مقالات

رامي الشاعر: التحديات الصهيونية في الإعلام الروسي

ردا على استفسارات وأسئلة وجهتها إليّ وكالة “بابل 24” هاتفيا، بشأن ما تناقلته وسائل الإعلام المختلفة حول مهاجمة أحد الإعلاميين الروس لمسؤولين في وزارة الخارجية الروسية، أود توضيح ما يلي:
تواجه روسيا تحديات صهيونية محمومة في محاولة لاختراق الأجهزة الإعلامية الروسية والتغلغل في مؤسساتها والتأثير على الرأي العام الروسي لصالح إسرائيل وسياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها ضد الفلسطينيين.
ولم يبدأ ذلك اليوم أو أمس، إنما هو تأثير مستمر ومحاولات مستميتة من جانب إعلاميين، معظمهم من أصول يهودية، أو يرتبطون بشكل أو بآخر بمنظمات صهيونية، لتصوير الدولة العبرية في صورة الحمل الوديع، الذي يواجه تحدياً وجودياً من جانب “إرهابيين فلسطينيين، يعلم الله لماذا يدافعون عن أرضهم ضد الاحتلال!”.
من بين ذلك ما ظهر مؤخراً من مقطع فيديو للإعلامي الروسي فلاديمير سولوفيوف، الذي ظهر مرتدياً الزي العسكري الروسي، متظاهراً بوطنية زائفة، بينما يعلن عن طرده ليهودي آخر يعمل بفريقه الإعلامي، يفغيني ساتانوفسكي، بسبب هجوم الأخير على نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، والمتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، وتطاوله حتى على نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري مدفيديف.
في رأيي المتواضع أنه يجب استبعاد سولوفيوف نفسه، لما يحيط به من شكوك بشأن وطنيته، فيما يحاول خداع الجمهور الروسي بدس السم في العسل، وتضليل الشعب الروسي على نحو ماكر للغاية، وإعطاء انطباع أن المقاومة الفلسطينية “تستخدم أساليب إرهابية”، و”تقتل الأطفال والنساء”، ومحاولاته للترويج لضرورة “تصنيف الشعب الفلسطيني بالإرهابي”، بل ودس أكاذيب من عينة أن “حماس قتلت مئات الفتحاويين، وقاتلت في سوريا ضد النظام” واتهام إيران وقطر بدعم وتمويل “الإرهابيين الفلسطينيين، وغيرها من الأكاذيب والافتراءات. وكل ذلك على القناة الروسية الرسمية الأولى.
تصب كل هذه التفاصيل التي يعمل عليها سولوفيوف وفريقه في تشويه الموقف الروسي الرسمي في دعم نضال الشعب الفلسطيني المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي، والطعن في ثبات هذا الموقف على عدم تصنيف حركة حماس كتنظيم إرهابي كما تريد تل أبيب وواشنطن. واقع الأمر أن هذا الـ “سولوفيوف” يقوم بنشاط إعلامي مناهض لسياسة روسيا وموقفها الرسمي، بل أذهب في القول إلى أن سولوفيوف، بما يقوم به، إنما ينضم إلى زمرة الطابور الخامس من الروس الهاربين، الذين يعملون ضد الدولة الروسية من منابر المعارضة الليبرالية في العواصم الغربية، وإلى جوقة العملاء الأجانب داخل روسيا.
لكن ما تفوه به ساتانوفسكي، حقيقة الأمر، تجاوز كل الخطوط الحمراء، لا سيما أنه يعرّف نفسه بوصفه “رئيس معهد الشرق الأوسط” في موسكو، ويزعم أنه معهد يخرّج عددا من الكوادر الذين يعملون عقب تخرجهم، وفقا له، في الخارجية الروسية، مدعياً أنه “مقرب للوزارة”، علماً بأن المعهد المذكور وهمي لا وجود له، حيث يستأجر ساتانوفسكي شقة من ثلاث غرف في موسكو، وأسس شركة تحمل عنوان “معهد الشرق الأوسط”، تدير أعماله لصالح إسرائيل، وتدافع عن سياسة إسرائيل الصهيونية.
من بين أعضاء فريق سولوفيوف كذلك من يدعى ياكوف كيدمي، وهو عميد سابق في جهاز الموساد الإسرائيلي، ويقدمه سولوفيوف بوصفه “سياسي مرموق”، وقد أشرف سابقا على تنظيم هجرة اليهود، وله فضيحة شهيرة بتهريب 150 طفل من روسيا عبر منظمة كان يترأسها، وحارب في الجيش الإسرائيلي أثناء حرب 1973. وهذا الأخير كثيراً ما تطاول على القادة الروس، السياسيين والعسكريين، وعلى الجيش الروسي، وعلى تكتيكاته واستراتيجيته في أوكرانيا تحديداً.
ومع اعتراف سولوفيوف المستمر والمستدام بيهوديته، حيث يصر دائماً على إطلاق عبارة “وأنا، بصفتي يهودي” بفخر واعتزاز شديدين، ولا غبار، إلا أن التعبير عن ذلك في معظم الحلقات، في ظل توتر واضح في العلاقات بين روسيا وإسرائيل بسبب العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا، يحمل رسائل معينة لشرائح بعينها، خاصة وأننا نلمح المكون اليهودي الجلي في صفوف المعارضة الهاربة إلى الغرب، ونرى بأم أعيننا التقارب الشديد والغزل غير العفيف بين أوكرانيا وإسرائيل.
أقول إن هذا الثلاثي سولوفيوف وتابعيه ساتانوفسكي وكيدمي قد أحدثوا اختراقات ملموسة في برامج ومواقع إعلامية مختلفة، من بينها القناة الروسية الرسمية الأولى، إلا أن أحداث غزة فضحت هؤلاء، حيث نزعوا أقنعتهم وكشفوا عن وجههم الحقيقي، ولا أبالغ بالقول إن المجتمع الروسي لم يفاجأ، بل كان ينتظر تلك اللحظة، حيث بدا لهم سولوفيوف متجولاً في لباس عسكري روسي في بعض مناطق الحدود الروسية الأوكرانية، وبينما يجري لقاءات مع العسكريين، يتصنع تلك الوطنية الزائفة للكذب والتضليل وكسب شعبية الروس وتعاطفهم معه، إلا أن دفاعه المستميت عن إسرائيل وسياساتها المتطرفة والعنصرية، وهي التي تساعد النظام الفاشي في كييف ضد روسيا، وإعلانه بشكل مباشر على التلفزيون الروسي عن استعداده للذهاب والحرب إلى جانب إسرائيل، كل هذا زاد من فقدان المجتمع الروسي الثقة به، وبكل أنشطته الإعلامية.
إن هذا الفريق الإعلامي المشبوه، والذي يعمل منذ ما لا يقل عن 20 عاماً على الساحة الإعلامية الروسية قد بذل جهداً معتبراً ليكون منبراً للدعاية الإسرائيلية الصهيونية في موسكو، في الوقت الذي كانت تجري فيه بالتوازي زيارات مكوكية لنتنياهو إلى موسكو، في محاولة مماثلة بائسة للتقارب من القيادة الروسية، لخداعها والتأثير على سياساتها الخارجية لصالح الصهيونية العالمية، إلا أن العملية العسكرية الروسية الخاصة بأوكرانيا ثم ما يجري اليوم على أرض فلسطين من أحداث دموية كشفت، بما لا يدع مجالاً للشك، هوية وتوجه ومسار هؤلاء، وأمام تأييد عالمي يكتسب زخماً واسعاً لنضال الشعب الفلسطيني، تقف هذه المحاولات اليائسة لخدمة الأهداف الأمريكية لعرقلة التحول إلى نظام التعددية القطبية، تحت لباس صهيوني، مفضوحةً تماماً ولا أمل لها.
تقول الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية، أنياس كالامار: “لقد أدى الحصار الإسرائيلي غير الشرعي لغزة، طيلة 16 عاما، إلى تحويلها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم. ويتعين على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن لتجنب تحويل غزة إلى مقبرة جماعية هائلة”.
ويبدو لي أن إرسال حاملتي الطائرات الأمريكية والأساطيل الأمريكية إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط دعماً لإسرائيل لا ولن يؤدي سوى إلى مزيد من التوتر، ولن يساهم في الدفاع عن أمن إسرائيل، التي نجحت خلال 75 عاماً في كسب كراهية محيطها العربي بكل براعة واقتدار، ولا أبالغ بالقول إن هذه الحاملات ربما تدمر عن بكرة أبيها، ولا أتصور قيام حرب عالمية ثالثة.
ومع ذلك، فإذا استمر التوتر الأمريكي الغربي الإسرائيلي، فإن ذلك سيدفع بقوى أخرى ترتبط مصالحها بالشرق الأوسط، ولن تقف صامتة بينما تدمر الحرب الإقليمية مصادر طاقتها وحياة شعوبها، وأي حرب إقليمية في المنطقة، وإشعال لبرميل البارود المحتقن، ستكون تداعياتها كارثية على إسرائيل بالدرجة الأولى، وقبل أي عواصم عربية أخرى. ويكفي أن نرى ذلك الطوفان الهادر من الاحتقان والغضب الشعبي في كافة البلدان العربية والعالم الإسلامي، والتضامن مع فلسطين، إضافة إلى الأسئلة المطروحة داخل إسرائيل، من جانب المستوطنين وبقية الشعب اليهودي الذي جاء لحياة رغدة ومرفهة في “واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط”، جاء ليعيش، ولم يأت ليموت. بدأت الأسئلة بشأن ما يجعل حكومة مثل حكومة نتنياهو الأكثر تطرفاً في تاريخ البلاد تعارض منح الشعب الفلسطيني حقه في العيش بدولته المستقلة، ويجعلها تزج بأبنائهم الإسرائيليين إلى الحرب، وتدفعهم إلى العيش في الملاجئ، وإيقاف عجلة الحياة. وأتصور أن ذلك من بين الأسباب الرئيسية لعدم اتخاذ قرار البدء بالعملية العسكرية البرية في غزة، لأن نتنياهو يعلم أن ذلك سيكون بمثابة انتحار سياسي له ولحكومته، والولايات المتحدة هي الأخرى، وبعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد بأسلحة أمريكية وغربية، وتخطيط وإعداد أمريكيين، لا تريد أن تعرض آلياتها العسكرية مجدداً للدمار والأضرار، ورفع مشاعر العداء العالمية ضدها.
إن الحل الوحيد المطروح لتسوية القضية الفلسطينية يمر عبر جهود دولية موحدة، يكون فيها للعالم العربي دور أساسي، بمشاركة روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة، والسبيل الوحيد لهذه التسوية هو العودة إلى طاولة المفاوضات، والارتكاز إلى قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وبالطبع إعلان قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، وبدون ذلك لا يمكن أن يتفق الفلسطينيون والإسرائيليون أبداً.
لقد بدأت غالبية العالم تتفهم أن ما يجري الآن في قطاع غزة والضفة الغربية هو إبادة جماعية، وتطهير عرقي ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وعقاب جماعي لشعب لا جريرة له سوى أنه يريد استرداد حقوقه الشرعية، بدأ العالم يدرك أنهم بصدد انتفاضة جديدة للشعب الفلسطيني كاملاً، وأن من يمارس جرائم الحرب والفصل العنصري والإرهابيين هم زعماء إسرائيل.
لن ينتهي التوتر الدولي إلا بقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى