مقالات

المحلل السياسي رامي الشاعر يكتب/ طوفان الأقصى هو إعلان قيام الدولة الفلسطينية وانتهاء الخلافات والانقسام الفلسطيني



اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يدعو إلى هدنة إنسانية فورية دائمة ومستدامة تفضي إلى وقف الأعمال العدائية وتوفير السلع والخدمات الأساسية للمدنيين في شتى أنحاء غزة فوراً وبدون عوائق.
جاء ذلك في إطار الدورة الاستثنائية الطارئة العاشرة للجمعية العامة التي حملت عنوان “الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأراضي الفلسطينية المحتلة”، وقد اعتمد ذلك القرار الملزم لمجلس الأمن، والمقدّم من المملكة الأردنية، نيابة عن المجموعة العربية وعدد من الدول الأخرى وبدعم من روسيا والصين، بأغلبية 120 عضواً ومعارضة 14 عضواً، وامتناع 45 عضواً عن التصويت.
يعني ذلك أن 14 دولة من دول العالم فقط أعلنت رفضها لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، فيما وافقت بقية دول العالم (165 دولة) على قيام تلك الدولة، وهي على قناعة تامة أن نزع فتيل الصراع في الشرق الأوسط لن يتم دون ذلك.
يأتي ذلك على خلفية بدء قوات الاحتلال الإسرائيلية تنفيذ هجمات برية محدودة في قطاع غزة، مع استمرار القصف الوحشي الإرهابي ضد شعبنا الفلسطيني، وتدمير البنى التحتية للمدن في القطاع الذي يرزح تحت حصار ظالم براً وبحراً وجواً لأكثر من 17 عاماً.
كما يأتي ذلك بالتزامن مع زيارة ممثلين لقيادة حركة المقاومة الإسلامية حماس إلى موسكو بطلب عاجل من الحركة.
أود التأكيد هنا بدايةً أن روسيا لا تصنّف حماس تنظيماً إرهابياً، كما يحلو للغرب أن يفعل، في محاولة منه لتبرير ازدواجية معاييره ووقوفه إلى جانب المعتدي على المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، كما لا تعتبر روسيا العملية العسكرية التي بدأتها حماس في 7 أكتوبر الجاري عملاً يندرج تحت بند العمليات الإرهابية، وإنما هي مقاومة ورد فعل منطقي للانتهاكات المستمرة للجيش الإسرائيلي والقمع والتمييز العنصري الذي تمارسه الدولة الإسرائيلية والخروقات التي يرتكبها المستوطنون الذين يحظون بمباركة ودعم أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية.
وقد استمعت إلى المسؤولين من قيادة “حماس”، وأكدوا لي ما كنت أتوقعه، وكتبت بشأنه في مقالات سابقة، بأن الفدائيين الذين شنوا الهجوم ضد العدو الإسرائيلي المحتل لا يمكن أن يقوموا بقتل النساء والأطفال والمسنين، وأن غالبية المشاركين في الاحتفال الموسيقي، الذي صادف توقيته بدء عملية طوفان الأقصى، وتعرّض للهجوم أثناء العملية، كانوا ضحايا الاشتباك مع حراسات المستعمرة الإسرائيلية التي أقيم فيها الاحتفال، وكانت إصاباتهم بنيران العسكريين الإسرائيليين، عكس ما تحاول وسائل الإعلام الإسرائيلية والغربية تسويقه من أن الفدائيين الفلسطينيين قتلوا النساء والأطفال.
كان الوضع على الأرض، وفقا لمسؤولي المقاومة، عكس ذلك تماماً، حيث حاول مقاتلو حماس البواسل إنقاذ أكبر عدد منهم، وتم نقلهم إلى مناطق مختلفة في قطاع غزة، أما الضحايا، الذين زاد عددهم عن الألف في المستعمرات التي سيطرت عليها في حينها المجموعات الفدائية، فكانوا جميعاً قتلى القصف المدفعي لقوات الجيش الإسرائيلي بما في ذلك باستخدام الدبابات.
وقد أوضح لي وفد حماس أنه تم بالفعل اختراق حاجز الفصل العنصري والذي يعتبر كحاجز السجن المحيط بغزة كأكبر سجن مفتوح في التاريخ، يضم ما يربو على 2 مليون و300 ألف مواطن فلسطيني، وما أن تم اختراق الحاجز، فقد هرع أهل غزة وتجاوزوا الحاجز، وأسروا عددا من الإسرائيليين ومعظمهم من العسكريين، وأصبح من الصعب تحديد أماكن تواجد غالبية من تم نقلهم إلى عمق غزة، فيما تحاول حماس بالفعل التعرّف على أماكن تواجدهم، وتواجه مشكلة في ذلك، لأن الآلاف من أهالي غزة معتقلين في السجون الإسرائيلية منذ 17 عاماً، لذلك تأمل عائلاتهم إلى استبدال الأسرى لديهم بأبنائهم وأخوتهم وأخواتهم وأمهاتهم في السجون الإسرائيلية، ومن الصعب إقناع هؤلاء بمخالفة ذلك للمعايير والقوانين الإنسانية الدولية، في الوقت الذي تنتهك فيه إسرائيل تلك القوانين ليل نهار وعلى مدى 75 عاماً أمام مسمع ومرأى من العالم أجمع دون رادع أو رقيب أو حسيب.
لقد ناقشت مع قيادة حماس وضع شعبنا والحالة المعنوية التي وصل إليها جيل الشباب في غزة، ممن أصبحوا في وضع يتطلعون فيه إلى الاستشهاد كحل نموذجي لعدم القبول بهذا الاضطهاد والظلم والقمع والسجن.
لا أرى في الظروف الراهنة مخرجاً آخر سوى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وإطلاق سراح جميع الفلسطينيين في المعتقلات الإسرائيلية لنزع فتيل التوتر، وفي المقابل إطلاق سراح كل الأسرى الإسرائيليين لدى مواطني غزة، وأي محاولات أخرى، أو أي مغامرات جنونية أخرى ستكون نتيجتها المزيد من الضحايا والدمار، وستؤدي إلى امتداد ساحات المواجهة لتشمل الضفة الغربية، وربما لبنان ومصر والأردن، وستنشب بعدها حرب إقليمية واسعة النطاق، ناهيك عن الإضرار التي يمكن أن تلحق بالمصالح الإسرائيلية والأمريكية والغربية حول العالم جراء إيقاظ طابور غير معلوم من الذئاب المنفردة، التي ذاق العالم ولا يزال يتجرع مخاطرها المرعبة في أي مكان وكل مكان.
لهذا أكرر أنه من المستحيل بعد ما جرى، من رد فعل للمقاومة الفلسطينية على سنوات من القمع والتمييز العنصري والقتل وانتهاك القانون الدولي والاستيطان واحتلال مزيد من الأراضي، ومن رد فعل مجنون وغير مبرر ضد غزة رداً على رد الفعل الفلسطيني، من المستحيل أن يرضى الشعب الفلسطيني وقف انتفاضته هذه دون قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ويجب أن يستوعب الجميع أن الهدنة التي صوّتت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة هي هدنة إنسانية لمساعدة الأطفال والنساء والأطباء ولا يمكن أن تعدّ حلاً للأزمة. والمعركة اليوم لم تعد تخص حماس وحدها، بل أصبحت معركة الشعب الفلسطيني بأسره، وكل محاولات زرع الفتنة والشقاق بين الأخوة على الساحة الفلسطينية قد فشلت وستفشل. والشعب الفلسطيني موحد في انتفاضته لتحرير فلسطين، ولاستعادة حقوقه الشرعية في التمتع بدولته المستقلة، وأعتقد أن جميع قيادات التنظيمات الفلسطينية تشاركني الرأي بذلك، وأستطيع ومعي في ذلك كل فلسطيني أن أعلن أن الخلافات الفلسطينية قد انتهت اليوم، وأن الوحدة الفلسطينية قد استعيدت، والقيادة في غزة والضفة معاً تمثل كافة أطياف الشعب الفلسطيني، وبذلك فإن كل حجج واشنطن بعدم وجود قيادة فلسطينية تمثّل جميع الفلسطينيين للجلوس معها إلى طاولة المفاوضات قد انتفت وباتت غير مقبولة.
وطوفان الأقصى هو بداية انتفاضة شعبنا الفلسطيني وإعلان حرب شعبية فدائية لتحرير الأرض الفلسطينية والشعب الفلسطيني من براثن الاحتلال الإسرائيلي، وفك أسره من الاضطهاد والاعتقال والقمع والتعذيب الذي فرض عليه. إنها حرب الإجهاز على الاستيطان واسترداد الأراضي التي بنيت عليها المستعمرات الإسرائيلية، ويجب أن يعي كل مستوطن إسرائيلي، وغالبيتهم من مختلف مناطق العالم ويحملون جنسيات مختلفة، أنهم وقعوا في فخ خدعة خبيثة، حيث قامت الدولة الإسرائيلية الغاصبة بتسكينهم على حساب أراضي الدولة الفلسطينية، وهم ليسوا ضحايا الشعب الفلسطيني، وإنما هم ضحايا الدولة الإسرائيلية الغاشمة والمغتصبة.
وفي لقائها مع ممثلي الخارجية الروسية، طلب من حماس الافراج الفوري على كل المدنيين الذين تم اعتقالهم، وحصلت الخارجية الروسية على وعد من الحركة بالعمل على ذلك.
إن استقبال حماس في موسكو، ودعم روسيا والصين ومعهما أغلبية ساحقة من دول العالم للقضية الفلسطينية العادلة ولحق الشعب الفلسطيني في التمتع بدولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، هو بمثابة إعلان واضح وصريح، ليس فقط عن قيام تلك الدولة، وإنما إعلان لا لبس فيه عن دخول مرحلة جديدة في انحسار عالم الأحادية القطبية، وبزوغ عالم التعددية القطبية، الذي يكتسب فيه مصطلح “المجتمع الدولي” معنى أكثر عدالةً ومساواةً واستقلالاً للدول ذات السيادة، وتكتسب فيه الأمم المتحدة وميثاقها وزناً وتأثيراً وفعاليةً في مجريات السياسة الدولية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى