال المغرب، قبض عليه سنة 974 م، وثم اقتياده أسيرا إلى قرطبة. توفي هناك سنة 985 م.

تفرعت عن الأدارسة سلالات عديدة حكمت بلدانا إسلامية عدة. أولها كان بنو حمود العلويون الذين حكموا في الجزيرة ومالقة (الأندلس). كما تولوا لبعض الوقت أمور الخلافة في قرطبة. ومن أحفاد الأدارسة الحموديون، عالم الجغرافيا أبي عبد الله المعروف بالشريف الإدريسي، فرع آخر من الأدارسة حكم جزءا من منطقة جازان في السعودية بين سنوات 1830-1943 م. آخر فروعهم كان السنوسيين حكام ليبيا والجبل الأخضر 1950-1969 م.

إن كلّ مغربي ومغربية، لهو مدِين لهذا الرجل المبارك ؛ بما أنه بنى له هذه الدولة العظيمة، ووضعَ أساساتها الإسلامية ، وحارب فيها كل أنواعِ الخرافةِ والبدع والطائفية والمذهبية، فجعل المذهبَ واحدا في الفِقه والعقيدة والسلوك، مذهب الإمام مالك بن أنس، إمام دارِ الهِجرة، فألزم بهِ الناس، ومن يزعُم أن مالكًا لم يكن له مذهب عقائدي فإنه لا يعرف مالكاً إمامَ دارِ الهجرة.

خطاب الإمام إدريس الأول لأهل المغرب

أما بعد :

فإنّي أدعوكم إلى كتابِ الله وسنّة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وإلى العدلِ في الرعية والقسم بالسويّة، ورفعِ المظالم، والأخذ بيدِ المظلوم، وإحياءِ السنَّة وإماتةِ البدعة، وإنفاذِ حكم الكتابِ على القريب والبعيد، واذكروا اللهَ في ملوكٍ غيروا، وللأمان خفروا، وعهد اللهِ وميثاقه نقضوا، ولبني بيتِه قتلوا، وأذكّركم اللهَ في أراملَ احتقرتْ، وحدودٍ عُطلت، وفي دماءٍ بغير حق سُفكت، فقد نبذوا الكتابَ والإسلام، فلم يبقَ من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآنِ إلا رسمه، واعلموا – عبادَ الله – أن مما أوجبَ اللهُ على أهلِ طاعته، المجاهَدةَ لأهلِ عداوتِه ومعصيتِه باليدِ وباللِّسان؛ فباللسانِ الدعاءُ إلى الله بالموعظةِ الحسنة والنَّصيحة، والحض على طاعة الله، والتوبة عن الذنوبِ بعد الإنابةِ والإقلاع، والنزوع عما يكرهه اللهَ، والتَّواصي بالحقِّ والصّدق، والصبر والرحمة والرفق، والتناهي عن معاصي اللهِ كلها، والتعليم والتقديم لمن استجاب للهِ ورسولِه حتى تنفذ بصائرهم وتكملَ، وتجتمعَ كلمتهم وتنتظم.

فإذا اجتمعَ منهم منْ يكون للفسادِ دافعا، وللظالمين مقاوما، وعلى البغي والعدوان قاهرا، أظهروا دعوتهم وندبوا العبادَ إلى طاعةِ ربهم، ودافعوا أهلَ الجور عن إرتكاب ما حرم اللهُ عليهم، وحالوا بينَ أهلِ المعاصي وبين العملِ بها، فإن في معصيةِ الله تلفا لمن ركبها، وإهلاكا لمن عمل بها.

ولا يؤيسنكم من علو الحق اضطهاده وقلة أنصاره، فإن فيما بدأ من وحدةِ النبي – صلى الله عليه وسلم- والأنبياءِ الداعين إلى الله قبلَه، وتكثيره إياهم بعد القلة، وإعزازهم بعد الذلةِ، دليلاً بينا وبرهانا واضحًا، قال الله – عزَّ وجل -: ﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ [آل عمران: 123]، وقال تعالى: ﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ﴾ [الحج: 40]،

فنصرَ الله نبيّه وكثر جندَه، وأظهر حزبَه، وأنجزَ وعدَه، جزاءً من اللهِ سبحانه، وثوابا لفضله وصبره وإيثاره طاعة ربه، ورأفتِه بعباده ورحمته، وحسنِ قيامه بالعدل والقسطِ في تربيتِهم، ومجاهدةِ أعدائهم وزهدِه فيهم، ورغبتِه فيما يريده اللهُ، ومواساتِه أصحابَه، وسعةِ أخلاقه، كما أدبه اللهُ وأمرَ العباد باتباعه، وسلوكِ سبيلِه، والاقتداء لهدايتِه واقتفاءِ أثره، فإذا فعلوا ذلك أنجز لهم ما وعدهم، كما قال – عز وجل -: ﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7].

وقال تعالى: ?وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ? [المائدة: 2].وقال: ?إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ? [النحل: 90].
وكما مدحهم وأثنى عليهم، كما يقول: ? كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ ? [آل عمران: 110].وقال عز وجل:? وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ? [التوبة: 71].وفرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأضافه إلى الإيمان والإقرار لمعرفته، وأمر بالجهاد عليه والدعاء إليه، قال تعالى: ?قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ?
[التوبة: 29].
وفرض قتال المعاندين على الحق والمعتدين عليه وعلى من آمن به وصدق بكتابه، حتى يعود إليه ويفيء، كما فرض قتال من كفر به وصد عنه حتى يؤمن به ويعترف بشرائعه، قال تعالى: ?وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ? [الحجرات: 9].

فهذا عهد الله إليكم وميثاقه عليكم، بالتعاون على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان، فرضا من الله واجبا، وحكما لازما، فأين عن الله تذهبون؟ وأنى توفكون؟.

وقد خانت جبابرة في الآفاق شرقا وغربا، وأظهروا الفساد وامتلأت الأرض ظلما وجورا، فليس للناس ملجأ ولا لهم عند أعدائهم حسن رجاء، فعسى أن تكونوا – معاشر إخواننا من البربر – اليد الحاصدة للظلم والجور، وأنصار الكتاب والسنة، القائمين بحق المظلومين، من ذرية النبيئين، فكونوا عند الله بمنزلة من جاهد مع المرسلين، ونصر الله مع النبيئين.

واعلموا معشر البربر أني أتيتكم وأنا المظلوم الملهوف، الطريد الشريد، الخائف الموتور الذي كثر واتره، وقل ناصره، وقتل إخوته، وأبوه وجده وأهله، فأجيبوا داعي الله، فقد دعاكم إلى الله، فإن الله عز وجل يقول: ?وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَولِيَاء? [الأحقاف: 32].

أعاذنا الله وإياكم من الضلال، وهدانا وإياكم إلى سبيل الرشاد.

وأنا إدريس بن عبد الله، بن الحسن، بن الحسن، بن علي بن أبي طالب – عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورسول الله وعلي بن أبي طالب جداي، وحمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار في الجنة عماي، وخديجة الصديقة وفاطمة بنت أسد الشفيقة جدتاي، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة بنت الحسين سيد ذراري النبيئين أمّاي، والحسن والحسين ابنا رسول الله صلى الله وسلم أبواي، ومحمد وإبراهيم ابنا عبد الله المهدي والزاكي أخواي.

هذه دعوتي العادلة غير الجائرة، فمن أجابني فله ما لي، وعليه ما علي، ومن أبا فحظه أخطاه، وسيرى ذلك عالم الغيب والشهادة، إني لم أسفك له دما ولا استحللت محرما ولا مالا، وأستشهدك يا أكبر الشاهدين، وأستشهد جبريل وميكائيل، أني أول من أجاب وأناب، فلبيك اللهم لبيك مزجي السحاب، وهازم الأحزاب، مسير الجيال سرابا بعد أن كانت صما صلابا، أسالك النصر لولد نبيك، إنك على كل شيء قدير، والسلام، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

فهذهِ خطبةٌ عظيمة تظهرُ لنا رجلاً عظيمًا يحمل رسالتَه العظيمةَ التي ورثها عن أجدادِه الكرام، وحَمَلها تدفعهُ الأقدار إلى أن غرسَها في منبت بعيد عن المدينةِ المنورة كل البعدِ، فتلقتها قبائلُ البربر الأوروبية بالترحيب، واستحقوا بذلك الثناءَ والشكر من كل مغربي ومن كل مسلم ما تعاقبت الأيام والليالي.

استشهاد الإمام إدريس الأول عليه السلام

لم يقبل الإمام إدريس الأول الذي بايعته قبائل أوربة، واتخذ من وليلي عاصمة لحكم الأدارسة، بالبقاء في الحدود المرسومة له، فقد دخل تلمسان عام 790 م، وبدأ يتطلع إلى غزو إفريقية (تونس)، بعد أن استقام له أمر المغرب، فغضب هارون الرشيد من هذا النفوذ المتعاظم لسلالة علي بن أبي طالب، فاتفق مع وزيره يحيى البرمكي على حيلة للتخلص من المولى ادريس، وتكلف بهذه المهمة سليمان بن جرير اليمني مولى المهدي المعروف بسليمان الشماخ، والذي كان رجل أدب وحكمة ، عرف ببيان لسانه وغزير اطلاعه، حيث التحق بالمغرب وتقرب من حاشية السلطان حتى أصبح أحد المقربين من المولى ادريس الأول.

وكان راشد، حاجب المولى ادريس، لا يثق بالشماخ، ولا يفارق السلطان أثناء حضوره، يقول الناصري في كتابه “الاستقصا في تاريخ المغرب الأقصى”: “شكل غياب راشد عن المولى إدريس ذات يوم لقضاء بعض حوائجه فرصة لا مثيل لها للشماخ، فدخل على إدريس وجلس بين يديه كما جرت عليه العادة وتحدثا مليا، وعرض الشماخ على المولى إدريس قارورة من طيب مسموم وقال له هذا طيب جلبته معي وهو من جيد الطيب فرأيت أن الإمام أولى به مني، فوضع القارورة بين يديه فشكره إدريس على جميل صنعه، وفتح القارورة واشتم ما فيها، فصعد السم إلى خياشيمه وانتهى إلى دماغه فسقط مغشيا عليه .

عقب فعلته لاذ الشماخ بالفرار فركب جوادا كان أعده لذلك سلفا، فتوجه على وجه السرعة قاصدا المشرق، وبعدما طال غياب المولى إدريس تفقدوا حاله، وإذا به مغشي عليه لا يتكلم ولا يعلم أحد ما به، وبدأت تروج فرضيات موته مسموما على يد الشماخ …

لم يدم الأمر طويلا بين استنشاق المولى ادريس للعطر المشرقي المسموم وبين وفاته، فقد وجده أحد أفراد الحاشية وهو ملقى أمام كرسيه على الأرض، كان السم قد وصل إلى خلايا الدماغ وشل حركته، وهكذا، وبعد مطاردة راشد للقاتل الذي تم ضبطه بوادي ملوية وشج رأسه وقطع يده لكنه أفلت بأعجوبة، عاد إلى القصر وشرع في إعداد جنازة المولى ادريس فصلى عليه وتم دفنه ثم جمع قادة البربر الموالين للدولة الإدريسية لبحث أمر الحكم بعد اغتيال الإمام، وكانت هذه الأحداث عام 177هـ.

وافق زعماء البربر على اقتراح راشد بانتظار أن تضع جارية الإمام التي تسرى بها حملَها، فإن كان ولدًا، أصبح إماما بعد أبيه، وأن يرعاه راشد حتى يبلغ ويدير الأمور بنفسه، وكان لراشد احترامٌ واسعٌ لدى الجميع لمكانته العظيمة لدى الإمام المغدور.

جاءت الأقدار بالخبر السعيد بعد أسابيع، ووضعت الجارية البربرية كنزة مولودا ذكرا، اعتبره كلُّ من شاهده نسخةً من أبيه، فأسماه راشد إدريسَ على اسم أبيه. إلى جانب مهام راشد في إدارة الدولة الفتية وترسيخ دعائمها في مناطق سيطرتها، ركَّز راشد على أخطر المهام الموكلة إليه، وهي حماية وتنشئة الطفل إدريس ليستطيع أن ينهض بالمهمة الخطيرة التي يُؤهَّل لها في سنوات حياته اللاحقة.

لم يكد الطفل إدريس يُتم عامه الثامن، حتى كان راشد قد أتمَّ تحفيظه القرآن الكريم كاملًا، ثم شرع في تعليمه العلوم الشرعية، واللغة العربية وآدابها، والشعر العربي، وتواريخ الأمم والملوك المختلفة، إلى جانب تعليمه مبادئ الفنون القتالية والرماية، وأصبح عامًا بعد عام أقرب من اللحظة التي يستطيعُ فيها أن يتولَّى شؤون نفسه، وقيادة الدولة التي أسَّسَها أبوه.

ويعتبر الإمام إدريس بن إدريس، هو المؤسس الثاني لدولة الأدارسة، فقد قويتْ الدولة في عهده كثيرًا، وانساب إليها الآلاف من المؤيدين من العرب والبربر، حتى ضاقت بهم العاصمة وليلي، فبنىَ عاصمةً جديدةً لدولته هي مدينة فاس التاريخية الشهيرة. وفي عام 202هـ، استضاف إدريس بن إدريس في فأس الآلاف من اللاجئين الأندلسيين من ثوار الرَّبَض الذين قمع حاكم الأندلس الحكم بن هشام الأموي ثورتهم، ودمرّ ربض قرطبة، ونفاهم منه. وشنَّ إدريس العديد من الحملات العسكرية القوية والتي ضمَّ خلالَها معظم أجزاء المغرب الأقصى إلى دولته، وأفسد محاولات الأغالبة ملوك تونس الموالين للعباسيين لاستهدافه ودولتِه، وتوفَّي عام 213هـ، ودولته تمتد من المحيط الأطلسي غربًا إلى الجزائر شرقًا.

قلم وصوت ومحام آل البيت
الكاتب المصري والمؤرخ الإسلامي
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون الشريف
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

قلم وصوت ومحام آل البيت
الكاتب المصري والمؤرخ الإسلامي
الشريف عبدالرحيم أبوالمكارم حماد
إبن السلطان محمد شمس الدين ابوهارون الشريف
الإدريسي الحسني العلوي الهاشمي القرشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى